الرفيق سوكارنو

د. ميسون البياتي

إسمعوا هذا الخبر الذي يقول لكم : (( يوم 17 أغسطس 1945 هو يوم إعلان إستقلال إندونيسيا من الإحتلال الياباني ، ومع عودة الأطماع الإستعمارية الهولندية لم تمنح إندونيسيا الإستقلال الفعلي إلا يوم 27 ديسمبر 1949 )) . إنتهى الخبر 
4
سنوات , وشهرين , و14 يوم .. كيف أدارت إندونيسيا أمورها كدولة من دون حكومة منذ يوم إعلانها إستقلالها .. الى يوم ( منحت ) إستقلالها ؟؟؟ ركزوا على الفعل في عبارة : ( منحت إستقلالها ) . الفعل مبني للمجهول .. من هو المجهول الذي منح إندونيسيا إستقلالها ؟
تبلغ مساحة جمهورية إندونيسيا اليوم حوالي مليوني كيلومتر مربع , أما عدد سكانها فيصل الى 240 مليون نسمة , 88% منهم مسلمون , 8% مسيحيون , 2% هندوس و2% فئات متفرقة من ديانات أخرى . لغتها الرسميه هي لغة الباهاسا الإندونيسيه إضافة الى الإنكليزية
أما مواردها الاقتصاديه فهي : النفط , الغاز , المنسوجات , الخشب , القهوة و الشاي , المطاط , الفحم , النحاس , الفلفل و البهارات و التوابل , الرز , زيت النخيل . 
أما العملة .. فهي الروبية التي يتذبذب سعرها ما بين ( مليون _ 800 ألف ) مقابل كل 100 دولار أمريكي

إندونيسيا دولة تتكون من 17 ألف و 508 جزيرة تمتد على مسافة 4800 كيلو متر , فاصلة المحيط الهادي عن المحيط الهندي , أرخبيل من الجزر المنتشرة من جنوب شرق آسيا حتى أستراليا . من أشهرها : جزيرة جاوة التي تقع فيها العاصمة ( جاكارتا ) , وجزيرة سومطرة التي تمتد فيها سلسلة جبال ( بوكيت باريسان ) , أما جزيرة بالي فهي من أشهر جزر إندونيسيا رغم صغرها لنشاط السياحة فيها , أما جزيرة تيمورالشرقية فمعروفة عالميا بسبب مشاكلها السياسية . وهذه الجزيرة مقسمة مناصفة بين إندونيسيا وإستراليا , أما جزيرة غينيا الجديدة فمقسمة بين إندونيسيا وحكومة بابو غينيا , وقد سماها المستعمرون البرتغاليون بهذا الإسم لشبه طبيعتها وناسها بالأفارقة الغينيين

من الجزر الكبيرة هناك جزيرة بورنيو حيث تسيطر إندونيسيا على حوالي ثلثيها ويدعى هذا الجزء ( كلمنتان ) بينما تسيطر ماليزيا على الباقي , عدا جزء صغير جدا تقع عليه سلطنة بروناي وعاصمتها : بندر سري بگوان

حوالي نصف سكان إندونيسيا يعيشون في جزيرة جاوة التي تقع بها العاصمة جاكارتا , وينتشر نصفهم الآخر على حوالي 6000 جزيرة أخرى قد تبدو رسمتها ليست أكثر من نقطة على الخارطة , في حين هناك ما يزيد على 10 آلاف جزيرة , لا يوجد لها حتى رسم على الخارطة , ويسكنها بشر قلائل , وأحيانا تكون مهجورة


إندونيسيا هي جزء من ( حزام النار ) الذي يفصل المحيط الهادي عن المحيط الهندي , حيث المنطقة بأكملها واقعة على حزام من البراكين والزلازل . في ديسمبر 2004 , وقع زلزال تحت مياه المحيط , تسبب عنه ( سونامي ) قتل ما يزيد على 150 ألف شخص فيها

إسم الدولة : ( إندونيسيا ) إسم منحوت من كلمة ( هند صينية ) , عاشت فيها قبائل صغيرة حاولت تشكيل مملكة مستقلة , أخيرا نجحت في تشكيل ( مملكة الساجاباهيت ) التي حكمت 200 سنة , ثم غزاهم البرتغاليون عام 1511 , حيث حكموا إندونيسيا وتاجروا بتوابلها الى كل دول أوربا


في القرن السابع عشر سيطر الهولنديون على إندونيسيا وإستولوا على تجارة توابلها مع أوربا , أما أثناء الحرب العالمية الثانية , فقد إجتاحت ألمانيا هولندا وأسقطت حكومتها في إسبوع , فإجتاح اليابانيون حلفاء الألمان إندونيسيا وإحتلوها , حين ألقى الأمريكان قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناكازاكي , إستسلمت اليابان وخسرت دول المحور الحرب

وخلال 3 أيام من إستسلام اليابان أي في 17 آب 1945 , تجمع عدة مئات من الأندونيسيين المسلحين بكل ما تمكنت يدهم حمله من ( السلاح الأبيض ) في مواجهة بناية , ينتظرون أن يطل منها زعيم ( حركة إستقلال أندونيسيا ) أحمد سوكارنو ليقرأ بيانا 
في العاشرة صباحا , خرج أحمد سوكارنو الى شرفة الطابق الثاني , يرتدي ملابس بيضاء , لكنه كان مرهقا جدا من حمى الملاريا , ثم سار بإتجاه مايكروفون تمت سرقته من القوات اليابانية المتحالفة مع الألمان , وقال ببساطة : شعب أندنوسيا الحاضرون هنا , نعلن أندونيسيا بلدا مستقلا , وأمور تسلم الحكم وبقية شؤون البلد ستنفذ بنظام , وبأقصر وقت ممكن )) . بعدها شاهدت الجموع السيدة ( فاطماواتي ) زوجة سوكارنو وهي تلوح بعلم أبيض وأحمر يشبه علم إمارة موناكو , رفعته على قصبة بامبو , عندها بدأ الجميع ينشدون نشيد ( أندونيسيا راجا ) أي أندونيسيا العظيمة , عندها أخذ الحماس سوكارنو فصاح : الحمد لله والشكر , رفعنا الآن علم الجمهورية , فإذا كان عليه أن ينكس ذات يوم , فلن يكون ذلك إلا بموتنا نحن ال 72 مليون أخ أندونيسي

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية تصارعت في حوض الباسفيك قوى عظمى للسيطرة على أطرافه المترامية , قوى إستعمارية قديمة مثل بريطانيا وهولندا وإسبانيا والبرتغال وفرنسا , وقوى إستعمارية فتية أو حديثة برزت الى السطح كأقوى ما تكون بنهاية الحرب وحاولت فك النظم الإستعمارية القديمة والحلول محلها في عملية السيطرة على العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي , فمن أين لدولة جديدة مترامية الأطراف وفقيرة , أن تصمد وحيدة ومستقلة في أقصى بقاع الأرض !!؟


حين سقطت اليابان , عد الأمريكان الذين صاروا أعداء اليابان التقليديين منذ موقعة ( بيرل هاربور ) , جميع الممتلكات اليابانية , قد صارت ملكا أمريكيا . وهكذا إستعمل الأمريكان الإندونيسيين , لقتال الهولنديين الحالمين بالعودة الى إندونيسيا , ومن ورائهم البريطانيين الذين آووا الحكومة الهولندية بعد سقوط المملكة الهولندية بيد هتلر , إضافة الى الشيوعيين المحليين المدعومين من الخارج

إستمر القتال 4 سنوات وشهرين و14 يوم , الى أن تأكد الأمريكان ان الساحة قد خلت لهم , فمنحوا إندونسيا إستقلالا ( أمريكيا ) على شكل حكومة من مواطنين محليين , إذ لاحاجة للأمريكان لا بأرض ولا بشعب إندونيسيا , خصوصا وإن الإندونيسيين يرفضون أي شكل للتواجد الأجنبي على أرضهم نتيجة خبرتهم السيئة مع الكثير من المستعمرين المتعاقبين الذين غزوهم طيلة القرون الماضية


ربط الأمريكان البلد بموافقة على إستثمار رؤوس أموال أمريكية في أندونيسيا , وموافقة على تسلم قروض من البنك الدولي الأمريكي , وكل من ( رؤوس الأموال + البنك الدولي ) ما زالا يحلبان الإقتصاد الإندونسي , منذ ( منحت ) إندونسيا إستقلالها حتى اليوم , وكل يوم جديد يجلب لها المزيد من الخراب الإقتصادي , ترافقه العديد من المشاكل الإجتماعية والوطنية , ولم يكن وقتها بيد الإندونيسيين أي خيار لرفض هذا الواقع المر


من هو أول رئيس لجمهورية إندونيسيا وكيف وصل الى الحكم ؟ 
في عائلة من الطبقة المتوسطة ربها يعمل معلما , ولد سوكارنو وتعلم من أهله مشاعره الوطنية وإستعملها لتحرير بلده أندونيسيا من حكم الإستعمار الهولندي , وكان متعاونا مع اليابانيين أعداء بلده في فترة الحرب العالمية الثانية لقمع الأندونيسيين أنفسهم , فقد كانت الطريقة التقليدية القديمة لطرد مستعمر , لاتستبعد التعاون عليه مع مستعمر جديد غيره , وأخيرا حين إنبثقت أندونيسيا الى الوجود كدولة مستقلة شكلا , ( يستعمرها ) الأمريكان إقتصاديا , فإن سوكارنو حكمها بتنفذ الى أن تمت الإطاحة به


إسمه الحقيقي ( كوسنو سوسرو سوكارنو ) ولد يوم 6 حزيران 1901 في قرية تقع على الساحل الشمالي من جزيرة جاوة . معظم أهل جاوة وبسبب تعقيد اللغة يستعملون كلمة واحدة للدلالة على إسمهم حين يصبحون بالغين , ولهذا فإن سوكارنو الذي منحه أهله إسم ( كوسنو سوسرو ) عند ولادته , مطلقين عليه أسم شخص من أهل جاوة معروف بشجاعته , لم يكن له خيار في ذلك الإسم , الذي غيره الى ( أحمد ) فيما بعد , فنسبة 88% من مواطنيه هم من المسلمين


أبوه كان معلما مسلما , أما والدته فقد كانت هندوسية من جزيرة بالي . ذلك الوضع في عائلة سوكارنو , يشبه كثيرا جدا أوضاع كل العوائل في أندونيسيا المختلطة دينيا بشكل متعارف عليه ولا شائبة حوله , أما ( إسلام ) عائلة سوكارنو , فهو ليس ( الإسلام ) الذي يعرفه العرب أهل الجزيرة العربية والشرق الأوسط , وإنما هو ديانة خليط بين ( الإسلام + الهندوسية + البوذية + العقيدة التقليدية القديمة عند سكان جاوة ) , وفيما بعد إستعمل سوكارنو عناصر من كل هذه العقائد ليضيفها الى إسمه وشخصه تفيد في توحيد مواطنيه من أجل الإستقلال


كصبي , عاش سوكارنو ( مواطنا من الدرجة الثانية ) في بلده الذي يحكمه الهولنديون , ويسمونه ( جزر الهند الشرقية الهولندية ) . كان الإستعمار الهولندي غاشما , فقد إستغل الهولنديون موارد الجزر الطبيعية , وأجبروا الأندونيسيين بالقوة على العمل في المزارع التي تنمي المحاصيل كالسكر والتبغ والقهوة والمطاط التي يبيعها الهولنديون في أسواق العالم


النتيجة الوحيدة من تلك المعاملة اللاإنسانية .. أن الأندونيسيين لم يتمكنوا خلالها من زراعة ما يكفيهم من غذاء فقاسوا الكثير من المجاعات , وجنى الهولنديون الثروات الطائلة بينما السكان يموتون من الجوع


وكصبي .. يتذكر سوكارنو أولاد الهولنديين ينادونه ب : الولد الغبي أسمر البشرة , ويعلق على ذلك بقوله : حتى الأطفال الشقر عرفوا كيف يبصقون علينا . وعلى الرغم من دلال الأولاد الهولنديين فقد إلتحق سوكارنو بمدرسة ثانوية في مدينة قريبة , تمكن والداه من إرساله إليها حين صار عمره 15 سنة . كان طالبا من بين 20 أندونيسي بين 300 طالب آخرين , حيث واصل سوكارنو السعي ما بإستطاعته للتفوق على الهولنديين والإنكليز والفرنسيين


أثناء دراسته الثانوية عاش سوكارنو مع عائلة من أصدقاء والده يلقبون ب( جوكروامنيتو ) , وكانوا طبقة من نبلاء جاوة المسلمين , وهم قادة لمنظمة إسلامية تدعى ( صرخة الإسلام ) , منظمة تم تأسيسها لحماية تجار جاوة من التلاعب السياسي بهم , لكنها وسعت نشاطها لتلعب دورا لصالح ( الدين الإسلامي ) نفسه . وقد تعلم سوكارنو الكثير منهم مما هيأه ليقود نضال الإستقلال خلال السنوات التالية


آل ( جوكروامنيتو ) صاروا أوصياء على تعليمه تاريخ مقاومة الهولنديين في إندونيسيا . وجعلوه يقرأ ويطلع من خلال كتب مكتبتهم , على سير قادة الإستقلال في الدول الأخرى , مثل شخصية جورج واشنطون في الولايات المتحدة الأمريكية , والإيطالي جوزيف غاليباردي


قبل أن يصبح عمره 18 سنة إنضم سوكارنو الى منظمة ( شباب جاوة ) وهي منظمة تسعى الى التعريف بثقافة جزيرة جاوة , والمناداة بها , سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية , بطريقة تدعو الى مناهضة الإستعمار


في العام 1921 عقد سوكارنو زواجه على ( سيتي أوتاري ) وهي فتاة عمرها 15 سنة من عائلة جوكروامنيتو , وكان من المؤمل الزفاف حين يصير عمرها 18 سنة . وفي نفس السنة دخل هو الى الكلية التقنية في مدينة باندونغ ليدرس الهندسة . لكنه قطع دراسته حين إعتقل الهولنديون العديد من آل جوكروامنيتو متهمينهم بمساندة عصيان الفقراء في جزيرة ثانية


عاد النسيب سوكارنو ليعمل كاتبا في مصلحة القطارات ليعيل عائلة أنسابه أثناء غيابهم . كتب عن ذلك فيما بعد قائلا : أشعر في صدري أن ذلك واجبي .. كلا.. ! .. أشعر أنه إمتيازي أن أكون قادرا على مساعدة هؤلاء البشر الذين كانوا مثل النور الذي قادني ليريني الطريق

رجع الى كلية الهندسة في السنة التالية , وفي هذه السنة وقع في غرام فتاة جديدة فطلق الأولى ليتزوجها


بدأ سوكارنو يتكلم علنا في كليته عن الإستقلال , قال في إحدى المناظرات الكبرى في الكلية : دعونا نتوقف عن الكلام , وبدلا عنه لنطلق النار على السيد إمبريالي , فهذا هو المطلوب منا الآن . سمع عميد الكلية بنشاطات سوكارنو فحذره بأن يبقى بعيدا عن السياسة , وقد إبتعد سوكارنو عنها فعلا لحين تخرجه


تخرج سوكارنو عام 1926 مهندسا مدنيا متخصصا في شق الطرق السريعة والقنوات المائية , لكنه رفض الحصول على عمل مع الحكومة المحتلة , فبدأ يعلم الرياضيات في إحدى المدارس , ثم طرد من وظيفته لأنه تكلم في السياسة داخل قاعة الدرس


كوطني شاب أدرك سوكارنو أن أكبر عائق يقف في طريق أندونيسيا المستقلة هو إنقسام مواطنيه , ففي هذا الأرخبيل المترامي الأطراف ينقسم الناس لغويا وجغرافيا ودينيا وسياسيا , ولهذا فإن أحزابا سياسية مثل حزب صرخة الإسلام , أو الحزب الشيوعي الأندونيسي , تستمد دعمها من فئات مختلفة من الأندونيسيين , لذلك رأى سوكارنو أن من واجبه أن يقارب بين وجهات نظر الأندونيسيين ويحثهم على الإستقلال , من أجل ذلك أسس جماعة تحمل إسم ( جمعية الدراسات العامة ) ونشر في جريدة هذه الجمعية مقالات طويلة تتحدث عن ( الوطنية والإسلام والماركسية ) ودعا الى توحيد التوجهات لتحقيق حلم الإندونيسيين في التناغم وحل الخلافات


وبمصاحبة عدد من زملائه في الجمعية قام بتأسيس ( جمعية أندونيسيا الوطنية ) التي سرعان ما تحولت الى حزب سياسي كان سوكارنو هو رئيسه , عندها صار أنصاره ينادونه ( بونغ كارنو ) وكلمة بونغ , كلمة باللغة الأندونيسية البهاسا معناها ( أخ أو رفيق ) , خطبه صارت أكثر حماسا وكان يدعو فيها الى شيء واحد محدد هو : الإطاحة بحكومة الإحتلال


حدد سوكارنو أول موعد لإجتماع حزبه عام 1928 وواصل الكتابة وإلقاء الخطب والعمل التنظيمي فزاد عدد أعضاء حزبه خلال فترة قصيرة من الف شخص الى 10 آلاف . وصار سوكارنو معروفا من قبل مواطنيه الأندونيسيين كما عرف من قبل الهولنديين .
وفي جميع أحاديثه كان يمازج ما بين آرائه السياسية , والإشتراكية , والفلسفة الخاصة بعقيدة أهل جاوة , والإسلام , وبقية العقائد الأخرى , بما يؤمن توحيد تطلعات الأندونيسيين الشديدة الإختلاف


في العام 1929 إعتقل الهولنديون سوكارنو متهمينه بالتخطيط للإطاحة بالحكومة الهولندية , وقضى 8 أشهر في المعتقل قبل إرساله الى المحكمة . يتذكر زنزانته قائلا : كانت كالقبر تماما , فلم يكن بها شباك أو فتحة لرؤية ضوء الشمس . كما أنه لم ينس ما سماها : الإهانة والصرامة والقذارة , ومليون أذى صغير آخر في حياة المعتقل المنحطة


ناضل سوكارنو في المحكمة من أجل أن يمنح حق الدفاع عن نفسه , وعندها قال : نعم نحن ثوريون حتى لو كانت كلمة ( ثوريون ) تعني ( متطرفين ) أو ( راغبين بتغيير سريع ) … أندونيسيا ستكون حرة , فتاريخ العالم والإنسان لم يثبت ولا مرة واحدة أن الشعوب تبقى تحت الإحتلال الى الأبد , على العكس فهذا التاريخ يؤكد مرة بعد أخرى حقيقة أن الشعوب تنجح دائما في تحرير أنفسها

على الرغم من دفاعه القوي عن نفسه إلا أن المحكمة وجدته مذنبا وحكمت عليه بالسجن 4 سنوات . لكن مرافعته عن نفسه داخل المحكمة جعلته في عيون مواطنيه بطلا كبيرا . 
وعلى الرغم من أن الكتب كانت ممنوعة داخل السجن إلا أن الكتب الدينية كان مسموحا بها ولهذا قضى وقته في دراسة الكتب الدينية , القرآن والبايبل وبقية الكتب المقدسة الأخرى

وبعد عامين أطلق سراحه فإنطلق الى أندونيسيا التي كانت المشاعر القومية قد إنتشرت فيها بشكل كبير , كانت الجماهير تحييه أينما توقف , وعاد الى مزاولة عمله السياسي رغم التهديد بتجديد الإعتقال , وتحدث عن الوحدة , وواصل الكتابة والدعوة الى الديمقراطية السياسية والإقتصادية التي تحكم رأي الشعب 100% في أموره الخاصة

لكن الهولنديون لم يكونوا راغبين بكل هذا الكلام , لذلك عادوا الى إعتقال سوكارنو عام 1933 وهذه المرة لم يكن الحكم عليه بالسجن في مركز أندونيسيا , بل نفيه الى أبعد جزيرة ممكنة , ولذلك فقد تم ترحيله هو وعائلته الى أقصى جزيرة في شرق أندونيسيا تدعى ( فلورس ) , كما تم سحق حزبه


بقي في فلورس حتى عام 1938 حيث سمح له الإنتقال الى قرية في جزيرة سومطرة ليبقى بعيدا عن مركز السياسة في جاوة . وفي منفاه طلق سوكارنو زوجته وتزوج من جديد , فخلال حياته تزوج سوكارنو وطلق 4 مرات


خارج أندونيسيا كان العالم قد تغير , بدأت الحرب العالمية الثانية , وغزت ألمانيا هولندا عام 1940 وأسقطت حكومتها في أسبوع فغادرت الحكومة الهولندية الى لندن ومن هناك فاوضوا سوكارنو أن يطالب بعودتهم الى حكم أندونيسيا مقابل إطلاق سراحه , لكنه رفض


وفي آسيا كان اليابانيون قد إحتلوا منشوريا الصينية , وهاجموا الفلبين وهونك كونغ وسنغافورة عام 1941 , ثم أحرقوا ميناء ( بيرل هابور ) الأمريكي . في بداية العام 1942 غزا اليابانيون أندونيسيا وإحتلوها كلها , وقام الغزاة اليابانيون بإعتقال المواطنين الهولنديين فيها وإلقائهم في السجون , ولهذا فحين أطلقوا سراح سوكارنو وطلبوا منه أن يكتب لصالحهم , وافق على ذلك لم لا وهم قد خلصوا أندونيسيا من الهولنديين !!؟


يجب أن نعرف أن اليابان كانت تسعى الى طرد الأوربيين من كل قارة آسيا منذ إنتصرت على روسيا في الحرب عام 1905 , وقررت أن على الآسيويين مقاومة الإحتلال الأوربي , وبذلك كانت اليابان هي النموذج الذي يحتذى في الصين وبورما وغيرها من دول آسيا

وحين هاجمت إندونيسيا وهزمت الهولنديين فيها , بدا للإندونيسيين وكأن إستقلالهم صار باليد , شاكرين فضل التحرير لليابان


بالنسبة الى سوكارنو الذي كان منفيا منذ 10 سنوات , فإن العمل مع اليابانيين كان خطوة بإتجاه الإستقلال بنظره , لذلك كان يرفع الحالة المعنوية لمواطنيه , ويتخذ القرارات الستراتيجية , معلنا عن ذلك من خلال كتاباته المنشورة


في تموز عام 1942 نقل اليابانيون سوكارنو وعائلته الى جاكارتا , وفيها إلتقى برفيقيه القديمين ( محمد هاتا ) و ( سوتان سجاهري ) , وبدأ الثلاثة بالتخطيط لإستقلال بلدهم بالتعاون مع اليابانيين , وتأسيس حركة مقاومة ومطالبة بالإستقلال , وأمضى سوكارنو 3 سنوات يكتب ممجدا اليابانيين من بيته المريح في جاكارتا , بينما آلاف من مواطنيه يعانون ما يعانون تحت الإدارة اليابانية


أجبر اليابانيون آلافا من الإندونيسيين على العمل ( سخرة ) في إندونيسيا وبقية دول آسيا , فغادر 300 ألف إندونيسي بيوتهم وقراهم , ولم يرجع منهم غير 70 ألف , بينما سوكارنو ومحمد هاتا يتعاونان مع اليابانيين مخدوعين بتسلم الإستقلال في نهاية المطاف


أسست اليابان ( المجلس الإستشاري المركزي الإندونيسي ) عين فيه الجيش الياباني العديد من الإندونيسيين لإستشارتهم ومن بين هؤلاء كان سوكارنو ومحمد هاتا , وحين صار واضحا لليابانيين أن دول الحلفاء قررت نقل قتالها الى آسيا , شجعوا الإندونيسيين على تأسيس منظمة دفاع إندونيسية سميت ( الجيش التطوعي لحماة الوطن ) الذي أدارته إدارة يابانية متشددة


عام 1944 وحين بدأت الحرب تصير سيئة على اليابان في المحيط الهاديء , وعد اليابانيون ب ( إستقلال مستقبلي ) لإندونيسيا , لكنهم تحاشوا أي حوارات جدية في هذا الموضوع حتى آخر دقيقة من وجودهم في هذا البلد , و حين تيقنوا أن دول الحلفاء ستنتصر عليهم , وعدوا سكارنو وبعض رفاقه بمناقشة الإستقلال بعد نهاية الحرب , وحين إنتهت الحرب , كانت اليابان خاسرة فيها . عندها ظهر سوكارنو من شرفته وقرأ بيان الإستقلال الذي تحدثنا عنه في البداية


لكن الجمهورية لم تكن موجودة إلا في ذهن رئيسها , فدول الحلفاء المنتصرة أمرت اليابانيين بتسليم إندونيسيا الى الهولنديين , وهكذا ستعود إندونيسيا الى مستعمرها القديم . 
كل هذا الحال لم يكن يهم سوكارنو قدر إهتمامه بضرب مواطنه ( تان مالاكا ) رئيس الحزب الشيوعي الإندونيسي الذي أسس حركة مقاومة شيوعية ضد اليابانيين وهم على أهبة المغادرة . قرر سوكارنو أن أكبر ما يقلقه هو هذه القوات الشيوعية , فأمر رجاله بتدمير الشيوعيين عام 1946


حين وصل الهولنديون وتسلموا البلد وافقوا على أن يحكمه سوكارنو , ولكن على أن تبقى قرارات إندونيسيا الخارجية بيدهم , فوافق سوكارنو على ذلك لمصلحته ومصلحة بلده , لكن العديد من الإندونيسيين المدعومين خارجيا , قرروا الرفض والقتال , وحين وجد الهولنديون أن سوكارنو عاجز عن إيقاف المقاومة ضدهم , ألغوا صلاحياته وإعتقلوه .
رفض الهولنديون مغادرة إندونيسيا الى أن تأسست قوة مختلطة من : مقاتلين إندونيسيين وقوات من الأمم المتحدة و( قوات من الولايات المتحدة ) , حيث أكدت ( راعية الديموكرسي حول العالم ) , إنها ستجبر الهولنديين على المغادرة


أطلق الهولنديون سراح سوكارنو , وتفاوضوا حول المغادرة , و بواسطة العدالة الأمريكية أخيراااا …. يوم 27 ديسمبر 1949 أعلنت إندونيسيا دولة مستقلة , رغم كل مواردها وطاقاتها البشرية إلا أن أغلب مواطنيها يعيشون اليوم وبعد 50 عاما على ذلك الإستقلال , تحت خط الفقر فيا أهلا بالإستقلال


يقول سوكارنو عن ذلك اليوم بحماسة مفرطة : بقلب يخفق نزلت الى بحر من البشر . ولم أكن أتمكن من التحرك وسط الحشود , ملايين تعقبها ملايين يملأون الشوارع والأرصفة , كانوا يبكون , ويهتفون , ويصرخون : عمرك طويل يا بونغ كارنو ………. رفعت كلتا يدي عاليا , وحييت بقبضات فولاذية الملايين . سكتوا جميعا ولم يتحركوا , كانت هناك أصوات بكاء فقط . الحمد لله , شكرا ربي , أنا أبكي , نحن أحرار


ولفترة طويلة ظل سوكارنو يحظى بسمعة الرجل القوي لأنه حارب بريطانيا وهولندا والشيوعيين , وإنتصر على أطماعهم في بلده , ولكن هل تساءل أحد عن مصدر دعمه وتمويله وتسليحه ؟ فالإجابة على هذا السؤال وحدها تعطي الرد عن المستفيد الأول من طرد هذه القوى عن إندونيسيا


سباق حركات التحرر الإندونيسية في الوصول الى الإستقلال , جعلها تقاتل الأوربيين وتقاتل بعضها أيضا , بعد الإستقلال صار السباق بينها على الحصول على الشرعية السياسية التي لايوافق البرلمان على المساس بها , ولهذا ففي خلال عامين كانت الحكومة قد تبدلت 12 مرة , لأن حكم هذا الأرخبيل الشاسع أثبت أنه عملية صعبة جدا , تتطلب من الحكومة العناية بالتعليم والصحة وجميع الخدمات الأخرى , في حين تم تحديد الحريات السياسية بشكل كبير . في العام 1955 هاجم سوكارنو طريقة ممارسة الديمقراطية في بلده وأعلن إلتزامه بمباديء ( البانجا سيلا ) ( العقيدة الإندونيسية الجديدة ذات المباديء الخمسة ) التي كان قد نظر لها كثيرا منذ العام 1945 . فأصبحت إندونيسيا مجزأة سياسيا , رغم كونها أمة واحدة , بسبب قراره هذا


ورغبة في حيازة أكبر قدر من القوة لنفسه , فإن سوكارنو دعا الى ما سماه ب ( الديمقراطية الموجهة ) بكسر الجيم وفتح الهاء , أي : أمة يوجهها شخص واحد .. هو : سوكارنو نفسه


عام 1957 دعا الى حل البرلمان , وحين عم التمرد في عدة أجزاء من الوطن , وجدها سوكارنو فرصة لإعلان الأحكام العرفية . وعلى الرغم من أن إعلان الأحكام العرفية يتجاوز سلطة سوكارنو الدستورية , فإن الجيش ظل مواليا له , عندها صار يصدر قراراته دون تدخل , فإعتقل معارضيه , وأسس ما يعرف ب ( المجلس الإستشاري الوطني ) لمعاونته , في الوقت الذي يملك فيه الرئيس سلطات إستبدادية مطلقة


في الستينات صار سوكارنو معروفا بخطبه النارية التي يبلور فيها أفكاره الثورية عن ( الناساكوم ) التي تتكلم عن : القومية والدين والشيوعية , وهي مرتكزات السياسة الإندونيسية , و( النوكوليم ) الذي ( يتصدى ) ل : الإستعمار والإمبريالية


لكن سوكارنو لم يتطرق في كل تلك الخطب الى حجم ديون بلده الخارجية , ولا الى حجم الإستثمارات الأجنبية فيه , ولا الى فاقة الأمة وجوع المواطن , ولا الى حجم الفساد المستشري في أجهزة الدولة , ربما لأنها .. تحصيل حاصل


عام 1963 صرف سوكارنو إنتباه الناس عن خطبه وأحاديثه الى قضية جديدة برفعه شعار ( سحق ماليزيا ) ومجابهة هذا البلد الجار , الذي يتقاسم معه جزيرة بورنيو , فكما ذكرنا فالجزيرة مقسمة الى إقليم ( كلمنتان ) الإندونيسي ومساحته تعادل ثلثي الجزيرة فيما تحكم ماليزيا الثلث الباقي عدا مساحة ضئيلة جدا هي سلطنة بروناي وعاصمتها : بندر سيري بگوان


ولايتا ماليزيا ( سراواك , وصباح ) تقعان في شمال جزيرة بورنيو , محادتين تماما لإقليم كلمنتان الإندونسي , ما الذي حصل ليدعوا سكارنو الى رفع شعار ( سحق ماليزيا ) ؟ 


بعد صراع طويل بين المستعمرين الأوروبيين للسيطرة على بلدان جنوب شرق آسيا , استطاع الاستعمار البريطاني في العشرينات من القرن التاسع عشر من السيطرة على أجزاء واسعة من ماليزيا و تحجيم الاستعمار الهولندي فيها في الوقت الذي كانت تسيطر هولندا على غالبية الجزر الاندونيسية . و حفاظا على مصلحة الاستعماريين توصل الطرفان الى معاهدة تنسحب بموجبها بريطانيا من جميع المرافئ الاندونيسية , و تقوم هولندا بالمقابل بترك جميع المرافئ الماليزية بما فيها سنغافورة و المناطق القريبة منها .

أحكم البريطانيون السيطرة على الولايات الماليزية التسعة , وإنتهجت بريطانيا سياسة فرق تسد في إدارتها وقامت بتوقيع معاهدات مع أربع منها وهي ( بيراك , سيلانجور , باهانغ , و نيجيري ) و شكلت منهم إتحادا فيدراليا دعي ب : الفدرالية المالاوية


دعمت بريطانيا هذا الإتحاد إقتصاديا برؤوس أموالها لتنميته والنهوض به اقتصاديا وسياسيا , وأهملت بشكل واضح الولايات الخمس الأخرى من خارج إطار الفيدرالية في محاولة لتجزئة ماليزيا بضرب الأفكار الوطنية و القومية لمواطني هذه الجزر بواسطة المال إلا أنها لم تستطع إرغام الشعب الماليزي على التعامل معها , أو العمل في مؤسساتها كعمال أو فلاحين


دفع ذلك البريطانيين للبحث عن العمالة من الخارج , توجهوا الى الصين ذات الكثافة السكانية العالية و القريبة جغرافيا منهم . لكن العمالة الصينية القادمة , سرعان ما كونوا أنفسهم و بنوا مؤسساتهم التجارية الخا صة وتركوا العمل في المشاريع و المؤسسات التجارية البريطانية , لابل صاروا ينافسونها


بقيت مشكلة الأيدي العاملة دون حل , فإتجهت أنظار البريطانيين الى الهند و هكذا دخلت القومية الهندية الى ماليزيا . عندها شكل الصينيون والهنود نسبة عالية من سكان ماليزيا , و إحتفظوا بهويتهم و بثقافتهم الوطنية محافظين على عاداتهم و تقاليدهم و لغتهم من خلال إقامة المدارس و المرافق التربوية و الثقافية و الرياضية , مما ساعدهم على عدم الإمتزاج و الذوبان في القومية المالاوية . تخوف المالاويون على مصير بلادهم من النفوذ الصيني الثري والقوي وكثافتهم السكانية العالية , وإعتبروا الأمر تهديد لوطنيتهم


بعد الحرب العالمية الثانية قامت بريطانيا بتقسيم ماليزيا الى جزأين : الجزء الأول هو جمع كل الجزر المالاوية في تحالف واحد عرف ب ( التحالف المالاوي ) . أما الجزء الثاني فقد كان تأسيس ( سنغافورة ) كتجمع للصينيين تحت الإدارة المباشرة لبريطانيا بهدف إحتواء مشكلة المالاويين مع الصينيين


ثم قامت بريطانيا بوضع قانون يمنح حق المواطنة لكل الهنود و الصينيين الموجودين على أراضي التحالف المالاوي . ثم إستولت على ولاية ساراواك أكبر الولايات الماليزية وولاية شمال بورنيو( ولاية صباح الآن ) ووضعتهما تحت الإدارة المباشرة لها , لتتمكن من ضخ الأعداد المتزايدة من الصينيين والهنود إليهما


عام 1948 , تأسست ( العصبة المالاوية المتحدة ) بديلا عن ( التحالف المالاوي ) ووضعت قانونا صارما لتجنس الصينيين و الهنود , وما عادت تمنح الجنسية الماليزية للهندي أو الصيني إلا إذا كان من أبوين ولدا في ماليزيا


قرر (تانكو عبد الرحمن ) قائد المنظمة الوطنية المتحدة المالاوية الذي أصبح فيما بعد أول رئيس لوزراء ماليزيا , تأسيس إتحاد ماليزيا و الذي يضم : الإتحاد المالاوي الذي تأسس في آب 1957 + سنغافورة + ساراواك + صباح + بروناي


هنا ثارت ثائرة سوكارنو في إندونيسيا ووقفت حكومته معارضة لتأسيس إتحاد ماليزيا , خشية أن يبتلع إقليم كلمنتان الإندونيسي , الواقع في جزيرة بورنيو جنبا الى جنب مع : ساراواك وصباح وبروناي

حرك سوكارنو جيوشه للحيلولة دون إقامة هذا الإتحاد , و في نفس الوقت كانت الفلبين تطالب بحقها التاريخي بولاية صباح . أمام هذه العقبات قررت سلطنة بروناي عدم الإنتساب الى الإتحاد المؤمل إقامته و البقاء تحت الحماية البريطانية ولهذا السبب هي اليوم من أغنى دول العالم


16
أكتوبر 1965 أعلن تانكو عبد الرحمن إقامة الإتحاد الماليزي , و هو إتحاد فيدرالي ضم 11 ولاية و إمارة .. إلا أن سنغافورة سرعان ما إنسحبت من الإتحاد لأسباب سياسية فالسكان الصينيون الأثرياء فيها , طالبوا وبشدة بالإستقلال عن الإتحاد الماليزي


في الحقيقة إن الطريقة التي وضع بها الأمريكان والبريطانيون أيديهم على كل من إندونيسيا وماليزيا والفلبين , كانت عملية مدروسة للتقاسم السلمي للنفوذ على هذه المنطقة الشاسعة البعيدة عن العالم , لكن سوكارنو الذي تدخل عسكريا في بورنيو , حرصا منه على إقليم كلمنتان , كان وكما يقال : قد لعب بالنار وأحرق أصابعه , لأن صفحته إسودت منذ ذلك التاريخ , وصار يعد له ببطء للإطاحة به


(
ديمقراطيته الموجهة ) بكسر الجيم وفتح الهاء , لم تقدم شيئا للحياة في إندونيسيا بل كانت مجرد كلام . بل على العكس ساعدت على إستشراء الفساد , وعدم الإستقرار الإقتصادي , الذي كان مرآة عاكسة لمدى عدم الإستقرار السياسي


في هذه الأجواء نما الحزب الشيوعي الإندونيسي وتطور حيث بلغ عدد أعضاءه عام 1964 ( 3 ملايين عضوا ) و (16 مليون مؤازرا و متعاطفا ) , و الجدير بالذكر أن الرئيس سوكارنو أعلن في أيار عام 1965 أثناء الإحتفال بالذكرى 45 لتأسيس الحزب الشيوعي الإندونيسي و بشكل صريح و مباشر عن دعمه و تأييده للحزب الشيوعي محولا بذلك العلاقات التكتيكية السابقة مع الحزب الى علاقات ستراتيجية ثابتة


في عام 1965 حدثت ( حركة الثلاثين من سبتمبر ) المسلحة , وقع إنقلاب ( مخلوط الأوراق ) على حكومة سوكارنو للإطاحة به أثناء ما كان يلقى خطابا من الإذاعة والتلفزيون


كان من المقرر أن يقوم عدد من ضباط الجيش الشباب وبمساعدة 2000 شاب من الذين تدربوا داخل وحدات الحزب الشيوعي , بإغتيال 8 من كبار ضباط الجيش , والسيطرة على البلد


لكن 2 من هؤلاء الجنرالات ( لا تعرف كيف !! ) تمكنا من الإفلات وشن هجوم مقابل , فقامت ( وحدة حراسة الرئيس ) بمساعدة الجنرالين على إحتلال محطات الإذاعة والتلفزيون والبريد والبرق , وكتيبتين من القوات البرية الخاصة , وكتيبة للقوة الجوية , ووحدة مشاة من قوة الدفاع عن العاصمة جاكارتا


المحاولة الإنقلابية يشك أنها بتدبير حكومي على الأكثر , لأن الحكومة كانت تتوقع أن ينقلب عليها العسكر في أي لحظة , لذلك خططت هذه المحاولة , لتصفية القيادات العسكرية المشكوك بها , متهمة الشيوعيين أعداء كاسترو التقليديين بأنهم خلف هذه المؤامرة , وبذلك يتم التخلص من الكل بضربة واحدة


على أثر ذلك قام سوكارنو بتعيين أحد الضباط ( يقال انه قليل الخبرة و التجربة ) قائدا للقوات البرية الأمر الذي دفع ( سوهارتو ) للإعتراض على هذا الإختيار , وإستغلاله لتفجير الصراع القديم من جديد مع سوكارنو , فعمت الإضطرابات و تأزمت الأوضاع , فتنازل سوكارنو عن القيادة العليا للجيش و سلمها الى الجنرال سوهارتو ( بصلاحيات استثنائية ) لحفظ الأمن و الاستقرار


دفع الصراع بين مؤيدي سوكارنو و معارضيه , بالجنرال سوهارتو الى المسرح السياسي منافسا لسوكارنو و مدعوما من القوات المسلحة


يوم 12 آذار 1967 تم أرغام الرئيس سوكارنو على التخلي عن السلطة السياسية للرئيس سوهارتو الذي تسلم الرئاسة بالنيابة لحين إقرارها رسميا من قبل البرلمان .
بعد تسلم الجنرال سوهارتو للسلطات التنفيذية على أثر إخماده لما يسمى بحركة الانقلاب الشيوعية , بدأ تنفيذ مخططاته الرامية الى تصفية الحزب الشيوعي الإندونيسي و القضاء التام عليه


وضع سوكارنو تحت الإقامة الجبرية في منزله , رغم ذلك قام بتأسيس ( حزب جولكار ) أي : حزب المتخصصين , الذي كانت مهمته تحديد وتحجيم أحزاب المعارضة
مات يوم 21 حزيران 1970 , فشيعه مئات الآلاف من الإندونيسيين

حياته وأفكاره كانت معقدة , فقد كان مبادرا ذاتيا الى التعاون مع فاشيين يابان , وحاكما مستبدا . لكنه في نفس الوقت عمل ما بوسعه من أجل توحيد بلده وطرد ( الإستعمار الأوربي ) منه محولاً إياه الى مستعمرة أمريكيه . لكنه لم يزل ينعت بأنه مؤسس إندونيسيا الحديثة .

 

About ميسون البياتي

الدكتورة ميسون البياتي إعلامية عراقية معروفة عملت في تلفزيون العراق من بغداد 1973 _ 1997 شاركت في إعداد وتقديم العشرات من البرامج الثقافية الأدبية والفنية عملت في إذاعة صوت الجماهير عملت في إذاعة بغداد نشرت بعض المواضيع المكتوبة في الصحافة العراقية ساهمت في الكتابة في مطبوعات الأطفال مجلتي والمزمار التي تصدر عن دار ثقافة الأطفال بعد الحصول على الدكتوراه عملت تدريسية في جامعة بغداد شاركت في بطولة الفلم السينمائي ( الملك غازي ) إخراج محمد شكري جميل بتمثيل دور الملكة عالية آخر ملكات العراق حضرت المئات من المؤتمرات والندوات والمهرجانات , بصفتها الشخصية , أو صفتها الوظيفية كإعلامية أو تدريسة في الجامعة غادرت العراق عام 1997 عملت في عدد من الجامعات العربية كتدريسية , كما حصلت على عدة عقود كأستاذ زائر ساهمت بإعداد العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الدول العربية التي أقامت فيها لها العديد من البحوث والدراسات المكتوبة والمطبوعة والمنشورة تعمل حالياً : نائب الرئيس - مدير عام المركز العربي للعلاقات الدوليه
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.