الزمان والمكان في النظرية النسبية لأنشتاين

صباح ابراهيم

يُعتَبر العالم البرت انشتاين من اشهر واعظم علماء الفيزياء والرياضيات في القرن العشرين .فقد ترك بصماته في علم الفيزياء النظرية بابتكاره للنظرية النسبية الخاصة والعامة وقد نال جائزة نوبل للعلوم على أثر نشره لنظريته وافكاره في فلسفة النسبية .وان نظرياته تدرس اليوم في ارقى جامعات العالم ومعاهده العلمية .

 اعتبر البرت انشتاين الالماني الجنسية المولود في 14 مارس 1879 في المانيا من ابوين يهوديين ، ان كل شئ في الكون نسبي اي متغير ومتحرك، ولا يوجد جسم ساكن او ثابت او مطلقاً . ولهذا اطلق على فلسفته وافكاره العلمية اسم النظرية النسبية الخاصة والعامة .

كانت افكار انشتاين غير محدودة وواسعة بوسع الكون الذي كان يفكر فيه دائما، فقد كانت نظرياته العلمية وافكاره تبدأ من اصغر الجسيمات في الكون وهي الفوتون والالكترون داخل الذرات وتمتد بامتداد الكون الفسيح واللا محدود حتى تصل الى الكواكب والنجوم والمجرات وتخترق حدود الكون الامتناهي ، لقد تصور انشتاين ان الكون يتوسع ويتمدد كالبالون المنفوخ الى ما لا نهاية ، واُطلِقَ عليه اسم الكون الاحدب لآنه كون منحني، ولم تكن لأفكار انشتاين حدود في ابحاث الزمان والمكان والضوء والحركة والكتلة والطاقة .

توصل انشتاين بعبقريته الفذه الى اشهر معادلة رياضية في علم الفيزياء ، وهي معادلة احتساب الطاقة الناتجة من تحويل الكتلة الى طاقة حرارية اوضوئية اواشعاعية .

E=MC2اي الطاقة = الكتلة * مربع سرعة الضوء .اي المادة والطاقة قابلتان للتحول من شكل الى آخر ويمكن حسابهما من المعادلة هذه ، فكيلوغرام واحد من الفحم يمكن ان يتحول الى طاقة تعادل 25 بليون كيلوواط ساعة من الطاقة التي تولد الكهرباء ، وهذا هو سر تحول مادة الشمس والنجوم الى طاقة ضوئية وحرارية تستمر لبلايين السنين .

ومن خلال هذه المعادلة البسيطة استطاع علماء الفيزياء النظرية والذرة مثل العالم روبرت أوبنهايمر من التوصل الى تصنيع القنبلة الذرية ، من خلال حساب كمية الطاقة الحرارية والاشعاعية والكهرومغناطيسية التي تطلقها كتلة معلومة الوزن من اليورانيوم او البلوتونيوم المشع ، اذا ما قذفت بالنيترونات السريعة لانتاج تفاعل متسلسل يؤدي الى تحويل كامل كتلة العنصر المشع الى طاقة حرارية وكهرومغناطيسية واشعاعية هائلة ، وبذلك فتحت حسابات انشتاين الطريق الى عالم السلاح النووي والهيدروجيني .

أما افكار انشتاين وفلسفته في الزمان والمكان فقد شغلت حيزا كبيرا في ابحاث النظرية النسبية ، فقد اعتبر انشتاين أن الزمن والمكان وجهان لعملة واحدة يرتبطان برابطة وثيقة واطلق عليهما اسم الزمكان Space time وهما لا يفترقان عن بعضهما ابدا.

عرّفَ انشتاين الزمن بأنه مصطلح يدل على اوضاع مختلفة من المكان . وإن الزمان والمكان متصلان بحقيقة واحدة ، وأن الزمن عبارة عن انتقلات رمزية في المكان ، وان المكان مرتبط بالزمان بالضرورة .

وأفضل تعريف للزمن قاله البرت انشتاين هو: ” الزمن هو انتقال من لحظة حاضرة الى لحظة حاضرة أخرى ،ولا ننتقل من الماضي الى الحاضر الى المستقبل ، بل ننتقل من آن حالي الى آن آخر ( (from now to other now اي اننا نعيش في حاضر مستمر.

الزمن الذي نقيسه بالساعة واليوم وبالشهر والسنة ، ما هو الا مصطلحات ترمز الى دوران الارض حول نفسها وحول الشمس . والساعة الارضية هي الزمن الذي تمضيه الارض اثناء دورانها 15 درجة حول نفسها ، واليوم هو زمن دوران الارض لدورة كاملة حول محورها ، والسنة هي الوقت الذي تستغرقه الارض في مسارها لدورة كاملة في مدارها حول الشمس .

من هذا نستنتج ان الزمن عبارة عن انتقال مكاني اوحركة الارض من مكان الى آخر دون توقف

حتى الساعة المستعملة لقياس الوقت هي عبارة عن انتقالات في المكان ، اي انتقال عقربي الساعة على ميناء دائري من رقم يحتل مكاناً الى اخر يبعد عنه بمسافة محددة.

الساعة الارضية التي نستعملها لقياس الزمن مضبوطة على النظام الشمسي ، والساعة الزمنية على الارض لا تساوي الساعة الزمنية على كوكب عطارد أو المريخ ، لأن كل كوكب له يوم خاص به يُحسب حسب مدة دورانه حول محوره وعدد ساعاته تعتمد على طول يومه ، اي مدة دوران الكوكب حول نفسه وحول الشمس.

كوكب عطارد مثلا، يدور حول محوره في 88 يوماً ارضيا ، وهي نفس المدة التي يدورها حول الشمس، اي طول يوم عطارد يساوي طول السنة العطاردية ، بمعنى يوم واحد في عطارد يعادل سنة واحدة . وهذا يختلف عن التقويم الارضي وزمنه .

فالزمن نسبي كما قال انشتاين غير مطلق ويُحسب حسب المكان الذي يُقاس فيه .

اضاف انشتاين للابعاد الثلاثة المعروفة على الارض حسب الهندسة الاقليدية ( الطول والعرض والارتفاع ) الزمن بعداً رابعا لقياس المسافات البعيدة للنجوم والكواكب والمجرات في الفضاء . ووحدة القياس لهذا البعد هو السنة الضوئية ، وهي تعادل المسافة التي يقطعها الضوء في سنة ارضية واحدة ، حيث ان سرعة الضوء تساوي المسافة المقطوعة في وحدة الزمن فقد وجد بالتجربة ان سرعة الضوء تساوي 186284 ميل \الثانية او 300000 كم \الثانية

وقد اعتدنا احتساب المسافة بين مدينتين أ ، ب ان نقول المسافة بينهما تساوي مثلا 10 ساعات بالسيارة وساعة ونصف بالطائرة . وهنا نعبرعن طول المسافة بالزمن وليس بالكيلومترات ويعتمد على السرعة.

أما فيما يتعلق بالحركة والمكان وعلاقته بالكتله والطول والزمن وسرعة الضوء فقد فسر ذلك انشتاين عبر نظريته النسبية قائلا : ” التقدير المطلق لوضع اي جسم ثابت في المكان هو أمر مستحيل ، فكل جسم يُقدر وضعه ومكانه بالنسبة الى موقع جسم متغير آخر، فلا وجود لجسم ثابت في الكون مطلقاً ، وكل الاجرام والاجسام الفضائية هي في حركة مستمرة ومنتظمة “.

اعتبر انشتاين ادراك الحركة المطلقة لجسم يتحرك بأنتظام أمرا مستحيلا ً ، وبالمثل لا يمكن ادراك سكونه المطلق . كما لا يمكن اكتشاف الحالة الحقيقية لجسم ما من حيث الحركة والسكون المطلقين طالما ان هذا الجسم في حالة منتظمة . اي ان كل جسم في الكون يتحرك حركة نسبية معينة نسبة الى جسم آخر .

ومن نظريات انشتاين في النسبية هي نظرية تقلص وانكماش طول اي جسم يتحرك في الفضاء بسرعة هائلة تقترب من سرعة الضوء . فقد دلت الحسابات الرياضية النظرية على ان الجسم المنطلق في الفضاء كالصاروخ مثلا يتناقص طوله كلما زادت سرعته باتجاه الحركة، اي ان الطول يتناسب عكسيا مع ازدياد السرعة ويصبح طول الجسم المتسارع صفراً عندما تكون سرعته مساوية لسرعة الضوء .

اذا وضعت ساعة قياس الزمن داخل صاروخ ينطلق في الفضاء بسرعة تقترب من سرعة الضوء ، فانها تتباطئ ويتاخر الوقت فيها كلما ازدادت سرعة الصاروخ وتتوقف الساعة عن العمل تماما، اي يتوقف الزمن وينعدم حالما يبلغ الصاروخ سرعة الضوء .

وان كان انسان جالساً داخل ذلك الصاروخ يراقب الساعة ، فإنه لا يدرك هذه التغيرات ، وإنما يدركها الشخص الذي يراقبها في مكان ساكن خارج الصاروخ .

فالجسم المتحرك بسرعة تقترب من سرعة الضوء يتقلص طوله والزمن يتباطئ والطول يصبح صفرا والزمن ينعدم ويتوقف في لحظة وصول سرعة الجسم المتحرك سرعة الضوء التي هي اسرع شئ في الكون .كل ذلك يبدو للمراقب على سطح الارض، لأن شعاع الضوء القادم من الصاروخ او الساعة التي بداخله لن يصل الى المراقب على الارض. طبعا كل ذلك تم حسابه نظريا فقط وفي معادلات رياضية اثبتها البرت انشتاين .

ومن افكار انشتاين في نظريته النسبية ، التي ثبت صحتها فيما بعد ان الخط المنحني في الفضاء هو اقصر مسافة بين نقطتين ومثل ذلك بشعاع ضوئي ينطلق من مصدر مضئ كالنجم ويمر بقرب جرم كوني هائل الجاذبية كالشمس فأنه ينحني اثناء مروره بالقرب منها وشرح ذلك بسبب انحناء الفضاء وتأثر جسيمات الضوء ( الفوتونات ) بجاذبية الشمس ، وقد ثبت ذلك عملياً اثناء رصد كسوف الشمس الكلي ورؤية شعاع ضوئي ينحي وهو في طريقه بالقرب من الشمس .

كما اخبرنا انشتاين من خلال نظريته النسبية ان الانسان لو سافر بصاروخ ينطلق بسرعة تقارب سرعة الضوء ( وهذا شئ خيالي ) فان قضى في سفرته خمس سنوات مثلا وعاد للارض ، فإنه سيجد ان الزمن قد مر على الارض لمئات السنين اثناء غيابه خمس سنوات في الفضاء .

ومن طرائف النسبية ، سالت امراءة عجوز ثرثارة العالم انشتاين مرة ان يشرح لها ماذا يقصد في نظريته ان الزمن شئ نسبي ، اجابها انشتاين بطريقة ساخرة وهو يشرح لها معنى النسبية في الزمن قائلا :

” لو تحدثتُ معكِ سيدتي لمدة ساعة واحدة ، فستبدوا لي وكأنها عشر ساعات طوال مملة ، أما لو جلست بقربي فتاة شابة جميلة تتحدث معي عشر ساعات ، فسيبدو الزمن لي وكأنه ساعة واحدة . فهذه هي النسبية في الزمن .

20/11/2012    تواصل مع صباح ابراهيم فيسبوك

About صباح ابراهيم

صباح ابراهيم كاتب متمرس في مقارنة الاديان ومواضيع متنوعة اخرى ، يكتب في مفكر حر والحوار المتمدن و مواقع اخرى .
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر. Bookmark the permalink.

2 Responses to الزمان والمكان في النظرية النسبية لأنشتاين

  1. Moshrif tashman says:

    نعم نظرية انشتاين تفيد بان الكون محدب وهذا يعني ان له بدايه ونهايه وقد عارضه المفكر الاردني المرحوم أديب عباسي في كتابه أي الكونين هذا الكون حيث طرح نظريته التي مفادها ان الكون مستقيم لابداية له ولا نهايه….

  2. صباح ابراهيم says:

    السيد Moshrif tashman
    الكون المحدب هو جزء من كون شبه دائري مغلق ، والدائرة او شبه الدائرة تكون مغلقة الاطراق في محيطها فلا يمكن تحديد اين تقع بدايتها او نهايتها . لأنها مغلقة حول نفسها , وهكذا هو الكون .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.