أثينا .. فجأة ابتلع الشتاء الصيف !؟

 فجاة هجم الشتاء على الصيف وابتلعة دفعة واحدة ، كما ابتلع ” الإله خرونس ” إله الزمن أبناءه . باستثناء ابنه ” زيوس ” الذي خبأته أمه ” ريبا ” في مغارة عميقة في كريت . بناء على نصيحة والديها السماء ” اورانوس ” والأرض ” غايا ” فقد كان خرونس يخشى أن يتمرد عليه أبناؤه في الصراع على السلطة . بيد أن زيوس اصبح رجلاً قويا وتمكن أخيراً من انتزاع السلطة من أبية واجبارة على اعادة اخراج ما ابتلع من أولادة الخمسة ، ” هستيا و ديميترا و هيرا و هادس و بوسيدونيا ” .
منذ فجر التاريخ والصراع على السلطة ، مصدر القوة والثراء وهو عنوان ومحرك التاريخ . ففي الحضارة السومرية ، حاولت ” الإله أنانا ” سرقة ألواح القدر من ” أنكي ” اله الأعماق والمحيطات ، صورة تمثل الصراع بين مدينتين ” أوروك ” و ” اريدو ” وكيف تمكنت اوروك من انتزاع السلطة من أريدوا . كما تصور الأسطورة السومرية تمرد البشر على زعامة ” الإله ” حين اغتصب البستاني ” الإله أنانا ” وهي غافية في بستانه . فانتقمت من بلاد سومر بسلسلة من المصائب والكوارث الطبيعية . وفي الاسطورة المصرية الصراع بين انصار اخناتون والكهنة من انصار الإله مون .
وبسبب الصراع على السلطة ومصادر الثروة ، امتلت اثينا وعواصم غربية اخرى بموجات مد تسونامية من اللاجئين . لا الانظمة الحاكمة ، ولا المعارضة ، استوعبت ان الديمقراطية تعني أن تحكم بوجود الآخر المختلف. وليس نظام المحاصصة الطائفية والسياسية .
الديمقراطية هي المساواة المطلقة كينونة وشرعاً . وليس بالضيافة أو نظام ” الذمة ” المتخلف.عندما تمتلك كافة مكونات المجتمع وشرائحة ، شراكة حقيقية والحق في النقد والمسألة . عندها تختفي مبررات أن يغرد طائر ما خارج سربه . لأن التاريخ هو انجاز بشري جمعي . وليس نتيجة لإرادة متعالية أو قدر مسيطر عليه ومحكوم بقوانين لا تتغير . والعقلية التي تعتقد أن بإمكانها استرجاع تاريخ ما ، هي عقلية بائسة واهمة.
قديماً عندما وجد ” الحكماء الثلاث ” نجمهم ، اعتقدوا انه ميلاد الزمن . ومن حينها لا نزال نقف مثل النصب الحجرية في ” جزيرة الفصح ” ننظر ببلاهة متناهية على ان الزمن لم يتغير . ربما لهذا فشلت مجتمعاتنا ، وأصبح لكل فرد مجتمعة ، غيتوهه الحلزوني الخاص به .ولم ندرك أن الالة التي تستهلك من الطاقة أكثر مما تعطي ، اصبحت من مخلفات زمن مضى .
أثينا … أثينا ..مطر وموجات من المهاجرين واللاجئين يعيشون في أمان بعد أن اغلقت عواصم الخطاب الديني الأبواب في وجوههم .
أثينا ..مدينة تعشق الحياة والحوار ، مرآب كبير من البشر ، والدراجات النارية والسيارات . والإضرابات التي لا تنتهي ،والأعياد الدينية ، التي يلتقي فيها كافة القديسيين مع أعياد الحب والزهور والنبيذ . مدينة لا تدري كيف أنقضى زمنك فيها . لا منتصر ولا مهزوم .
اثينا عاصمة الأساطير، والملاحم ” الإلياذة والأوذيسية ” وسقراتس وبلاتونس ،وسوفكليوس وثيوفانس وبركليس ، وارسطو وكفاكس وبابا نيقولاو وثيودراكيس .
اثينا …عاصمة الحوار والنقد والجدل الذي لا ينتهي ، إنها ” برومثيوس ” الذي جلب المعرفة للإنسان وحوله الى نصف إله .
فقد كان خلق الأسطورة أول خطوة، خطاها الإنسان في طريق الإبداع ، واكتشاف نفسه ومحاولة فهم ما حوله . كتفسير ظهور الحياة على الأرض . ومحاولة تفسير أسباب الكوراث الطبيعية . والرغبة اللامحدودة في التعرف على هذا العالم شكلت عنوان مغامرات ” أوذيس ” ورحلة الأرغونيين في البحث عن الجرة الذهبية جسدت رغبة الإنسان نحو معرفة أكثر شمولية.انها صراع الألهه على السلطة.
في شوارعها تقرأ كل جنسيات العالم . أحمروأبيض واصفر وأسود . وبنفسجي . وحتى أؤلئك الذين بلا وطن، وهم يتدافعون أمام الضوء الأخضر، في ميدان ” أمونيا ” كموجات بحر بلا إنقطاع . فمن استطاع عبور ” بحر الموت ” من تركيا الى اثينا ، فقد استطاع اجتياز نهر ” البازونت ” الرهيب ، كما في هجرات قبائل ” البختياري ” الإيرانية . قفزة في المكان ، بيد أن ثقافة الزمان الماضي ، تقاوم عملية التدجين والإنصهار الجديدة .ليست لأنها بلاد وعرة ثقافياً بالنسبة للمهاجر الجديد ؟، بل لأن أعداد كبيرة منهم لم تدرك بعد الفارق الجوهري بين أن تكون مواطن في خدمة السلطة ، وبين ان تكون السلطة في خدمة المواطن . وهكذا يتسع ” الغيتو ” ويتمدد فكل ليلة من حياة هؤلاء المتعبين بماضيهم هي نهاية يوم مثل سابقه ..لا جديد!
أثينا، مدينة أسطورية حملت أسم الربة ” بالاس اثينا ” التي حسب المثولوجيا الإغريقية القديمة ، أنجبها عقل الإله ” زيوس ” أي ولدت من رأسه . كان ” زيوس ” يعرف ان ربة العقل ” ميتيس ” ستنجب ولدين إنثى هي أثينا ، وولد ذكر، شديد القوة وكان ربات القدر قد كشفن ل ” لزيوس ” ان ابن الربة ” ميتيس ” سوف يطيح به عن العرش وينتزع منه السلطة . لذا لجأ ” زيوس ” الى حيلة أخرى فقط خدر الربة ” كيتيس ” بأحاديثة الناعمة عن الحب ..؟ وابتلعها قبل أن تنجب أبناءها . وبعد مرور بعض الوقت أحس” زيوس ” بألم في راسه.حينذك طلب من ابنه ” هيبايستوس ” بأن يشق له راسه بالبلطة وبضربة على رأسه وبعدها خرجت او ولدت الربة ” أثينا ” المحاربة القديرة وهي تحمل الرمح والترس، وعلى راسها خوذة رائعة الجمال . ومجدت كافة الألهة الربة اثينا حامية ابطال الإغريق ، وفتياتها . ومن يعصي أوامرها مصيره مثل مصير ابنة ” ادمون ” التي حولتها الى ” أرخنة ” عنكبوت .
أثينا .. مقاهي قديمة ، يحتلها عجائز متقاعدين بإنتظار ما تبقى من زمن . ولا تدري كيف انقضى عمرك فيها . او كم تبقى من الوقت ؟.
وجيل شاب جديد تفترس احلامهم الكفتريات والتكنولوجيا الحديثة ، وخيبة أمل في رحلة بحث على مستقبل ممكن . في بلد تحاول فيه احزابة البالية اطالة عمرها بلا جدوى . مثل الة قديمة من العصر الفيكتوري تستهلك اكثر مما تنتج . وغاب عنها أن الأيديولوجية والنصوص لها أعمار ، والأيديولوجيا لوحدها لا تملك حلولا لمجتمعات تجاوزت مشاكلها المعاصرة ، نصوصها وتراتيلها ، فإذا جاء أجلها فمن الواجب أن تفسح الطريق لغيرها . لا أن تلوي عنق الزمان والمكان . انها المعرفة ..
هكذا ” بروميثيوس ” راح يدافع عن الناس الفانين المساكين، الذين لم يكونوا يتمتعون بالعقل انذاك . ولم يكن يريد ان يلقى بهؤلاء المساكين في مملكة ” هادس ” الكئيبة في العالم السفلي ، وبث فيهم الأمل بحياة أفضل .وسرق النار الربانية ومنحه لهؤلاء المساكين ،على الرغم من معرفته بالعقاب الذي ينتظره من الإله زيوس الجبار الذي تآمر على ابوه ” خرونس ” طمعاً في السلطة .
وهكذا دوت الصرخ الأخيرة ” لبروميثيس ” حامل المعرفة الى الإنسان ، ..ألا ايها الأثير الرباني ، وانت ايتها الرياح السريعة، يامنابع الانهار، ويا موج البحر الدائم ، ايتها الارض يا أم الجميع ايتها الشمس التي ترى كل شئ يا من تطوفين حول دائرة الارض ، انني ادعوكم جميعا… شهودا انظروا ما ذا احاق بي.
” برمومثيوس ” منح الإنسان المعرفة لكن لم يمنحة الخلود .
أثينا يوم اخر ماطر، فقد ابتلع الشتاء الصيف على حين غرة

About سيمون خوري

سيمون خوري مواليد العام 1947 عكا فلسطين التحصيل العلمي فلسفة وعلم الأديان المقارن. عمل بالصحافة اللبنانية والعربية منذ العام 1971 إضافة الى مقالات منشورة في الصحافة اليونانيةوالألبانية والرومانية للكاتب مجموعة قصص قصيرة منشورة في أثينا عن دار سوبرس بعنوان قمر على شفاه مارياإضافة الى ثلاث كتب أخرى ومسرحيةستعرض في الموسم القادم في أثينا. عضو مؤسس لأول هيئة إدارية لإتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين فرع لبنان ، عضو إتحاد الصحافيين العرب منذ العام 1984. وممثل فدرالية الصحافيين العرب في اليونان، وسكرتير تجمع الصحافيين المهاجرين. عضو الهيئة الإدارية للجالية الفلسطينيةفي اليونان .
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.