الحرية تتجه للتغيير بشكل فردي أكثر من التأويل والنقل والتبعية لعقيدة وموروث؟ الكنيسة المسيحية القائمة الاستبداد الديني؟

abdelrahmansharafالحرية تتجه للتغيير بشكل فردي أكثر من التأويل والنقل والتبعية لعقيدة وموروث؟ الكنيسة المسيحية القائمة الاستبداد الديني؟
تحولت الكنيسة من وصاية رجال الكهنوت على اذهان الناس بالتعليم وامتلاكهم مفاتيح السماء والنار وهيمنتها الاقطاعية على المجتمع في العصور الوسطى. الى وصاية عقائد ونصوص دينية يحملها قسس وكنائس في المجتمعات والكنائس التي تأخذ الإصلاح بقراءات جوفية ومنغلقة للنص الديني تُعلم في الاذهان للذين يتوافدون على الكنيسة للسماع عن الله وصورته من قبل معلم او واعظ بالتركيز على جانب دون جوانب أخرى يحتويها الخلل في الكثير من التعاليم التي تعيق حرية الفرد وتكبل عقله وفاعليتهما بالتركيز على جوانب في النصوص دون جوانب أخرى.
هذه الفرق بين الوصايتين. كان دافعه عند لوثر الذي حقق الاصلاح الحرية الدينية ومحاكات العقل النصوص بطريقة فردية وليست على طريقة معلم اخر له قراءاته وشخصيته المختلفة عن شخصية الاخر واستوعبه لها. وكان له دور وجيه في تحقيق عصر النهضة والتنوير في تاريخ أوروبا.
وتعتمد منهجية الإصلاح عند لوثر بجوهرها على التبرير واختبار خلاص المسيح المجاني. الذي هو جوهر الايمان والاختبار المسيحي عند كل فرد يؤمن بعمل المسيح الكفاري المجاني بالنعمة الذي يستحقه الفرد دون أي عمل وجهد يسعى له.
ان الحرية الروحية هي فاعلية بنهاية المطاف فاعلية الفرد وفاعلية المجتمع المؤمن ضمن الوسط الذي يعيشوا فيه ولا يمكن أن نفصلها عن وعي العقل البشري.
وهذه الحرية تتجه لتغيير الفرد بشكل أفضل بمجابهة ومواجهة طبيعته القديمة وتغيير المجتمع بقيم وروح ومبادئ المسيح المتواجدة في الضمير الحاصل على الايمان والاختبار في المسيح المجاني الذي جاء به لوثر من خلال قراءاته للإنجيل بشكل فردي.
الوصاية في القرون الوسطى او يمكن القول هُنا الاستبداد الديني لم يعد يفرق كثيرا في هذه الأيام عما جاء الإصلاح به في الكنيسة. أصبح للقسس وصاية في الكنيسة بطرق أخرى ووسائل أخرى تكمن نفس الهدف الذي يعتمده رجال الكهنوت وهو حبس حرية الروح المؤمنة وفاعليتها في عالمها الاجتماعي والوجودي وهيمنتها اما بشكل قوانين وضوابط باسم المقدس الذي يحمل أوجه مختلفة والتأويل الشخصي له وفرضه او قوانين إدارية علمانية يفرضها ويصيغها القسس وشيوخ الكنيسة تٌطبق في مجتمع الكنيسة.
فالاستبداد يبدأ من الداخل بحصر الروح والفكر بجوامد وضوابط بطرق مختلفة ولكن تهدف الى نفس الهدف عندما تصب في الذهن والتعليم. ويتحول الاستبداد الديني الى استبداد اجتماعي وسياسي ويعيق تحرر الشعوب ونهضتها الروحية والفكرية.
أي أن المجتمعات المسيحية مازالت قائمة على وصاية طبقات الكهنوت في الكنائس الكاثوليكية والمارونية وغيرها من الكنائس الطقسية التقليدية التي تحمل في منهاجياتها تعاليم مبنية على عقائد ونصوص دون الأخرى بالإضافة للفساد الديني الذي يبتعد كلياً عن نهج الإصلاح سواء كان هنا في الشرق أو الغرب وهيمنة الكنيسة في بعض المجتمعات الشرقية على مصير الجماعة بدخولها في التوازنات السياسية والطائفية بفسادها بهذا التعليم الإلهي الذي يبتعد عن روح الفردية وجعل القرار المصيري في طبقة رجال الكهنوت وهم يحملون بوصلة كل الأشياء بقيادتهم.
والوصاية الأخرى هي وصاية القسس بالكنائس البروتستانتية التي تأخذ بالإصلاح الذي تتراجع قيمته وفاعليته بانقسام العقائد في تصورها عن الله والفساد الديني الذي يصب في عدم توظيف الإصلاح المسيحي لفاعلية الحرية والتغيير عند كل فرد واجماعها على مبدا الحرية في الروح الذي يتجلى بشكل مطلق غير محدود.
بل أصبح ايضاً في تركيز على بديهية الخلاص الحتمية التي تتواجد عند كل مؤمن فقط في الكنائس المصلحة ومحدوديتها في فاعلية الفرد. وان وبديهية الخلاص بعد الايمان تأخذنا لبديهية الحرية في الروح والعقل ايضاً بمنظار وجودي. والابتعاد عن فاعلية الروح وحريتها بهذا الانقسام والتزمت والتطرف للمعتقد والنصوص دون التركيز على جوانب أخرى وحقائق أخرى في وجود الفرد الوجودي وفي حاجة المجتمعات لمبدأ وحقيقة الحرية.
وبهذا الحرية الإلهية لا تٌحد بل تتجه للتغيير أكثر من النقل والوصاية عليها من شخص اخر. ولا تستطيع أن تكون محبوسة ضمن إطار ضيق لأنها تمثل روح الخالق في الكون والنفس كتعامل عند كل فرد بشكل مستقل.
الانسان بطبيعته الفيزيولوجية لا يمكنه ان يكون حرا ًكاملاً وهذا امر علمي وحقيقي في عملية التنشئة والبيئة المحيطة التي يترعرع عليها وبها الفرد.
لكن هل يوجد فرق بين حرية الروح وممارستها في عالم طبيعي مادي بطبيعة بشرية. ان الحرية الدينية او الحرية الروحية هدفها هو إقامة عالم وبيئة محيطة تتخلص من كل الأفكار والقيم والأنظمة التي تعيق الحرية وتكبلها واستقلال البشر وتحقيق المساواة بينهم كبشر مخلوقين على صورة الله يملكون الكرامة بهذه الصفة ولهم الحقوق التي تفرضها طبيعتهم الانسانية.
فهذا هو عمل الروح المطلق عبر التاريخ يتجه نحو تحرر الفرد والمجتمعات والشعوب وممارسة حريتها بالمنظار الإلهي وتحصيل حقوقهم والحفاظ على كراماتهم والعيش بعالم أفضل يسوده الحرية والأمان والحقوق.
الحرية الدينية او الحس الديني هو تواصل الفرد بعقله وروحه مباشرة مع الله دون وجود وسيط ولا تستطيع هذه الحرية ان تكون مقيدة بالطقوس والعادات والمبادئ الكنسية التي تطبق في مجتمع الكنيسة وإذا تواجدت بهذه القيود فهي ليست حرية الهية دينية بل مازالت ترضخ تحت وصاية غيرها بالطرق المختلفة هذا يعني انها ليست حرة حقيقية محرره بخالقها وهنا لا يمكن ان نفصل بين ايمان جزئي يسعى للتحرر او الخلاص.
وبين عمل الله الكامل في الروح الذي يحصل مرة واحدة الذي هو الولادة الثانية في المسيح التي تتم بأفضل وجه لأنها عمل الروح المطلق المقدس الذي يتم عمله بأفضل وجه في النفس البشرية والذات وبقاء هذا العمل واستمراره بحياة الفرد بإيمانه ومعرفته للأله واستمرارية حياته بهذه المعرفة النابعة من النفس.
وان بقاء عمل الروح واستمراره لا يمكن ان نعد بحاجة لوصاية أخرى تقيدنا او تبعدنا عن عمل الروح وصوته وعمله كون الذات الإلهية أصبحت جزء من كيان الفرد الذاتي.
“بهذا يقول المسيح أن حرركم الابن فبالحقيقة تكونوا احرار” أي هنا الحرية هي واحدة
ولا يمكنها ان تنقص وتزيد بل هو تجليها وفاعليتها وعملها نتيجة هذا العمل الذي لا يرضخ لطقوس وقواعد وقوانين سواء كانت وارده في المقدس او موروثه من تراث الكنيسة ومن الاباء.
وان هدف المؤمن هو مواجهة الحاضر وتحدياته بروحه أي بقيم ايمانه التي يمليها الروح عليه في هذا الإطار أكثر من أي تعليم يٌسَّمع لهُ من معلم او واعظ او تطبيق طقس ديني والانتماء لمذهب وعقيدة تحد روحه وفاعليته وتزيل كل القيود الفاسدة التي طبقت على الخليقة وانتقصت من كرامة الانسان التي هي صورة الله.
“وبهذا يقول الانجيل “أن الخليقة كلها ستعتق من عبودية الفاسد إلى حرية أبناء الله”
فالحرية ترتبط بالخليقة كلها عند الفرد او أبناء الله وليس بتراث او معتقد او تبعية لكهنوت وقسيس في هذا النص الإنجيلي. وهنا معيار الفرد بهذا الارتباط ايمانه بخالقه والروح والذات به.
وهنا الفساد لا يكون فقط خارج الكنيسة بل داخلها ايضاً سواء كان بالتعليم. وتعاليم الكذبة او الهيمنة والسيطرة على أرواح الافراد واذهانهم بالتعاليم والعقائد والطقوس التي تعيق تحرر الفرد والجماعة بحرية خالقها ووعيها الذاتي بالوجود والبيئة الاجتماعية بمنظار ازلي مطلق في وعي الذات والنفس.

About عبد الرحمن شرف

كاتب وناشط ديمقراطي سوري
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.