أني اغرق .. اغرق

محافظات العوراق العظيم غارقة هذه الايام بمياه الامطار وفيضانات المجاري ولاينفع فيها كلام خادم بغداد ولا عسل الموسوي في الكلام ولا حتى قصيدة نزار قباني “اني اتنفس تحت الماء”.
صحيح ان تجارة “الجزم” ازدهرت هذه الايام الا ان احد شيوخنا الاجلاء وهو من سكنة ناحية السيبة شمال البصرة والمعروف بصراحته المطلقة قال امس” ان رب العزة يريد لنا الخير بهذه الامطار حتى لايفكر البعض في تحشيد المواكب الحسينية حفاظا على حياتهم.
وسمعه الناس فجرا امس وهو يدور في ازقة القرية مناديا:
ايها الناس في كل زاوية وناحية في العراق.
ايها الشرفاء من ابناء هذا الوطن.
ايها المسؤولين في المنطقة الخضراء.
الا يظهر فيكم من يقول لا والف لا لتلك الحشود التي تحيي طقوس شهر محرم في زمن الموت والرعب؟
ليس منّا من لايحب الامام الحسين.
ليس منّا من لايحترم الائمة وآل البيت.
ليس منّا من لايحترم هذا الشهر.
ولكن ليس منّا من يذهب الى الموت برجليه طائعا وكأنه يلتذ بما يفعل ويتمنى “الشهادة” على يد الارهابيين.
استثني الحكومة من أي اجراء لحماية الناس ، فالحكومة التي تخاف من الصور لايمكنها ان تخرج الى الناس وتقول بكل صراحة ان الارهابيين ينتظرون حشودكم الحسينية لنسفكم بكل مايملكون من قوة فهذه فرصتهم والمطلوب ان تؤجلوا المواكب الحسينية.
لاننسى ابدا فاجعة جسر الائمة.
ولاننسى تفجيرات الامامين العسكريين في سامراء.
وغيرها الكثير…
اذا ابعدنا الحكومة يمكننا بعد ذلك ابعاد مجلس “البرطمان” فهو اسوأ مؤسسة تشريعية شهدها العراق منذ تأسيسه لأن الذي يتحاور بالقنادر لاتهمه حياة الناس.
المسؤولون في العوراق العظيم قسمان: الاول يسرق ثم يسرق ثم يسرق ولا يشبع ، والثاني”سياسي تنبلخانة” ينتظر مراسلا في احدى القنوات الفضائية يومىء له باصبعه فيأتيه راكضا ليعلن باعلى صوته المذكور بالقرآن ان العراق نموذج للديمقراطية ويعيش مرحلة الرفاه والبنين و…,…. والسلام عليكم.
ننتظر غدا اخبار الموت، ونقرأ للمحررين الذين ابتدعوا مصطلحا غريبا في كتابة اخبار التفجيرات والواحد منهم يغار من الثاني الذي يقول”انتهت حصيلة التفجيرات لهذا اليوم باستشهاد(..) وجرح(…).
وكأن الواحد منهم ينقل اخبار بورصة نيويورك اوسباق الهجن في دول الخليج او حتى سباق الخيل(الريسسز) سيء الصيت في بغداد.
ولا ندري كيف ابتدعوا مصطلح “حصيلة” وكيف عبرت على المحررين المخضرمين!.
هذه “الحصيلة” سينكشف فيها عدد الشهداء فيها في هذه الايام خلال المواكب الحسينية وقد لاح بعضها في محافظتي بابل والبصرة امس والحبل على الجرار.
امام الموت المحتم لاتوجد خطوط حمراء وامام الارهابيين الملتذين برؤية الدماء لاتوجد عقول في ردعهم.
سيقول البعض”أخي بدون فلسفة رجاءا هذه الطقوس يجب ان نمارسها حتى ولو استشهدنا، ونحن ورثناها عن آبائنا واجدادنا وعليك ان تحترم الناس وتلتزم بالادب ولاتسفه ما نريد فعله”.
معاكم كل الحق ايها السادة، فالذي يلطخ نفسه بالدم والطين ويعتقد انه يؤدي واجب الاحترام لآل البيت لايمكن له ان يسمع غير كلام هؤلاء الذين يسيرونه كيفما يريدون.
اذن دعوهم يسرقوكم ايها السادة وينهبوا ثرواتكم ،ويشيعوا الفساد في مؤسساتكم و”يقشمرونكم” بالديمقراطية القادمة اليكم حتى تظلوا تغطسوا في الفيضانات واطفالكم مازالوا يبكون وهم يذهبون صباحا الى المدارس اذ عليهم ان يتسلقوا الجدران كالقرود خوفا من السقوط في المياه الراكدة.

محمد الرديني (مفكر حر)؟

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, كاريكاتور. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.