البنوك الإسلامية

طلب مني القاريء الكريم
Jugurtha bedjaoui
أن أكتب عن البنوك الإسلامية وهأنذا ألبي طلبه. في بداية الإسلام كان اليهود في الجزيرة العربية يقومون بمهام البنك المتعارف عليه الآن. فكانوا يُسلفون العرب المال اللازم للتجارة أو لاحتياجاتهم المالية الأخرى على يردوا لهم المبلغ المستلف زائداً الربح، بعد أن يُنجزوا تجارتهم أو يبيعوا أغنامهم بعد الخريف. وكان الربح الذي يفرضونه على المدين باهظاً. وعندما استقر محمد بالمدينة وأراد تكوين جيشه طلب من اليهود أن يقرضوه مالاً فرفضوا، فأتى محمد بآية تقول )الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيعَ وحرم الربا) ) البقرة 275( .
محمد لم يحدد كمية الربح على الديون التي يمكن أن تُعتبر ربا، وبما أن صاحب المال لا يُسلف ماله للغير بدون ربح، اضطر محمد أن يأتي بآية أخرى في سورة آل عمران تقول )يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفةً واتقوا الله لعلكم تُفلحون(. وشبه الجملة “أضعافاً مضاعفةً” لم تزدنا إيضاحاً. وقد أتى ذكر الربا في القرآن خمس مرات، ومع ذلك لم يحدد نسبة الربح التي تُعتبر ربا. وكل المعاملات المالية لا بد لها من نسبة ربح معين لتغطي نفقات التوظيف في البنك والصرف على إدارة البنك وما يحتاجه من أدوات ومعدات. ثم أن الدائن قد يخسر ماله إذا توفي المدين أو عجز عن سداد دينه، فلا بد له من دافع يدفعه لتسليف أمواله.
بعد أن قضى محمد على اليهود بالمدينة استلم عملية التسليف بالربا عمه العباس بن عبد المطلب. ولذلك قال محمد في حجة الوداع “ألا إن كل ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه في الإسلام هو ربا العباس بن عبد المطلب” )أسباب النزول للنيسابوري، سورة البقرة(. ومع ذلك استمر المسلمون يتعاملون بالربا على مر العصور. “وقد بقي العمل بالربا من قبل المسلمين في العصرين الأموي والعباسي. وقد وجدت نصوص في العصر العباسي تشير إلى أن التجار في عصر الجاحظ بالبصرة كانوا يقرضون بالربا. ” )شاكر النابلسي، لو لم يظهر الإسلام( ( ص 260(
“وفي العهد العثماني كان الربا عماد الحياة الاقتصادية سواء بالنسبة للدولة أو لرجال الأعمال أو لشيوخ الإسلام. فالدولة كانت تقترض الأموال من أوربا بفوائد معلومة. كما أقامت الدولة العثمانية البنوك الربوية. ورجال الأعمال كانوا يقترضون الأموال من البنوك المحلية والبنوك الأجنبية بفوائد معلومة. ورجال الدين المشرفين على الأوقاف كانوا يٌقرضون أموال الأوقاف بفوائد معلومة كانت تصل إلى 18%” ( نفس المصدر أعلاه، ص 260). والغريب أن القرآن منع الربا والله نفسه يتعامل به، فهو يقول في سورة الحديد، آية 11 )من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له وله أجرٌ كريم(. ثم يقول في سورة البقرة، الآية 245 )من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون(. فإذا كان الله يضاعف القرض أضعافاً كثيرة، أليس هذا هو الربا الذي منع منه؟
مع ظهور حركة الإخوان المسلمين بدأ الحديث عن محاربة البنوك الربوية التي كانت منتشرة في جميع البلاد العربية كنتيجة حتمية للاستعمار البريطاني والفرنسي لتلك الدول. وفي العام 1960 نشر الشيخ الشيعي العراقي محمد بكر الصدر كتاباً بعنوان “اقتصادنا” الذي أصبح بين ليلة وضحاها المرجع لكل المنظمات الإسلامية المتطرفة، ومنها الإخوان المسلمون.
بعد حرب 1973 وقفز أسعار النفط إلى أرقام خيالية، وجدت المملكة العربية السعودية ودول الخليج فائضاً من موازناتها يفوق جميع أوجه الصرف، فقاموا بتحويل جزء كبير من هذه الأموال لجماعة الإخوان المسلمين الذين أصبحوا بفضلها رجالات أعمال ناجحين وفكروا في استغلال هذه الأموال في العمل السياسي عن طريق بنوك إسلامية
أول من افتتح بنك إسلامي كان المصري، السيد أحمد النجار، الذي تدرب على أعمال البنوك في ألمانيا، وفتح أول بنك له في ميت غمر بمصر (سامر سليمان، نقلاً عن كتاب
The Devil’s Game
روبرت دريفوس، ص 178(. وقد ساعده رجال البنوك الألمانية وبعض رجالات المخابرات المصرية. ومع أن أحمد النجار كان منتمياً لجماعة الإخوان المسلمين فقد حاول أن يباعد بينه وبينهم في المجالات العامة. ومما يثبت تعاطفه مع الإخوان هو المقدمة التي جاءت في منشوراته عن البنك وقد كتبها الشيخ جمال البنا، شقيق حسن البنا. وجاء في تلك المقدمة أن الهدف من إنشاء البنك الإسلامي هو الحفاظ على الهوية الإسلامية التي بدأت تضمحل في مجتمعاتنا. وقد أسهم الكثيرون من الإخوان المسلمين في ذلك البنك. وبنهاية عام 1967 أصبح واضحاً للجميع أن جماعة الإخوان المسلمين قد استولوا على ذلك البنك مما جعل جمال عبد الناصر يأمر بإغلاقه (روبرت دريفوس، ص 179). هرب أحمد النجار إلى السودان في حماية الإخوان المسلمين هناك، وعندما استولى الجنرال جعفر نميري على الحكم في الخرطوم هرب أحمد النجار إلى ألمانيا، ثم الكويت والإمارات وماليزيا، ليبشر بالبنوك الإسلامية.
كنتيجة لمجهودات أحمد النجار أنشأت المملكة العربية السعودية بالاشتراك مع الكويت وليبيا والإمارات البنك الإسلامي للتنمية عام 1975 في جدة. وفي نفس العام أنشأت الإمارات بنك دبي الإسلامي. وفي عام 1977 افتتحت الكويت بيت التمويل الكويتي، وفي عام 1977 أنشأت الخرطوم أول بنك إسلامي بالسودان. ثم تلتها الأردن والبحرين
الشخص الذي ساعد في انفجار موضة البنوك الإسلامية هو الأمير محمد بن فيصل بن سعود الذي استغل الإمكانات السعودية الهائلة بالاشتراك مع نسيبهم الملياردير السعودي صالح كامل. أنشأ الاثنان بنك فيصل الإسلامي بالقاهرة في عام 1976. ومن الشروط التي فرضوها على أنور السادات أن يكون هذا البنك مستقلاً لا يخضع لمراقبة البنك المركزي ولا المراجع العام. وعينوا حفنة من رجالات الأزهر والإخوان المسلمين كلجنة شرعية تكون مسؤولة عن تمرير الصفقات التي لا تتعارض مع الشريعة. وفي عام 1981 أسس الأمير محمد بن فيصل بيت المال الإسلامي في جزر البهامة ورئاسته في جنيفا. وكان لهذا البنك فروع في البحرين وباكستان وتركيا والدنيمارك ولكسمبيرج والسنغال والنيجر.
وأسس صالح كامل شركة البركة للاستثمار وأوكل رئاستها لشخصية كبيرة من الإخوان المسلمين، وافتتح فروعاً في السودان وتركيا، وكانت هذه الشركة تتعامل تعاملاً وثيقاً مع الإخوان المسلمين.
ولما كانت البنوك الإسلامية حديثة العهد بأعمال البنوك فقد استعانوا بكبريات البنوك الغربية مثل سيتي بانك الأمريكي وشركة المراجعة الشهيرة برايس وترهاوس

Price Waterhouse.

وأشاع الإخوان المسلمون أنهم يؤيدون النظام الرأسمالي الغربي ويحاربون الاشتراكية الشيوعية. احتضنت الحكومات الغربية والبنوك والمؤسسات المالية ه>ا الطرح ورأوا فيه فرصة سانحة للاستثمار في الخليج بالتعاون مع البنوك الإسلامية، فأنشأت أغلب البنوك الغربية فروعاً داخلها تتعامل بالاقتصاد الإسلامي ووظفوا شيوخاً عديدين من الإسلاميين ليسدوا لهم النصح الشرعي. وبالطبع استفاد الشيوخ مادياً من فتاواهم كما استفادت البنوك الإسلامية من ال

know how

أي الخبرة في التعاملات المالية من تلك البنوك الغربية. خلق هذا التعاون بين “العلماء” والبنوك الغربية طبقة مميزة من الشيوخ الذين كانوا يسافرون إلى الغرب بطائرات خاصة وينزلون في الفنادق ذات الخمسة نجوم )منذر خلف، نقلاُ عن روبرت دريفوس، ص 182(
من الناحية العملية فقد كانت كل هذه البنوك الإسلامية تحت إدارة علماء الاقتصاد الغربيين وكانت تستثمر أموالها في التجارة العالمية التي تتحكم فيها البنوك الغربية بكل ما تحتويه من ربا ومضاربات. وتدريجياً عندما اكتسبت البنوك الإسلامية الخبرة المطلوبة في إدارة البنوك، بدأت في تحويل نشاطاتها لدعم الإسلام السياسي وفي غسيل الأموال وتحويلها إلى المنظمات الإرهابية وفي إفساد السياسيين الغربيين والمسلمين لرفعة شأن الإسلام السياسي. وقد كانت أغلب البنوك الإسلامية بؤراً للفساد المالي والإداري. فمثلاً نجد بنك التجارة والتسليف
Bank of Credit and Commerce
الذي أُنشأ في لندن برأس مال إماراتي وباكستاني، وكان مديره التنفيذي باكستاني، قد انغمس في تجارة المخدرات وغسيل الأموال وتمويل المنظمات الإرهابية لدرجة أن رجالات المال في لندن كانوا يسمونه بنك المنحرفين والمجرمين
Bank of Crooks and Criminals
. وقد كانت ال سي آي اى
CIA
من عملاء هذا البنك ووضعت أموالاً طائلة به لتحويلها إلى الطالبان في أفغانستان ) روبرت دريفوس، ص 167(
وقد كان هذا البنك في علاقة وثيقة مع بنك التقوى الذي أسسه الأخ المسلم يوسف ندا الذي كان من الإخوان المسلمين الذين خططوا لاغتيال جمال عبد الناصر، وهرب إلى إيطاليا بعد فشل المحاولة. أسس يوسف ندا هذا البنك في البهامة ليكون البنك الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين العالمية. وقد كان الأعضاء المؤسسون من جماعة الإخوان المسلمين بسوريا وتونس والشيخ يوسف القرضاوي. ورغم أن البنك اسمه بنك التقوى إلا أنه كان أبعد شيء عن التقوى إذ كان منغمساً في غسيل ال/وال وتجارة المخدرات وتمويل الإرهابيين حتى أغلقته وزارة الخزانة الأمريكية
وقد ظهر الأثر الكبير الذي قامت به البنوك الإسلامية لأسلمة المجتمعات العربية في مصر والكويت. ففي السبعينات تضافرت جهود بيت التمويل الكويتي الإسلامي مع الإخوان المسلمين والعائلة المالكة لسحق الأفكار القومية التي كان يدعو لها جمال عبد الناصر. وقام بيت التمويل برشوة بعض السياسيين ورجالات الدين لتسهيل هذه المهمة. وبنى بيت التمويل عدة مساجد وعيادات طبية واستطاع الإخوان عن طريق هذه الرشاوى من السيطرة على مناهج التعليم وعلى الأغلبية في البرلمان الكويتي. وتدريجياً تحولت الكويت من أكثر دولة ليبرالية في العالم العربي إلى دولة إسلامية تمنع تدريس الموسيقى والفلسفة في المدارس والجامعات، وتفصل بين الطلبة والطالبات في المدارس والجامعات. وأصبح الحجاب الزي الرسمي للمرأة الكويتية التي كانت من أكثر النساء العربيات تحرراً في السبعينات من القرن المنصرم. وقد أصبحت الكويت بفضل البنوك الإسلامية لا تعرف الاستقرار السياسي، وكل عدة أشهر يحل أميرها البرلمان ويدعو إلى انتخابات جديدة
ولم يقتصر إفساد الحياة السياسة بسبب هذه البنوك على الدول المسلمة فقط، فقد وصلت تأثيراتها إلى بريطانيا, ففي عام 2007 طاف وزير الخزانة البريطانية غوردن براون ونائبة ايد بولز على عدة مدن بريطانية لإلقاء محاضرات تدعو إلى استقطاب البنوك الإسلامية إلى بريطانيا لتستفيد من أموال الخليج الزائدة. وانتهز المجلس الإسلامي البريطاني، الممثل الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين ببريطانيا، هذه الفرصة وعقد في لندن في نفس العام مؤتمراً بعنوان “التمويل الإسلامي والتجارة” بالاشتراك مع وزارة الخزانة البريطانية ووزارة الخارجية البريطانية ومنظمة الدول الإسلامية من جدة. خاطب وزير المالية البريطاني غوردن براون المؤتمر وقال إن هدفه هو جعل لندن المركز الرئيسي للاستثمار الإسلامي وشكر المجلس البريطاني الإسلامي على تضمين قوانين الشريعة في المعاملات المالية البريطانية. وقال نائب وزير الخزانة البريطانية إن رصيد البنوك الإسلامية حوالي 250 مليار جنيه سترليني ومن المتوقع أن تزيد بنسبة 15 في المئة كل عام
Secret Affairs by Mark Curtis, page 319)
في الحلقة القادمة سوف أتحدث عن تعامل البنوك الإسلامية الإسلامية مع الربا

About كامل النجار

طبيب عربي يعملل استشاري جراحة بإنكلترا. من هواة البحث في الأديان ومقارنتها بعضها البعض وعرضها على العقل لمعرفة مدى فائدتها أو ضررها على البشرية كان في صباه من جماعة الإخوان المسلمين حتى نهاية المرحلة الجامعية ثم هاجر إلى إنكلترا وعاشر "أهل الكتاب" وزالت الغشاوة عن عينيه وتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من حقيقة الميثالوجيا الدينية الهدف الوحيد من كتاباتي هو تبيان الحقيقة لغيري من مغسولي الدماغ الذين ما زالوا في المرحلة التي مررت بها وتخطيتها عندما كنت شاباً يافعاً
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.