الطامّة الكبرى

عندما يعتاش بلد على الريع فتلك طامّة وعندما يستمرئ حكام بلد سرقة أموال الشعب فتلك طامّة أخرى أما إذا اجتمع الأثنان بنفس البلد فتلك هي الطامّة الكبرى. إن هذا ما يحدث بالعراق، والعياذ بالله!
لا أريد التكلم هنا عن معنى الريع، فهذه أصبحت كلمة شائعة تجري على ألسُن القاصي والداني من الشعب العراقي، ولكني أريد هنا الكلام عن آثار الأعتياش على الريع من حيث الحكومة ومن حيث الشعب مقارنة بحالة الحكومة اللاريعية التي تموّل ميزانيتها السنوية من الضرائب.
إن لوسيلة تمويل الميزانية الحكومية في أي بلد إنعكاسات جوهرية على الواقع السياسي والأقتصادي والأجتماعي لذلك البلد. فالآثار التي تتولد من تمويل الميزانية في ظل اقتصاد ضريبي تختلف بشكل كبير عن تلك التي تتولد في ظل اقتصاد ريعي، ويمكن إيجاز تلك الأختلافات بما يلي:
1- تبذل الحكومة في ظل اقتصاد ضريبي جهوداً مضنية من أجل الحصول على الأموال اللازمة لتمويل ميزانيتها. ويتم ذلك عادة بفرض الضرائب المختلفة وتحصيلها بموجب القانون. ونظراً لأن الضرائب تزداد بنمو أقتصاد البلد وتوسّع نشاطه، نجد أن للحكومة هنا مصلحة كبرى في توسيع النشاط الأقتصادي الدافع للضرائب من أفراد وشركات. لذلك نرى أن هكذا حكومة ترحب، بالطبع، وتشجع قيام أعمال جديدة أو مشاريع جديدة، ولديها دوائر حكومية تختص بالتعاون مع أصحاب المشاريع الجديدة لتسهيل وتسريع إنشائها.

إن ديناميكيات العلاقات هذه وتأثيراتها المتبادلة تستدعي توسعة القاعدة الأقتصادية أفقياً وعمودياً، بصورة مستمرة، ليس فقط من أجل زيادة كميات الضرائب المتحصلة بالتوازي مع التوسع الأقتصادي المستدام، وإنما من أجل توسعة سوق العمل أيضاً وخلق فرص جديدة للتشغيل تتناسب مع الزيادة المستمرة في حجم العمالة، والناتجة من النمو السكاني المستمر. وبأضافة فرص عمل جديدة ذات دخل مجزي تزداد الضرائب المدفوعة للحكومة. ذلك من جهة، ومن جهة أخرى فإن الحكومة هي المسؤولة عن خلق الفرص لتشغيل المواطنين، وبتحملها تلك المسؤولية وإنجازها على وجه جيد تكون قد أدت واجبها تجاه دافع الضريبة.
2- على العكس من ذلك، نجد أن الحكومة في ظل اقتصادٍ ريعي غير معنية كثيراً بحيوية النشاط الأقتصادي وخلق حالة من النمو الأقتصادي المستدام من أجل توسيع القاعدة الضريبية وما يستتبع ذلك من زيادة في الضرائب المتحصلة، لأن الحكومة هنا لا تستند الى الضرائب، إلا بنزر جداً يسير، في تمويل ميزانيتها. فموارد الريع، والحمد لله، تنساب بانتظام لتمويل الخزينة الحكومية، ولا حاجة إذن لفرض الضرائب على الناس، وكفى الله المؤمنين شر القتال. ولهذا نجد أن الحكومة هنا تكون عادة متراخية وكسولة وهي لا تتحمل مسؤولياتها في تنشيط الأقتصاد وتنميته باستغلال الحيوية الطبيعية للقطاع الخاص، ولا هي من جهة أخرى جادّة في خلق فرص عمل مجزي للمواطنين، طالما أمكن تكديسهم في الجهاز الحكومي المنتفخ باستمرار وهذا هو المكان التقليدي للبطالة المقنعة، أو القيام بضخهم بقطاعها العام الفاشل وغير الكفوء ليزداد فشله وضعف تنافسيته نتيجة لارتفاع كلفته الأنتاجية.
والآن أليس هذا ما جرى ويجري في العراق منذ أن تسلمت السلطة، قبل نحو 13 سنة، ما كان يعرف بالمعارضة العراقية، حيث جاءت حكومة إياد علاوي في السنة الأولى ثم تلتها سيطرة الكتل السياسية الأسلاموية على الحكم بقيادة حزب الدعوة الأسلامية؟
أنا لا أعرف ماذا يريد هؤلاء وبأي إنجاز يتفاخرون بعد أن نهبوا أموال الشعب المظلوم وجعلوا من العراق قاعاً صفصفا؟ الآن وقد اقتربت الأنتخابات نراهم يصرّون على تعديل طريقة “سانت ليغو” في الأنتخابات بزيادة معامل قسمة الأصوات على أكبر قدر مستطاع – وليكن حتى 1,9- وبذلك يتم السطو من قبلهم على نتائج الأنتخابات واحتكارها لوحدهم دون القوائم الصغيرة “قوس قزح الشعب العراقي” وهي تسعى الآن جاهدة للدخول الى مجلس النواب لزيادة المنتصرين لحقوق الشعب المهضومة.
عجباً أي وقاحة هذه وأيّ صلف هذا! أخبرونا بحق السماء ماذا تريدون؟ هل تريدون امتصاص آخر قطرة من دم هذا الشعب ثم تذهبون؟ الشيطان يستحي وأنتم لا تستحون! أعوذ بالله من مشهدكم السياسي الرجيم.
_____________________________
*الكاتب يحمل شهادات – غير مزوّرة – بالهندسة والقانون واقتصاد النفط، وهو صاحب كتاب “الأقتصاد العراقي: الماضي والحاضر وخيارات المستقبل”. إنتهى بالسنة الماضية من تأليف كتاب يبحث عن أسباب أفول الحضارة العربية – الأسلامية ونهوض أوربا من نومتها الطويلة لتملك ناصية العلم وتفتح العالم. كذلك يبحث هذا الكتاب عن أهم السبل المجدية للنهوض بالعالم العربي من نومته التي طالت لكي يلحق بركب الحضارة الأنسانية. عنوان الكتاب هو “نهضة أوربا وسبات العرب: الأنسان هو الثروة”.

About محمد علي زيني

"الدكتور محمد علي صالح زيني"
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.