فجاة هجم الشتاء على الصيف وابتلعة دفعة واحدة ، كما ابتلع ” الإله خرونس ” إله الزمن أبناءه . باستثناء ابنه ” زيوس ” الذي خبأته أمه ” ريبا ” في مغارة عميقة في كريت . بناء على نصيحة والديها السماء ” اورانوس ” والأرض ” غايا ” فقد كان خرونس يخشى أن يتمرد عليه أبناؤه في الصراع على السلطة . بيد أن زيوس اصبح رجلاً قويا وتمكن أخيراً من انتزاع السلطة من أبية واجبارة على اعادة اخراج ما ابتلع من أولادة الخمسة ، ” هستيا و ديميترا و هيرا و هادس و بوسيدونيا ” .
منذ فجر التاريخ والصراع على السلطة ، مصدر القوة والثراء وهو عنوان ومحرك التاريخ . ففي الحضارة السومرية ، حاولت ” الإله أنانا ” سرقة ألواح القدر من ” أنكي ” اله الأعماق والمحيطات ، صورة تمثل الصراع بين مدينتين ” أوروك ” و ” اريدو ” وكيف تمكنت اوروك من انتزاع السلطة من أريدوا . كما تصور الأسطورة السومرية تمرد البشر على زعامة ” الإله ” حين اغتصب البستاني ” الإله أنانا ” وهي غافية في بستانه . فانتقمت من بلاد سومر بسلسلة من المصائب والكوارث الطبيعية . وفي الاسطورة المصرية الصراع بين انصار اخناتون والكهنة من انصار الإله مون .
وبسبب الصراع على السلطة ومصادر الثروة ، امتلت اثينا وعواصم غربية اخرى بموجات مد تسونامية من اللاجئين . لا الانظمة الحاكمة ، ولا المعارضة ، استوعبت ان الديمقراطية تعني أن تحكم بوجود الآخر المختلف. وليس نظام المحاصصة الطائفية والسياسية .
الديمقراطية هي المساواة المطلقة كينونة وشرعاً . وليس بالضيافة أو نظام ” الذمة ” المتخلف.عندما تمتلك كافة مكونات المجتمع وشرائحة ، شراكة حقيقية والحق في النقد والمسألة . عندها تختفي مبررات أن يغرد طائر ما خارج سربه . لأن التاريخ هو انجاز بشري جمعي . وليس نتيجة لإرادة متعالية أو قدر مسيطر عليه ومحكوم بقوانين لا تتغير . والعقلية التي تعتقد أن بإمكانها استرجاع تاريخ ما ، هي عقلية بائسة واهمة.
قديماً عندما وجد ” الحكماء الثلاث ” نجمهم ، اعتقدوا انه ميلاد الزمن . ومن حينها لا نزال نقف مثل النصب الحجرية في ” جزيرة الفصح ” ننظر ببلاهة متناهية على ان الزمن لم يتغير . ربما لهذا فشلت مجتمعاتنا ، وأصبح لكل فرد مجتمعة ، غيتوهه الحلزوني الخاص به .ولم ندرك أن الالة التي تستهلك من الطاقة أكثر مما تعطي ، اصبحت من مخلفات زمن مضى .
أثينا … أثينا ..مطر وموجات من المهاجرين واللاجئين يعيشون في أمان بعد أن اغلقت عواصم الخطاب الديني الأبواب في وجوههم .
أثينا ..مدينة تعشق الحياة والحوار ، مرآب كبير من البشر ، والدراجات النارية والسيارات . والإضرابات التي لا تنتهي ،والأعياد الدينية ، التي يلتقي فيها كافة القديسيين مع أعياد الحب والزهور والنبيذ . مدينة لا تدري كيف أنقضى زمنك فيها . لا منتصر ولا مهزوم .
اثينا عاصمة الأساطير، والملاحم ” الإلياذة والأوذيسية ” وسقراتس وبلاتونس ،وسوفكليوس وثيوفانس وبركليس ، وارسطو وكفاكس وبابا نيقولاو وثيودراكيس .
اثينا …عاصمة الحوار والنقد والجدل الذي لا ينتهي ، إنها ” برومثيوس ” الذي جلب المعرفة للإنسان وحوله الى نصف إله .
فقد كان خلق الأسطورة أول خطوة، خطاها الإنسان في طريق الإبداع ، واكتشاف نفسه ومحاولة فهم ما حوله . كتفسير ظهور الحياة على الأرض . ومحاولة تفسير أسباب الكوراث الطبيعية . والرغبة اللامحدودة في التعرف على هذا العالم شكلت عنوان مغامرات ” أوذيس ” ورحلة الأرغونيين في البحث عن الجرة الذهبية جسدت رغبة الإنسان نحو معرفة أكثر شمولية.انها صراع الألهه على السلطة.
في شوارعها تقرأ كل جنسيات العالم . أحمروأبيض واصفر وأسود . وبنفسجي . وحتى أؤلئك الذين بلا وطن، وهم يتدافعون أمام الضوء الأخضر، في ميدان ” أمونيا ” كموجات بحر بلا إنقطاع . فمن استطاع عبور ” بحر الموت ” من تركيا الى اثينا ، فقد استطاع اجتياز نهر ” البازونت ” الرهيب ، كما في هجرات قبائل ” البختياري ” الإيرانية . قفزة في المكان ، بيد أن ثقافة الزمان الماضي ، تقاوم عملية التدجين والإنصهار الجديدة .ليست لأنها بلاد وعرة ثقافياً بالنسبة للمهاجر الجديد ؟، بل لأن أعداد كبيرة منهم لم تدرك بعد الفارق الجوهري بين أن تكون مواطن في خدمة السلطة ، وبين ان تكون السلطة في خدمة المواطن . وهكذا يتسع ” الغيتو ” ويتمدد فكل ليلة من حياة هؤلاء المتعبين بماضيهم هي نهاية يوم مثل سابقه ..لا جديد!
أثينا، مدينة أسطورية حملت أسم الربة ” بالاس اثينا ” التي حسب المثولوجيا الإغريقية القديمة ، أنجبها عقل الإله ” زيوس ” أي ولدت من رأسه . كان ” زيوس ” يعرف ان ربة العقل ” ميتيس ” ستنجب ولدين إنثى هي أثينا ، وولد ذكر، شديد القوة وكان ربات القدر قد كشفن ل ” لزيوس ” ان ابن الربة ” ميتيس ” سوف يطيح به عن العرش وينتزع منه السلطة . لذا لجأ ” زيوس ” الى حيلة أخرى فقط خدر الربة ” كيتيس ” بأحاديثة الناعمة عن الحب ..؟ وابتلعها قبل أن تنجب أبناءها . وبعد مرور بعض الوقت أحس” زيوس ” بألم في راسه.حينذك طلب من ابنه ” هيبايستوس ” بأن يشق له راسه بالبلطة وبضربة على رأسه وبعدها خرجت او ولدت الربة ” أثينا ” المحاربة القديرة وهي تحمل الرمح والترس، وعلى راسها خوذة رائعة الجمال . ومجدت كافة الألهة الربة اثينا حامية ابطال الإغريق ، وفتياتها . ومن يعصي أوامرها مصيره مثل مصير ابنة ” ادمون ” التي حولتها الى ” أرخنة ” عنكبوت .
أثينا .. مقاهي قديمة ، يحتلها عجائز متقاعدين بإنتظار ما تبقى من زمن . ولا تدري كيف انقضى عمرك فيها . او كم تبقى من الوقت ؟.
وجيل شاب جديد تفترس احلامهم الكفتريات والتكنولوجيا الحديثة ، وخيبة أمل في رحلة بحث على مستقبل ممكن . في بلد تحاول فيه احزابة البالية اطالة عمرها بلا جدوى . مثل الة قديمة من العصر الفيكتوري تستهلك اكثر مما تنتج . وغاب عنها أن الأيديولوجية والنصوص لها أعمار ، والأيديولوجيا لوحدها لا تملك حلولا لمجتمعات تجاوزت مشاكلها المعاصرة ، نصوصها وتراتيلها ، فإذا جاء أجلها فمن الواجب أن تفسح الطريق لغيرها . لا أن تلوي عنق الزمان والمكان . انها المعرفة ..
هكذا ” بروميثيوس ” راح يدافع عن الناس الفانين المساكين، الذين لم يكونوا يتمتعون بالعقل انذاك . ولم يكن يريد ان يلقى بهؤلاء المساكين في مملكة ” هادس ” الكئيبة في العالم السفلي ، وبث فيهم الأمل بحياة أفضل .وسرق النار الربانية ومنحه لهؤلاء المساكين ،على الرغم من معرفته بالعقاب الذي ينتظره من الإله زيوس الجبار الذي تآمر على ابوه ” خرونس ” طمعاً في السلطة .
وهكذا دوت الصرخ الأخيرة ” لبروميثيس ” حامل المعرفة الى الإنسان ، ..ألا ايها الأثير الرباني ، وانت ايتها الرياح السريعة، يامنابع الانهار، ويا موج البحر الدائم ، ايتها الارض يا أم الجميع ايتها الشمس التي ترى كل شئ يا من تطوفين حول دائرة الارض ، انني ادعوكم جميعا… شهودا انظروا ما ذا احاق بي.
” برمومثيوس ” منح الإنسان المعرفة لكن لم يمنحة الخلود .
أثينا يوم اخر ماطر، فقد ابتلع الشتاء الصيف على حين غرة
-
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
الحزب الشيوعي لايختلف عن الاحزاب الدينية الفاشية .. الداخل مفقود والخارج مولود
Published by:مفكر حر** كيف بلع نظام الملالي ... الطعم ألإسرائيلي **
Published by:سرسبيندار السندي** كيف يسخر ويضحك صبيان محمد الجدد ... على عقول ألمسلمين **
Published by:سرسبيندار السنديالمسيح في فكر الإسلام والعقيدة المسيحية
Published by:صباح ابراهيممن يوميات إمرأة حلبجية
Published by:مفكر حراسطورة الإسراء والمعراج
Published by:صباح ابراهيمالفيلم الألماني " حمى الأسرة"
Published by:طلال عبدالله الخوري** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
Published by:سرسبيندار السنديفيلم ايطالي عام 1959 عن تدمر والملكة العربية زنوبيا … علامة المصارع
Published by:مفكر حر** أمة الكُورد بين ألإسلام … والتخلف والتعصب والاوهام **
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/10
Published by:علي الكاشأفكار شاردة من هنا وهناك/51
Published by:مفكر حرقراءة متأنية في ديوان (قصائد منزوعة السلاح) للشاعر نينوس نيراري
Published by:آدم دانيال هومه** كيف رتبت أل سي اي ايه … لقاء الصحفي تايكر ببوتين ولماذا ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/8
Published by:علي الكاشأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح( 18-19 )
Published by:حسن محموديأفكار شاردة من هنا وهناك/49
Published by:مفكر حرالانتخاب
Published by:مفكر حر" الاشياء البائسة" Poor Things
Published by:طلال عبدالله الخوريالأدب النسوي ما بين الإبداع والاستغلال
Published by:اسعد عبد الله عبد عليأفكار شاردة من هنا وهناك/48
Published by:مفكر حرالرب يفضح الأنبياء الكذبة
Published by:صباح ابراهيمأخطار تهدد الحياة على الأرض
Published by:صباح ابراهيمكأس عسل
Published by:عصمت شاهين دو سكيسليلة الآلهة
Published by:آدم دانيال هومهأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح ( 16, 17)
Published by:حسن محمودي** محنة العقل في الاديان ومعضلة كتبها … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا قصف نظام الملالي الارعن … مدينة أربيل ألان **
Published by:سرسبيندار السندياوبنهايمر
Published by:طلال عبدالله الخوري** مَن سيُحاسب قادة حماس … على جرائمهم بحق غزة وأهلها **
Published by:سرسبيندار السندياسرار #الموساد عن #العراق - ج 1
Published by:صباح ابراهيمالمرأة بين الماضي والحاضر مسيرة كفاح وتنمية ونماذج معاصرة
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/4
Published by:علي الكاشالقاسم الأيمانيّ المشترك :
Published by:مفكر حرعام جديد..
Published by:مفكر حر** قصة مِيلادِ السيّد المَسِيحْ … العجيبة والفريدة **
Published by:سرسبيندار السندي#محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
Published by:محمد الماغوطأفكار شاردة من هنا وهناك/43
Published by:مفكر حرمن هو يسوع المسيح ؟ - يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله-
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
Published by:علي الكاشفاطمة الزهراء و غموض تاريخها
Published by:صباح ابراهيم#نزار_قباني: أيها المسيح العظيم هل تقبل دعوتي إلى العشاء .
Published by:نزار قباني** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
Published by:سرسبيندار السنديهل روح الله هو الله ام جبريل ؟
Published by:صباح ابراهيمأُمة فيها العجب
Published by:عصمت شاهين دو سكيتجاعيد وايجار واتهام
Published by:اسعد عبد الله عبد عليتقاسيم على أوتار الريح
Published by:آدم دانيال هومهالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/1
Published by:علي الكاشالدعاء على المسيحيّين
Published by:مفكر حرمباحث في الأدب واللغة/63 الطعام والمطبخ العربي
Published by:مفكر حرأفكار شاردة من هنا وهناك/41
Published by:مفكر حر#مسيحيو_المشرق و(الخيارات المرة )!!!:
Published by:مفكر حرهادي العامري واوهام المدمنين
Published by:علي الكاشالكفاءة
Published by:عصمت شاهين دو سكيأفكار شاردة من هنا وهناك/40
Published by:مفكر حرالعهد الجديد و سفر التكوين والخليقة
Published by:صباح ابراهيمأحدث التعليقات
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
- س . السندي on فاطمة الزهراء و غموض تاريخها
- س . السندي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- س . السندي on سورة مريم اقتبست من شعر امية بن ابي الصلت
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on #محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
- Mohammad Al Kassab on ضحايا صدام حسين 7
- ابن الرافدين on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- قثيم بن سنحريب الفيروزي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- مسلم on القرآن زور التوراة والإنجيل
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- قثم بن عبد الات القرشي on هدف حماس من (طوفان الأقصى) وهدف إسرائيل من اعلان حالة الحرب
- طوفان البدروسي on ** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية