الرب -والغائط- وهذا الحمار

محمد الرديني

رأى زبائن مقهى “الوردة” في سوق الشيوخ بناصرية العراق العظيم عباس ابو الجبن وهو يمسك بكلتا يديه باروكة شعر رجالي ينتفها شعرة شعرة وهو يتمايل في مشيته.
حسبوه الناس انه كعادته اثقل الاملاق ممشاه او ربما زاد “العيار” قليلا ولكنهم لم يجدوا تبريرا لنتفه شعرات الباروكة رغم انه اصلع تماما.
عاد بعضهم،وهم من فحملة جواز حرف العين، أي العاطلين عن العمل الى “الدومينو” لعبتهم المفضلة فيما عاد كبار السن الى رشف النارجيلة “المعسلة” بالتفاح، الا نفر قليل وهم من صغار السن ركضوا خلفه اذ حسبوه قد فقد عقله ولابد من اعلان الهوسات خلفه ولكنهم عادوا خائفين حين نظر اليهم شذرا مذرا.
ولكن المفاجأة التي حدثت بعد ذلك هي التي “شحنت” احد كبار السن حين رأى ابو الجبن وهو يحتضن الاسفلت ويبكي، فما كان منه الا ان ترك “الشيشة” وهرول نحوه مادا ذراعيه اليه.
جلس الى جانبه غير آبه بمرور السيارات او دهشة القوم المارين واخذ رأسه بين يديه بعد ان رمى الباروكة على الرصيف القريب منه.
ويبدو ان ابو الجبن كان ينتظر هذه اللحظة فقد “شبك” صاحبه واخذ ينتحب بصوت عال كالمرأة الثكلى.
سأله صاحبنا كبير السن.
ليش تبجي عمي ترى الدنيا ما تسوى.
لا والله عمي الدنيا تسوى ونص.. يعني الله خلقنا عبث.. مو هو اللي خله بينا شيئا من عنده.. مو هو رادنا نكون خليفته في الارض.. مو هو اعطانا مرتبة اعلى من الملائكة.. مو اللي علمنا الاسماء الحسنى.. مو..
عمي على كيفك ،ترى هاي الكلمة اللي تنكال.
زين هسه كلي ليش تبجي وهل اكدر اساعدك.
عمي الله يخليك خليني بحالي.
بويه الوادم تضحك علينا واحنه بهاي الحال .. كوم وياي على الكهوة واخذ لك استكانة شاي وبعده يصير خير.
بارك الله فيك عمي.. بس خليني اكمل نتف شعرات الباروكة.
ليش عمي؟
والله عمي لو عندي شعر جان “هلسته” بالكامل بس مع الاسف اصلع مصلصع با…
لا تكمل اعرف البقية..
يالله بويه كوم وياي واستر على نفسك.
ولك ياعمي بقى ستر.. بقى الطام..حتى الله خلوه يكلب الغائط الى حلاوة.
استغفر الله العظيم ..منو ذوله.
قبل شوية رحت خطار يم واحد صديقي وياريت ما رحت ..بلوى وكعت على راسي.. وبعدني ما كملت شرب الشاي عنده حتى طلّعلي فيديو وكلي شوف خويه شوف.
طلع واحد صاحب لحية وعلى كصته زبيبة ولابس صاية مذهبة.. بيني وبينك انا اتحسرت ، كان امنيتي ان اجمع شوية دنانير حتى اشتري صاية مثلها ، لكن يالله كل شي بالتساهيل.
عمي وبعد شوية سمعت صاحب الصاية يكول بعد ان صلى على النبي وآله وصحبه.
كال وبالعربي الفصيح:
اسمعوا هذه الواقعة وهي حقيقة تثبت ان الله لايتخلى عن عباده.. ذات يوم طلبت امرأة وهي حامل بشهرها السابع من زوجها ان يشتري لها بعض الحلوى.
خرج الرجل كسيف البال وهو يدري انه فقير الحال لايقدر على تحقيق هذا المنال فما كان منه الا ان اتجه الى شيخه الذي يصلي وراءه كل يوم جمعة ويثق به كما يثق بنفسه وباح له بهمه.
فقال له الشيخ: ابشر فقد تحقق مرادك.
واكمل صاحب الصاية واللحية المحناة القول:
ذهب الشيخ الى الحمام واخرج ما في معدته من غائط وعاد ليطلب من هذا الرجل ان يحمله بين يديه ليقدمه الى امرأته الحامل.
وهنا صاح صاحب الصاية:
تعلمون ايها المؤمنون ان المريدين يجب ان يطيعوا اولي الامر ولامجال للاعتراض فكلام الشيخ منّزل ولاسبيل لرده.
حمل الرجل الغائط بين يديه واتجه صوب بيته وهنا كانت المعجزة.. فهو ما ان رفس باب البيت برجله حتى انقلب الغائط الى حلوى وبالضبط تلك الحلوى التي تحبها امرأته.
عمي سمعت القوم يصيحون .. الصلاة والسلام على محمد وآل محمد.
عمي .. كل شي ماسويت بس ركضت على محل الباروكات الوحيد بسوكنا واشتريت هاي الباروكة حتى انتفها الى الآخر..
عمي ممكن اسلك، هذا الله مالهم ماعنده شغل ولا عمل بس يسوي حلويات من الغائط؟.
لاتكفر ابني .. يالله كوم خلي نشرب الشاي ونتعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
عمي ياالله منهم مالنا لو الله ابو الحلويات.
بس عاد .. ما تشوف الله كالبها بينا.. يالله كوم.
فاصل غير نظيف: ابدى ابو الجبن استعداده لارسال هذا الفيديو الى كل من يرغب خصوصا من الصلعان امثاله.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.