الشاعر منصور الكركاشي بين جمال الشعر وجمال الطبيعة

الإبداع ثمرة جمال الروح والقلب والعقل
جزء / 7
عصمت شاهين دوسكي

لم يكن الشاعر الكردي منصور الكركاشي حظه قوياً في شأن البحث المستمر من الأدباء والمؤرخين والباحثين حيث ما زال البحث الأدبي بديمومة للوصول إلى إيجاد من قريب أو بعيد عن ميلاده ووفاته رغم إنه عاصر الشاعر حسن الباته تي من خلال المخطوطة الحوارية الشعرية الجميلة بينه وبين الشاعر الباته يي عام 1767م التي عثر عليها الأستاذ ” عبد الرقيب يوسف ” وطبعها تحت عنوان ” ديوانا كرمانجي ” عام 1971م مطبعة الآداب النجف العراق ، ولد الشاعر منصور الكركاشي في قرية جميلة ببساطتها وعفوية أهلها وزهو رونق أماكنها تقع في جنوب شرقي العمادية مدينة دهوك كردستان العراق تسمى ” كركاش ” وهذه القرية رائعة حيث مكانها بين القمم العالية لجبال كاره االكطلة على القرية وقد شاهدت هذا المنظر الجميل بل الساحر عندما صعدت إلى أعلى قمة جبل كاره عام 2014م حيث الالتقاء مع الهواء النقي والسحب البيضاء ومن ذلك المكان العالي تجد مناظر غاية في الجمال أبدع الخالق في وجودها وقد كتبت حينها قصيدة ” همسات على قمة كاره ” وهذا مقطع من القصيدة .
((وجه حبيبتي كاره مع الجداول ينساب عليلا
شعرها كالسحب يأبى من الجمال رحيلا
بريق عيناها كالشمس يذوب في شجن أصيلا
تلقي على الذكريات ألقاً ..روحاً جزيلا
وصوتها على كاره يبعث أنغاماً وهديلا ))


يبلغ ارتفاع جبل كاره 2151 م عن سطح البحر شمال شرق مدينة دهوك يعتبر قمة جبل كاره موقعا سياحياً طبيعياً حيث يشرف على مصايف سولاف وأشاوا وانيشكى ، وقد كانت رحلة جميلة ونحن نصعد إلى قمة جبل كاره تخالجك مشاعر رائعة تستيقظ كل الحواس المكنونة فينا ،إذ تلتقي جبال كاره مع سلسلة جبال ” متين ” لتغدو سهولها أخصب السهول الساحرة رغم إن الجبال الراسخات مساحة لا تدع مجالاً لمد السهول الخصبة الجميلة ،يعتبر جبل كاره من أعتا الجبال يجمع في جوانبه ويحتضن مجموعة كبيرة من القرى وكأنها صغاره وأطفاله التي تتخذ من سفوحه وأسفله مسكناً ومأوى، في خضم هذا الجمال والواسع ولد الشاعر وترعرع فيها ودرس في مسجد القرية وثم مدارس العمادية وبعد أن اشتد عوده أطلع على العلوم والمعارف المختلفة وبادر إلى التعبير عن دواخل نفسه ومكامنها عن طريق الشعر والذي كان أكثر الطرق ازدحاماً بين الأدباء الكرد في تلك الأيام بأسلوب راقي وجميل كيف لا وقد امتزجت الأفكار وتداخلت الرؤى الروحية واختلطت مكامن نفسه وتجلت مشاعر قلبه وإحساسه برؤى المناظر الرائعة الخلابة لتلك البقعة من الأرض التي خصها الله بالحسن والجمال والبهاء فأتى شعره من هبة الجمال والوجود ملوناً بألوان الزهور والورود والجنان وقوة الجبال ونقاء الهواء وتداخلت لديه المضامين الصوفية والرمزية متجلية الصفاء والعبق والرياحين من بين ثنايا كلماته بل يكاد يسمع خرير المياه المنسابة من تلك السفوح وزقزقة العصافير وتغريد البلابل وهديل الطيور خلال أبياته الشعرية ينتمي شعره إلى قرون أحدث من شعراء الجيل الأول من حيث الصور والمضامين الشعرية وكذلك من الناحية اللغوية ومدى التطورات التي حدثت في لغة الشعر شيئاً فشيئاً والذي نقرأ فيه لغة شعرية أكثر سلاسة وأبعد ما يكون عن النمط القديم من الشعر الكردي المعروف بكلماتها الثقيلة التي تكون معقدة وعميقة المأخوذة في الأغلب من اللغات الأخرى ،لكن لكل شاعر في ذلك العصر خصوصيته وأساليبه الشعرية التي تتراوح بين القرب والبعد في المنهج الأصلي فهناك من يمتلك أدوات شعرية مختلفة للتعبير عن مكامن النفس وخفايا الروح والقلب والعقل فكانت ثمرة المنهج هو التصوف الإلهي الممزوج بالغزل الرقيق والجمال البديع واستخدام لغة التصوف للإفصاح عن المقامات والأحوال وقول الحق ومدح الرسول واحتدام الصراع بين الروح والجسد ليخرج بعدها الروح سابحاً في فضاء السماء والنقاء والوفاء إلا إنهم يعرجون أحياناً بين ثنايا أشعارهم إلى ميادين أخرى فيصفون جمال الطبيعة الخلابة في كردستان العراق وغيرها بتنوع الطقوس والمناخ وال والأماكن الجميلة ويركزون أحياناً على جمال المرأة ومحاسنها فيكادون يذوبون عشقاً وهياماً لها وفيها وهذا الخروج المؤقت عن المنهج أعطى فرصة في التنوع في الشعر الكلاسيكي الكردي الذي تجلى بأفكار مختلفة من الحياة والكون ،إن الشاعر منصور الكركاشي من أولئك الشعراء الذين يملكون صور رائعة في وصف الطبيعة لما في الطبيعة من جمال وسحر أخاذ وفتان وانتساب هذا الخلق الجميل والحسن البديع إلى الله بتفكير عقلاني هادئ ويتجلى تأثير جمال الطبيعة ورؤيته الروحية والفكرية الخاصة بالمكان اللتان تعكسان جمال المضامين الشعرية إلى جمال الطبيعة التي يوصفها الشاعر في قصيدته .
(( سبحان الملك الذي لا مثيل له
أي ربيع مخضوضر هذا
القادر على ” كن فيكون “
إذ تفتقت الأرض عن العيون
الأراضي الجبلية المخزونة
تفتحت بإذنه وعنايته ))
دقة الوصف الجميل والمصداقية في الاختيار الراقي للمفردة تمثل من الأسس للدخول إلى الشكل والمضمون برؤية روحية لتبث رسالة جمالية بالغة العمق والوضوح ” تلونت الجبال بالشقائق والبيبون ” صور تتوالى في مخيلة الشاعر الخلاقة والتي تعتبر أطياف تعكس ذاته المتشعبة بالرؤى الجمالية التي تبدد كل ما هو سراب وضباب يجمع الشاعر ” صوت رعد الربيع “الذي الذي يتجلى بعد ظهوره ” قوس قزح ” يصف الصورتين معاً ويبصر الروابط بينهما لتضيف لجمال الطبيعة جمالاً ربانياً آخر يثير جمال الرؤية ومكامن الإحساس ويريح النفس والروح ويطمئن القلب بوجود الخالق المبدع التي لا تنتهي هباته وعطاءه وهداياه ” فانزل لنا الهدية ” وهنا يعني الشاعر سقوط الأمطار مؤكداً الالتفاتة بعد نزول الأمطار نمو النباتات والأزهار في جنان السهول حيث روعة الخضرة وإحياء الأرض المفعمة بعدها بقوة العطاء ” وزين بواسطتها السهول ” نلاحظ يتوزع الجمال في الشكل والمضمون في كل شيء وترمي إلى المعنى الإبداعي في الوجود من خلال نشاط الأشياء الفعلية .
(( تلونت الجبال بالشقائق والبيبون
من صوت رعد الربيع
ظهر قوس قزح
فأنزل لنا الهدية
وزين بواسطتها السهول ))
الإستجابة الوحيدة التي يأمل الشاعر في الحصول عليها هي السمو والوصول إلى الرقي في محاولاته المبدعة التي يعبر عنها بأفكار جمالية ذهنية نشطة وبتركيبة رؤى صوفية مبدعة يشير إلى أن الطيور تسبح بحمد ربها وما تغريدها ونغماتها الساحرة إلا تسبيحات للرب ” بنغمة التسبيحات تتحدث الطيور ” وهي إشارة ضمنية إن الطيور تمتلك منزلة كبيرة وقيمة لدى المتصوفة إلى حد يصفون ويشبهون المتصوفة بالطيور نفسها ونطقها بحمد ربها ، تطير أرواحهم لتحلق في سماء الرحمن ” من البكم والفصحاء يتجلى النقاء ” فالبكم الطيور والفصحاء البشر سواسية في إظهار نقاء القلب وصفاء الروح ،وفي مسألة وحدة الأديان يذكر الشاعر منصور الكركاشي كل من عيسى بن مريم وموسى عليهما السلام أفضل السلام ويلوذ بهما للدعاء من الرب كون جميع المناهج السماوية توحد الله وفي صورة خفية قوية يذكر أن طالب الدعاء هو الشاعر ” منصور ” نفسه في حبكة فنية رائعة مشيراً إلى اسمه .
(( بنغمة التسبيحات تتحدث الطيور
من البكم والفصحاء يتجلى النقاء
من موسى والمسيح ،
الداعي هو منصور بنفسه ))
بتمكن ووعي وإدراك نرى قصيدته الوصفية متشربة بهبة الجمال والطبيعة والوجود الذي بان تأثر الشاعر نفسياً وروحياً منذ الصغر في موقع ولادته كركاشي المميز فتجلى الإبداع الجمالي بين جمال الشعر وجمال الطبيعة .
منصور الكركاشي
– ولد في قرية صغيرة وجميلة ” كركاش ” تقع جنوب شرق العمادية التابعة لمدينة دهوك كردستان العراق .
– درس العلوم الدينية في مسجد قريته ثم تجول لارتشاف العلوم من مدارس أرقى وأعلى شاناً مثل مدارس العمادية .
– أشعاره قصائد متفرقة نشرت هنا وهناك مثل كتاب ” ديوانا كرمانجي ” لعبد الرقيب يوسف وكتاب شعراء الكرد للأستاذ صادق بهاء الدين .
– له حوارية شعرية رائعة مع الشاعر حسين الباته يي عام 1767م
– سنة ولادته ووفاته مجهولة ويبقى شعره منتمياً إلى المدرسة الصوفية الكردية للشعر الكلاسيكي والذي يعتبر الشاعر الجزيري أمامها بدون منازع وحوله ينتشر بقية الشعراء بعد مرحلته عدا شاعر واحد جمع بين ذلك المنهج الشعري ومنهج جديد من الشعر القومي الكردي اختطفه لنفسه وتميز فيه وأصبح رائداً له وهو الشاعر المبدع الكبير ” أحمد الخاني “
************************************
كتاب – فرحة السلام – من الشعر الكوردي الكلاسيكي ، دعوة للمؤسسات الثقافية والشخصيات الثقافية المعنية لطبعه ، لعدم إمكاني طبعه .. عصمت شاهين دوسكي ،

About عصمت شاهين دو سكي

- مواليد 3 / 2 / 1963 دهوك كردستان العراق - بدأ بكتابة الشعر في الثامنة عشر من العمر ، وفي نفس العام نشرت قصائده في الصحف والمجلات العراقية والعربية . - عمل في جريدة العراق ، في القسم الثقافي الكردي نشر خلال هذه الفترة قصائد باللغة الكردية في صحيفة هاو كارى ،وملحق جريدة العراق وغيرها . - أكمل دراسته الابتدائية والثانوية في مدينة الموصل - حاصل على شهادة المعهد التقني ، قسم المحاسبة - الموصل - شارك في مهرجانات شعرية عديدة في العراق - حصل على عدة شهادات تقديرية للتميز والإبداع من مؤسسات أدبية ومنها شهادة تقدير وإبداع من صحيفة الفكر للثقافة والإعلام ، وشهادة إبداع من مصر في المسابقة الدولية لمؤسسة القلم الحر التي اشترك فيها (5445) لفوزه بالمرتبة الثانية في شعر الفصحى ، وصحيفة جنة الإبداع ، ومن مهرجان اليوم العالمي للمرأة المقام في فلسطين " أيتها السمراء " وغيرها . - حصلت قصيدته ( الظمأ الكبير ) على المرتبة الأولى في المسابقة السنوية التي أقامتها إدارة المعهد التقني بإشراف أساتذة كبار في الشأن الأدبي . - فاز بالمرتبة الثانية لشعر الفصحى في المهرجان الدولي " القلم الحر – المسابقة الخامسة " المقامة في مصر " . - حصل على درع السلام من منظمة أثر للحقوق الإنسانية ، للجهود الإنسانية من أجل السلام وحقوق الإنسان .في أربيل 2017 م - حصل على شهادة تقديرية من سفير السلام وحقوق الإنسان الدكتور عيسى الجراح للمواقف النبيلة والسعي لترسيخ مبادئ المجتمع المدني في مجال السلام وحقوق الإنسان أربيل 2017 م - حصل على درع السلام من اللجنة الدولية للعلاقات الدبلوماسية وحقوق الإنسان للجهود الإنسانية من أجل السلام وحقوق الإنسان . أربيل 2017 م . - عدة لقاءات ثقافية مع سفيرة الإعلام فداء خوجة في راديو وار 2017 م . - أقامت له مديرية الثقافة والإعلام في دهوك أمسية أدبية عن روايته " الإرهاب ودمار الحدباء " في قاعة كاليري 2017 م - تنشر مقالاته وقصائده في الصحف والمجلات المحلية والعربية والعالمية . - غنت المطربة الأكاديمية المغربية الأصيلة " سلوى الشودري " إحدى قصائده " أحلام حيارى " . وصور فيديو كليب باشتراك فني عراقي ومغربي وأمريكي ،وعرض على عدة قنوات مرئية وسمعية وصحفية . - كتب مقالات عديدة عن شعراء وأدباء الأدب الكردي - كتب مقالات عديدة عن شعراء وأدباء المغرب - كتب مقالات عديدة عن شعراء نمسا ، (( تنتظر من يتبنى هذا الأثر الأدبي الكردي والمغربي والنمساوي للطبع . )) . - كتب الكثير من الأدباء والنقاد حول تجربته الشعرية ومنهم الدكتور أمين موسى ، الدكتورة نوى حسن من مصر الأديب محمد بدري، الأديب والصحفي والمذيع جمال برواري الأديب شعبان مزيري الأستاذة المغربية وفاء المرابط الأستاذة التونسية هندة العكرمي والأستاذة المغربية وفاء الحيس وغيرهم . - عضو إتحاد الأدباء والكتاب في العراق . - مستشار الأمين العام لشبكة الأخاء للسلام وحقوق الإنسان للشؤون الثقافية . - صدر للشاعر • مجموعة شعرية بعنوان ( وستبقى العيون تسافر ) عام 1989 بغداد . • ديوان شعر بعنوان ( بحر الغربة ) بإشراف من الأستاذة المغربية وفاء المرابط عام 1999 في القطر المغربي ، طنجة ، مطبعة سيليكي أخوان . • كتاب (عيون من الأدب الكردي المعاصر) ، مجموعة مقالات أدبية نقدية ،عن دار الثقافة والنشر الكردية عام 2000 بغداد . • كتاب ( نوارس الوفاء ) مجموعة مقالات أدبية نقدية عن روائع الأدب الكردي المعاصر – دار الثقافة والنشر الكردية عام 2002 م . • ديوان شعر بعنوان ( حياة في عيون مغتربة ) بإشراف خاص من الأستاذة التونسية هندة العكرمي – مطبعة المتن – الإيداع 782 لسنة 2017 م بغداد . • رواية " الإرهاب ودمار الحدباء " مطبعة محافظة دهوك ، الإيداع العام في مكتبة البدرخانيين العام 2184 لسنة 2017 م . • كتب أدبية نقدية معدة للطبع : • اغتراب واقتراب – عن الأدب الكردي المعاصر . • فرحة السلام – عن الشعر الكلاسيكي الكردي . • سندباد القصيدة الكورية في المهجر ، بدل رفو • إيقاعات وألوان – عن الأدب والفن المغربي . • جزيرة العشق – عن الشعر النمساوي . • جمال الرؤيا – عن الشعر النمساوي . • الرؤيا الإبراهيمية – شاعر القضية الآشورية إبراهيم يلدا. • كتب شعرية معدة للطبع : • ديوان شعر – أجمل النساء • ديوان شعر - حورية البحر • ديوان شعر – أحلام حيارى • وكتب أخرى تحتاج إلى المؤسسات الثقافية المعنية ومن يهتم بالأدب والشعر لترى هذه الكتب النور في حياتي .
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.