آن الأوان لبدء التفكير في أثمان «انتصاراتنا»

أياد أبو شقرا     الشرق الاوسط اللندنية

 «تنبه جيدا إلى انتصارات تحمل في طياتها هزائم مستقبلية». (رالف سوكمان)

 روى لي صديق عراقي أنه بعد حرب تحرير الكويت وتداعياتها المأساوية على الجيش العراقي، جلس أحد المواطنين الطيبين، الذين أقنعتهم الماكينة الإعلامية الرسمية بأن القيادة الرشيدة انتصرت ودحرت الأعداء، في زاوية أحد مقاهي بغداد وهو يبكي وينتحب ويلعن الحروب. ويظهر أن أحد مرتادي المقهى رق له، فدنا منه وحاول التخفيف عنه، ظنا منه أنه كآلاف المواطنين فقد عزيزا في تلك الحرب.. غير أنه فوجئ بالباكي المنتحب يرد عليه بما معناه: «أتظن أنني أبكي قتلانا؟ أبدا، فنحن انتصرنا والحمد لله. أنا أبكي على المساكين الأميركان الذين هزمناهم.. تخيل إذا كنا نحن الذين انتصرنا قد حصلت لنا كل هذه البلاوي تصور ما يمكن أن يكون قد حل بهم؟».

هذه الصورة الكاريكاتيرية القاتمة غدت عنوانا بليغا لانتصاراتنا المزعومة المسجلة كلها ضد «مجهول معلوم». تلك الانتصارات التي نتيه بها ونفخر بمجرد التوصل إلى هدنة مذلة استجديناها واستصرخنا الضمائر من أجل تحقيقها.

 مروجو «الانتصارات» المؤزرة يرفضون التشكيك بها مهما بلغت تكلفتها الإنسانية من دماء وأشلاء ودمار وهدم للمؤسسات وتسطيح للعقول ومصادرة لحق المواطن في طرح الأسئلة.

أصلا ادعاء «النصر» في حد ذاته يعني قطع أي طريق على المساءلة. فهل يسأل المنتصر؟ وهل يجوز أن يطلب منه تقديم إجابات؟ أليس المنتصر وحده هو الذي يحتكر حق كتابة التاريخ وتفسير الأحداث وتخوين من يكابر فيرفض الاعتراف بإنجازات المنتصرين؟

 قبل أسبوع، أي قبل أن يتجلى لنا حجم «الانتصار» الجديد في غزة، تساءلت عن «توقيت» نفاد صبر بنيامين نتنياهو على الصواريخ التي كان تطلقها جماعات فلسطينية قرارها السياسي الفعلي في عاصمة إقليمية تعرفها القيادة الإسرائيلية – واستطرادا الأميركية – جيدا. وها نحن الآن بعد الصمت المؤقت للمدافع وراجمات الصواريخ نجد أنفسنا أمام واقع سياسي مثير، يقوم على ما يلي:

أولا، قيادة حماس، بوجهيها «الإخواني» و«الإيراني»، انتزعت زمام المبادرة على الساحة الفلسطينية. وحتى محمود عباس اضطر – ولو لفظيا – للاعتراف لحماس بتحقيق «انتصار» على العدو عجزت دبلوماسيته عن تحقيقه على امتداد سنوات. وبالتالي، دفع محمود عباس القسط الأول من الثمن الباهظ لمحاولته الطلب لفلسطين مقعد مراقب في الأمم المتحدة.

 ثانيا، لن تتوقف تبعات «الانتصار» عند هذا الحد، إذا كنا نفهم طريقة عمل الفكر البراغماتيكي لـ«الإخوان». وبالأمس كتب أحد المحللين العرب في مقالة له «إن الخطوة التالية لحماس هي التوجه شرقا». وهذا، ما لم أكن مخطئا، يعني الاستيلاء على بقايا ما تبقى من كيان سلطة فلسطينية، لكنه يحصل هذه المرة علانية بتخطيط إسرائيلي ومباركة إسرائيلية.

ثالثا، في حين تغاضى السيد خالد مشعل عن تثمين دور محور طهران – دمشق في تحقيق «الانتصار»، مفضلا إهداءه إلى الرئيس المصري محمد مرسي لكي يستثمره مرسي في معركته ضد خصومه داخل مصر، فإن الدكتور محمود الزهار أبى إلا توجيه الشكر إلى محور طهران – دمشق.. على الرغم من انشغال هذا المحور طوال نحو سنتين في تقتيل عشرات الألوف من السوريين لمنع قيام نظام إسلامي على شاكلة نظام حماس!

 رابعا، كانت لافتة تحية السيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله اللبناني، الذي سبق له أن حقق عام 2006 على إسرائيل أيضا «انتصارا إلهيا» لا يختلف كثيرا عن «انتصار» إخوته في غزة، وبالتداعيات السياسية الكارثية ذاتها. فخلال ساعات فصلت بين كلمته العاشورائية ولقائه مع الدكتور علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى الإيراني، هدد السيد نصر الله بإطلاق «آلاف الصواريخ» على كل إسرائيل في حال اعتدائها على لبنان، وجدد دعمه لإيران وحذر من استعدائها، فقال: «إسرائيل التي هزها عدد من صواريخ فجر – 5 لا يتعدى أصابع اليد.. كيف ستتحمل آلاف الصواريخ التي ستنزل على تل أبيب وغير تل أبيب إذا اعتدت على لبنان؟». وهنا لا أحسب أن السيد نصر الله يتوقع إجابة إسرائيلية أو أميركية على هذا السؤال المفحم، لكن إذا كانت حدود عمليات «الحزب»، الفلسطينية، كما قال السيد نصر الله في كلمته نفسها، تمتد من حدود لبنان إلى حدود الأردن، وصولا إلى البحر الأحمر.. فلماذا لم يتحرك دفاعا عن أطفال غزة بدلا من انتقاد المتقاعسين عن نصرتهم؟ وهل حدد خريطة العمليات هذه بالتفاهم مع السلطات اللبنانية الرسمية؟

خامسا، وبما أن الشيء بالشيء يذكر، كان لافتا أن إسرائيل هي التي أهدت حزب الله وأمينه العام «انتصارهما الإلهي» عام 2006، بعدما كان السيد قد قال في لحظة مراجعة مع الذات كلماته المشهورة «لو كنت أدري..». القيادة إسرائيل، عبر «لجنة» «فينغراد»، هي التي أهدت «الحزب» وأمينه العام «الانتصار» متوجا بالقرار الدولي 1701 لكي يحولا اهتمامهما إلى الداخل، ويمضيا من حيث يدريان أو لا يدريان إلى التعجيل بتنفيذ هدفها الاستراتيجي الكبير للمنطقة.. الذي هو الحرب الأهلية السنية – الشيعية.

 سادسا، لا «الانتصار» الذي أهدي إلى حماس ومحمد مرسي بالأمس، ولا «انتصار» 2006 الإلهي الذي أهدي إلى حزب الله غريبان عن طبيعة مقاربتي تل أبيب وواشنطن للمنطقة. إنهما المقاربتان اللتان اختصرهما ذات يوم هنري كيسنجر لفلسفة «تحريك» الوضع في الشرق الأوسط بعد 1967 في أعقاب تأخر قطف إسرائيل ثمار نصرها العسكري يومذاك. وقامت فكرة كيسنجر إهداء العرب انتصارا معنويا فارغا يباع لشعوبهم، وتعريض إسرائيل لخسارة دعائية لا تضرها في شيء، ومن ثم تعقد على أساس هذا «السيناريو» الصفقات الاستراتيجية الحقيقية. وحقا كان «انتصار» 6 أكتوبر (تشرين الأول) 1973 الذي حققه الإنسان المصري والسوري بدمه «الهدية المفخخة» التي أنتجت «كامب ديفيد» ومعه تقاعد مصر عن دورها العربي، وانصراف دمشق لتثبيت السلام الدائم في الجولان المنسي، وتكليفها بالإجهاز على المقاومة الفلسطينية حيث كانت!

بالأمس قال لاريجاني كلاما خطيرا – لمن يسمعه – خلال محطاته السورية واللبنانية والتركية، لكن لسبب أو لآخر يظهر أن ذلك الكلام لا يقلق القيادة الإسرائيلية ولا يؤرقها. بل، إذا كنا لنعود إلى «نظرية المؤامرة» فإن خير ما تقدمه إيران، ومعها توابعها وأدواتها في المنطقة، لحملة إعادة انتخاب نتنياهو.. هو بالضبط كلام من ماركة كلام لاريجاني.

 إن أكذوبة ضرب إيران ما عادت قابلة للتصديق، وهذا، إن كانت كذلك في أي فترة سابقة.

وبالإذن من السيد نصر الله، فإن وجود النظام الإيراني الحالي، بخطابه السياسي وخيمته التسليحية الإقليمية، وما يولده وينشره من ردود فعل طائفية راديكالية ومشوشة وعنفية.. بات أكثر من ضرورة حيوية لبقاء إسرائيل قطب مصالح فعالا وضرورة استراتيجية أمنية للدول الغربية.

 إسرائيل تعرف هذه الحقيقة، والغرب أيضا يعرفها.. لكن هناك من يريد لشعوبنا أن تعيش في الأوهام، وتغرق في بحيرات من الدم.

This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

One Response to آن الأوان لبدء التفكير في أثمان «انتصاراتنا»

  1. س . السندي says:

    ماقل ودل … لمن يمضرط بالردود والحل ؟

    ١: بداية تحياتي للأستاذ أياد آبو شقرا ، لن أضيف كثير للتعليق أكثر مما قتله في تعليقي على مقال ( ما أكثر الظراطين عند العرب ) والصحيح هو ما أكثر الظراطين العرب ، بدليل الواقع والتاريخ ، وهذا ماعلقت عليه ؟

    ٢: طيب إذا كنت صادقا فيما تقول فلماذا إذا لم تبادر بقصفها بألافك من الصواريخ لنجدة أهل غزة وتحقيق النصر ألإلهي الثاني لإرباك إسرائيل ، نعم هم إرتبكو لأن ألإنسان غالي جدا عندهم ، فواحدهم بألف وأكثر بدليل شاليط ، فهم ليس مثلكم تجار شعارات ودم ودين ؟

    ٣: نعم تفعلونها وقد فعلتموها كما غيركم من تجار الدين في حماس ، ساعة الجد تختبؤن في ملاجئكم وتتركون البسطاء تحت رحمة قصف الصواريخ والطائرات ؟

    ٤: يوم تمطرون إسرائيل بألاف الصواريخ كما تمضرط، صدقني لن ترد عليكم أسرائيل بغير قنبلة واحدة ، وهى تكفي كل لبنان وليس فقط جنوبه ، أستمرو في خراب البلدان والأوطان حتى ينجدكم مهديكم المنتظر من زمان ؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.