العبودية فى الاسلام (14)

سردار أحمد

الحلقة الرابعة عشرة:
من الأدب والتراث العربي والإسلامي- أدب الجواري والعبيد (الشعر والأمثال):
الأدب بما يضُمُهُ من الشعرِ والنوادرِ والأمثالِ والقصصِ، هو تراثٌ مهمٌ وذاكرة شعبٍ لا يمكن تجاهلها لمن يريد الغوص في تاريخ الشعوب لمعرفة وعيها وطريقة تفكيرها وقيمها ونموذجها الحضاري، وهو يُعتبر المرآة لذلك الموقف التاريخي، مُعبِراً عن القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية، التي كانت سائدة في زمنٍ تغيرت أغلبُ سماتهِ نتيجة الحضارة الحديثة والتقدم البشري، لذا سأحاول ذكر المقتطفات من الشِعر، وبعض القصص والنوادر المتعلقة بالجواري والعبيد، خلال التاريخ الإسلامي، وخاصة عصوره الذهبية لمعرفة العقلية العربية والحضارة الإسلامية آنذاك.
نبدأ بالشعر العربي الإسلامي الزاخر بالشواهد والأدلة عن مجتمعٍ فيه نوعين من البشر، الأسياد والعبيد:
فها هو الشاعر الرياشي مثلاً يعطينا صورة عن مدى انتشار العبيد في المجتمع فيقول:
إن أولاد السراري كثروا يا رب فينا ……. ربِّ أدخلني بلادا لا أرى فيها هجينا
أما الشاعر أبو دلامة فيصف مدى ازدهار تجارة الرقيق، فيقول:
إن كنت تبغي العيش حلواً صافياً……… فالشـعرُ أغـبر به وكـن نخاسـاً
وهذا الشاعر العراقي الذي يعلن أنه مهما نسي من أمور تغيرت في بغداد فإنه لن ينسى دار أو أسواق العبيد:
ومهما أنسى من شيء تولى…….. فإنـي ذاكــــر دار الرقيق
وكذا يقول المتنبي حين يهجو الخصي كافور الأخشيدي، لأن الأخير لم يعط حفنة من المال طلبها المتنبي:
لا تشتري العبد إلا والعصا معه…….. إن الـعبيد لأنجـاس منـاكيد…
من علم الأسود المخصي مكرمة ….. أقومه البيض أم آباؤه الصيد
أم أذنه في يد النخاس دامية ….. أم قدره وهو بالفلسين مردود
وفي كتاب الأغاني- ج4 ص318، وَرَدَ ما يشابه قول المتنبي من حيث المعنى، حيث قيل:
و العبد لا يطلب العلاء ولا ….. يعطيك شيئا إلا إذا رهبا
مثل الحمار الموقع السوء لا ….. يحسن مشيا إلا إذا ضربا
وأذكر لكم قصة أبي نواس مع احد خلفاء زمانه: فقد دخل على الخليفة وقتئذ وهو يريد أن ينشده قصيدة طامعاً في بعض المال, ولكنه وجد الخليفة مشغولا بمداعبة إحدى جواريه، تسمى خالصة، وكانت قد وضع على عنقها عقدا نفيساً، ولم يعر الخليفة أي انتباه لما قاله أبو نواس فخرج أبو نواس من عند الخليفة غاضباً صفر اليدين فكتب على باب الخليفة الآتي:
لقد ضاع شعري على بابكم 000000 كما ضاع العقد على صدر خالصة
وانصرف، فرأت الجارية الكلام المكتوب فأرادت أن توقع به فأسرعت للخليفة مشتكيةً، فغضب الخليفة وأرسل لأبي نواس في الحال وعندما حضر لبيت الخليفة كان يعلم الأمر وما سيجري له، لكن فطنة وذكاء أبي نواس أنقذته فعندما وصل إلى الباب مسح الجزء الأدنى من حرف العين في كلمت (ضاع) قبل أن يدخل فانقلب الشعر: لقد ضاء شعري على بابكم 000000 كما ضاء العقد على صدر خالصة، فبدل أن يعاقبه أكرمه لذكائه وفطنته.
قعد الرشيد يوما عند زبيدة، وعندها جواريها، فنظر إلى جارية واقفة عند رأسها فأشار إليها أن تقبّله، فاعتلت بشفتيها، فدعا بدواة وقرطاس فوقع فيه:
قبلته من بعيد…… فاعتل من شفتيه
ثم ناولها القرطاس فوقعت فيه:
فما برحت مكاني…… حتى وثبت عليه
فلما قرأ ما كتبت استوهبها من زبيدة، فوهبتها له، فمضى بها وأقام معها أسبوعا لا يدري مكانهما.
وحدّث أبو جعفر قال: بينما محمد بن زبيدة الأمين يطوف في قصر له، إذ مر بجارية له سكرى، وعليها كساء خز تسحب أذياله، فراودها عن نفسها، فقالت: يا أمير المؤمنين، أنا على حال ما ترى، ولكن إذا كان من غد إن شاء الله. فلما كان من الغد مضى إليها، فقال لها: الوعد. فقالت له: يا أمير المؤمنين: أما علمت أن كلام الليل يمحوه النهار؟ فضحك، وخرج إلى مجلسه، فقال: من بالباب من شعراء الكوفة؟ فقيل له: مصعب والرقاشي وأبو نواس. فأمر بهم فأدخلوا عليه، فلما جلسوا بين يديه قال: ليقل كل واحد منكم شعرا يكون آخره: كلام الليل يمحوه النهار
فأنشأ الرقاشي يقول:
متى تصحو وقلبك مستطار…… وقد منع القرار فلا قرار
وقد تركتك صبا مستهاما…… فتاة لا تزور ولا تزار
إذا استنجزت منها الوعد قالت…… كلام الليل يمحوه النهار” (العقد الفريد- ج3 ص44)
وقيل في الأذكياء- في ذكر طرف من أخبار النساء والمتفطنات ص106: “كانت جارية لبعض الأكابر وكانت عفيفة إلا أنها كانت تفحش في مجونها فقال لها مولاها اقصري من هذا الفحش بمحضر من الرجال فقالت أفحش منه عندهم أخذك دراهمهم بسببي وقال لها بعض الحاضرين وكان شيخا:
يا أحسن الناس وجها…… مني علي بقبلة
فأجابت مسرعة:
يا أسمج الناس وجها…… وأسخن الناس مقله
إذا سمحت لما رم……… ته فأني بذله
وكيف يوجد بين الح…… مار والخشف وصله
فلا تطف بالغواني…….. فما يردنك خمله
وكل شيخ تصابى…….. على الصبايا فأبله ”
أما في بدائع البدائه- ص22 فقد ذُكِر: دخل يحيى بن خالد بستان داره، ومعه جاريته دنانير، فرأى بهجة الورد على شعره، فقال: أجيزي:
الورد أحسن منظراً …… فتمتعوا باللحظ منه
فقالت مسرعة:
فإذا انقضت أيامه …… ورد الخدود ينوب عنه
فاستحسن ذلك منها، وأمر لها بمال جزيل، بعد أن قبل خدها.
وفي أخبار الخليفة المهدي إن جاريته أهدت إليه تفاحة بعد أن نقشت عليها
هدية مني إلى المهدي …….. تفاحة تقطف من خدي
محمرة مصفرة طيبة ………. كأنها من جنة الخلد
ومرة عتب المأمون على جارية من جواريه، وكان كلفا بها فأعرض عنها، وأعرضت عنه، ثم أسلمه العزاء، وأقلقه الشوق، حتى أرسل يطلب مراجعتها وأبطأ عليه الرسول فلما رجع إليه أنشأ يقول:
بعثتك مرتادا ففزت بنظرة…… وأغفلتني حتى أسأت بك الظنا
وناجيت من أهوى وكنت مقربا…… فيا ليت شعري عن دنوك ما أغنى
ونزهت طرفا في محاسن وجهها…… ومتعت باستظراف نغمتها أذنا
أرى أثرا منها بعينيك لم يكن…… لقد سرقت عيناك من وجهها حسنا

أما الرشيد فكان له أكثر من أربعة آلاف جارية, لكنه كان يفضل ويميز ثلاثة منهن، أسماؤهن قصف وضن وخنث (وربما هناك اختلاف على تلك أسمائهن)، حيث قال فيهن:
ملك الثلاث الأنسات عناني ……… وحللن من قلبي بكل مكاني
مالي تطاوعني البرية كلها ……… وأطيعهن وهن في عصياني
ما ذاك إلا ان سلطان الهوى……… وبه عززن اعز من سلطاني
لما غاب أبو نواس إلى مصر، تشوقه الناس وذكروه، واتصل تفاوضهم ذكره حتى بلغ وصفه عناناً (وهي جارية وشاعرة)، فتشوقته، ثم قدم بعد ذلك من مصر، فلما كان بعد قدومه بأيام جاء إلى النطافي (مالك الجارية عِنان)، فقال له أبو نواس، فاستأذن لي على عنان! فقال له: أما والله، لقد أهديت إليها من زيارتك هدية، كانت إليها مشتاقة، ودخل، فأعلمها وأذن له، فدخل عليها، فقامت فتلقته إلى باب الدار، فسلمت عليه، ووصفت له شوقها إليه، واحتبسته عندها يومه وليلته، وإتصل إجتماعهما، فوجهت إليه يوماً، وصيفة لها، تدعوه إلى الصبوح معها، وكتبت إليه تقول:
زرنا لتأكل معنا …… ولا تغيبن عنا
فقد عزمنا على الش…. رب صبحة واجتمعنا
فجاءته الوصيفة بالرقعة، فقرأها، واحتال على الوصيفة حتى طاوعته على ما أراده، وقال في ذلك:
نكنا رسول عنان ……. والرأى فيما فعلنا!
فكان خبزاً بملح ……. قبل الشواء أكلنا
جاذبتها فتحانت ……. كالغصن لما تثنى
فقلت ليس على ذا ….. الفعال كنا إتفقنا
قالت فكم تتجنى …… طولت: نكنا ودعنا!
فبلغ عناناً ذلك، فكان سبب التباعد بينهما.
ثم أن الرشيد قد هم بشراء عنان جارية الناطفي، فقيل له: إن أبا نواس قد هجاها بقوله من المنسرح:
إنَّ عِنانَ النطاف جاريةٌ …… قد صارَ حرها للأير مَيْدانا
لا يَشتر بها إلاَّ ابنُ زانيةٍ …… أو قُلْطُبان يكونُ مَنْ كانا
فقال: لعنه الله! لا حاجة لنا فيها.
وعن تيماء جارية خزيمة بن خازم قالت: عرضت على خزيمة بن خازم، جارية، مليحة، بكر، حلوة القد والوجه، فمال إليها وأقبل إلي كالمعتذر فقال:
قالوا عشقت صغيرة فأجبتهم …… أشهى المطى إلي ما لم يركب
كم بين حبة لؤلؤ مثقوبة …… بذلت وحبة لؤلؤ لم تثقب
فأجبته:
إن المطية لا يلذ ركوبها …… حتى تذلل بالزمام وتركب
والدر ليس بنافع أربابه …… حتى يؤلف في النظام ويثقب
فضحك واشترانا معاً، ثم غلبتها عليه بعد ذلك.
– الانتشار الكبير لطائفة الجواري والغلمان الذي نتج عن الانتصارات الإسلامية أدى إلى انتشار شعر التغزل بالجواري والغلمان، والتغزل بالغلمان وصل في العصر العباسي إلى أوجه بأفصح الألفاظ والكلمات، يقول أبن الرومي:
أفسدتْ توبتي عليَّ غلامُ ……..غُصُنٌ ناعمٌ وبدرٌ تمامُ
يفضحُ البدرَ وجهُها مستَتِمّاً…… والقضيبَ الرطيبَ منها القوامُ
كعبةِ النَّيك للزناةِ بها في …….. كُلِّ يوم وليلة استلامُ
امزجِ الراحَ لي بريق غلام ….. فألذُّ الهوى المعاصي التُّؤام
فُتْ بلذَّاتك العواذل والعَذْ …….. لَ وإلا فاتَتْ بها الأيام
سيُمَحِّي الذنوبَ منكَ صلاةٌ …… وخضوعٌ وخيفةٌ وصيام
لنْ تمسَّ الجحيمُ ظَنِّي جلداً……. قد كساهُ أثوابهُ الإسلام
وفي قصيدة أخرى يقول أبن الرومــــــــــي:
وشيخٍ يبيتُ غلامٌ له …… يُنَعِّمُهُ بنعيمٍ مُهينْ
يقلقِل أحشاءه باركاً ……..بعَرْد طويلٍ غليظٍ متين
ويشفي غليلَ استِه بالمَنيِّ …… ورُب شِفاء بماءٍ مَهين
فكم ثَمَّ للشيخِ من سجدةٍ …… تُعفِّر بالخَدِّ تُربَ الجبين

* * *
وفي الأمثال البدوية والعربية وجدنا في بعض ما قالوا:
– الجواري كخبز السوق، والحرائر كخبز الدور.
– لا تمازح أمة، ولا تبك على أكمة
– لا تفترس من تداولتها أيدي النخاسين ووقع ثمنها في الموازين
– لا خير في بنات الكفر، وقد نودي عليهن في الأسواق، ومرت عليهن أيدي الفساق.
– شراية العبد ولا تِرباته: أي لأن تشتري العبد البالغ خير من أن تربيه، ومعنى المثل لأن تشتري الشيء الجاهز خير من أن تشتريه وتُعدّه أنت، وهي كأن تقول: أعطي خبزك للخباز لو أكل نصفه.
– تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها: مثل عن التمسك بالشرف، يضرب مثلا للرجل يصون نفسه في الضراء، ولا يدخل فيما يدنّسه عند سوء الحال. ومعناه أن الحرة تجوع ولا تكون ظئرا على جُعْل تأخذ منهم؛ فيلحقها عيب، وهناك مثل آخر شبيه به ويعطي نفس المعنى يقول : ما تعملها حرة.
ـ لا تحمدن أمة عام شرائها ولا حرة عام بنائها: لأنهما يتصنعان في العام الأول، يضرب في النهي عن مدح الشيء قبل اختباره.
ـ العبد من لا عبد له: يراد أن من لم يكن له عبد يكفيه أموره امتهن نفسه، والمهنة إنما تكون للعبد.

يــــتــــبــــع

سردار أحمد

About سردار أمد

سردار أحمد كاتب سوري عنوان الموقع : http://www.serdar.katib.org
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.