اعتدنا على الغش

ايام زمان,كان في حارتنا شيخ عنده مطحنة قهوه,وكان يبيعنا القهوة على أساس إنها قهوه أصليه من اللي بحبها قلبك,وهذا الشيخ التاجر كان أيضا موجود في الحاره من أيام أبي وجدي,وكان أبي وجدي أيضا معتادين على قهوته الأصليه,يعني قهوته تمشي في دمي..ولكن حدث بعد ذلك أمرا جديدا,حيث ظهر لهذا الشيخ منافس جديد في القهوه وتحميصها وطحنها,وزبدة الموضوع يا جماعة الخير مش هون, الزبده إنه هذا المنافس عرض لنا قهوه أصليه 100%,ولما ذقناها ما إستطعمناش فيها وقلناله: يا حجي قهوتك هذي مغشوشه, فحلف مليون يمين وطلق مرته بالثلاثه إذا ما كانتش قهوته أصليه,وبعد فتره تأكدنا جميعنا بأن ذلك البائع القديم كان يغشنا طوال أكثر من 40 سنه, بس مع أننا تأكدنا من الشيخ إنه كان يغشنا إلا أننا جميعنا اعتدنا على البضاعه المغشوشه,صدقوني لا أستطعم حتى اليوم إلا بالقهوه المغشوشه ..ولما على فتره من الفترات اشربنا قهوة منافسه الأصليه إلا أننا مرة أخرى نبذنا القهوه اللي هي فعلا أصليه ورجعنا كلنا نشتري من عند الغشاش,وقلنا:أها..هذي القهوه أللي بتنشرب اللي كيلتها بدينارين ونص,مش هذيك أم ال10 ليرات اللي بدهم يضحكوا فيها علينا ويقولولنا عنها إنها قهوه أصليه!!!أي أين الثرى من الثُريا؟,وحتى الآن إذا بشتري من أي محل قهوه..قهوه أصليه 100% على طول بشعر في لساني ومعدتي ينكرانها عليّ,وإذا ضفت صديقا في حاره أخرى واسقاني قهوه أصليه لا أشربها وأتبجح بشتى الأعذارذلك أنني اعتدت أنا وأهل الحاره على القهوه المغشوشه,وهذا التاجر منذ خمس سنوات ترك دكانه القديمة وتقاعد عن العمل ولم يعد يبيعنا قهوه مغشوشه,ولكن حتى الآن إذا بدي أروح واشتري قهوه بدور على أرخص المحلات المشهوره بالستكات وبالقهوه (ال مبرده) مثل وجه التاجر إللي كان يبعنا,ولو رحت على أي محل قهوه بحكي للبائع:لو سمحت بديش قهوه أصليه,فبسألني ليش؟فبقول:أنا اعتدت طوال حياتي على شرب القهوه المغشوشه وفمي ومعدتي لا يستقبلان إلا كل شيء مغشوش,والبضاعه الأصليه بصيبني منها مرض وبصير أكح وأسعل على طول,ولما بجادلني أي تاجر على طول بحكيله:ياخي أنا بدي أغش حالي وإنت شو دخلك؟,وبيني وبين نفسي بقول:أي هو بده يضحك عليّ,بده يبيعنا الكيلو ب10 ليرات على أساس إنها أصليه وأنا عارف إنها مش أصليه,أي هو جاي يبيع المي في حارة السقايين! على رأي(شريفه فاضل)!.

ومش بس بائع القهوه اللي عودنا وحده على الغش,لا,في كمان بائع الحمص والفلافل,كمان هذا في إله عندنا ملف طويل وعريض وطوال عمره وهو يبيعنا (حمص إمحمض) وإذا بشتري من عند غيره حمص أصلي بتصير معدتي بعد أكله تؤلمني كثيرا,وأولادي طبعا الآن يقتدون بي,ومره من ذات المرات رحت على حاره ثانيه على بائع بعيد عنا وعنده حمص أصلي فلما أحضرته معي إلى البيت شافوه أولادي وهو في الصحن خافوا من لونه وصاروا يقولوا:يععععععع شو هذا الحمص!!من لونه باين عليه مغشوش ومحمّض,فحلفتلهم بالطلاق من أمكوا إنه حمص أصلي والحمص اللي كنت أشتريلكوا إياه من عند أبو مروان هظاك هو الحمص المغشوش,فقالوا:ليش يا بابا بدك تضحك علينا,والله حمصه إنه أطيب حمص بالدنيا,فقلتلهم:يا ملاعين الحرسي والله العظيم إنه هاظا هو ال حمص الأصلي وهظاك هو الحمص المغشوش, فردوا وقالوا:خلص بدناش حمص أصلي,إرجع جيبلنا من الحمص المغشوش,فقلت:اللوم مش عليكوا,ما هو أنا كمان مثلكوا والله ما أنا مستطعم فيه وفعلا لونه دليل على إنه مغشوش,وخلكوا الله لا يردكوا…ما هو أنا كمان مثلكوا تعودت على الغش.

أنا وكل أهل حارتي معتادون على البضاعه المغشوشه,وما فيش حدى بقدر يبيعنا بضاعه أصليه سواء أكانت قهوه أو حمص وفلافل أو حتى أرز,والأنكى والأدهى من كل ذلك أن كل تجار حارتنا المتخصصون بالسجائر,كمان هذول عودونا على أنواع السجائر المضروبه واللي صايبها رطوبه, فمثلا باكيت الدخان(الماربورو) لمرطب أستمتع جدا بتدخينه,أما باكيت الدخان الأصلي واللي مش صايبه رطوبه لا تتقبله معدتي,بتصير معدتي فورا تؤلمني من أول سيجاره منه,وأنا أعلم أنه مغشوش ومع ذلك لا أستطيع أن أتناول سجائر غير مغشوشه لأن كل التجار في حارتنا عودوني على أكل وتدخين وشرب الغش,حتى اللي ببيعنا ماء(مُفلتر) كمان هاظا كذاب,وأخو 60 قحبه,ميته مش مفلتره,بس شو بدي أساوي معدتي اعتادت على الشرب من محطته ماء مغشوشا,ومره سكر محله يومين رحت إشتريت ماء مفلتر من حاره ثانيه,وصدقوني ظليت وبقيت طوال يومين وأنا عطشان مش قادر أستسيغ شرب المياه الأصليه,على كل حال الله لا يسامح كل واحد عودني على الغش.

لذلك نحن في حارتنا جميعنا لا نقبل النصيحة من أي أحد,وكما قال المثل(اللي بنصحنا واللي ببعصنا كله عندنا واحد) واللي بنصحنا بنعتبره عدونا ومش صديقنا,وكمان اللي ببيعنا بضاعه مش مغشوشه كمان هذا بنعتبره نصاب وسرسري وبدهوش مصلحتنا,والصادق جدا عندنا عباره عن كذاب جدا,والأمين جدا وخايف على مصلحتنا بنعتبره خائن لنا ولدينه ولوطنه,حتى رئيس الحكومه اللي بيجينا وبكون قلبه علينا بنصير إنقول:سقالله على أيام زمان,أي هظاك هو الرئيس الممتاز,بدليل الإستعمار,لما جاءنا الاستعمار قاومناه جدا وقدّمَ أجدادنا الغالي والنفيس في سبيل الاستقلال,وتأكدنا بعد ذلك بأن الاستعمار أفضل لنا,بس بعد إيش؟مثل ما قال المثل(بعد ما فات السبت في طيز اليهود).

ومره رحت أشتغل في ورشه قبل حوالي شهرين,في بلده أخرى بعيدة عن بلدتي,ولما شعرت بالجوع خرجت من الورشه ورحت أبحث عن مطعم آكل فيه,فأخذني صاحب الورشه على مطعم ببيع حمص وفول من أبدع ما يكون,فلم اشعر أثناء تناول الإفطار بأي متعه,فقلت لصاحب الورشه:يا زلمه هاظا صاحب المطعم غشاش جدا,فقال:

-ليش يا أبو علي؟خابرك زلمه فهمان….هاظا يا رجل من أفضل المطاعم في كل محافظة إربد.

فقلتله:

– دخلك بكره ما بدي اتفطرني هون,أرجوك شوفلي مطعم ثاني.

– فقال:يا أبو علي,إنت صدقني مش راح تدفع مصاري,فطورك كل يوم على حسابي .

– فقلت:المسأله مش مسألة حساب ودفع مصاري,يا رجل حمصه طعمه زي الزفت,أي كس أخته من مطعم.

فضحك وقال:
– خلص مثل ما بدك,كس أخته مليوم مره ..في واحد ثاني بس حمصه مش طيب ومحمض على طول:فقلتله:بس وقف هون,هاظا هو الاصلي,فصار يضحك وفكرني بمزح: فقلتله والدمعه تكاد تسقط مني:صدقني أنا معتاد على الغش هيك اتربيت من وأنا طفل صغير,القهوه مغشوشه,والحمص اللي ابنوكله مغشوش,والماء مغشوش …والدوى اللي بنشتريه من الصيدليات كمان مغشوش,وفرجينا أتعس محل شاورما على شان وأنا إمروح في آخر النهار أشتري منه وجبات لأولادي, فضحك مني حتى أغمى عليه وقال عني:والله ما بعرف إنك زلمه مزّيح لأبعد الحدود,فضحكت له وقلت:دمي خفيف,صح؟,فقال:جدا جدا,علما أنني أحكي الواقع كما يبدو لي.

وكمان الناس بدوروا وين في واحد هامل ونصاب وكذاب وحقيرعلى شان يتعاملوا معه تجاريا,أنا بذكر قبل عشر سنوات في واحد سأل في حارتنا عن معلم عمار,ففي بعض الناس حكوله عني وقالوله:طلبك موجود عند أبو علي,فقال:هاظا سمعت عنه,هاظا صريح جدا وصادق جدا,وكمان بحكي بالسياسه وبالثقافه,فشو بدي فيه؟,أنا بدي واحد سراق نصاب نذل حقيرلا ذمه له ولا دين,فوصفوا له رجلا آخر,وحتى هذا اليوم ما زال يتعامل معه في بناء مشاريع إسكانيه وبناء فلل.

وفي الآونه الأخيره كل اللي صاروا أصحاب رؤوس أموال في الأردن كلهم من حثالات الناس,فأينما وجدت الحكومه أناس من طبقة الحثاله فورا يستدعونهم ويعقدون معهم أفضل الصفقات التجاريه,والناس الطيبين والمحترمين ما حدى بكترث فيهم.

وهذي نصيحتي لكل الناس,إياكم وأن تكونوا مثلي أنا,اللي مواصفاته مثلي أكيد في أي يوم من الأيام راح يقتله الجوع,أنا لا أغش أحدا ومع ذلك كل الناس يغشوني في كل شيء حتى في معدتي.

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.