أين راسك ابو جعفر؟؟

 محمد الرديني

 واخيرا تحققت نبوءتي ياأبا جعفر فقد قطعوا رسك كما يقطع رأس زانية لم تزن الا بالاشاعات.

قلت لك ومنذ سنوات ان تختفي من هذا الشارع فهو شارع مدنس ومكروه وعابروه قطاع طرق.. ليسوا قطاع طرق فقط وانما احفاد الذين قطعوا راس الحسين ولأنهم لم يجدوا مشهورا مثلك يقطعوا رأسه فقد قطعوا رأسك يامسكين كما قطع طفل في السابعة من عمره اول امس رأس رجل بقامة حادة.

قلت لي قبل سنوات اني باق في هذا الشارع فانا الذي امرت برصفه قبل مئات السنين وطلبت مني ان اسمعك اغنية “بغداد” لفيروز.. كان ذلك قبل 7 سنوات حين زرتك قبل ان يقطعوا رأسك ويرموه في الخلاء.

اتذكر في ذلك اليوم كانت ملامح وجهك توحي بالحزن الشديد وانت تتذكر زرياب واسحاق الموصلي وتراثهم الغنائي الرائع. وكنت انا مستعدا لمشاكستك حين قلت “ان مغنينا هذه الايام لايختلفوا عنهما ابدا، فهذا مثلا المدعو الرسام وانا واثق انه لايعرف رسم حتى عمود افقي او طولي يصرخ “الله ياخذني اذا اكذب عليك، وانا روحي كلها بين ايديك” وقلت لي من هذا المجنون قلت من؟ فهم اكثر قلت ،هذا الذي اسميته الرسام.

قلت :اوه يابليغنا العربي الاصيل انهم كثر ولكن هذا المغني ليس لديه وقت الا للبكاء من الصباح الى الليل حتى انه يمشي بالشوارع ويصيح :انه من الصبح لليل افكر بيك” يعني الاخ لاشغل ولا انتاج ولافائدة من سمنته سوى انه جالس على الدكة ويفكر بالاخ.

قلت لي عجيب.

ليس اعجب من ذاك المستفز والساقط اخلاقيا الذي يبدأ اغنيته ب”راح اطلعه.. راح اطلعه” ونفهم بعد ذلك انه يريد ان يطلّع قلبه ليقدم اليه “باربكيو”.

طلبت مني السكوت بعد ذلك ولكني لم اسكت وقررت ان اسمعك مزيدا من مباهج السقوط الاخلاقي عند المغنين العراقيين هذه الايام ولكنك رميت امامي حجرا اسود دلالة لغضبك العنيف.

وادرت دفة الحديث الى منحى آخر لكي لا تغضب وسألتك هل زارك صابر العيساوي قبل ان “يجلقوه”؟ وهل نظر اليك صلاح عبد الرزاق وهو يمر من امامك ذاهبا الى بيته؟ لااعتقد.. ولكن بصراحة شيمة العربان كلها موجودة عند عبعوب ولا ندري لماذا تأخر في ارجاع رأسك الى جسدك ؟ ربما لم يجد وقتا كافيا لذلك .. اعذره ياابا جعفر المنصور.. فانه مشغول حتى اذنيه ويكاد يغرق بالشغل حتى ان المراجعين سمعوه امس وهو يصيح “اني اغرق .. اغرق”.

اهذه نهايتك يا ابا جعفر.. جسد بلا رأس في المدينة التي تحمل اسمك .. بس حيل بيك لأنك ما سمعت كلامي.. توسلت بك ان تهرب من هؤلاء الزعاطيط واقترحت عليك ان تهاجر الى فيينا بلد التماثيل، وتوسطت لك عند مدير البلدية الذي عاتبني بالقول انك لاتحتاج الى وساطة فسيرة حياتك تدّرس في مدارسهم ولكنك رفضت وصحت بي ،كيف لي ان اغادر المدينة التي بنيتها واصبحت عنوان العلم والمعرفة في كل العالم؟.

حسنا ،لعد حيل بيك مرة اخرى ظل جثة بلا رأس الى يوم يبعثون.

فاصل:اوصاني ابو جعفر ان ابعث براسه المقطوع الى كل من يحب بغداد ووعدته ان ابعثه للذي يطلب.تواصل مع محمد الرديني فيسبوك

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.