العبودية في الإسلام 23

سردار أحمد

كذبة التدرج في تحريم العبودية ج2:
في هذه الحلقة سأحاول الوقوف على آيتين وهما:
1- آية [البقرة:178]: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وسورة البقرة هي سورة مدنية، ترتيب نزولها (87) من أصل (114) سورة، وقد نزلت بعد الهجرة للمدينة، أي بعد نزول الوحي بأكثر من ثلاثة عشر عاماً.
2- آية [المائدة:45]: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، وهي السورة ذات الترتيب (112).
من خلال دراسة هاتين الآيتين وتفسيراتهما يمكنكم اكتشاف مدى كثرة التناقضات والتخبطات والمفاجآت الغريبة في القرآن والنهج الإسلامي.

التفسيرات (التخبطات والتناقضات والمناورات):
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ}: كُتِبَ عليكم: أي فرض عليكم، والقصاص: مقابلة الفعل بمثله مأخوذ من قص الأثر.
ورد في تفسير ابن كثير ج1 ب178 ص489: “أن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل، فكان بينهم قتل وجراحات، حتى قتلوا العبيد والنساء، فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا، فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال، فحلفوا ألا يرضوا حتى يقتل بالعبد منا الحر منهم، وبالمرأة منا الرجل منهم، فنزلت فيهم. {الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} منها منسوخة، نسختها {النفس بالنفس} [المائدة: 45]. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {والأنثى بالأنثى} وذلك أنهم لا يقتلون الرجل بالمرأة، ولكن يقتلون الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة فأنزل الله: النفس بالنفس والعين بالعين، فجعل الأحرار في القصاص سواء فيما بينهم من العمد رجالهم ونساؤهم في النفس، وفيما دون النفس، وجعل العبيد مستوين فيما بينهم من العمد في النفس وفيما دون النفس رجالهم ونساؤهم، وكذلك روي عن أبي مالك أنها منسوخة بقوله: {النفس بالنفس}”
ما سبق لا يعني أن الحر بالحر والعبد بالعبد منسوخة وأنه يمكن قتل الحر بالعبد كما يوحون وينافقون، بل المنسوخ هنا هو بخصوص المرأة والرجل إن كانا متساويين بالحرية أو العبودية، وإن الأحرار تتساوى دماؤهم والعبيد تتساوى دماؤهم، أي العبد بالعبد والحر بالحر.
تأكيداً على تلك العشوائية نجد في تفسير مقاتل، ج1 ص106: “فأنزل الله عز وجل: {الحر بِالْحُرِّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى}، فسوى بينهم في الدماء، وأمرهم بالعدل فرضوا، فصارت منسوخة نسختها الآية التي في المائدة قوله سبحانه: {وَكَتَبْنَا} فيما قضينا {عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ النفس بالنفس} [المائدة:45]، يعنى النفس المسلم الحر بالنفس، المسلم الحر، والمسلمة الحرة بالمسلمة الحرة…” لاحظوا الكلام العشوائي: (أمرهم لله لهم بالعدل فرضوا)، ثم يقول (صارت منسوخة)، ويتابع القول (يعنى النفس المسلم الحر بالنفس المسلم الحر).
وفي تفسير النيسابوري ج1 ب178 ص414: “إذا كان القصاص واقعا بين الحر والعبد وبين الذكر والأنثى فهناك لا يكتفي بالقصاص، بل لا بد من التراجع. فأيما حر قتل عبدا فقود به، فإن شاء موالي العبد أن يقتلوا الحر قتلوه بشرط أن يسقطوا قيمة العبد من دية الحر ويؤدوا إلى أولياء الحر بقية ديته، وإن قتل عبد حرا فهو به فإن شاء أولياء الحر قتلوا وأسقطوا قيمة العبد من دية الحر وأدوا بعد ذلك إلى أولياء الحر بقية ديته، وإن شاءوا أخذوا كل الدية وتركوا قتل العبد. وإن قتل رجل امرأة فهو بها قود، فإن شاء أولياء المرأة قتلوه وأدوا بعد ذلك نصف ديته إلى أوليائه، وإن شاءوا تركوا قتله وأخذوا ديتها وإذا قتلت امرأة رجلا فهي به قود، فإن شاء أولياء الرجل قتلوها وأخذوا نصف الدية، وإن شاءوا تركوها وأخذوا كل الدية.”
قيل في تفسير البغوي- ج1 ص189: “ثم بين المماثلة فقال: [{الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} وجملة الحكم فيه أنه إذا تكافأ الدمان من الأحرار المسلمين أو العبيد من المسلمين أو الأحرار من المعاهدين أو العبيد منهم قتل من كل صنف منهم الذكر إذا قتل بالذكر وبالأنثى، وتقتل الأنثى إذا قتلت بالأنثى وبالذكر، ولا يقتل مؤمن بكافر ولا حر بعبد، ولا والد بولد، ولا مسلم بذمي، ويقتل الذمي بالمسلم، والعبد بالحر، والولد بالوالد. هذا قول أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم.] اما مقولة “من قتل عبده قتلناه” فالمقصود بها العبد المعتق، وهي حتى بالنسبة للعبد المعتق غير قطعية وملزمة، لأنها لا تتناسب مع قاعدة وجوب القياس والتكافؤ قبل القصاص.
وورد في تفسير الرازي ج3 ص63: “…الذي عليه الأكثرون أن تلك الفائدة بيان إبطال ما كان عليه أهل الجاهلية على ما روينا في سبب نزول هذه الآية أنهم كانوا يقتلون بالعبد منهم الحر من قبيلة القاتل، ففائدة التخصيص زجرهم عن ذلك. واعلم أن للقائلين بالقول الأول أن يقولوا قوله تعالى: {كتب عليكم القصاص في القتلى} هذا يمنع من جواز قتل الحر بالعبد لأن القصاص عبارة عن المساواة، وقتل الحر بالعبد لم يحصل فيه رعاية المساواة لأنه زائد عليه في الشرف وفي أهلية القضاء والإمامة والشهادة فوجب أن لا يكون مشروعا”
وفي تفسير اللباب في علوم الكتاب، ج2 ص306: “وعليه الأكثرون: أن فائدته إبطال ما كان عليه الجاهلية من أنهم كانوا يقتلون بالعبد منهم الحر من قبيل القاتل، ففائدة التخصيص زجرهم عن ذلك، وللقائلين بالقول الأول: أن يقولوا: قوله تعالى: {كتب عليكم القصاص في القتلى} يمنع من جواز قتل الحر بالعبد، لأن القصاص عبارة عن المساواة، وقتل الحر بالعبد لم يحصل فيه رعاية المساواة، لأنه زائدة عليه في الشرف، وفي أهلية القضاء، والإمامة، والشهادة”
وفي اللباب في علوم الكتاب ج5 ص298: “قال أبو حنيفة [وأصحابه]: لا قصاص بين الأحرار والعبيد إلا [في] النفس، فيقتل الحر بالعبد كما يقتل العبد بالحر، ولا قصاص بينهما في الجراح والأعضاء، وأجمع العلماء على أن قوله – تعالى-: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا} لأنه لم يدخل فيه العبيد، وإنما أريد به: الأحرار؛ فكذلك قوله- عليه السلام: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم” أريد به الأحرار خاصة، والجمهور على ذلك، وإذا لم يكن قصاص بين العبيد والأحرار فيما دون النفس، فالنفس أحرى بذلك.”
وذُكِر في تفسير القرطبي ج5 ص314 أنه: “أجمع العلماء على أن قوله تعالى: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} أنه لم يدخل فيه العبيد، وإنما أريد به الأحرار دون العبيد؛ فكذلك قوله عليه السلام: “المسلمون تتكافأ دماؤهم” أريد به الأحرار خاصة. والجمهور على ذلك وإذا لم يكن قصاص بين العبيد والأحرار فيما دون النفس فالنفس أحرى بذلك.”

في السنة والحديث:
روي عن النبي محمد حديث واحد فقط يساوي فيه بين الحر والعبد في القصاص، وقد تم نفيه وأحتسب من الأحاديث الضعيفة والمشكوك بأمرها، ففي أضواء البيان ج1 ص413: “قال ابن العربي: ولقد بلغت الجهالة بأقوام إلى أن قالوا: يقتل الحر بعبد نفسه. ورووا في ذلك حديثا عن الحسن عن سمرة أن رسول الله (ص) قال: [من قتل عبده قتلناه] وهو حديث ضعيف. ودليلنا قوله تعالى: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل} [الإسراء: 33]، والولي ها هنا: السيد، فكيف يجعل له سلطان على نفسه، وقد اتفق الجميع على أن السيد إذا قتل عبده خطأ أنه لا تؤخذ منه قيمته لبيت المال”
وذُكِر نحوه في تفسير القرطبي ج2 ص248: “عن سمرة أن رسول الله (ص) قال: “من قتل عبده قتلناه” وهو حديث ضعيف. ودليلنا قوله تعالى: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل} [الإسراء: 33] والولي ههنا السيد”، وفي تفسير الرازي ج5 ص176: “قوله: لا تبيعوا الدرهم بدرهمين، كقوله: لا تبيعوا الحر بالعبد”
كما نجد ان للنبي محمد وصحبه الأقربين مواقف في أحكام القصاص بين الأحرار والعبيد، فقد ذكر في معرفة السنن والآثار للبيهقي، وسنن الدار قطني، وأحكام القرآن للجصاص.. الخ: “أن رجلاً قتل عبده متعمداً، فجلده النَّبي (ص) مائة جلدة ونفاه سنة، ومحا اسمه من المسلمين، ولم يقده به، وأمره أن يعتق رقبة”، وفي تفسير البيضاوي ج1 ص213: “روي عن علي رضي الله تعالى عنه [أن رجلاً قتل عبده فجلده الرسول (ص) ونفاه سنة ولم يقده به.] وروي عنه أنه قال: من السنة أن لا يقتل مسلم بذي عهد ولا حر بعبد ولأن أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، كانا لا يقتلان الحر بالعبد…”
وأيضاً عن مواقف النبي والصحابة وأسباب من لا يقتل الحر بالعبد نجد في تفسير الألوسي ج2 ب178 ص109: “منع الشافعي ومالك قتل الحر بالعبد سواء كان عبده أو عبد غيره ليس للآية بل للسنة والإجماع والقياس، أما الأول: فقد أخرج ابن أبي شيبة عن علي رضي الله تعالى عنه: «أن رجلاً قتل عبده فجلده الرسول (ص) ونفاه سنة ولم يقده به» وأخرج أيضاً أنه (ص) قال: “من السنة أن لا يقتل مسلم بذي عهد ولا حر بعبد” وأما الثاني: فقد روى أن أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما كانا لا يقتلان الحر بالعبد بين أظهر الصحابة ولم ينكر عليهما أحد منهم وهم الذين لم تأخذهم في الله تعالى لومة لائم. وأما الثالث: فلأنه لا قصاص في الأطراف بين الحر والعبد بالاتفاق فيقاس القتل عليه.”
ونقرأ كذلك في أضواء البيان ج1 ص 414: “من أدلتهم على أن الحر لا يقتل بعبد ما رواه البيهقي، وغيره عن عمر بن الخطاب، «أنه جاءته جارية اتهمها سيِّدها فأقعدها في النَّار فاحترق فرجها، فقال رضي الله عنه: والذي نفسي بيده لو لم أسمع رسول الله (ص) يقول: «لا يقاد مملوك من مالكه، ولا ولد من والده»، لأَقدناها منك فبرزه، وضربه مائة سوط، وقال للجارية: اذهبي فأنتِ حرة لوجه الله، وأنت مولاة الله ورسول»”

العبيد أموال والقصاص يعني التكافؤ:
ثبت بالسنة والآثار أنه في حال قام السيد بضرب عبده فإنه يجب عليه عتقه لأجل ذلك، وقيل يعاقب في الآخرة، ولم يرد شيء عن القصاص فيما لو قام السيد بضرب عبده ضرباً مبرحاً ومثل به، ففي الدر المنثور ج3 ص120: [رسول الله (ص) يقول: «من ضرب عبداً له حداً لم يأته أو لطمه فإن كفارته أن يعتقه»… أخرج عبد الرزاق والترمذي وصححه عن أبي مسعود الأنصاري قال: بينا أنا أضرب غلاماً لي، إذ سمعت صوتاً من ورائي، فالتفت فإذا رسول الله (ص) فقال: «والله لله أقدر عليك منك على هذا. فحلفت أن لا أضرب مملوكاً لي أبداً».] ونعلم أن العبد لو حاول الهرب من سيده فلسيده حق ضربه وجلده، يقول النيسابوري في تفسيره: “كمن ضرب عبده لأجل الإباق المتقدم مائة جلدة، ولأجل الإباق المتأخر المترقب مائة أخرى” فعن أي عدالة وقصاص يتكلمون ؟!َ
في المحرر الوجيز ج1 ص192: “قال النخعي وقتادة وسعيد بن المسيب والشعبي والثوري وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن وأبو يوسف: يقتل الحر بالعبد، وقال مالك رحمه الله وجمهور من العلماء: لا يقتل الحر بالعبد، ودليلهم إجماع الأمة على أن العبد لا يقاوم الحر فيما دون النفس، فالنفس مقيسة على ذلك، وأيضاً فالإجماع فيمن قتل عبداً خطأً أنه ليس عليه إلا القيمة، فكما لم يشبه الحر في الخطأ لم يشبهه في العمد، وأيضاً فإن العبد سلعة من السلع يباع ويشترى”
وورد في أضواء البيان ج1 ب32 ص418 أنه: “روي عن الإمام أحمد من أنه لا قصاص بين العبيد، فيما دون النفس، وهو قول الشعبي، والثوري، والنخعي، وفاقا لأبي حنيفة، معللين بأن أطراف العبيد مال كالبهائم يرد عليه بدليل الجمهور الذي ذكرنا آنفا، وبأن أنفس العبيد مال أيضا كالبهائم، مع تصريح الله تعالى بالقصاص فيها في قوله تعالى: {والعبد بالعبد}”
وللعبيد أحكام خاصة في العبادات والعقوبات، مثلاً تقول الآية: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة:38]، قيل في تفسير القرطبي ج6 ص167/168: “فلا يقطع العبد إن سرق من مال سيده، وكذلك السيد إن أخذ مال عبده لا قطع بحال؛ لأن العبد وماله لسيده. ولم يقطع أحد بأخذ مال عبده لأنه أخذ لماله، وسقط قطع العبد بإجماع الصحابة وبقول الخليفة: غلامكم سرق متاعكم. وذكر الدار قطني عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): “ليس على العبد الآبق إذا سرق قطع ولا على الذمي”… عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): {إذا سرق العبد فبيعوه ولو بنش}”
القاعدة الأساسية ونقطة الارتكاز في التقييم هي أن العبد خادم وحقير، والعبيد هم أموال، والعبد وماله لسيده، وفقه الرقيق يختلف عن فقه الأحرار، فالعبد مثلاً معفى من أهم أركان الإسلام، صلاة الجمعة والحج غير مفروضة عليه، ولا تجب عليه الزكاة، وحتى إنه معفي من الجهاد، هذا يعني أن كثير من الأوامر الإلهية الموجهة (للمسلمين) لا تشمل العبيد ولو كانوا مسلمين، وإن آية (النفس بالنفس) لا تشمل العبيد، فالعبيد حسب الشرع الإسلامي ليسوا للأحرار بأكفاء وأنداد، لذلك لا يجب قتل الحر بالبعد، “لأن القصاص عبارة عن المساواة، وقتل الحر بالعبد لم يحصل فيه رعاية المساواة، لأنه زائدة عليه في الشرف”، أما قتل العبد بالحر فقالوا أنه إذا قتل الحر بالحر فمن باب أولى أن يقتل العبد بالحر، ويمكن قتل الأدنى بالأعلى، وفي ذلك نقرأ في موطأ مالك ج5 ص323: ” قال مالك ليس بين الحر والعبد قود في شيء من الجراح والعبد يقتل بالحر إذا قتله عمدا ولا يقتل الحر بالعبد وإن قتله عمدا وهو أحسن ما سمعت”

آية النفس بالنفس:
تقول آية [المائدة:45]: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ونزلت هذه الآية قبل سورة التوبة (سورة البراءة) التي كان فيها التبرؤ من اهل الكتاب وتكفيرهم وإعلان الحرب عليهم.
{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا}: في تفسير أبي السعود ج2 ص246: “{وكتبنا} عطف على (أنزلنا التوراة) {عليهم} أي على الذين هادوا، وقرئ وأنزل الله على بني إسرائيل {فيها} أي في التوراة.” [ملاحظة: الذين هادوا هم اليهود]، وفي تفسير الجلالين: “{وكتبنا} فرضنا {عليهم فيها} أي التوراة”
وذُكِر في فتح القدير للشوكاني ج2 ص320: “قد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس {كتبنا عليهم فيها} في التوراة. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عنه، قال: كتب عليهم هذا في التوراة”
وفي تفسير الطبري ج10 ص358: “وكتبنا على هؤلاء اليهود الذين يحكمونك يا محمد, وعندهم التوراة فيها حكم الله. ويعني بقوله: {وكتبنا} وفرضنا عليهم فيها أن يحكموا في النفس إذا قتلت نفسا بغير حق بالنفس”
وورد في شرح الأربعين النووية ج62 ص3: “{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45]، فهل هي في أهل الكتاب خاصة أم في هذه الأمة؟ من أراد الوقوف على النصوص في ذلك، فليرجع إلى أمهات التفسير مثل القرطبي و ابن كثير، وهما أوثق التفاسير، و ابن جرير كما قال ابن تيمية: أولى التفاسير في الرواية تفسير ابن جرير، حيث يفسر بالسند وبالرواية عن سلف هذه الأمة، والحقيقة أن والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه ناقش القضية، وقال كما قال مجاهد: نزلت في أهل الكتاب، (وإنكم لتتبعون سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة) كما جاء عنه (ص).”
ولو أخذنا ما قاله النبي محمد: “وإنكم لتتبعون سنن من كان قبلكم”، نجده مخالفاً ومناقضاً لما شرّع إله الإسلام للمسلمين، حيث أنه في آية النفس بالنفس التي نتحدث عنها ونعتبرها خاصة باليهود لا توجد دية {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} فكان عندهم إما قصاص أو تصدق ككفارة عن ذنوبهم، كأن تقول عفو والأجر على الله، أما المسلمون فقد فضلوا على غيرهم بالدية عند العفو، والحكم ليس واحد للجميع، وإن هذه الجزئية المهمة دليل واضح على أن آية النفس بالنفس نزلت في اليهود، وأن آية العبد بالعبد نزلت للمسلمين، وإن لم يكن كذلك تكون كل تفسيرات {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} عبارة عن أكاذيب (أو لربما نصف الآية ملزم للمسلمين ونصفها الآخر غير ملزم لهم -والموضوع مزاجي- والله أعلم- وكالعادة).
فقد ورد في تفسير الطبري ج3 ص374: ” خفف الله عن أمة محمد (ص)، فقبل منهم الدية في النفس وفي الجراحة، وذلك قوله تعالى: {ذلك تخفيفٌ من ربكم} بينكم.”، وفي تفسير الطبري ج10 ص361: عن ابن عباس قوله: “إن بني إسرائيل لم تُجعل لهم ديةٌ فيما كتب الله لموسى في التوراة من نفس قتلت، أو جرح، أو سنّ، أو عين، أو أنف. إنما هو القصاصُ، أو العفو.”
وذُكِر في فقه السنة ج2 ص539: [ {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس،… } أي أن الله كتب على اليهود في التوراة أن النفس تقتل بالنفس إذا قتلتها”]
وفي فتاوى الأزهر ج10 ص286: “يقول الله سبحانه في شأن اليهود والتوراة {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} [المائدة:45] ويقول في المسلمين {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى}”
كان اليهود يحتكمون للنبي محمد باعتباره الرجل الأول صاحب السلطة، وكان هو يحكم بينهم بحسب ما جاء في كتابهم ألا وهو التوراة (كان ذلك قبل تكفيرهم والأمر بقتالهم)، لذا: “النبي (ص) رضخ رأس يهودي لرضخه رأس جارية بين حجرين, وقال الله سبحانه: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ والعين بالعين}.”، ولم يحكم محمد على المسلم الذي قتل عبده كما حكم على اليهودي، بل جلده ونفاه سنة.
وتأكيداً على أن الآية نزلت في اليهود، ذُكِر في تفسير القرطبي، ج6 ص191: ” قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} بين تعالى أنه سوى بين النفس والنفس في التوراة فخالفوا ذلك، فضلوا؛ فكانت دية النضيري أكثر، وكان النضيري لا يقتل بالقرظي، ويقتل به القرظي فلما جاء الإسلام راجع بنو قريظة رسول الله (ص) فيه، فحكم بالاستواء”… وفي الصفحة 192: “وأيضا فإن الآية إنما جاءت للرد على اليهود في المفاضلة بين القبائل، وأخذهم من قبيلة رجلا برجل، ومن قبيلة أخرى رجلا برجلين. وقالت الشافعية: هذا خبر عن شرع من قبلنا، وشرع من قبلنا ليس شرعا لنا؛ وقد مضى في {البقرة} في الرد عليهم ما يكفي فتأمله هناك. ووجه رابع: وهو أنه تعالى قال: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} وكان ذلك مكتوبا على أهل التوراة وهم ملة واحدة، ولم يكن لهم أهل ذمة كما للمسلمين أهل ذمة؛ لأن الجزية فيء وغنيمة أفاءها الله على المؤمنين، ولم يجعل الفيء لأحد قبل هذه الأمة.”
الفئ يؤكد أن المسلمين فقط يحق لهم الغزو والسبي والاستعباد، وآية العبد بالعبد والحر بالحر تلزم المسلمين، وبالتالي فهي غير منسوخة، وآية النفس بالنفس مخصصة لليهود.
وورد تفسير الطبري ج10 ص358: “قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وكتبنا على هؤلاء اليهود الذين يحكمونك، يا محمد، وعندهم التوراة فيها حكم الله. ويعني بقوله: {وكتبنا}، وفرضنا عليهم فيها أن يحكموا في النَّفس إذا قتلت نفسًا بغير حق بالنفس””
أذكر هنا الآيات من سورة المائدة، السابقة واللاحقة لآية النفس بالنفس حيث تقول: {وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين (43) إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (44) وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون (45) وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين (46) وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون (47)}، وهي تؤكد حسب الآية (43) أن اليهود كانوا يأتون إلى النبي محمد كي يحكم بينهم، وحسب الآية (44) أن نبي الإسلام كان يحكم بين الذين هادوا -يعني اليهود- بموجب كتابهم التورة، والآية (45) هي آية النفس بالنفس، والآيات (46-47) تحدث عن المسيحيين ان يحتكموا بموجب أنجيلهم.
وكل ما سبق دليل على أن آية النفس بالنفس نزلت في اليهود وهي مذكورة في توراتهم، وأن المسلمين غير معنيين بمضمونها، وكتب الله على المسلمين القصاص في القتلى بحسب الآية العبد بالعبد والحر بالحر، وكرمهم عن غيرهم وأنعم عليهم بالدية التي لم تلكن لأحد قبلهم.
يقول الشاعر حسان بن ثابت (شاعر النبي محمد- توفي سنة 54هـ):
فَقُلتُ وَلَم أَملِك أَعَمروُ بنِ عامِرٍ…… لِفَرخِ بَني العَنقاءِ يُقتَلُ بِالعَبدِ
لَقَد شابَ رَأسي أَو دَنا لِمَشيبِهِ…… وَما عَتَقَت سَعدُ بنِ زَرِّ وَلا هِندُ
يعرف أن مالك والشافعي لا يقتلان الحر بالعبد ولا المؤمن بالكافر، قال الشافعي (ونسبه البعض لغيره):
خُذوا بِدَمي مِن ذا الغَزال فَإِنَّه…… رَماني بِسَهمي مقتليه عَلى عَمد
وَلا تَقتلوه إِنَّني انا عبده…… وَفي مذهَبي لا يَقتل الحر بِالعَبد
ونقرأ ما يشابه ذلك عن أبي الفتح البستي (توفي سنة 400هـ) حيث يقول:
خُذوا بدَمي هذا الغُلامَ فإنَّهُ…… رَماني بسهْمَيْ مُقلَتَيْهِ على عَمْدِ
ولا تَقتُلوهُ إنَّني أنا عَبدُهُ…… ولم أرَ حُرَّاً يُقتَلُ بالعَبْدِ
وها هو ابن معتوق الموسوي (1025-1087هـ) يقول:
ولو قبِلَ الموتُ الفِداءَ فديتُه…… ولكنّهُ لن يُعطيَ الحُرَّ بالعَبْدِ
بعد كل ما ورد عن أحوال العبيد في الإسلام، نجد في تفسير القرطبي ج5 ص190: [روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): “للعبد المملوك المصلح أجران” والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك.] وهذا كلام معيب ودليل على سخافة كبيرة، ولا يعني إلا الكذب واستغباء الناس، حيث فيه تشجيع على العبودية مع الإقرار بإعفاء العبيد من الجهاد، والحج، وحتى من بر الأم التي ربما تكون سرية يتسرى بها حر مسلم، أو سلعة في سوق النخاسين، والأكثر عيباً وسخرية هو وجود أناس لا زالوا حتى يومنا هذا يخضعون لهكذا تشريعات وأفكار لا منطقية.

يــــتــــبــــع

سردار أحمد

About سردار أمد

سردار أحمد كاتب سوري عنوان الموقع : http://www.serdar.katib.org
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.