الانسان قربان الانسان، والعقل هو المنقذ

رداً على سؤال أحدهم عن العنصرية والتعصّب، أقول:

ليس السوري أو العربي فقط؛ بل الانسان بشكل عام لا يولَد عنصرياً سواء لدين أو لعِرق أو لطائفة. السوري يا صديقي المتسائِل إنسان غير متعصِّب وغير عنصري ومُتقبِّل ومنفتِح على الآخَر، على عكس ما يتم الترويج له بشكل عام عن السوريين، فالسوري ابن التعددية بالفطرة بالثقافة المجتمعية والواقع، ذاك لأنّ سوريا كانت أرض الأعراق والاثنيات المختلفة والديانات المتعددة، وليستْ التعددية بحالة طارئة على المجتمع السوري. ومَن يقف اليوم وراء نَعت الشعب السوري بالتعصب والعنصرية هو مَن يقف عائقاً في سبيل الدولة المدنية وعلمانية القوانين والنظام السياسي في كل المنطقة العربية والشرق أوسطية وليس فقط في سوريا، ولا أستثني منهم كل المرجعيات الدينية بكافة مؤسساتها مع مشاركة للسلطات السياسية وعدم اكتراثها لأنّ عدم وجود لتقديس للحالة الدينية يشي ويفيد بانتهاء مرحلة تقديس الأشخاص وبالتالي انتهاء ثقافة تقديس الحاكم وغيره وهذا ما لا تريده الأنظمة السياسية العربية.

الدين مسألة وراثية حسب البيئة الجغرافية أو البيت والأسرة التي ينشأ فيها الإنسان؛ بَيد أنّ “التعصب للدين” هو سلوك مُكتَسَب ويعود للتنشئة في تقديس الأفكار والموروث الديني وفيما يتمّ إقحامه في عقل الشخص (المُنتَج المُتعصِّب) من خلال تبنّي عقيدة إيديولوجية كمبدأ يوازي قيمة حياة الفرد و”الجماعة”، لأنّ مردود التعصّب في هذه الحالات لا يعود فقط للفرد بقدر ما هو “للجماعة” وهو الهدف البعيد المنشود للذين يُحرّضون لبقاء حالة التعصب والعنصرية وخَلْق سلوك عنفي قائم كثقافة مُجتمعية.

ولا يختلف التعصب الديني في ماهيته في بلادنا عن التعصّب السياسي لجهة سياسية دون غيرها أو لحاكم أو لعائلة، وتزداد حالة التعصب العام طرداً كلما ازداد التشديد على الرقابة الفكرية ومُنِع النقد ومناقشة الأفكار لإعادة طرحها وتشكليها، فيدور الشعب في دوامة ويبقى في سياق تقديس النَّص ثم تقديس العقيدة وأيضاً تقديس الحاكم. ولهذا نرى أنّ السلطة الدينية والسياسية على حَدٍّ سواء ترفضان العلمانية في البلدان العربية فممثّلو السلطتين في البلاد العربية والشرق أوسطية وجهان لعملة واحدة.

لا يتم حلّ هذه المعضلة إلاّ بقوانين مدنية ونظام علماني حقيقي، واتخاذ إجراءات وقوانين لنبذ العنف ثقافةً وخطاباً من علاقاتنا سواء الاجتماعية او السياسية. الخطاب العنفي القهري الذي تعاني منه المنطقة الشرقية بمُجملها حالَ دون تطور المجتمع والانسان، وبالتالي وضعَنا أمام عجز حقيقي للنهوض ولمواكبة الحداثة العالمية والتطور المعرفي والعلمي والاقتصادي والتكنولوجي.

الإنسان يولد حراً، العنصرية والعنف لن أقول من صنع الشيطان؛ بل من صنع الديكتاتوريات الدينية والسياسية في كل مكان، وما الشعوب إلاّ أضاحي الحروب والرأسمالية والسياسة العالمية. الانسان قربان الانسان والعقل مُنقِذه الوحيد.
الكاتبة ريم شطيح
#ريم_شطيح

About ريم شطيح

ريم شطيح كاتبة وباحثة سورية تكتب في الصحف مقالات سياسية وفكرية الدراسة: ماجستير في علم النفس من جامعة فينكس الأميركية
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.