أخل بشرط حصوله على القوامة ومع ذلك يريد الاحتفاظ بها

assilzebanليس الكبت وحده المسؤول عن انتشار ظاهرة التحرش في المجتمعات المتخلفة. فهناك بعد نفسي مهم نادرا ما يتطرق أحد إليه. فعندما أقف في الشارع في فصل الشتاء لأنتظر سيارة أجرة، وأنا مغطاة بالكامل لا يظهر مني سوى شعري الذي قد ألفه بشال أثناء المطر، وتمر بجانبي سيارة مسرعة يلقي منها سائقها كلمة تخدش الحياء ويمضي في طريقه دون أن ينتظر أي ردة فعل، أفهم تماما بأن الموضوع نفسي بحت لا علاقة له بالكبت. لقد اعتاد الرجال لسنوات طويلة جدا على انفرادهم بالميدان. فقد كانوا هم وحدهم من يعملون، يقودون السيارات، يجلسون في المقاهي، ينتخبون. والمرأة كانت حبيسة بيتها. اليوم، ونظرا لتغير الظروف الاقتصادية-وهي العامل الأهم في نظري- خرجت المرأة إلى العمل وأخذت تزاحم الرجل وتتبوأ مناصب اعتاد على أنها له وحده. فكثيرا ما نسمع من بعض الرجال بأن السبب الأول للبطالة وتردي الأوضاع الاقتصادية للشباب هو حصول النساء على الوظائف التي لو تركت شاغرة للشباب لتحسنت أوضاعهم. هذا اعتراف صريح بأن هؤلاء يرون عمل المرأة منافسة لهم وليس حقا لها. ستجد الكثير من الرجال الذين لا يؤمنون بحق المرأة في العمل، لكن الظروف الاقتصادية الصعبة أجبرتهم على الرضوخ والقبول بخروج نسائهم إلى العمل. تغير في الظروف لم يرافقه تغير في النظرة إلى المرأة. فتجده يؤمن بقوامة الرجل على المرأة-والمرتبطة بإنفاق الرجل على المرأة- رغم أنها تنفق معه على المنزل والأولاد. فهو أخل بشرط حصوله على القوامة ومع ذلك يريد الاحتفاظ بها. راقب ردة فعل الكثير من الرجال عندما تتجاوزهم سيارة تقودها امرأة. يمتعضون ويزيدون-لا إراديا- من سرعة السيارة لتجاوز المرأة التي تجاوزت عنهم. فهذا ميدان تفردوا بامتلاكه لوقت طويل. فمن تكون هذه الدخيلة لتسلب منهم حقهم؟ عندما تكتب امرأة شيئا لا يعجبهم، فإن نقدهم لا يمكن أبدا أن ينحصر فيما كتبت. بل إنه دائما يتجاوز الفكرة ليصل إلى الطعن في أخلاقها.
هذه المضايقات التي تتعرض لها المرأة العاملة أو تلك التي قررت خوض مجال الفكر والكتابة ما هي إلا تجسيد لتعبير الرجل الرافض لهذه المنافسة عن غضبه. فالتحرش بها حتى وهي بكامل احتشامها ما هو إلا محاولة لا واعية لإعادتها إلى المنزل. التهجم عليها بكلمات بذيئة ما هو إلا محاولة لردعها عن الكتابة والتعبير. فهو يعلم تماما بأن رأس مال المرأة في مجتمع كمجتمعنا هو سمعتها.
المتحرش يرسل للمرأة رسالة مفادها “عودي إلى حيث تنتمين (البيت)، وإلا فإن عليك تحمل وزر خروجك من المنزل”. هو لا يفكر طبعا بهذه الطريقة. لكن ترسخت عنده في اللاوعي فكرة أن الشارع ملكه، والبيت ملكها. فمن الطبيعي أن يحاول المالك طرد الدخلاء على ملكيته. وهذا سبب مهم يجعل ارتباط التحرش بالنظرة الدونية للمرأة ارتباطا وثيقا.

About اسيل الزبن

اسيل الزبن كاتبة اردنية ليبرالية
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.