الاقتصاد اللبناني بين الستينات واليوم

د . لويس حبيقة      الخليج الإماراتية

الاقتصاد اللبناني في الستينات مختلف جداً عن اليوم لأسباب داخلية وإقليمية ودولية، كما لأسباب مرتبطة بالتغير الهيكلي والديموغرافي للشعب اللبناني الذي مر ويمر بحروب مؤذية مدمرة ما زالت توقع الخسائر الكبيرة في المادة والانسان . لا شك في أن الحرب اللبنانية واستمرارها أثرا سلباً في مستوى المعيشة ومؤشرات التنمية ودفعا بمئات آلاف اللبنانيين إلى الهجرة . تؤثر الأوضاع سلباً في الاستثمارات والنمو والبطالة التي تطال الجامعيين من مختلف الاختصاصات . استفاد لبنان كثيراً من الاقتصادات العربية التي اعتمدت الاشتراكية في الستينات، فهجر الينا آلاف المتمولين من مختلف البقاع المجاورة . استفاد لبنان من الوجود الفلسطيني المؤسساتي حيث تدفقت الأموال العربية اليها، فوضعت في المصارف كما في الاقتصاد بشكل عام . استطاع لبنان التواصل مع الغرب بفضل الثقافة التي تميز بها والتي افتقدتها الدول المجاورة . يتنافس لبنان اليوم مع دول ومناطق لم تكن تنعم في الماضي بالمواصفات الحديثة المتطورة، كدبي وقطر والعراق وقريباً ليبيا . لم يعد لبنان اليوم النموذج الذي كان عليه، بل أصبح واحدا من عدد من الاقتصادات العربية المرنة التي تستقطب الاستثمارات الخارجية .

في الواقع نمو فترة الطائف اعتمد على العقارات والمضاربات مما سبب ارتفاعاً كبيراً في أسعار الشقق والمنازل، كما اعتمد على بعض القطاعات الخدماتية . لم نحسن كمجتمع الحفاظ على الزراعة والصناعة من نواحي الانتاجية والتنافسية والنوعية . ها هو لبنان اليوم أحد مؤسسي “الغات” ممنوع من دخول منظمة التجارة العالمية التي تضم 157 عضوا بينهم 11 دولة عربية منها مصر والأردن، بل يحصل فقط على مقعد مراقب . لبنان قائد الاقتصاد الحر في المنطقة العربية منذ الأربعينات يراقب اليوم فقط التجارة العالمية ولا يشارك في تحديد القواعد الدولية . في سنة 1960 بلغ الناتج المحلي الاجمالي اللبناني 830 مليون دولار، أي مثلاً أعلى من سنغافورة (700 مليون دولار ) . أما اليوم، فيبلغ الناتج اللبناني 5 .38 مليار دولار مقارنة ب 210 مليارات دولار لسنغافورة حيث يتقارب عدد السكان .

لا شك في أن المؤشرات الانسانية تطورت ونعني بها الصحية، فانعكست على مستوى العمر المرتقب الذي يصل إلى حدود 70 سنة للرجل و 74 سنة للمرأة . أما المؤشرات المالية والنقدية، فكانت أسلم، اذ لم يصل ماضياً عجز الموازنات كما مستوى الدين العام إلى ما نحن عليه اليوم . كان دور الدولة في الاقتصاد قوياً من دون أن يمس بالحريات وكانت الليرة اللبنانية قوية، بل من أفضل النقد العالمي . أما اليوم، فدولرنا الليرة ولم تعد تتمتع بالوهج والصدقية المطلوبة . كانت هنالك ثقة كبيرة بالدولة وأجهزتها والمسؤولين عنها، أما اليوم يقع العكس تماماً . ينتشر الفساد أفقياً وعمودياً مما يؤثر سلباً في مستوى ومحتوى الإنفاق . أفقد الفساد لبنان جاذبيته في الاستثمار التي كان ينعم بها لعقود . كان ميزان المدفوعات في العموم فائضا، مما ساهم في رفع مستوى الاحتياطي النقدي إلى أرقام غير مسبوقة . هذه السنة سيتحقق عجز كبير في ميزان المدفوعات يفوق الملياري دولار من دون أن تكون الأفق واضحة من ناحية حجم رؤوس الأموال المتوجهة إلى لبنان للايداع أو الاستثمار .

كان مستوى التعليم في لبنان من أفضله عالمياً، وكان مقدماً من عدد قليل من المؤسسات النوعية خاصة الجامعية . تدنى المستوى التعليمي اللبناني من نواحي اللغات والآداب والعلوم بسبب تكاثر المؤسسات وهجرة الكفاءات وعدم وجود أجهزة رقابة متخصصة فاعلة وصارمة . تدنت قيمة الشهادات الجامعية في السوق بسبب افتقادها إلى النوعية .

كانت الإدارة العامة في الستينات تعمل بإنتاجية عالية بسبب فعالية أجهزة الرقابة، أما اليوم فهي غير فاعلة مما يسمح للفاسد بالهرب . رفع الانتاجية ضروري لكنه صعب في الظروف الحالية . نعيش اليوم في أزمات لحوم وأدوية ومأكولات وحبوب فاسدة، كما لم نشهد تنفيذ عقوبات جدية تسهم في توقف هذه الأعمال المشينة . في الستينات، كان هنالك احترام للمواطن وكان السياسي يخدم المواطن أكثر بكثير مما هو عليه اليوم . حالياً وفي العديد من الأحيان، يقع المواطن في خدمة السياسي للحصول على الحقوق والخدمات البديهية، مما يفقد البلد أي أمل جدي في التغيير والإنقاذ والاصلاح .

* خبير اقتصادي

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.