إدانة برادلي ماننغ تبعث برسالة مخيفة

الشرق الاوسط: جسلين راداك

في عام 1971 وجهت إدارة ريتشارد نيكسون اتهاما لدانييل إلسبيرغ وأنتوني روسو، اللذين سربا وثائق سرية من البنتاغون، بموجب قانون التجسس. لكن القضية رفضت في النهاية بسبب سوء السلوك الحكومي. لكن حكم الإدانة ضد الجندي برادلي ماننغ، جعل إدارة أوباما تنجح فيما لم تتمكن منه إدارة نيكسون، من إدانة موظف حكومي متهم بإساءة التعامل مع معلومات سرية. وقد اعتمدت إدارة أوباما بشدة على قانون حقبة الحرب العالمية الأولى – الذي يعني محاكمة الجواسيس لا الواشين – شديد القسوة في حربه القاسية وغير المسبوقة على التسريبات، مستخدما إياه سبع مرات، أكثر من أي رئيس أميركي آخر، لملاحقة أفراد كشفوا معلومات تثير حرج الولايات المتحدة أو، ما هو أسوأ، تفضح جرائمها.

وحتى الأسبوع الحالي فشل هذا الإجراء القمعي. فقد دافعت عن اثنين من الواشين الذين وجهت إليهم إدارة أوباما اتهامات بالتجسس هما توماس دراك الموظف البارز في وكالة الأمن القومي، وعميل وكالة الاستخبارات السابق جون كيرياكو. ليس من قبيل المصادفة أنهما كشفا عن أكبر فضيحتين حكوميتين في إدارة بوش – المراقبة الداخلية السرية والتعذيب.

الحقيقة الأكيدة هي أن الحكومة انتهت بإسقاط كل تهم التجسس في كلتا القضيتين. في المقابل لم يحدث ذلك في قضية ماننغ، فقد أدانه القاضي العسكري بست تهم، إضافة إلى الاتهامات الأخرى. لكن الاختلاف الأبرز هو أن محاكمة ماننغ جرت في محكمة عسكرية، ولم تلق اهتماما يذكر من وسائل الإعلام، أما وسائل الإعلام التي حضرت فقد أحبطت في كل خطوة بسبب القواعد الصحافية التعسفية والمتغيرة على الدوام من قبل مكتب الشؤون العامة في الجيش. ومن ثم تمكنت الحكومة من تجنب الانتقادات الإعلامية والعامة التي ساعدت دراك وكيرياكو.

محاكمة شخص بتهمة التجسس هي واحدة من أخطر التهم التي يمكن أن تمارس ضد أميركا. هذا المصطلح تحريضي إلى حد أنه ينفر حلفاء الواشين بين الحوكمة المفتوحة ودعاة الشفافية والحريات المدنية. ما يزيد الطين بلة، هو أن يجد الصحافيون، الذين يغطون بشجاعة هذه القضايا، والمحامين الذين يمثلون من يقولون الحقيقة للسلطة بحماسة، أنفسهم موضع تجريم الآن. فقد بلغت الحرب على الصحافيين نفس قدر الحرب على المبلغين، بما في ذلك: طلب وزارة العدل السرية المكالمات الهاتفية لعشرين خطا هاتفيا لوكالة أسوشييتدبرس؛ واتهام جيمس روزين في «فوكس نيوز» بأنه «مشترك، و«محرض» و/ أو مشارك في مؤامرة «من خلال نشر معلومات المصدر»، وحكم محكمة النقض الكارثي بضرورة أن يدلي صحافي جريدة «نيويورك تايمز» جيمس رايزن بشهادته ضد مصدره في وكالة المخابرات المركزية.

يمكن لمعارضي التسريبات الصراخ بعبارة غير مسؤولة تتوعد المحامين والصحافيين بمواجهة تهم جنائية كالمساعدة والتحريض أو الشراكة في جريمة، ولكن جهلهم يتضح بشكل كبير. لعل أحدث مثال وصف مدير وكالة المخابرات المركزية الجنرال مايكل هايدن صحافي «الغارديان» غلين غرينوالد بـ«المتآمر» لكتابته سلسلة من المقالات التي كشفت برامج المراقبة الخاصة بوكالة الأمن القومي.

في هذه الحالة فإن الأفراد الذين يحاكمون هم أولئك الأفراد الذين كشفوا الاحتيال والانتهاكات غير الشرعية على أعلى مستوى بهدف إفادة الجمهور، مما يبعث برسائل تقشعر لها الأبدان إلى كاشفي الحقائق والمنشقين واللاعبين الرئيسين في الحفاظ على توعية المواطنين التي تكمن في قلب مجتمع ديمقراطي حر ومفتوح. خلاصة القول إنه في تجربتنا الديمقراطية العظيمة يفترض أن يسيطر الأفراد على الحكومة لا العكس. ويفترض أن يكون عمل الحكومة علنا وحياة الأفراد خاصة لا العكس. وهناك عدد من الأرواح الشجاعة التي تناضل لتصحيح هذا المسار. ينبغي أن لا يختار موظفو الخدمة المدنية ضميرهم على عملهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بحريتهم الخاصة.

* خدمة «واشنطن بوست»

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.