أسباب إنفصام شخصية المُسلم / 5

 على الجزءِ الرابع من هذهِ السلسلة ,علّق الزميل الكاتب الليبرالي (أنيس عبد القادر) ,مؤكداً على مفهوم النرجسيّة في الشخصية الإسلاميّة !

وعلى دأبي المُعتاد بالإستفادة من كلّ المداخلات النافعة , فأنا أقوم بإعادة عرضها على الجمهور في الأجزاء اللاحقة , لتعّم الفائدة والنفع للجميع .

يقول أنيس :

حتى دون الخشيّة من الوقوع في خطأ التعميم , يُمكننا القول أنّ إنفصام الفرد المُسلم يتحوّل غالباً الى إنفصام المجموع ,معناها المجتمع أوالأمّة .

وخير مثال على ذلك : أنّ قول (محمد عبده) الشهير

(( وجدتُ الإسلام في الغرب , ولم أجد المُسلمين … الخ ))

ورغم إنفصاميّة الرجل الواضحة من هذا القول ,فإنّ الغالبيّة ما زالت تقرأهُ بنرجسيّة مرضيّة واضحة للعيان .

في محاولة لإقناع النفس بأنّنا فعلاً خَير اُمّةٍ اُخرجَت للناس ( لكن في حالة تطبيقنا لتعاليم الدين ) !

هذا يقودنا لإستنتاج مهم (حسب أنيس) يفضح إنفصاميّة المُسلمين مرّتين.

1/ فمن الجهة الأولى يعتقد عامة المُسلمون أنّ الإسلام هو الأكثر سعةً ورحمة والأرقى أخلاقاً من جميع الأديان المعروفة . ربّما أفضل حتى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( باريس 1948 ) .

ورغم إعتقادهم هذا ,فهم يعترفون بأنّ تخلفّهم الحضاري عن الركب العالمي ,ما كان ليحصل إلاّ لأنّهم لا يعملون ولا يتمسكون بدينهم .

فأيّ حالة هذهِ تضعهم في خانة (المجانين)وليس فقط في خانة المُنفصمين.

إذ كيف يُعقل أن يكون بين أيادي الشعب الدواء الشافي الوافي الكافي ويرفض العلاج بهِ طيلة 14 قرن ؟

كيف يُقّر إنسان عاقل ,بأنّهُ يعلم بالضبط ما هو دواء علّتهِ , لكنّه لا يستعمله رغم توّفره مجاناً ؟

إلاّ اللّهم إذا كان الدواء مُنتهي الصلاحية ( إكسباير ) ,أليس كذلك ؟

2 / من جهة ثانية ,هذا الغرور والنرجسية التي لا تفارقنا عندما نعتقد يقيناً أنّ أخلاق الغرب ( الحميدة فقط ), هي أخلاق الإسلام .

وكأنّ حرية الاعتقاد والتعبير والإبداع ,هي من صميم الإسلام .

وكأنّ حقوق المواطنة والمساواة بين الناس مهما إختلفت أعراقهم وأديانهم وأجناسهم وثقافاتهم هي حصراً من الإسلام .

وكأنّ كلّ العلوم والفنون والفلسفات الإنسانية منبعها الإسلام .

وتلك ( الصفر ) التي إخترعناها كانت أساس كلّ تطوّر وإزدهار في هذا العالم .(مازال الهنود يعتقدون أنّهم إكتشفوا الصفر قبل العرب بكثير)

نعم مجتمعاتنا مريضة ,والمصيبة أنّها لا تدري أنّها مريضة ! / إنتهى

*******

في الواقع مداخلة الزميل أنيس أعلاه رائعة و صريحة , ورغم قساوتها قليلاً (في مفردة واحدة) , لكنّهُ ربّما يُفضّل إسلوب الصدمة على إسلوب المُجاملة والتبسيط الذي أتبعهُ ( رعوداً وصواعق يجب أن نتكلّم الى الحواس المُرتخيّة / نيتشة ) .

ورغم إسلوبي الليّن ,فلَم أسلم من ألسنة بعضهم ,وفي نفس الموقع الذي ورد فيه تعليق زميلي أنيس . ما يدفعني لإعادة النظر في نشري الأجزاء القادمة هناك .

لأنّي صادقاً أسعى الى تنوير مجتمعاتنا البائسة , وإنبعاثها من ركودها وسُباتها . والتخلّص من روح الكراهيّة والطائفية التي سادت اليوم .

( سترون في الرابط الأول مثلاً إحدى جرائم تلك الكراهيّة ) .

وأبداً لا يعنيني الدخول في مُهاترات ( مع القوم ) . فلا أخلاقي مثل أخلاقهم , ولا لساني مثل ألسنتهم السليطة البائسة !

وعودة الى موضوعي الذي إنقطع بذكري لذلك السبّاب .

أقول : لاحظوا الحالة اليوميّة التالية تحدث وتُصادف الجميع .

برنامج إذاعي أو تلفازي , يجمع بين مشايخ من مذهب واحد أو من مذاهب مختلفة ( يخطر ببالي الآن برامج قناة المُستقلة في رمضان )

يتحدّث المشايخ والعلماء ( مع تحفظي الشديد على الكلمة الأخيرة ) في عشرات الحلقات ومئات الساعات , عن أحوالنا وسوء ما وصلنا إليه جرّاء فرقتنا وإبتعادنا عن تطبيق تعاليم الدين .

ولا واحد منهم إعترف أو حتى ناقش إمكانية كون تلك التعاليم متناقضة أصلاً ,أو صعبة الفهم ( حتى على العربي ) أو مستحيلة التطبيق أو غير واقعيّة ولا عملية !

ولا واحد منهم ( في حالة إختلاف المذاهب وتمسّك الكلّ برأيهِ ) ناقش أنّ العلّة قد تكون من النصّ الأصلي !

الكلّ يذهب كأسهل طريقة لطمر الرؤوس في الرمال ,الى القول أنّ التأويل الفلاني خطأ ,والصحيح هو عكس ذلك حسب فلان الفلاني .

وهذا يشبه عندي في كرة القدم , أن يتناقش جمهور الفريق العراقي عندما يخسر ( مع عُمان مثلاً ) في كلّ شيء من إنحياز الحكم الى تشجيع الجمهور الى سوء المدرّب الأجنبي الى ضعف الخطط والتبديل.. الخ

ولا يقربون ذكراً لنقص الموهبة أو فساد الإتحاد العراقي , أوضعف البنية التحتية , وإنشغال الناس بالزيارات المليونية , والساسة وتجّار الدين بفسادهم وسرقاتهم .

المشكلة الأهمّ التي أؤكد وأتسائل عنها دوماً :

متى سنعترف بسلبياتنا ومشاكلنا لأجل معالجتها بالطرق العلمية الصحيحة ؟

ماذا ينفعنا لو بقينا قرون عديدة اٌخرى نُلقي بفشلنا على الغرب الكافر المُتآمر علينا طيلة الوقت ؟

إنظروا الى حادث الأمس في مصر العزيزة التي كانت توصف بالجمال والمحبّة والضحكة الحلوة والأدب والفنّ الجميل .

ستجدون في الرابط الأول الحديث عن مقتل زعيم الطائفة الشيعية الشيخ حسن شحاته ومعهُ ثلاثة آخرين في الحُسينية (البيت) الذي أنشؤوه في قريتهم .وفي قناة العربية عُرضت أمس الطريقة البشعة لسحل جثّة أحد الضحايا . فمن أوصلنا الى ذلك ؟ هل الأمريكان والصهاينة ؟ يا عجبي !

في النهاية , نحنُ أنفسنا ومبادئنا وأخلاقنا وأعمالنا مسؤولة عن سلبياتنا ومشاكلنا من جهة ,وعن النهضة التي نحلم بها ونبتغيها من جهة اُخرى .

*****

وعودة الى سلسلة موضوعنا ( الإنفصام ) , أضيف اليوم الحالة المُهمّة التالية :

إنّها عن حالة وطريقة تفكير (( المُهاجر المُسلم )) الى الغرب الكافر !

فمن جهة : هو يلجأ هناك لنيل الحرية والكرامة والرفاهية الإقتصادية التي حُرِمَ منها ( والمفقودة أصلاً ) في بلدهِ المُسلم .

ومن جهة اُخرى : كثير من المهاجرين يعتبرون دولة المهجر هي دار كفر ينبغي العمل على تدميرها بشتّى الوسائل . حتى ولو بالدعاء بفنائها وذلك أضعف الإيمان .

فكيف يستقيم الأمر ؟ وكيف لا تتشظى شخصية المُسلم عندما يعيش في دولة تنعم عليهِ وعلى أهلهِ وعائلتهِ , الى درجة يمكنه إرسال الفائض من حاجتهِ الى أقاربهِ في دولتهِ الأمّ .

في حين هو يكره ويحتقر ويحقد على تلك الدولة التي آوته , ويتمنّى زوالها !

ومن المسؤول عن تلك الأفكار السوداء سوى المشايخ ؟

لأنّهُ لو قلتم لي الشخص نفسهُ يفهم العداء الغربي لنا ويُقرّر الإنتقام .

سأقول أيّ إنسان عاقل ذلك الذي يهاجر ويخاطر بحياتهِ للوصول الى دولة يظّن أنّها تتآمر على المُسلمين طيلة الوقت ؟

القضية واضحة لا تحتاج الى الكثير من التنظير , العقائد والأيدولوجيات الشموليّة , التي تدعو الى نبذ وكراهية الآخر هي المسؤولة .. لا ريب !

******

والحالة الأخرى التي أوّد الإشارة إليها اليوم , وتوّلد الإنفصام في شخصية الكثير من المُسلمين , هي قصّة ظهور المهدي المُنتظر !

حيث تمّر علينا هذهِ الأيام مناسبة مهمة جداً وعزيزة عند عموم إخوتنا الشيعة وبالأخص ( الإثني عشرية ) منهم .

حيث يعتقدون أنّ ( محمد بن الحسن المهدي العسكري) هو المُتمّم لسلسلة الأئمة ,أو هو الإمام ( الإثنا عشر ) الذي إختفى في منتصف شعبان قبل أكثر من ألف عام . وسيأتي يوماً ما ( ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً , بعدما مُلئت ظلماً وجورا ) !

الفكرة ليست غريبة عن غالبية الأديان والطوائف .

لكن الغريب في حالتنا , أنّهُ كلّما ظهر شخص وإدعى أنّهُ هو ذلك المهدي المُنتظر , إلاّ وقامت عليه الجموع بقيادة المشايخ طبعاً فأردوه وقتلوه شرّ قتلة .

ماذا يعني ذلك في المفهوم الجمعي للشعوب ؟

يعني أنّهم لا يُصدّقون تلك الفكرة أساساً , أي أن يختفي طفل مئات السنين في سرداب معيّن , ليعود ويظهر ( وربّما في يدهِ كومبيوتر) خُزنت عليه كلّ حركات الدنيا من ساعة إختفاءهِ حتى ظهورهِ الموعود .

وأجمل نكته في هذا المجال ( لا أتذكر الآن مصدرها ) هي قصة ذلك الرجل الذي وصل الى مطار طهران وتأخّر نزوله من الطائرة بسبب نومهِ . فجائتهُ فرقة من الزبانية العُتاة فأبرحوهُ ضرباً ولكماً . ولمّا فاقَ من غيبوبتهِ في المستشفى سألهُ الطبيب ماذا قُلتَ لهم لتنال ما نلت ؟ فأجابه : سألوني عن إسمي فأجبتهم , أنا المهدي المُنتظر !

 

*************

الخلاصة

1 / عموم المنطق الإسلامي المشايخي والشعبي يعتمد على جوهر الفكرة التالية :

الإسلام خير دواء وعلاج لمشاكلنا وعللنا !

لكنّنا تركناهُ لعلّة فينا ,أو مؤامرة غربية صهيونية علينا ,أو ربّما سوء فهم وتفسير النصوص رغم أنّها بمتناولنا بالعربية ولمدّة 14 قرن .

يا وجعَ قلبي على المُسلم البنغالي والماليزي والنايجيري ,ماذا يفهم إذاً ؟

ولا إنسان يُلمّح لإحتمالية خطل النصّ نفسه أو تناقضهِ مع حاجاتنا.

2 / فائدة مهمة أرجوها من كتابتي لهذهِ الورقة , هي الإنتباه الشديد لتناقضاتنا من مختلف جهاتها , والتي تؤثر في شخصيتنا الإنسانية فتسحب منها كلّ ما هو جميل وتستبدلهُ بما هو قبيح وشنيع .

كما شاهدنا في عشرات شرائط اليوتيوب من العراق وسوريا ومصر

وباقي البلاد الإسلامية .

ملاحظة : للأحبّة المتابعين , سأتوقف بضعة أسابيع في إجازتي السنوية وأتابع بعدها بإذن العقل ! 

************

الروابط

الأوّل / مقتل زعيم الطائفة الشيعية في مصر / الشيخ حسن شحاته

مقتل زعيم الشيعة بمصر في هجمات قرويين سنة قرب القاهرة 

تحياتي لكم

رعد الحافظ

24 يونيو 2013

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.