أهل القرآن يتخبطون في تأويله 2-2

كامل النجار

يقول الشيخ د. أحمد صبحي منصور (إن من الطبيعى أن نفهم القرآن بالقرآن : أى أن نتعرف على مصطلحات القرآن من خلال القرآن نفسه. وهذا معنى البيان القرآنى. وهو معنى أن الله تعالى جعل بيان القرآن بالقرآن ، فلكى تفهم القرآن لابد أن تتدبره وتتعقله من خلاله هو ، وبمفاهيمه هو ، وخصوصا أن القرآن لم ترد فيه إحالة إلى شروح أخرى تعين على فهمه) انتهى .
والقرآن يقول لمحمد (لا تحرك به لسانك لتعجل به. إن علينا جمعه وقرآنه. فإذا قرأناه فاتبع قرآنه. ثم أن علينا بيانه) (القيامة 16-19). وهنا نجد مشكلة في تفسير القرآن بالقرآن إذ أن أول سورة نزلت على محمد كانت سورة إقرآ التي أمره فيها جبريل أن يقرأ سورةً من القرآن لم يكن محمد يفهما ولا يعرف قراءتها. ثم الآن يقول له (لا تحرك به لسانك لتعجل به. إن علينا جمعه وقرآنه) ما هو السبب الذي جعل الله يقول لمحمد لا تعجل به لسانك ونحن نعرف أن جبريل كان يأتيه بالآيتين أو الثلاثة ويرددهن له حتى يحفظهن. فلماذا أمره الله ألا يعجل به لسانه. هل كان محمد لا يجيد نطق ما أخبره به جبريل، فطلب منه الله أن يصبر حتى يررد جبريل الآية عدة مرات؟ وماذا نفهم من (إن علينا جمعه وقرآنه)؟ إذا افترضنا أن الله يجمع القرآن، فهل هو الذي يقرأه لمحمد أم جبريل كان يفعل ذلك؟ وإذا كان جبريل يفعل ذلك لماذا قال الله إن عليه قراءته؟ ويزيد الله ويقول لمحمد (ثم إنّ علينا بيانه). فحتى محمد نفسه ما كان يفهم القرآن حتى يبينه له الله. فكيف للمسلم العادي أن يقرأ القرآن ويتبين معانيه؟ ثم يزيد القرآن ويقول لمحمد (فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لداً) (مريم 97). فكيف يبشر محمد بالقرآن المتقين وينذر به قوماً لدا إذا لم يشرحه لهم وقت نزوله؟ فإذا كان محمد قد شرح القرآن لقومه فلا بد أن هناك من حفظ شرحه ونقله إلى غيره حتى دونوه في كتب التفسير. فهناك كلمات كثيرة في القرآن لم يفهمها المعاصرون مثل (وفاكهةً وأبّا)، فسألوا عنها كما تقول الروايات. وهذا هو عين المنطق إذا أراد الله لهم أن يتدبروا القرآن، فالمتدبر لابد أن يسأل عما لا يفهم. وإذا قرأنا تفاسير المفسرين لكلمة “أبا” يتبين لنا أنهم لم يفهموا معناها فاختلفت تفاسيرهم. فكيف للمسلم العادي أن يقرأ القرآن ويفهم ماذا قصد الله بكلمة “أبّا” التي لم يفهمها عمر بن الخطاب ولا أبو بكر عندما سئلوا عنها؟ فالقرآن لا يفسر نفسه، وكما قال علي بن أبي طالب (القرآن لا ينطق إنما ينطق به الرجال). فالرجال الذين ينطقون به يحتاجون إلى التفاسير ليفهموه.
ثم أن القرآن يقول لمحمد (بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزّل إليهم ولعلهم يتفكرون) (النحل 44). فكيف يبين محمد للناس دون أن يشرح لهم القرآن؟ وماذا عن (واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون. إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون) (يس 13-14). كيف يفهم الناس هذه الآيات دون أن يشرحها لهم محمد؟ عن أي قرية كان يتحدث، ومن هم الاثنان الذان أرسلهما الله ثم عززهما بثالث؟ هل يمكن أن نفهم هذه الآيات من داخل القرآن نفسه دون شرح؟ وآيات أخرى كثيرة مثل (أصحاب الأيكة) من هم، وأين كانوا، وماذا فعلوا؟ ففهم القرآن من داخل القرآن نفسه وبدون الرجوع إلى من أتى به يكون ضرباً من التخبط والتخمين ليس إلا
يقول الدكتور منصور (ونعطى نماذج سريعة للاختلاف والتناقض بيم مفاهيم القرآن ومفاهيم التراث : الدين فى مفهوم القرآن يعنى الطريق، والسبيل، والصراط، والطريق قد يكون مستقيماً وقد يكون معوجاً. وقد يكون الدين أو الطريق معنوياً، أى العلاقة بالله تعالى. وقد يكون الدين أو الطريق حسياً مادياً كقوله تعالى عن أهل المدينة فى عصر النبى يعلمهم فن القتال ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لّيَتَفَقّهُواْ فِي الدّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوَاْ إِلَيْهِمْ لَعَلّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (التوبة 122) فالآية سبقتها وتلتها آيات فى سياق القتال وتتحدث هذه الاية الكريمة عن النفرة للقتال، وضرورة إرسال فرقة استطلاع تتعرف على الدين أو الطريق ثم تنذر الناس وتحذرهم. ومن الخبل أن نفهمها على أن يترك المؤمنون رسول الله عليه السلام فى المدينة ثم يذهبوا للتعليم خارج المدينة، وهى موطن العلم بالإسلام، وكان غيرها مواطن الشرك فى ذلك الوقت.) انتهى
أعتقد أن التوفيق قد أخطأ الدكتور منصور في محاولته ربط الدين بالطريق، وجعل الطريق فعلياً وهو البقعة من الأرض التي يسلكها المسافر أو الغازي في جيش محمد، فهو يقول: (ومن الخبل أن نفهمها على أن يترك المؤمنون رسول الله عليه السلام فى المدينة ثم يذهبوا للتعليم خارج المدينة، وهى موطن العلم بالإسلام، وكان غيرها مواطن الشرك فى ذلك الوقت). الآية المذكورة من آيات سورة التوبة التي كانت آخر سورة نزلت من القرآن، وترتيبها حسب الظهور هو 113 من 114 سورة. في ذلك الوقت كان محمد قد أخضع جميع القبائل العربية للإسلام، فعندما يقول (ما كان للمؤمنين أن ينفروا كافة) كان يتحدث عن المؤمنين خارج المدينة الذين طلب منهم أن أن يرسلوا طائفة من كل قبيلة إلى المدينة ليتفقهوا في الدين ثم يعودوا إلى قبائلهم ليشرحوا لهم الدين لأن محمد اقتحم تلك القبائل بالقوة وأدخلها في الإسلام دون أن يشرح لهم الدين.
و افتراض الدكتور منصور بأن الدين في القرآن تعني الطريق فافتراض لا ينطبق على كل الآيات التي جاءت بها كلمة الدين. فمثلاً، القرآن يقول (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر) (التوبة 12). فهل يقصد القرآن هنا إذ طعن المشركون في الطريق الذي يربط، مثلاً، مكة بالمدينة؟ ويقول القرآن كذلك (وادعوه مخلصين له الدين) (الأعراف 29). فهل المقصود: مخلصين له الطريق؟ وماذا عن (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر) (الأنفال 72). فالواضح هنا أنه يحثهم أن ينصروا إخوانهم المسلمين إذا حاقت بهم الهزيمة وطلبوا مساعدة إخوانهم المسلمين الأخرين. فلا براح لكلمة الطريق في هذه الآية. وماذا عن سورة الكافرون (يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد. لكم دينكم ولي دين). فالغالبية العظمى من الآيات التي وردت بها كلمة الدين كانت تعني العبادة أي دين الإسلام. وإذا أراد الدكتور أن يقول إن الدين هو الطريق معنوياً، يصبح المثل الذي أعطانه عن نفور طائفة من المؤمنين ليكتشفوا الطريق وقت الغزوات مثلاً لا مكان له في شرح القرآن.
ثم يستمر الدكتور منصور فيقول (ولكن مصطلحات التراث جعلت التفقه قصراً على العلم بالشرع، مع أن مفهوم التفقه فى القرآن يعنى العلم والبحث العقلى والمادى فى كل شىء.
ـ والسنة فى اللغة العربية تعنى الشرع، تقول “سن قانوناً” أى شرع قانوناً. وفى القرآن تأتى فى التشريع بمعنى الشرع حتى فيما يخص النبى (الأحزاب 38) وتكون حينئذ منسوبة لله تعالى، أما النبى فهو صاحب القدوة والأسوة (الأحزاب 21) فالسنة لله تعالى، ولنا فى النبى أسوة حسنة، وتأتى السنة منسوبة لله تعالى أيضاً فيما يخص تعامله جل وعلا مع المشركين، وتكون هنا بمعنى المنهاج والطريقة (الأحزاب 62، فاطر 43، الفتح 23) ولكن السنة فى التراث تعنى شيئاً مختلفاً سياسياً ومذهباً فقهياً.) انتهى
أنا لا أوافق الدكتور فيما ذهب إليه من أن التفقه في القرآن يعني العلم والبحث العقلي والمادي في كل شيء. فالذي يريد أن يتفقه في دين جديد أو مذهب سياسي أو أي دعوى أخرى، لابد له أن يمحص محتوى تلك الدعوى ويسأل عن كل كبيرة وصغيرة فيها، وينتقد ما لا يتوافق مع أفكاره. ولكن القرآن لا يتيح للناس تلك الفرصة. فالقرآن مثلاً يقول لليهود الذين انتقدوا آيات محمد (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا) (النساء 47). فهل هذا تشجيع على التفقه والبحث في آيات القرآن أم تهديد ووعيد – آمنوا وإلا؟ وهاهو يهدد المشركين الذين كانوا يجلسون في مجالسهم ويفندون قرآن محمد (قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين) (الأنفال 38). فهذا إنذار واضح: كفوا عن نقاش الآيات، نغفر لكم، وإن تعودوا للنقاش سوف تنالكم سنة الأولين من قوم لوط ونوح، أي سوف نخسف بكم الأرض. والذي يتفقه في نظرية جديدة، كما قلنا، لا بد له من أن يسأل، ولكن القرآن لا يجيب على الأسئلة. ماذا عندما سألوا محمداً عن المحيض؟ هل شرح لهم أن الحيض عبارة عن أوعية دم تغطي جدار الرحم لتهيئته لتغذية البويضة الملقحة، وفي حال فشل التلقيح يلفظ الرحم تلك الطبقة من الأوعية الدموية؟ هل شجعهم محمد ليبحثوا في هذا الأمر؟ كل ما قاله لهم القرآن (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) ( البقرة 222). وبقية الأسئلة كثيرة وإجابة القرآن عنها لا تسمن ولا تغني من جوع. وفي النهاية طلب القرآن من المؤمنين ألا يسألوا محمداً (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبدى لكم تسؤكم). وزاد عن ذلك وقال لهم (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سٌئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل) (التوبة 108). فالتوجيه الإلهي للناس في القرآن هو الكف عن الأسئلة، فكيف يدعّي الدكتور أن القرآن يحث الناس للتفقه والبحث العلمي في كل شيء؟
ونأتي الآن إلى موضوع النسخ في القرآن، فيخبرنا الدكتور منصور (والنسخ فى القرآن يعنى الإثبات والكتابة والتدوين، ويعنى فى التراث العكس تماماً، أى الإلغاء. ولنا بحث منشور فى هذا الموضوع) انتهى .
القرآن يقول (ما ننسخ من آية أو نُنسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) (البقرة 106). فإذا كان معنى النسخ هو التثبيت والكتابة، يصبح معنى الآية أعلاه هو كل ما يثبت الله آية يأتي بأحسن منها أو مثلها. أو بمعنى أخرر: كلما يكتب الله آية يأتي بآية أخرى أحسن منها. أي يكرر نفسه بلا داعٍ للتكرار.
وفي سورة الحج يقول لنا (وما أرسلنا من قبلك من رسول أو نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يُلقي الشيطان ثم يُحكّم الله آياته والله عليم حكيم) (الحج 52). وهذا يعني أن كل الأنبياء والرسل بما فيهم محمد قد تدخل الشيطان في وحيهم، فأثبت الله وكتب ما ألقى الشيطان ثم حكّم آياته من بعد ذلك. وهذا يؤكد أن القرآن به آيات ألقاها الشيطان في أمنية محمد، وثبتها الله في كتابه لأن النسخ يعني التثبيت، كما يقول الدكتور منصور. وعليه لم يفهم ابن عباس ولا عمر ولا أبو بكر ولا علي بن أبي طالب القرآن لأنهم فهموا النسخ على أنه إلغاء الآية بآية أخرى، وأصدروا أحكاماً قضائية مستنتجة من مفهومهم للنسخ كإلغاء
ثم يستمر الدكتور فيقول لنا (- وكذلك الحال مع “أولوا الأمر”، فالمقصود بهم فى القرآن هم أصحاب الشأن وأصحاب الخبرة والاختصاص فى الموضوع المطروح (النساء 59، 83) وليس المقصود هم الحكام كما يتردد فى التراث.) انتهى
فإذاً عندما يقول القرآن (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) (النساء 59) كان يقصد أن نرد الأمر إلى ذوي الاختصاص والخبرة في الموضوع ونطيعهم مهما قالوا. فلما أتت هذه الآية هل كان هناك ذوو اختصاص بالقرآن غير محمد نفسه، وقد قال القرآن ردوه إلى الله والرسول وأولي الأمر منكم. فمن هم أولي الأمر والاختصاص في ذلك الوقت. وإذا كان ما يقوله الدكتور صحيحاً فهذا يعني إذا ذهب المريض إلى طبيب مختص ووصف له الطبيب العلاج فلا بد أن يطيعه ويفعل ما أمر به الطبيب ذو الاختصاص، ولا حاجة لمعاينة طبيب اختصاصي آخر قد يختلف في رأيه عن الأول. فالطاعة واجبة لذوي الاختصاص. أعتقد أن الآية واضحة وتعني طاعة ولي الأمر الحاكم.
يقول الدكتور منصور (1ـ ضمير الملكية : (الياء ) فى قولك ( كتابى وقلمى ) تفيد الياء هنا ملكيتك للقلم أو الكتاب . ومثال ذلك فى القرآن الكريم كلمة ( كتابى ) فى : (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ) ( النمل 28). اى كتابى الذى أملكه . هنا يتحول الأمر الى النقيض حين تقول ( ربى )، ياء الملكية تعنى العكس وهو أن الذى يملكك هو الله جل وعلا وليس العكس . وبهذا المعنى نفهم قول موسى عليه السلام (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ )( الشعراء 62 )) انتهى
لا أرى أي سبب يجعل الياء في ضمير المتكلم تعني التمليك، فالمثل الذي أتى به الدكتور عن الكتاب يعني: كتابي الذي كتبته، ولا يعني كتابي الذي أملكه، لأنك بمجرد أن ترسل الخطاب أو الكتاب، لا يعود الخطاب ملكك بل ملك من أرسلته له. وإذا اتبعنا تأويل الدكتور منصور نجد أني عندما أقول: (زوجتي) يعني أني أملكها، وإذا قلت (همومي أضعفتني)، هذا يعني أني أملك تلك الهموم. وإذا قلت (تأخرت طائرتي ساعتين)، فهذا يعني أني أملك الطائرة. وإذا قلت (ديوني أرهقتني) فهذا يعني أني أملك تلك الديون، ولكن العكس صحيح بأن الديون هي التي تملك حياتي وتصرفاتي. و إذا قالت الزوجة (زوجي) فهذا يعني أنها تملك الزوج رغم أنه قد يكون متزوجاً ثلاث نساء أخريات. وإذا قلت (ديني الإسلام) فأنا أملك الإسلام. فالياء التي لا ترتبط بالرب هي للملكية، كما يقول الدكتور منصور، ولكن الياء المرتبطة بالإله هي للعبودية. مع أن الإله ما هو إلا فكرة تتكون في عقولنا، وما دامت فكرة فهي ملكي. لا أعتقد أن مثل هذا الطرح هو ما قصده كاتب القرآن. ياء المتكلم هنا لا تعني أكثر من الارتباط والانتماء، فزوجتي تنتمي لي وأنا انتمي إليها ولا ملكية في الأمر. وكذلك كل الأمثلة التي ذكرتها. العملية كلها عملية ارتباط، ولكن الدكتور أراد أن يدخل فيها العبودية لله، ومفهوم العبودية، حتى لله، مفهوم لا يليق بالإنسان
ثم يقول لنا الدكتور ( ـ ضمير الغيبة : ( هو ) يفيد غياب الشخص ،ولكن عندما تستعمل (هو ) بالنسبة لرب العزة الذى لا يغيب فإن كلمة (هو ) تفيد وتؤكد الحضور وليس الغياب ، بل يأتى السياق يؤكد على الحضور وعدم الغياب كقوله جل وعلا (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا )( المجادلة 7 ). تكررت كلمة ( هو ) عن رب العزة لتؤكد الحضور وليس الغيبة) انتهى .
أعتقد أن الدكتور حمّل الضمير أكثر مما يحتمل. هناك ثلاثة ضمائر: ضمير المتكلم (أنا، ونحن)، وضمير المخاطب (أنتَ، وأنتي، وأنتم)، وضمير الشخص الثالث (هو، وهي، وهم)، الذي نقول عنه في العربية ضمير الغائب، ولكن هذا لا يعني أنه غائب فعلاً. فقد يكون محمد مثلاً معي في الغرفة ويتصل شخص آخر بالتلفون ويقول: أين محمد؟ فأقول له: هو معي بالمكتب. فمحمد موجود وليس غائباً رغم أني استعملت ضمير الغائب له. فقول الدكتور إن استعمال الضمير (هو) لله تعني الحضور وليس الغياب، قول زائد لا معنى له.
ويقول الدكتور منصور (صفة ( الحى ) تعنى الحىّ الذى لا يموت : ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ) ( الفرقان 58) وهى تناقض صفة (الحى ) لدى المخلوقات التى لا بد أن تموت ( وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ) ( آل عمران 27 )) انتهى
هذا كذلك اجتهاد لا معنى له. صفة الحي تنطبق على الإنسان وعلى الله وعلي النبات والحيوان. الفرق الوحيد أن الإنسان في وقت من الأوقات يموت، والله المزمع لا يموت لأنه فكرة لا وجود لها على أرض الواقع. ولكن في أي لحظة زمنية يكون الاثنان أحياء إلى أن يموت الإنسان. ولذلك عرّف كاتب القرآن قصده بأن قال الذي لا يموت. ولو كانت كلمة حي في صفة الله تعني أنه لا يموتـ لما أضاف كاتب القرآن وصفاً إضافياً في آخر الجملة ، ولاكتفي بقوله: الله الحي. أما قوله يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، فقول خاطيء يرجع إلى اعتماد محمد على الأشياء المرئية فقط. فمحمد كان يعتقد أن بذرة الذرة أو حصاة التمر ميتة، وعندما يزرعها الإنسان تنمو وتخضر. ولذلك جاء بهذه الآية، بينما البذرة ليست ميتة وإنما هي مسبتة أي مشتية

hibernating

 تنتظر المناخ المناسب والمياة العذبة لتنمو. فليس هناك إخراج للحي من الميت.
في النهاية إذا كان الدكتور أحمد صبحي منصور، زعيم جماعة أهل القرآن، يرنو إلى نشر فكر أهل القرآن، عليه أن يعتبر نفسه رسولاً عن أهل القرآن، وبالتالي عليه أن يتصرف كتصرف الأنبياء، كما أوصى القرآن محمداً وقال له (لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك). ولكن دعونا نقرأ ما كتبه الدكتور كمقدمة لمقاله هذا (هناك آفة يعانى منها بعض هواة الكتابة ، هى إنهم لا يقرأون ، وبعضهم إذا قرأ ولديه فكرة معينة فهو لا يتخلى عن فكرته ، ولا يفهم ما يقرأ ـ لو قرأ ، وهو يلاحقنى بنفس الأسئلة دون ان يكلف نفسه عناء القراءة . مؤخرا ، إنتهيت من كتابة ونشر أربع مقالات عن الثورة المصرية الراهنة ثم بدأت أستانف الكتابة فى سلسلة ( كتب ـ كتاب ) فى القرآن الكريم ، مع سلسلة أخرى تتكون من أربع مقالات ساخرة بعنوان ( تبرئة ابن حجر من بيع الحشيش للبشر ..آه يا بقر..؟؟) للتعليق على ثورة السلفية المصريين على المفتى فى اتهام ابن حجر ببيع الحشيش. عطّلنى عن عملى تعليق ظل صاحبه يلاحقنى به من التسعينيات دون ملل ودون رحمة ، ودون أن يقتنع ، ودون أن يقرأ لى.!). انتهى. لاحظوا هنا أن الدكتور ضاق ذرعاً بالأسئلة، فقال (وهو يلاحقني بنفس الأسئلة دون أن يكلف نفسه عناء القراءة). هل سكن الدكتور مع السائل ليعرف إن كان يقرأ أو لا يقرأ؟ إنه نفس الضيق بالأسئلة الذي أبداه محمد لأصحابه وقال لهم (لا تسألوا عن أشياء).

كامل النجار (مفكر حر)؟

About كامل النجار

طبيب عربي يعملل استشاري جراحة بإنكلترا. من هواة البحث في الأديان ومقارنتها بعضها البعض وعرضها على العقل لمعرفة مدى فائدتها أو ضررها على البشرية كان في صباه من جماعة الإخوان المسلمين حتى نهاية المرحلة الجامعية ثم هاجر إلى إنكلترا وعاشر "أهل الكتاب" وزالت الغشاوة عن عينيه وتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من حقيقة الميثالوجيا الدينية الهدف الوحيد من كتاباتي هو تبيان الحقيقة لغيري من مغسولي الدماغ الذين ما زالوا في المرحلة التي مررت بها وتخطيتها عندما كنت شاباً يافعاً
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.