أوروبا.. ديمقراطية وفرص عمل ونمو

الشرق الاوسط: غيرهارد شرودر وجاك ديلور

دفعت الاضطرابات الاقتصادية خلال السنوات الماضية أوروبا نحو مزيد من التكامل، وبدأ ذلك عن طريق تحقيق الاستقرار المالي، والاتحاد المصرفي الذي لا يزال يتم العمل به. ويدرك الجميع الآن أن إقامة منطقة عملة موحدة من دون سياسة مالية مشتركة سوف تؤدي في النهاية إلى الأزمة التي نعانيها جميعا الآن.

لقد وصلت أوروبا إلى هذه المرحلة على مضض وبضغط كبير، عن طريق توقيع اتفاقات بين قادة الحكومات الوطنية، وهو ما يراه كثيرون بمثابة قيام الدول الأكبر والأقوى بفرض سياساتها على بقية الدول بطريقة غير ديمقراطية. وعلى هذا الأساس، ظهر رد فعل عنيف لفكرة الاتحاد الأوروبي، ولا سيما في إيطاليا واليونان وإسبانيا، وهي البلدان التي تأثرت كثيرا من الناحية الاجتماعية.

إننا نرى الآن الظهور المثير للقلق للأحزاب والحركات التي يبدو أنها تعتقد أن التأكيد على القومية الوطنية سوف يحررهم من الضرورات المشتركة للاتحاد الأوروبي، أو الذين يعتقدون أن الحمائية سوف تمكنهم من الهرب من إيجاد حل لمشكلة افتقار أوروبا إلى القدرة التنافسية.

الشيء الواضح بقوة، هو أن المواطنين الأوروبيين لن يسيروا على مسار الإصلاح ومزيد من التكامل ما لم يكن لهم صوت في تشكيل هذا المسار، وما لم يكن هناك برنامج مشترك وطارئ لخلق فرص عمل يظهر أن فكرة الاتحاد الأوروبي سوف تؤتي ثمارها.

ثمة الكثير من الدروس التي يمكن استخلاصها من جهود الإصلاح التي شهدناها حتى الآن في أوروبا، وهي كالتالي:

أولا: هناك فجوة بين الوقت الذي يتم فيه اتخاذ القرارات المؤلمة ووقت تنفيذ الإصلاحات. وقد يستغرق ذلك فترة تصل إلى خمس سنوات، كما هو الحال في ألمانيا. وقد يؤدي ذلك إلى حدوث مشكلة للسياسيين عندما تجرى الانتخابات خلال هذه الفترة الزمنية، كما رأينا للتو في إيطاليا.

ثانيا: لا يمكن للإصلاحات الهيكلية أن تنجح إلا عندما يكون هناك نمو. وبشكل عام، فإن النقاش الحالي تكرار للنقاش الذي عقدناه عامي 2003 و2004 بشأن معاهدة الاستقرار والنمو الخاصة بالاتحاد الأوروبي. ومع تعديل هذه المعاهدة، لم تكن هناك نية لألمانيا وفرنسا لإضعاف المعايير في ذلك الوقت، ولكننا كنا نشعر بالقلق إزاء تعزيز جانب النمو في المعاهدة، لأن ألمانيا لم تكن قادرة آنذاك على تحقيق وفورات بالمليارات، جنبا إلى جنب مع سياسات الإصلاح.

ويتعين على ألمانيا الآن أن تعطي شركاءها الأوروبيين هذه الفرصة مرة أخرى، ولا سيما أن اليونان وآيرلندا والبرتغال وإيطاليا وإسبانيا قد قطعوا شوطا كبيرا في إعادة هيكلة مواردهم المالية، كما يتعين على قبرص أن تسلك هذا الطريق أيضا.

ويظهر الوضع الاقتصادي والسياسي في هذه البلدان أن المدخرات وحدها ليست وسيلة للتغلب على الأزمة، بل على العكس من ذلك هناك خطر يتمثل في أن الاقتصادات الوطنية ستكون شبه مخنوقة نتيجة سياسات التقشف الصارمة. وتقوم هذه البلدان بعمل إصلاحات هيكلية، ولذا فهي بحاجة إلى المساعدة.

ويجب أن تكون هناك دائما علاقة بين الرغبة في الانخراط في الإصلاحات الهيكلية من جهة والرغبة في إظهار التضامن من جهة أخرى. في الحقيقة، لا يوجد هناك ما يسمى «إما النمو أو التقشف»، فنحن مقتنعون بإمكانية دمج الاثنين بطريقة ذات معنى؛ في الواقع، يجب أن يجتمع الاثنان معا. إننا بحاجة إلى نوع من الانضباط في الميزانية، كما نحتاج إلى إصلاحات هيكلية. ويتعين علينا أيضا أن نضيف مكونات النمو لبرنامج التقشف.

وتعد مكافحة البطالة بين الشباب في أوروبا أحد أهم المجالات هنا. لا يمكننا أن نقبل أن ينشأ «جيل ضائع» في أوروبا، لأن الكثير من الدول تعاني البطالة، وأكثر من نصف عدد الشباب بها من دون وظائف. وسوف تخضع هذه المشكلة للمناقشة من جانب القادة الأوروبيين الذين سيحضرون اجتماع معهد بيرغروين بالعاصمة الفرنسية باريس في الثامن والعشرين من مايو (أيار).

وهنا، يمكن أن تكون هذه هي مسؤولية الحكومة الألمانية، مع العلم بأن معدل البطالة بين الشباب الألمان لا يتجاوز 8%، ولذا يبحث كثير من شباب البلدان الأوروبية الجنوبية عن فرص عمل في ألمانيا. ومع ذلك، لا يمكن أن تكون هجرة الشباب المتلقي تعليما جيدا هي الحل لتلك المشكلة، لأن ذلك سيؤدي إلى حرمان بلدانهم الأصلية من الاستفادة من تلك المؤهلات. ولذلك، فإننا بحاجة إلى برنامج واسع النطاق لمعالجة بطالة الشباب في أوروبا. ويتعين على البلدان الأوروبية القوية، ولا سيما ألمانيا، أن تتحمل مسؤوليتها السياسية والمالية في هذه الحالة.

والأكثر من ذلك، تمثل انتخابات البرلمان الأوروبي في شهر مايو (أيار) 2014 فرصة لإعطاء جميع المواطنين الأوروبيين صوتا في مستقبلنا المشترك. ولأول مرة منذ تأسيس الاتحاد الأوروبي، سوف تكون أقوى الأحزاب في البرلمان الجديد قادرة على اختيار القيادة التنفيذية لأوروبا، والمتمثلة في رئيس المفوضية الأوروبية. حتى الآن، يتم تعيين رئيس المفوضية من قبل المجلس الأوروبي، الذي يمثل الدول الأعضاء.

وإذا ما شارك المواطنون الأوروبيون بقوة في هذه الانتخابات، فإن رئيس المفوضية الجديد سيكون لديه نفس الشرعية الديمقراطية الممنوحة لأي زعيم وطني في نظام برلماني. وسيتم ملء الفراغ الموجود في السلطة على المستوى الأوروبي بسبب غياب الشرعية – وبالتالي عدم القدرة على اتخاذ إجراءات فعالة نيابة عن جميع المواطنين الأوروبيين.

وإذا تنافس المرشحون على المقاعد البرلمانية على أساس رؤيتهم لأوروبا، فيمكن لانتخابات 2014 أيضا أن تضع الأساس للبرلمان الجديد ليكون بمثابة «الاتفاقية التأسيسية» التي يمكن أن تحدد الاختصاصات المحدودة التي تقوم بها بروكسل – على سبيل المثال، الاستقرار المالي والتجارة والهجرة – وما ينبغي أن يبقى مع الدول الأعضاء.

يمكن لأوروبا أن تعمل مرة أخرى إذا اتحدت جميع الحكومات والنقابات ورجال الأعمال والمجتمع المدني معا لدعم مبادرة جديدة لعلاج مشكلة البطالة بين الشباب، وإذا ما أثمرت الجهود التي ستبذل عام 2014 عن تحقيق قدر أكبر من الديمقراطية والشرعية للحكومة الأوروبية.

* غيرهارد شرودر المستشار الألماني السابق، وجاك ديلور الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية، وهما عضوان في مجلس مستقبل أوروبا التابع لمعهد نيكولاس بيرغروين.

* خدمة «غلوبال فيوبوينت»

 
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.