إسطورة ” إيتانا” ونفاق الآلهة ج1

إسطورة الملك السومري إيتانا ( إيت ــ آنا ) من مدينة كيش ، الذي حلّق في السماء على ظهر نسر كبير ، ساعيا الوصول الى دار الآلهة ليحصل على “عشبة الخصوبة ” ( شامو ــ شا ـ آلدي )، بسبب عقم ( لاه ــ بو ) أصاب زوجته ، ومطالبا بولد من صلبه يخلفه ليكون ملكا من بعده .
إن هذه الإسطورة قديمة جدا ، ويعود تأريخها الى سلالة الملك ” سرجون الأكدي ـ 2334 ـ 2279 ق.م ” ، ويحتفظ المتحف البريطاني من بين مقتنياته لبعض الأختام الأسطوانية والتي تصور الملك ” إيتانا ” ممتطياً ظهر نسر محلقاً بالسماء ، وقد عثر عليها في نينوى أثناء عمليات التنقيب الاثارية والتي كانت ضمن موجودات المكتبة الآشورية لفترة حكم الملك الآشوري ” آشوربانيبال ” ( القرن السابع قبل الميلاد ) ، كما عثر على أربعة ألواح أثرية ضمن ماعثر عليه في المكتبة ايضا والتي تجسد فيها تلك الملحمة الأسطورية ، وهي النصوص الأوضح على الاطلاق من بين نظيراتها والتي تحتوي بمجملها على 396 سطرا محفورا والتي تمّت ترجمتها الى الانكليزية ، إلاّ ان تلك الألواح تظهر عليها بعض الأجزاء التالفة كما وبدت منقوصة وغير مفهومة في بعض المقاطع ، لذا تعذر فك رموزها و ترجمتها بشكل كامل . بأي حال فانها اكثر وضوحاً من تلك التي عثر عليها في ” إيلام ” والتي تعود الى العهد البابلي .
ويشير المؤرخ البريطاني ” جي أس كيرك ” ( بأن محتوى هذه النصوص تتطابق مع بعضها في كثير من الاحيان وبدقة لتصل الى حد كلمة بكلمة ” أي التي عثر عليها في نينوى ، مقارنة بالنصوص التي عثر عليها في إيلام “، رغما من ان الفارق الزمني لتأريخ كتابتهما يصل حوالي الى 1000 سنة ) . كما عثر على نصوص اخرى تعود الى العصر الآشوري الوسيط أيضا.

Cylinder seal; limestone; illustrates myth of Etana, a shepherd and legendary king of Kish, who was carried up to heaven by an eagle in order to obtain an heir; Etana’s ascent is watched by a shepherd accompanied by his dog, a sheep pen, goats and a sheep
الأختام الاسطوانية الذي عثر عليها في نينوى (من القرن السابع الميلادي ) والذي يظهر فيه الملك ايتانا محلقا على ظهر النسر ، والصور مأخوذة من معروضات المتحف البريطاني

أن هذه القصة تحوي الكثير من الخيال الأسطوري والذي ينبع من ثقافة الشعوب وفقا لمعتقداتها . فالآلهة التي أنشأت مدينة كيش، تبحث عن شخص يكون جديراً ليكون ملكاً عليها ، وهنا نجد هذا التدخل الإلهي والسعي لجمع بطل القصة لكائن يشري والذي عينته الالهة على أرضها كملك عليها وعلاقته بالكائنات الاخرى وليتحدد مصيره بها ، وكما تصوره على انه إبناً لها وهو بطلها فوقع اختيارها على ” إيتانا ” ، وعليه يجب ان يكون له إبنا وريثاً على العرش من بعده ، ليكتسب الملوك و ذريتهم صفة التقديس المتوارث باعتبارهم رعايا الآلهة ، وعلى أتباعهم طاعتهم طاعة عمياء ، وإلا سينال كل مخالف عقوبة الآلهة والتي لايتمناها أحد . ومذاك الزمان كان العقل البشري ومن يمتلك أعلى الهرم للسلطة ، يقوم باختيار او بالأحرى يختلق شخصية الإله وفق حاجاته ورغباته ، ويسنّ شريعته ويفرض قوانينها على انها أوامر إلهية سماوية غير قابلة للتغيير او الطعن ، ويجعلها مصدر قوة له كي لايمكّن رعيته من التمرّد عليه وكسر طاعته ، ونستدل بذلك عندما كان الملك البابلي حمورابي ( 1792-1750ق.م ) قد سنّ شريعته وقوانينه على انها صادرة من الإله ” شمش ” ، فترى الملك على وجه الاسطوانة التي عثر عليها في سوسة ، يتلقى القوانين من شمش إله الشمس نفسه ، ولنجد ان نصّها غير متجانس ، فهي تفتتح بتحية الآلهة ولكن لاتحفل بها بعدئذ في ذلك التشريع الدستوري البعيد كل البعد عن الصيغة الدينية ، كما جاء في مقدمة النص : ( ولما آن عهد أنو الأعلى ملك الأنونا كي وبِلْ رب السماء والأرض الذي يقرر مصير العالم ، لما آن عهد حكم بني الإنسان كلهم إلى مردوك . . . ولما آن نطقا بإسم بابل الأعلى ، وأذاعا شهرتها في جميع أنحاء العالم ، وأقاما في وسطه مملكة خالدة أبد الدهر قواعدها ثابتة ثبات السماء والأرض، ..و و و.. ) ، هذا المقطع بما يخص الآلهة ، وفي المقطع التالي ينسف حمورابي كل ماقيل عن الآلهه ليتحدث عن نفسه هو دون غيره، وليصف نفسه بكل صفات القوة والتحدي التي تطلق على الآلهة، فما تفسير ذلك ؟
وكما حاء في المقطع التالي في المسلة : ( أنا حمورابي الملك الأعلى ، عابد الآلهة ، كي أنشر العدالة في العالم ، وأقضي على الأشرار والآثمين ؛ وأمنع الأقوياء أن يظلموا الضعفاء . . . وأنشر النور في الأرض وأرعى مصالح الخلق . أنا حمورابي ، أنا الذي اختاره ِبِلْ حاكماً ، والذي جاء بالخير والوفرة ، والذي أتم كل شيء لنيبور ودُريلو ، . . . والذي وهب الحياة لمدينة أوروك ؛ والذي أمد سكانها بالماء الكثير ، . . . والذي جمل مدينة بارسيا ،. . . والذي خزن البذور لأوراش العظيم ، . . . والذي أعان شعبه في وقت المحنة ، وأمنّ الناس على أملاكهم في بابل ؛ حاكم الشعب ، الخادم الذي تسر أعماله أنونيت ، و.. و . و..الخ الخ ) . غير أن الملوك الفراعنة في وادي النيل حسموا أمرهم منذ البداية وأعلنوا عن أنفسهم بأن الملك منهم هو إله بحد ذاته ، و بهذا الوصف يكون ملوك الفراعنة هم أقرب الى حقيقة ان الانسان هو من اخترع الآلهة .

ان محور قصتنا هذه يدور حول زوجة الملك إيتانا التي كانت عاقرا لسوء الحظ ، فقام الملك بمحاولات عدة للحصول على الدواء الشافي لعلتها ولكن دون جدوى ، وبعد ان دب اليأس في نفسه وظهور الشيب في رأسه ، فخشي ان يموت دون ان يكون له وريثا من بعده. فجاءته فكرة المثول امام الآلهة ، ليعرض مشكلته ، ويطلب منها مساعدته ، فهل ينل الملك إيتانا ماكان يصبو اليه ؟

تبدأ القصة مع تأسيس وبناء المدينة العظيمة ” كيش ” ذات الجهات الأربع من قبل الآلهة ، ومن ثم لتستمر عملية البحث المضنية عن ملك ليحكم المدينة . واخيرا تم اختيار إيتانا من قبل “عشتار” ( إنانا ) ليكون ملكا مشترطة عليه بناء معبد أو مزار للإله ” أدد/ أشكور ” . وكما جاء في مقدمة الملحمة في اللوح الأول :
( انهم صمموا لمدينة … الآلهة وضعت أساساتها … انهم صمموا مدينة كيش …آلهة الإيجيجي وضعوا لها الأساسات… آلهة الآنوناكي صمموا لمدينة ) . وفي مقاطع اخرى من هذا اللوح يعلن العثور على الملك .. ( الإيجيجي أنفسهم كانوا يقومون بحراسة المدينة …عشتار/ إنانا نزلت من السماء تبحث عن راع …كانت تبحث هنا وهناك عن ملك …وكان أنليل يبحث عن منصة العرش لإيتانا … تم تثبيت ملك على هذه الأرض …في أرض كيش أقيمت الملكية … التي كانت تسمى المياه العالية … هناك قد بني برجا … مزارا لأدد والآلهة ) .

وهذا المزار أو دار الآلهة كما كان الاعتقاد السائد قديما ، بأن عندما تنزل الآلهة من دار السماء الى الأرض تجد مكانا لإقامتها . لذا تصنع التماثيل ووضعها في المزارات أو دور الضيافة لتستقر بها الإلهة عند نزولها الى الأرض ، وعليه تقام المراسيم الدينية كالصلوات وطلب الرحمة والمغفرة أمام ذلك التمثال من قبل كهنة الدار او المعبد وحث المتعبدين من العامة على تقديم النذور والقرابين اليه حتى يرضى عنهم ذلك الإله المزعوم .
وكان بالقرب من هذه الدار شجرة حور كبيرة ذات فروع وأغصان كثيفة ، وكان على هذه الشجرة عشّاً كبيراً لنسر ضخم قد بناه ، وأفعى جعلت من جذور الشجرة منزلاً لها . وفي اللوح الثاني ، وصف لنا كاتبه عن المكان وشخصيات المشهد الذي تمثله كل من شجرة الحور والنسر الضخم و جارته الأفعى .
اتفق كل من النسر و الأفعى على الولاء والوفاء والاخلاص لبعضهما ، و أبرما إتفاقا على ان يؤديا قسمهما أمام إله الشمس ” شمش ” ليكون شاهداَ على ذلك العهد الذي بينهما ، على انهما سيكونان صديقين ، ويرعى كل منهما صغار بعضهما البعض الآخر. وعلى واجب النسر أن يحافظ ويسهر على سلامة صغار الأفعى عندما تخرج للبحث عن الطعام . وبالمقابل فإن الأفعى سوف تحذو حذو النسر بذلك . سرى هذا الاتفاق بينهما يشكل جيد دون خرق او مشاكل قد حصلت . وتوصف الإسطورة المكان وشخصياته بالحوار الذي دار بين النسر والأفعى :
( وفي ظل هذا المزار .. نمت شجرة حور وكبرت .. في أعلاها كان نسر قد بنى عشّه .. وبين جذورها كان جحر لأفعى.. وفي كل يوم يراقبان فرائسهما من الوحوش .. قال النسر للأفعى .. دعينا نعقد صداقة فيما بيننا .. وأن نكون رفيقين أنت وأنا..الأفعى قالت للنسر .. اذا رغبت حقا بالصداقة بيني وبينك .. قالت الأفعى.. دعنا نقسم أمام الإله ” شمش الذي لايرضى بالعمل البغيض” ..القسم العظيم للوفاء بالعهد الذي بيننا .. تعال نصنع عهدا للقسم أمام الإله شمش..وبعدها نصعد الجبل لنصطاد هناك .. دعنا نقسم أمام شمش الذي يصطاد الأشرار .. امتثلا أمام شمش أقسما اليمين .. ان لاتعدّي على حدود شمش .. وان شمش سيمسك المعتدي على انه الجاني .. كل من يتعدى حدود شمش .. وان الجبال تزيل مسالكها بعيدا عنه .. وان كل الأسلحة ستوجه ضده .. وان فخاخ ولعنة شمش ستنزل عليه وتنفيه الى العالم السفلي .. بعد ان أدّيا القسم .. صعدا الجبل سوية ليصطادا ) .
ويستمر سرد القصة كيف كان الأثنان يذهبان سوية لأصطياد فرائسهما ، وكيف كانا يتقاسمان مايجود عليهما الجبل من الأعناز والغزلان ، أو ما يكرمهما الوادي من الحمير والبغال والخنازير ، وما يدّب عليه من الزواحف والمواشي ، وهكذا كانت معيشتهما وطعامهما مناصفة بينهما وكذلك مابين صغارهما .
هنا ثمة إشكالية في مكان نشوء القصة أو الواقع الذي تدور حوله قصتنا ، وهي ان الحدث كما تشير مقدمة الإسطورة قد وقع في أرض سومر تأريخياً، وهي منطقة سهلية رسوبية ، لايوجد فيها جبال وبالتأكيد ، لا وديان، ولا حتى هضاب مرتفعة ، في حين ان مشاهدها وعلى مايبدو كانت في منطقة جبلية ، كما جاء في المقطع للحوار الذي دار بين النسر والأفعى حول مكان تأدية قسم للوفاء والألتزام على الاتفاق الذى جرى بينهما امام الإله شمش ، وكما يلي:
( تعال نصنع عهدا للقسم أمام الإله شمش..وبعدها نصعد الجبل لنصطاد هناك ..) ، وكذلك ، (كل من يتعدى حدود شمش .. وان الجبال تزيل مسالكها بعيدا عنه ) ، وايضا عندما خاطب الإله شمش الأفعى ( ولما سمع شمش رثاء الأفعى لصغارها ومنزلها .. عندها قال للأفعى .. إذهبي الى المنعطف عند طريق الجبل ) ، وكانا كذلك يصطادان فرائسهما أما على سفوح الجبال ، أو في بواطن الوديان ، أي بمعناه ان المنطقة الجغرافية المحصورة هي أرض مرتفعة وليس في منطقة منبسطة كأرض سومر ، وهذا الوصف ينطبق تماما مع المنطقة الجغرافية لبلاد آشور التي هي بطبيعة الحال تحوي جميع اركان القصة من جغرافيا وشخوص كالأفاعي والنسور وأشجار الحور ودور ومعابد الإلهة ، ومما يؤكد ما نقول ، بأن الألواح التي عثر عليها في المكتبة الآشورية كانت الأكثر وضوحا ، ودقيقة التفاصيل أكثر بكثير من مثيلاتها التي عثر عليها في إيلام وغيرها رغم الفوارق الزمنية . ولكن بمجملها يمكننا أن نستنتج ، بأن القصة كُتبت وحُفظت بأيادي آشورية تماماً كما عثر عليها أصلاً، ويمكننا أن نتكهن ، بأن القصة كانت أكدية الأصل ولكن تم تداولها فيما بعد ولاسيما ان الإله شمش كان الشخصية المهمة التي دارت حولها القصة ، وطالما ان تلك الشخصية الالهية مهمة جدا ومحورية لدى بلاد ما بين النهرين قديماً ، فمن المعقول جدا ان تنتشر بين الحضارات التي تبنت عبادة إله الشمس” شمش “، لذا يحصل عادة تكراراَ للشخصيات ومكان الحدث ، ويمكن ان تجرى بعض التغييرات هنا وهناك كي تتناسب مع بيئة وطبيعة المجتمع والحياة تبعاً لزمانها ، ولدى التأريخ شواهد كثيرة على ذلك … ونعود لنكمل قصتنا.
ففي ذات يوم من الأيام قد حدث مالم يكن بالحسبان ،عندما نمت صغار الأفعى وكبرت ، عندها قرر النسر ، بأن يجعل منها وجبة طعام دسمة له !. وبالرغم من صيحات وتوسلات صغار الأفعى بأن لا يهاجمهم ويؤذيهم ، الا ان جميع صيحاتهم وصراخهم قد ذهبت سدى .
عادت الأفعى وبصيد وفير لإطعام صغارها ، فلم تجد صغارها ، وان المنزل الذي تركته قبل ذهابها للصيد لم يكن بهذا الحال من الأرباك والفوضى ، أيقنت بحصول فعل سيء ، فأنهمرت دموعها من عينيها باكية حزنا على صغارها الذين تركتهم برعاية النسر الصديق الذي خان صداقتها ناكرا العهد الذي اقسم عليه أمام الإله شمش . ويأخذنا مؤلف القصة عند المشهد التراجيدي الذي وصفه على هذا النحو :
( عندما نمت وكبرت صغار الأفعى .. أضمر النسر في قلبه شرّاً .. الحقيقة كان في قلبه شرّاً .. كانت فكرته بأن يأكل صغار صديقته ..النسر قال لصغاره .. أنا سوف آكل صغار الأفعى .. ولسوف أطير الى السماء وأسكن فيها .. واذا هبطت الى الشجرة فقط لآكل ثمراتها .. كان وليده الأصغر أكثر حكمة من أخوته الآخرين .. قال لوالده النسر .. لا تأكلهم يا والدي .. ان شبكة الإله شمش سوف تجهز عليك ياوالدي .. فأن شبكة ويمين شمش سوف يطيحان بك أرضا ويقتنصانك .. لأنك تعديت حدود شمش .. وشمش سوف يسلمه ليد الجلاّد .. هو لم يحذرهم ولم يستمع لكلمات ولده .. لقد انقض وأكل صغار الأفعى ..في مساء نفس اليوم .. الأفعى عادت محملة بأثقال .. وعند مدخل الجحر ألقت بحملها من اللحوم .. ودارت من حولها أدركت بأن منزلها قد تلاشى .. وأن صغارها قد أختفوا ..وأن النسر قد نبش الأرض بمخالبه .. وغيوم من الغبار قد غطت السماء بها ..بكت الأفعى وأنهمرت دموعها أمام شمش .. أنا وثقت بك يا شمش المحارب.. أنا من أعطيت الزاد الى النسر .. والان منزلي .. منزلي الذي قد تهدم .. ومنزله بمأمن .. صغاري قد ماتوا .. وصغاره أحياء ..لقد أنقض على صغاري وأكلهم .. أنت تعرف جيدا يا شمش بأن الشّر الذي بداخله فعل كل هذا بي .. هل حقا يا شمش ان شبكتك تسع الأرض كلها ؟ .. وان شراكك تصل الى عمق السماء .. وان النسر يجب ان لايفلت من شبكتك .. مثل الخبيث ” آنزو ” الذي خان رفاقه .. ولما سمع شمش رثاء الأفعى لصغارها ومنزلها .. عندها قال للأفعى .. إذهبي الى المنعطف عند طريق الجبل .. حيث تجدين ثور برّي مقيد .. أفتحي بطنه وأدخلي بجوفه .. لتنصبي فخّاً له .. لسوف ترين كل طيور السماء المتوحشة تهبط عندك لإلتهام اللحم .. والنسر أيضا سوف يهبط ليأكل اللحم .. النسر سيأتي ويأكل اللحم معهم .. وسوف لايعرف بأن الشّر بانتظاره .. ولسوف يختار طرّي اللحم عندما يبدأ من الخارج ومن ثم ينفذ الى الداخل .. وسيجد طريقه الى الأحشاء .. وعندما ينفذ الى الداخل .. إمسكي به من جناحيه .. وأنزعي ريشيها وريش ذيله .. وألقي به الى قعر الحفرة .. دعيه يموت من الجوع والعطش ) .

نفذّت الأفعى ما أمر وما وعد به شمش لها بحذافيره على أمل الانتقام من النسر الخبيث الذي أكل صغارها وهدّم منزلها.
عندما وقع النسر في فخ الإله شمش الذي أعده للأفعى كي تنفذ به انتقامها ، صار النسر يتوسل اليها بان تطلق سراحه وأنه نادم على فعلته الشنيعة بصغارها ، لكن الأفعى أبت ان تصغي لتوسلاته وطلب الرحمة والمغفرة ، وأصرّت بأن يلاقي مصيره الموت جوعاً وعطشاً . وبعد ان يأس من الأفعى باطلاق سراحه والعفو عنه ، دار ظهره لها والتجأ الى شمش الإله العظيم ليتوسل اليه يوما بعد يوم من داخل حفرته ، بفك أسره ومنحه حريته ، ويوعده بأن يكون مخلوقاً خادماً مطيعاً و وديعاً صاغراً منفذّاً لكل ما تأمر به الآلهة .
سمع الإله شمش نداءاته ومجموعة توسلاته المتكرره اليه ، فقرر شمش أن يكلّمه ، كما ما جاء في اللوح الثاني :
( أنت شرير .. وقد قمت بفعل شنيع .. أنت ارتكبت عملاً بغيضاً من رجس الآلهة .. وهو عمل مرفوض .. ألم تكن تحت القسم ؟ ..
لو لم تكن كذلك .. لن تجدني قريباَ منك ) .
بعد ان وبّخ الإله شمش النسر الظالم الذي نكث بوعده لجارته وصديقته الأفعى وأكل صغارها بدون وجه حق وأحنث بقسمه للإله ، وبدلا من أن يلقى النسر عقابه الأشد من الإله شمش لكونه ناكثاً وحانثا ، نراه قد مهّد له طريق الحرية ومساعدته على الهرب من حفرته العميقة لينال حريته وليفلت من عقوبته التي وعد بها الإله شمش للأفعى المسكينة لتنفذ انتقامها من النسر . ولكن كيف ذلك ؟ هذا سوف ما يرد في الجزء الثاني من القصة …

المصادر
ـــــــــــــــــــــــ
جوشوا ـ جي ـ مارك ــ إسطورة إيتانا ــ نيويورك ــ 2011 .
فران هزيلتون ــــ أساطير العراق القديم ــــ لندن ــ 2006 .
اوستن . هـ . لايرد ـــ نينوى وأطلالها ـــ لندن ــ ديسمبر 2001 .

About عضيد جواد الخميسي

كاتب عراقي
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.