الرُّوح

الرُّوح

مارثا فرنسيس

الإنسان نفس وروح يسكنان في جسد، النَّفس هي فكروإرادة ومشاعر، أما الرّوح فهي عنصر الحياة في الجسد، هي نفخة الله الخالق التي أعطت الحياة للجسد الماديّ ،وبخروج الروح من جسد الإنسان يفقد الجسد الحياة بكل ملامحها  ويعود إلى التراب الذي خُلق منه، وأما الرّوح نفسها  فهي خالدة لا تموت لأنها من الله، وهي بسيطة وغير مرئية، وهي نقطة التواصل مع الله؛ اذ بدونها لا يستطيع الجسد أن يتواصل مع الله الروح، وبالنسبة للحيوان فله نفس وجسد وليس له روح؛ ونفس الحيَوان في دمه وتنتهي حياته بسفك دمه.

هناك تداخل بين الرّوح والنفس والجسد، فالنفس والجسد يؤثران كل منهما في الآخر، ويدل على ذلك الأمراض النفسجسمية التي تصيب الإنسان، هناك امراض عضوية لها اصل نفسيّ وعصبيّ والعكس كالقولون العصبي والاكتئاب.
كما أن روح الإنسان متحدة بجسده، ولكن بينهما صراع دائم فالجسد بطبيعته يتجه للمادة ويتحرك بناءً على غرائزه الطبيعيّة، ولكنه يستطيع ألا يكون عبدًا لها، فهو يتمتع بفكر وإرادة ويتميّز بهما مع المشاعر، وبإرادته الحرّة يستطيع قبول  ما يليق  وما يناسب إنسانيته أو رفض كل ما لا يليق وكل ما ينحرف به عن الإنسانية حتى لو كلّفه ذلك تدريبات وجهدًا لتهذيب أخلاقياته.  أما الرّوح فهي تسعى نحو الله، ولهذا يقاوم كل منهما الآخر، الجسد يريد أن يدفع الروح في إتجاهه الماديّ والرّوح تحاول أن تجذب الجسد في الاتجاه إلى الله، وإذا أدرك الإنسان قيمة نفسه كإنسان سيرفض كل السلوكيات التي لا تتفق مع قيمته وإنسانيته .
الرّوح أبدية ، سرمدية ،فلم يخلق الله الانسان لكي يموت، إنما دخل الموت إلى العالم بسبب الخطية، وإذا  تناولنا الأمر بالمنطق والعقل: كيف نقبل أن يكون الهدف من خلق الإنسان أو حتى من وجوده بأي طريقة يؤمن بها من ينكرون وجود الله ؟- كيف نتعاطى فكرة أن تكون الحياة مجرد أهداف جسدية ماديّة ينتهي كل هدف عندما يتحقق، ليبحث الانسان عن أهداف جديدة قصيرة المدى أو طويلة المدى، ليحقّقها وتكون الحياة مجرد شَغل الوقت حتى يأتي الموت؟!
خلود الرّوح أمر مفرح  ومشبع ومُرضي وهو من الأسباب التي تقلل الخوف والرهبة من الموت، وأيضا يشرح معنى الأبدية، ويجعلنا نفهم أن الأبدية ليست أكلا وشربًا وجنسًا، فالرّوح التي سكنت في جسد مادي ترابي فترة من الوقت طالت أو قصرت- تتحرّر من هذا الجسد وتسكن جسد أبدي وتعلو وتسمو فوق مقاومة هذا الجسد، وتتوقف الحرب بينهما ولا يعود الجسد يشتهي ضدها، وتبدأ مرحلة جديدة دائمة لا يكون فيها دموع فيما بعد ولا موت ولا فقر ولا مشاكل.
فكرة الجنة المادية الملموسة والتي يستمر فيها الانسان بنفس غرائزه وشهواته بل أكثر ممّا كان في الحياة على الأرض، فكرة غير مقبولة بالعقل والمنطق،بل أنها مُخزية ومخيِّبة للآمال فما نوع هذا الجسد الذي سيكون معمراً إلى الأبد، وهو في نفس الوقت ماديّ يمارس الغرائز الجسدية الطبيعية؟! هل سيكون في الأبدية اكل؟ وهل يعني هذا أن الجنة ستكون نسخة موسعة  من الحياة على الأرض؟ وهل سينجب الناس في الجنة؟ الجسد الذي يمارس كل المتطلبات الجسدية هل سيظل بنفس امكانياته واحتياجاته الجسدية في الأبدية؟  وكيف سيكون الانسان بهذا الجسد المادي في حضرة الله الرّوح؟
خلق الله الإنسانً من نفس وروح وجسد، خلقه بإرادة حرّة وقدرة على إتخاذ القرارات، خلقه كائنًا إجتماعيًا يتغذّى عقله وكيانه على الحب، كان الانسان البدائيّ يعيش حياة بدائية، حياة تتميَّز بالبساطة واستخدام المواد المتاحة فيشعل النار بحك حجرين بعضهما مع بعض، ويتغذى على كل ماهو حوله من الطبيعة، وكلما إرتقت حياة الإنسان كلما إرتقت قدراته ومواهبه، وكلما إستطاع أن يطوِّر جسده حسب طريقة معيشته وإحتياجه للتوافق مع هذه الطرق، لم تتغير مكونات وأجزاء مخّ الانسان ولكنها تطوّرت فالقرد مُذ خُلق وهو قرد، والانسان مذ خُلق وهو انسان.

الرّوح هي المنطقة في الانسان التي تستطيع التقابل والتواصل مع الله. وهي تميِّز الإنسان عن سائر المخلوقات.
يقول علماء الكيمياء أن جسد الإنسان اذا تحلّل وُجد فيه: كربون وهيدروجين واكسوجين ونيتروجين وكالسيوم وحديد و كبريت وفسفور وغيرها ،وهي نفس العناصر التي يتركّب منها تراب الأرض بأنواعه.
الرّوح الخالدة  تجعلنا نفهم معنى أن الإنسان هو تاج الخليقة- وأن الإنسان لم يكن أبدًا في أصله قردا، فلم تثبت صحة تسلسل الإنسان من الحيوانات البكم، ووُجد أن الفرق بين أقدم البشر والقرود كالفرق بين أحدثهم والقرود في كل ما يختص بالبنية الجسدية، فمثلا حجم الدماغ يبيّن أن هناك فرقًا واضحًا بين جماجم البشر والقرود من بداية تاريخ البشر وحتى الآن ولو قارننا حجم جماجم أقدم البشر مع جماجم الإنسان في عصرنا الحالي لن نجد فرقاً غير أن جماجم القدماء كانت أكبر قليلا من جماجم الإنسان حالياً، كان إعتماد الإنسان القديم على قوته الجسدية في كل أمور حياته، وقلَّ تدريجيًا هذا الاعتماد نتيجة للتقدم التكنولوجي والتقني حتى أصبح الانسان يقوم بكل اعماله وهو جالس على مكتبه، وهذا من أهم أسباب اختلاف شكل الهيكل العام للإنسان الآن عن شكله منذ بداية تاريخ البشرية.

الإحتياج إلى الله ليس مجرد شعور نفسيّ،  ولكنه واقع حقيقي ودليلي على ذلك أن كلّ من يتبنّون هذا الفكر”أن الاحتياج الى الله مجرد شعور نفسي” لايجدون شبعهم أو تسديد إحتياجاتهم من الحب والأمان وسلام القلب بكل الطرق والوسائل،  رغم توفّر الفرصة والإمكانيات لملء هذه الاحتياجات بأمور أخرى، بل يظل الإنسان يبحث عن شئ لا يعرفه ولا يستطيع تسميته إلا بعد أن يقترب ويتعرّف إلى الله الإله الحيّ.

محبتي للجميع

About مرثا فرنسيس

مرثا فرنسيس كاتبة مسيحية، علمانية، ليبرالية
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.