آخر ما دوّنه كيانوري السكرتير الأول لحزب توده ايران قبل رحيله

نور الدين كيانوري 1915-1999

ترجمة عادل حبه

مقدمة عادل حبه

في الآونة الأخيرة حصل موقع “راه توده” على مدونة للفقيد نور الدين كيانوري السكرتير الأول السابق لحزب توده ايران، والتي دونها قبل أشهر من رحيله. وتلقي المدونة الأضواء على العديد من القضايا والأحداث التي مرت على إيران بعد الثورة، ومنها المأساة التي تعرضت لها الساحة الإيرانية إثر حملات التصفية والملاحقات التي تعرضت لها الحركات السياسية الإيرانية يسارية كانت أم قومية ووطنية وحتى تيارات إسلامية من التي لا تنسجم رؤياها مع النهج الديني المتشدد المتربع على السلطة في البلاد. وقد نشر الموقع الجزء الخاص في المدونة حول ما تعرض له حزب تودة من مطاردات وإعدامات وسجون وفبركة الاتهامات المتنوعة بهدف تشديد ماكنة القمع ضده وتبشيع صورته أمام الرأي العام الداخلي والخارجي.
ولابد من الإشارة إلى أن سعي السلطات الاستبدادية والمستبدين عموماً في العالم لاقصاء أية حركة سياسية أو تيار فكري أو شخصيات سياسية عن طريق الملاحقات والتصفيات الجسدية والسجون وفبركة الاتهامات الباطلة وانتزاع الاعترافات من السجناء والمعتقلين المنتمين إلى الحركات السياسية الأخرى هي ظاهرة ملازمة لكل أنظمة الاستبداد علمانية كانت أم قومية أو تلك التي تتستر بالرداء الديني والمذهبي والطائفي، بغض النظر عن ما يعلن عن طبيعة هذه الأنظمة. فلو تصفحنا كتب التاريخ وأحداثه لشاهدنا صوراً بشعة ولا إنسانية عن هذه الممارسات. وبلغ الأمر حداً أن مورست هذه الأساليب أثناء العهد الستاليني في الاتحاد السوفييتي وخاصة في العقد الثالث من القرن الماضي، تعرض الآلاف من قادة الحزب الشيوعي السوفيتي والجيش السوفييتي إلى أبشع أساليب انتزاع الاعترافات بواسطة التعذيب والتي تراوحت بين العمالة للنظام الهتلري أو السعي للإطاحة بالقوة والانقلاب على سلطة ستالين و “معاداة الشعب” والتجسس لصالح دول أجنبية. وقد راح ضحية هذه الممارسات التعسفية عشرات الآلاف من خيرة كوادر الحزب والدولة السوفييتية والجيش السوفييتي. وتكررت هذه الصورة المشينة في ألمانيا حيث وجهت تهمة حرق مبنى الرايخشتاغ إلى الحزب الشيوعي الألماني والكومنترن وأودع قادة الحزب الشيوعي السجن ومن ضمنهم زعيم الحزب آرنست تيلمان ومحاكمة الزعيم الشيوعي البلغاري ديمتروف. ومورست هذه التقليعة المشينة في الولايات المتحدة في الفترة المكارثية وفي أوج الحرب الباردة تحت شعار “مكافحة النشاط المعادي للولايات المتحدة”. وعلى نفس الهوى، راح صدام حسين يقلد هذه الممارسات بحيث راح يفبرك الاتهامات الكاذبة ضد التيارات السياسية والمواطنين العراقيين وزجهم في السجون وأصدار أحكام الإعدام بالجملة ضد من ينافسه أو من يشم منه رائحة الأختلاف على طريق الاسقاط السياسي لمنتسبي الأحزاب الأخرى. وكمثال واحد على هذه الممارسة المشينة هو تنفيذ أحكام الإعدام ضد 31 شاباً عراقياً شيوعياً ومؤازراً باتهام محاولة الانقلاب؟؟ في أيار عام 1978.
وفي تاريخ الاستبداد الإيراني هناك الكثير من هذه الأمثلة، ومنها اتهام حزب توده ايران بمحاولة اغتيال الشاه في عام 1949، وأصدار قرار بحظر نشاط الحزب وشن حملة من الاعتقالات ضد قادة الحزب ومنهم نور الدين كيانوري لمجرد العثور في جيب منفذ المحاولة على بطاقة العضوية في حزب توده؟؟، ولا ندري كيف يتوجه هذا الشخص صوب تنفيذ مثل هذه المحاولة دون أن يفرغ جيوبه من الوثائق التي تدل على هويته!!. وبالرغم من انتصار الثورة الايرانية في عام 1979 وانهيار حكم الشاه الذي سار على النمط نفسه في إدارة الدولة، إلاّ أن النظام الجديد لم يتخل عن الأساليب التي اتبعها أسلافه في التعذيب وانتزاع الاعترافات الكاذبة وتوجيه تهم التجسس والعمالة للأجنبي والتسقيط السياسي والاستعانة بالساواك الشهنشاهي السابق لتكريس هذه الممارسات التي أودت في ليلة واحدة في حملة “تنظيف السجون” في إيران الإسلامية إلى إعدام الآلاف من منتسبي مختلف الأحزاب السياسية في عام 1987 في حادثة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الاستبداد الإيراني.
عن هذه الأساليب المدانة والتجارب المريرة التي تعرض لها حزب توده، يتحدث الفقيد كيانوري في مدونته عن بعض، وليس عن كل أساليب الاستبداد المقيت. فهناك الكثير من الأحداث التي لم تتوفر الفرصة لكيانوري متابعتها أو فات عليه استذكارها أو الإشارة إليها في ظروف سجنه الأخير. لقد عايشت الفترة التي أعقبت الثورة الإيرانية، وتم اعتقالي في الفترة التي سبقت الحملة على حزب توده واعتقال قادته وكوادره وأعضائه. ولذا سأسعى إلى التدقيق بشكل سريع ومختصر في بعض ما جاء في مدونة كيانوري بناء على ما لمسته وما توصلت إليه من استنتاجات قبل وأثناء فترة السجن. يشير كيانوري إلى أربعة عوامل أدت إلى شروع أطراف في الحكم في إيران بعد الثورة إلى شن حملتهم ضد الحزب. وأود أن أشير إلى عامل إضافي خامس في هذا الإطار، وهو خشية أطراف عديدة داخلية وخارجية من أي تقارب بين التيار اليساري الذي قوى عوده خاصة بعد التقارب بين تيارين يساريين مؤثرين هما حزب توده ومنظمة فدائيي خلق ( الأكثرية)، وبينهما وبين أحد أطراف الحكم في إيران والذي عرف آنذاك بـ “خط الإمام”، هذا التقارب والانسجام الذي قد يؤدي إلى تبعات ونتائج على النطاق الداخلي والاقليمي والعالمي مما يثير حفيظة قوى متباينة في الداخل من ناحية، ومن ناحية أخرى يثير حفيظة قوى اقليمية ودولية وخاصة الغرب ودوائرها المخابراتية التي كانت تعمل بشكل محموم ضد أي تقارب بين هذين الاتجاهين. ومن بين الأساليب التي اتبعتها هذه القوى هو تجنيد كل الإمكانيات لتشويه وفبركة الاتهمات ضد حزب توده بالذات واليسار عموماً، هذا الأسلوب الذي يتناغم مع الرؤية الضيقة لبعض الأطراف السياسية الإيرانية الحاكم. وساهمت في الحملة حتى أطراف في الجبهة الوطنية الإيرانية التي أسسها للزعيم الوطني الراحل د. محمد مصدق لأسباب تتعلق بالخلافات التاريخية.
أما الملاحظة الثانية حول المدونة فهي، أن الفقيد يركز بالأساس حول احتمال إندساس في قيادة الحزب، والمقصود هنا عضو اللجنة المركزية “قائم پناه”، ويمر مر الكرام على الدور الذي لعبه الخائن فلاديمير كوزيچكين، ضابط المخابرت السوفييتي، في التحضير للمأساة التي تعرض لها حزب توده واليسار الإيراني عموماً. وفي الحقيقة أنه بعد اعتقالي في آذار عام 1980 من قبل نفس طاقم الساواك الذي اعتقلني عام 1964 في طهران، اكتشفت أن جهاز المخابرات بقي نفسه، وكان يركز جهده على نشاط التيارات اليسارية بالذات مع حذف الدوائر والاقسام التي كانت تلاحق التيارات الدينية في عهد الشاه، والتي شاركت في الحكم بعد الثورة. ومن المعلوم أن هذه الطواقم المخابراتية كانت لها في زمن الشاه علاقات متينة مع أجهزة المخابرات الغربية واسرائيل، وهناك دلائل على على استمرار هذه العلاقات بهذا الشكل أو ذاك. وراحت هذه الأطراف تفتش على أنجع الأساليب لتحقيق غاياتها في التأثير على مسار الأحداث في إيران لصالحها. ووجدت هذه الأطراف الداخلية والمخابرات الخارجية ضالتها في تجنيد ضابط المخابرات السوفييتية فلاديمير كوزيچكين الذي كُلّف بمهمة الصلة مع الأحزاب الإيرانية في نهاية عام 1979، كما كُلِّف بمهمة حزبية للعلاقة بين الحزب الشيوعي السوفييتي وبين حزب توده إيران، وهي ممارسة دأب عليها الحزب الشيوعي السوفييتي مع كل الأحزاب الشقيقة وبضمنها الحزب الشيوعي العراقي، وهي ليست علاقة سرية بل معروفة للقاصي والداني، وتمارسها كل الأنظمة ومن ضمنها النظام الإيراني مع الأحزاب الدينية المتعاطفة معه في سائر أرجاء العالم. علماً أن الحزب بعد الثورة فتح مقراً له وكان يستقبل وفوداً من الأحزاب الشيوعية وغير الشيوعية التي كانت تفد إلى العاصمة طهران. وقد كلفتني قيادة الحزب الشيوعي العراقي بالعلاقة مع هذا الشخص بناءاً على اتفاق بين الحزبين وذلك لنقل رسائل وتوجيهات قيادة الحزب الشيوعي العراقي، التي أصبحت خارج البلاد بعد أن شنت السلطات البعثية العراقية حملتها على الحزب، إلى القيادة الميدانية التي بدأت تستقر في جبال كردستان العراق، أي علاقة تخص حاجة الحزب إلى إيصال البريد الحزبي إلى الداخل فحسب. ولكن بعد عدة لقاءات مع هذا الشخص فاجأني بتقديم ورقة كتب عليها أسماء بعض من رجال الدين الإيرانيين، وطالبني بكتابة تقارير عنهم، أي ممارسة التجسس على الشأن الإيراني، وهو أمر سيء ويضر بالعلاقة بين الحزبين ولا يدخل في صلب مهمتي الحزبية في إيران. رحت أضرب أخماساً بأسداس حول هذه المفاجأة. فلم يعد هناك أي سر في إيران بعد الفوضى التي عمت إيران بعد الثورة حيث يستطيع أي متابع أن يحصل على أية معلومة دون الحاجة إلى الأسلوب المخابراتي، كما أن كل الوثائق السرية للحكم أصبحت منتشرة في الشوارع أو بيد الأحزاب المعارضة التي سطت على موجودات ومخزونات ووثائق الأجهزة الأمنية، على غرار ما حصل في العراق بعد إنهيار النظام في عام 2003. ولذا فوجئت بالطلب، وتبلورت لدي فكرة إن هذا الرجل أما استفزازي أو أحمق. ولذا أخبرت قيادة الحزب بالسلوك المريب لهذا الشخص وطلبت التحقيق حول هذا الحادث، كما أخبرت القيادة بقطع صلتي به، ولم أذهب بالفعل إلى المواعيد المحددة اللاحقة. كما أخبرت قيادة حزب توده بالخبر وحذرتهم من الصلة بهذا الشخص دون أن يتخذوا أية إجراءات.
وبعد مرور عدة أسابيع، أبلغني الرفيق الشهيد گاگيك أوانسيان، عضو ل.م. لحزب توده الذي أعدم لاحقاً في حملة تنظيف السجون في أواخر الثمانينيات، أن هناك بريداً مرسلاً من قيادة الحزب الشيوعي العراقي وعليك استلامه، وحدد لي الموعد والمكان الذي كان في شارع “ميرداماد” في شمال طهران بعد الظهر. توجهت إلى الموعد، وفوجئت بالشخص نفسه ينتظر في شارع فرعي، توجهت إليه وكان مرتبكاً وسلّمني على عجل ظرفاً يحوي رسائل لم أعرف محتواها إلاّ بعد القبض عليّ وهي رسائل من المكتب السياسي. كما دس على عجل شدّة من النقود الإيرانية لم أعرف سبب دسها. فقد كنت في ضيافة حزب توده إيران ولست بحاجة إلى أي عون مادي. وما أن دسّ المبلغ في جيبي حتى غادر مسرعاً المكان دون أن تتيح لي الفرصة لإرجاع المبلغ. وما أن غادر المكان بسرعة عجيبة حتى بان عدد من السيارات وقد أضاءت الأضواء القوية العالية في محاولة تطويقي واعتقالي، وتوجهت بسرعة إلى بعض الشوارع الفرعية، ولكن المنطقة كانت مطوقة من أجهزة الأمن حتى تم اعتقالي.
قادوني إلى أحد مقرات “الساواك” الذي تغير أسمه إلى “ساواما”، وما أن وصلت حتى طلبوا مني المبلغ وزلت ألسنهم وأشاروا إلى مقداره….10 آلاف تومان !! كانوا يعرفون مقدار المبلغ قبل أن يعدوه أمامي، مما يعني أنهم هم من سلموه هذا المبلغ. وتحول الشك لدي أزاء كوزيچكين إلى يقين بأنه يتعامل على الأقل مع المخابرات الإيرانية، وقد سلموه هذا المبلغ لدسه في جيبي كي يكون أحد الأدلة ضدي. علماً أنه لم يعتقل، وهذا ما أكد لي السمة الاستفزازية لهذا الشخص، كما تبين لي حجم وخطورة المخطط الذي يواجهه حزب توده وأنا. وبدأ التحقيق معي حول دور الأحزاب الشيوعية والاتحاد السوفييتي في التآمر على النظام الجديد، وعن انخراطي في التجسس على الجمهورية الاسلامية وعن تواطؤي وعلاقتي مع حزب توده وعن علاقتي برجل المخابرات السوفييتي كوزيچكين. وقد قام بالتحقيق “أفندية” وليس ملتحين ومعممين، وكان من بينهم شخص سبق وأن حقق معي أثناء اعتقالي في عام 1964 وأسمه السري “علي زاده”، وعرفت لاحقاً أنه من عائلة كربلائية معروفة من بيت المراياتي. طلبت منهم أدلة، صورة أسود أبيض أو ملونة عن لقائي بالضابط السوفييتي أو مع قيادة حزب توده!! يبدو أنهم كانوا مرتبكين ولم يتسن لهم التقاط الصور وتوفير الأدلة. كما طلبت منهم أية دلائل عن تهمة الجاسوسية!! عرفت فيما بعد أن الرسائل التي استلمتها من الاستفزازي هي رسائل من المكتب السياسي حول الأوضاع التي أحاطت بالحزب بعد الحملة التي تعرض لها عام 1978 في العراق، ولا ليس لها أية إشارة إلى إيران. حاول المحققون بشتى الطرق والضغوط فرض أعترافات هم يسعون إليها لإدانتي مع مغريات مصحوبة بالتهديدات بإطلاق سراحي. ولكنني والحق يقال خيّم عليّ الهدوء وبرودة الأعصاب ورباطة الجأش بحيث لم يستطيعوا زحزحتي عن موقفي.
بعد فترة تم نقلي إلى معسكر “جمشيدية” في وسط طهران والتابع للانضباط العسكري. وكان المعتقل فارغاً باستثناء معتقل واحد هو الأدميرال مدني قائد القوة البحرية يعد الثورة، وكان قد وجه الاتهام له بالعمل لصالح المخابرات المركزية؟؟ حاولت في معتقل جمشيدية التعرف على أي شخص من بين الحراس، وجميعهم من الجنود، قد يستطيع إيصال خبر اعتقالي إلى زوجتي وأطفالي الذي كانوا في طهران. وبعد جهد جهيد وأحاديث مع الجنود الحرس، استطعت التعرف على أحد الجنود الذي يتعاطف مع حزب توده، ورجوته أن يجلب لي قلم وورقة دونت فيها إصراري على تواطؤ الموظف السوفييتي مع المخابرات الإيرانية، بل وحتى البريطانية وحذرتهم من أن الضربة ضد حزب توده آتية لا ريب فيها، وينبغي الحذر من هذه المؤامرة. وطلبت من هذا الجندي النبيل أن يسلم الرسالة إلى الرفيق محمد علي عموئي. وقد أخبرني هذا الجندي وصول الرسالة، كما إن زوجتي أكدت لي بعد إطلاق سراحي عن وصول الرسالة أيضاً. وأعيد التحقيق في “جمشيدية” وتكررت الأسطوانة نفسها والاتهامات نفسها ومع نفس إصراري على نفي هذه الاتهامات. ثم تم نقلي إلى سجن “ايڤين” الشهير واودعت في زنزانة معزولة كلياً عن العالم الخارجي يحيث لم أسمع أي صوت، ثم نقلت إلى القاطع الثالث ثم الرابع، حيث زارني

الشهيد محمد منتظري سيد كاظم بجنوري

الفقيد محمد منتظري( لجأ إلى بيتنا عام 1972 بعد فراره من إيران وقتل في حادث افجار الحزب الجمهوري في عام 1981) وسيد كاظم بجنوردي( استعان بي لترجمة كتاب “اقتصادنا” للشهيد محمد باقر الصدر)، والذين قضيا معي مرارة السجن في عهد الشاه في سجن قصر في عقد الستينيات من القرن الماضي. مرت الأيام، وزارني في السجن أيضاً القنصل السوري أياد المحمود الذي أخبرني عن الجهود المبذولة لإطلاق سراحي بعد طلب الرفيق عزبز محمد من الرئيس الراحل حافظ الأسد التدخل لدى آية الله الخميني في هذا الشأن. وبعد بضعة أيام تم نقلي إلى سجن مطار مهرباد، وكان ينتظرني هناك السيد كفاش زاده من مكتب الخميني ليرافقني إلى الطائرة التي أقلتني إلى دمشق.*
وإلى القارئ الكريم نص ترجمة المدونة التي كتبها الفقيد نور الدين كيانوري.

أسباب الحملة ضد حزب توده وفترة السجن

لماذا تعرض حزب توده ايران لهذه الحملة بالرغم من المساعدات البالغة الأهمية التي قدمها للجمهورية الاسلامية الإيرانية؟

1- الموقف المعارض للحزب في مسألة استمرار الحرب بعد الانتصارات الباهرة في تحرير خرمشهر وعبور الجيش الايراني لشط العرب والانتقال إلى الأراضي العراقية.

لقد أعلن حزب توده ايران بوضوح أن “استمرار الحرب سيلحق بالبلاد كارثة لا يمكن تلافيها”. وطرح هذا الموقف في الوقت الذي عبأت كل الإمكانيات في البلاد لاستمرار الحرب “بأمل الانتصار السريع”. من الصحيح القول أن هذا الموقف له علاقة بحرص الحزب على المصلحة الوطنية، وكان موقفاً شجاعاً في ظل الجو السائد لدى السلطة الحاكمة. ولكن تحذير الحزب لم يلق أذناً صاغية، حتى وإن وجد من يقتنع بهذا الرأي، فإنه لم يكن يملك الشجاعة لدعم هذا الموقف. فما جرى هو العكس حيث راحت مطبوعات الحكومة وغير الحكومة بشن حملة ضد الحزب متمهة أياه “بالتخريب” و “إضعاف معنوية المقاتلين” الذين يخوضون المعارك بحماس من أجل إبادة المعتدي! إن ست سنوات من حرب الاستنزاف أدت إلى مئات الآلاف من القتلى وعشرات الآلاف من الأسرى وأكثر من 100 مليار دولار من الخسائر التي لحقت بالاقتصاد الوطني والخراب ببقاع واسعة من غرب البلاد وو…وهذا يؤكد على مدى شجاعة تنبؤات حزب توده ايران عندما حذر من ” الكارثة التي لا يمكن تلافيها”.

2- التغير في سياسة الاتحاد السوفييتي وتزويده العراق بالسلاح

إن سياسة الاتحاد السوفييتي تجاه ايران قبل شهرين من انتصار الثورة في 11 شباط عام 1979 وحتى بعد أشهر من توغل الجيش الإيراني في الأراضي العراقية
كانت قائمة على الدعم الشامل للثورة، وأبدى الاتحاد السوفييتي استعداده لتقديم العون في كل المجالات. وانعكس هذا الدعم في “تحذير برجنييف” لأمريكا حول عدم التدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية في الوقت الذي بدأ “الجنرال هويزر”(مبعوث البنتاغون إلى طهران في أوج موجة الاحتجاجات الشغبية ضد حكم الشاه -ع.ح.) في طهران بالتدابير من أجل دعم الجيش الإيراني للقيام بانقلاب عسكري والذي استمر لمدة سنتان ونصف.
وبعد انتصار الثورة، وعلى إثر فرار الكثير من المسؤولين والخبراء الإيرانيين والأمريكان، تعرضت الكثير من المصانع الإيرانية إلى نواقص جدية. وأعلن الاتحاد السوفييتي مباشرة عن استعداده لتقديم المساعدة على سد احتياجات ايران في جميع المرافق، واستمر على تقديم عروضه، بالرغم من السياسة المعادية للاتحاد السوفييتي التي اتبعها رئيس الحكومة المؤقتة المهندس مهدي بازركان الذي سعى إلى جلب دعم الولايات المتحدة التي كانت تعمل في ذلك الوقت على تدبير انقلاب عسكري.
إن الوثائق التي تم العثور عليها في السفارة الأمريكية بعد احتلال الطلبة للسفارة تشير بوضوح إلى هذين الاتجاهين. ففي لقاء بين عباس أمير انتظام، المعاون السياسي للمهندس بازركان، وبين ضابط ” المخابرات المركزية “، تشير الوثيقة الموجهة من السفارة إلى وزارة الخارجية الأمريكية إلى ما يلي:
“أشار انتظام إلى سوء ظن زعماء إيران تجاه الاتحاد السوفييتي، وقال يعتبر السفير السوفييتي أكثر السفراء نشاطاً في طهران….وهو يقدم يومياً كل العروض والمقترحات لمؤسسات الدولة. ولكن يتم رفضها، ولكنه يحاول أن يقدم عروضه من جديد”. وقال أمير انتظام:” إن نشاط الاتحاد السوفييتي ينصب على مواجهة أمريكا، وينظر الإيرانيون إلى ذلك على أنه مجرد موقف انفعالي”.
وإضافة إلى كل المقترحات والعروض في مختلف الميادين، فإن الاتحاد السوفييتي قدم معلومات بالغة الأهمية عن مؤمرات أمريكا عن طريق حزبنا وسلمت إلى الحكومة الإيرانية، وسأعرج على ذلك في مدونة أخرى. ولكن أهم خطوة اتخذها الاتحاد السوفييتي لمساعدة ايران تمثلت في قطع الأمدادات والتجهيزات العسكرية إلى العراق بعد اندلاع الحرب العراقية الايرانية.
في فترة الشاه، عقد العراق معاهدة الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفييتي في جميع المجالات وخاصة في ميدان تأمين المعدات العسكرية. وعند عدوان العراق على إيران كانت أغلب المعدات العسكرية التي يملكها العراق هي معدات سوفييتية. وبعد العدوان مباشرة، قطع الاتحاد السوفييتي كل إمداداته العسكرية إلى العراق. وقد أعلن صوت أمريكا في ذلك الوقت أن باخرتين سوفيتيين محملتين بالمعدات العسكرية كانت متجهتين إلى العراق قد أمرت بالعودة إلى الموانئ السوفييتية. وقد تم تأكيد هذا الموقف على لسان ممثل مؤسسة البحوث الستراتيجية الكندي في الكونفرنس العالمي الذي نظمته وزارة الخارجية الإيرانية بعد نهاية الحرب. فقد أشار بصراحة إلى أنه في العامين الأولين من الحرب، رفض الاتحاد السوفييتي تزويد العراق بالمعدات العسكرية، ولكن بعد دخول الجيش الإيراني إلى الأراضي العراقية استأنف ارسال المعدات العسكرية من جديد إلى العراق. وقد نُشرت تفاصيل هذا الكونفرنس في جريدتي كيهان واطلاعات الايرانية.
ويجب عليّ أن أضيف إلى ما أشير أعلاه أن موقف قادة ايران تجاه الاتحاد السوفييتي الذي أشار إليه أمير انتظام لا ينطوي على سوء الظن ورفض المساعدات التي عرضها الاتحاد السوفييتي فحسب، بل من الناحية العملية وجهت ضربة قوية إلى الاتحاد السوفييتي عن طريق قطع صادرات الغاز إليه بناء على نصيحة من “الأصدقاء الأمريكان للحكومة المؤقتة”. وقد أشير إلى ذلك بشكل صريح في الوثائق التي عثر عليها في السفارة الأمريكية بعد احتلالها من قبل الطلبة، وكلي أمل أن أعود للبحث في هذا الموضوع.
لقد رفضت الجمهورية الاسلامية الايرانية القرار المرقم 589 الذي أصدره مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة، كما رفضت كل الشروط والأمكانيات المناسبة بعد الهزيمة النكراء للجيش العراقي في خرمشهر واستعداد العربية السعودية والكويت بتعويض خسائر ايران البالغة 50 مليار دولار. ويعود السبب في رفض القيادة الايرانية الظروف المساعدة لوقف الحرب هو التقدير الخاطئ لهذه القيادة لمدى ضعف العراق، وكون الجيش الإيراني أصبح من القوة بحيث يمكنه من إنزال ضربة مهلكة بالعراق خلال فترة قصيرة. وقد أشار حزب توده ايران في آخر برنامج له “سؤال وجواب” إلى أن هذا الطريق المسدود يشكل “نذير كارثة على إيران”. إن الدولة السوفييتية التي عقدت مع العراق قبل سنوات معاهدة الصداقة والتعاون، اضطرت بموجب هذه المعاهدة إلى معاودة ارسال المعدات العسكرية التي يحتاجها العراق بعد وقفها لمدة سنتين. ففي تلك الفترة كان الاتحاد السوفييتي قد عقد مع العديد من دول العالم ، كسورية ومصر والهند، معاهدات صداقة وتعاون من أجل الحفاظ على استقلال هذه الدول أزاء التهديدات الأمريكية، وإن أي اخلال بتعهداته تجاه العراق من شأنه أن يوجه ضربة قوية إلى هيبة الاتحاد السوفييتي.
لقد أدى هذا التغيير في سياسة الاتحاد السوفييتي إلى وضع حزب توده ايران في ظروف بالغة الصعوبة، وبدون أدنى شك فإنه شكل عاملاً مؤثراً في القرار الذي اتخذته السلطات الايرانية في توجيه ضربتها صوب الحزب.

3- دخول القوات السوفييتية إلى الأراضي الأفغانية

يشير تاريخ افغانستان خلال العقود الثلاثة الأخيرة إلى أن هذا الشعب المنكوب كان من الشعوب القلائل التي تعرضت إلى مثل هذا الحرمان، ويعيش الآن أسود فترة في تاريخه ( كتبت هذه المدونة عندما كان الطالبان يمسكون بزمام الأمور في أفغانستان- ع.ح.) .
وبدأت محنة شعب أفغانستان في عام 1973 مع قيام داود خان باسقاط الشاه محمد ظاهر وإزاحته عن العرش الأفغاني. لقد اتبع محمد ظاهر شاه في عهده سياسة معتدلة ومتوازنة تجاه جاره القوي الاتحاد السوفييتي ووتجاه أمريكا عن طريق العربية السعودية، وسمح لباكستان بإقامة قاعدة عسكرية في أفغانستان، وهكذا حافظ على التوازن بين الاتحاد السوفييتي وامريكا وحلفائها.

انقلاب داود خان العسكري

كان داود خان، وهو ابن عم محمد ظاهر شاه، يعد العدة منذ سنوات لاستلام السلطة، وأصبح بعد الانقلاب من اتباع أمريكا. لقد كان يعلن لسنوات أنه من أصدقاء الاتحاد السوفييتي، وكان يتمتع بالراحة سنوياً في منتجعات الاتحاد السوفييتي. لقد خَدَع داود خان الاتحاد السوفييتي، واستطاع بمساعدة الضباط الذين درسوا في الاتحاد السوفييتي أن يجندهم للقيام بانقلاب عام 1973، وأعلن النظام الجمهوري وأبعد محمد ظاهر شاه خارج البلاد واستقر في روما عاصمة ايطاليا.
ما لبث داود خان بعد أن استلم زمام الأمور في البلاد أن أماط اللثام عن وجهه الحقيقي وتقارب مع شاه إيران، وابدى الأخير بإشارة من أمريكا استعداده لتقديم قرض قدره 2 مليار دولار. ومن ناحية أخرى بادر داود خان إلى إزاحة أصدقاء الاتحاد السوفييتي من مناصبهم وهم الذين قدموا المساعدة في نجاح انقلابه. وشرع بملاحقة ومطاردة الحزب الديمقراطي الافغاني الذي كان يتمتع بنفوذ بين الشعب. إلاّ أن خيانته لم تحقق أهدافها فسرعان ما قام الحزب الديمقراطي الافغاني بانقلاب من نفس أؤلئك الضباط وأُطيح بداود خان.

الحزب الديمقراطي الافغاني

على الرغم من أن هذا الحزب يعد من أكثر المنظمات السياسية نفوذاً في البلاد، إلاّ أن نهايته كانت محزنة للغاية. في أول مؤتمر لهذا الحزب انتخب ” نور محمد تَرَكي” سكرتيراً أولاً للحزب وببرك كارمل السكرتير الثاني. كان تركي ينحدر من القومية “البشتونيه” في حين كان بابرك كارمل ينحدر من القومية “الدريه”. وبعد مؤتمر الوحدة اندلعت الخلافات الحادة بين الرجلين، وكان تركي طموحاً إلى حد بعيد وادعى أن له الحق كسكرتير أول بالحزب أن يقوم بتعيين أعضاء السكرتارية ومسؤؤلي اقسام اللجنة المركزية دون الرجوع إلى رأي السكرتير الثاني. وفي نهاية هذه الاختلافات بين وجهة نظر شقي الحزب؛ أي كتلة “خلق” التي يتزعمها تركي وكتلة “ڀرچم” التي يتزعمها ببرك كارمل، ومع مرور الوقت سيطرت كتلة تركي على السلطة التنفيذية للدولة وعينت قادة الكتلة الأخرى كسفراء في دول أوربا الشرقية.
وينبغي أن نضيف بهذا الصدد إلى حقيقة أن الطلبة الذين احتلوا السفارة الأمريكية في طهران عثروا على وثيقة موجهة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية إلى السفارة في طهران تشير إلى أن انقلاب داود خان و “ثورة” الحزب الديمقراطي الأفغاني قد جرت بدون علم السلطات السوفييتية.
بعد هذا التاريخ مرت فترة مريعة في الأجواء السياسية الأفغانية: فقد كان تركي ميالاً للشهرة ومبتلى بمرض التسلط، هذا المرض الذي استغله وكلاء وعملاء الولايات المتحدة في أفغانستان وسربوا حفيظ الله أمين عميل أمريكا كبديل لتركي إلى أجهزة تركي، وأضفوا عليه مختلف أنواع الألقاب مثل ” القائد الداهية” و ” بطل كل المحرومين في العالم”، وأصبح مصدر ثقة تركي. وقام حفيظ الله أمين بزيارة إلى أمريكا وتلقى الأوامر الضرورية من أسياده، وبعد عودته عينه تركي رئيساً للوزراء. وبعد ذلك اتخذ أمين سلسلة من التدابير لتصفية الجيش من القادة الموالين للاتحاد السوفييتي وعين بدلهم الضباط المتخرجين من المعاهد العسكرية الأمريكية. تابع الاتحاد السوفييتي هذه الخطوات بدقة، وحذر تركي من استمرار هذه الاجراءات بدون أن تترك لديه أي أثر. في تلك الفترة، كان تركي يستعد للمشاركة في مؤتمر عدم الانحياز مستخدماً طريقه وعودته عبر موسكو. وفي موسكو قدم القادة السوفييت الوثائق التي لا يمكن دحضها حول عمالة أمين لأمريكا، ووعدهم بإزاحة أمين بعد عودته إلى أفغانستان. ويبدو أن أمريكا قد اطلعت على مجريات الأمور، وبمجرد عودة تركي وقبل أن يتخذ أي إجراء؛ استبق حفيظ الله أمين الأحداث واعتقل تركي في غرفة نومه وأعلن عن إصابة تركي بالسكتة القلبية ويخضع للمعالجة الطبية. وبعد فترة تم خنقه من قبل ضابطين من أنصار أمين بواسطة وسادة وضعت على أنفه. وقد هرب أحد الضابطين إلى الخارج بعد سقوط حفيظ الله أمين، أما الضابط الآخر فقد تم اعتقاله واعترف خلال استجوابه.
وهكذا لم يكن أمام الاتحاد السوفييتي القبول بهذا الواقع وتسليم كل الأمور في أفغانستان بيد أمريكا، وقرر إرسال قواته إلى أفغانستان. واتخذ هذا القرار زعيم الاتحاد السوفييتي آنذاك ليونيد برجنيف، مع اعتراض أندروبوف رئيس ك.ج.ب. على هذا القرار.
من منطلق الاحترام لآية الله الخميني، كلّف الاتحاد السوفييتي سفيره في طهران في الليلة التي سبقت التدخل السوفييتي في أفغانستان بتوضيح هذه الخطوة السوفييتية للزعيم الإيراني. فقد توجه السفير السوفييتي إلى مدينة قم وانتظر حتى السحر كي ينهي الخميني صلاة السحر كي يوضح له الرسالة الشفهية التي وجهها إليه ليونيد برجنيف. وهكذا وفي صباح يوم 25 كانون الأول/ديسمبر 1979 دخلت وحدات من الجيش السوفييتي الأراضي الأفغانية ، وتم على الفور توقيف حفيظ الله أمين وعدد من معاونيه وقدموا إلى محاكمة علنية قضت بالحكم عليه بالإعدام.
ولكن هذه البداية الموفقة انتهت في نهاية الأمر بموجة من الآلام للجيش السوفييتي. فقد استغلت الولايات المتحدة هذه الخطوة مستفيدة من المشاعر الوطنية للشعب الأفغاني الذي كان يعادي بشدة كل تدخل لجيش أجنبي في أراضيه. ومن خلال جملة من العلاقات مع مختلف الأقوام الأفغانية، شرعت الولايات المتحدة بتقديم السلاح والذخائر والمساعدات المالية مما حولت الأراضي الأفغانية إلى مستنقع للجيش السوفييتي. وأعلنت المحافل الخبرية الرسمية وغير الرسمية في أمريكا أنه قد آن الأوان للانتقام من الاتحاد السوفييتي جراء الفشل الذي لحق بأمريكا في الحرب الفيتنامية. وحفلت الصحافة ووسائل الإعلام بموجة من الأكاذيب حول ما سمي بجرائم الجيش السوفييتي.
وبعد ست سنوات من الحرب وبعد أن تولى غورباتشوف مقاليد الأمور اتخذ القرار بسحب الجيش من أفغانستان. ولم يجر الإعلان عن تكاليف هذه الحرب وخسائرها. وبعد خروج الجيش السوفييتي من أفغانستان، استطاع الجيش الأفغاني للدولة الأفغانية التي يتزعمها الرئيس محمد نجيب الله أن يشيع الاستقرار في البلاد رغم المساعدات المالية السخية والمعدات العسكرية التي وفرتها العربية السعودية والباكستان إلى الميليشيات المسلحة. ولكن على أثر خيانة قادة الوحدات الشمالية للجيش الأفغاني بقيادة الجنرال دوستم، ومحاولات

محمد نجيب الله
(1947-1996)
الانقلاب الذي دبره رئيس أركان الجيش أديا إلى تشتت الجيش، مما سهل على الميليشيات المسلحة السيطرة على كابل مما دفع بنجيب الله اللجوء إلى مقر الأمم المتحدة في كابل. وهكذا استطاعت أمريكا الهيمنة على أفغانستان.ومنذ ذلك الحين اندلعت الحرب بين المجاميع القومية المختلفة في أفغانستان؛ أي بين الپشتون والطاجيك والدري (هزاره) والأوزبك في مختلف بقاع أفغانستان إلى أن قامت أمريكا والعربية السعودية والباكستان بتقديم الدعم لمجموعة قروسطائية “الطالبان” وبتقديم الدعم عبر الباكستان بالدبابات والطيران والصواريخ التي توالت على أفغانستان. وهكذا دشنت أفغانستان أسود مرحلة في تاريخ الشعب الأفغاني المظلوم، ولا يمكن التنبوء متى ستنتهي هذه المرحلة؟ (كتبت هذه المدونة قبل سقوط حكم الطالبان في عام 2001 بعد غزو الولايات المتحدة للبلاد إثر أحداث سبتمبر 2001. ع.ح.).

4- النمو الكمي والنوعي لنفوذ حزب توده ايران، واتحاده مع منظمة فدائيي الشعب.

توجيه الضربة

قبل بضعة أسابيع من توجيه الضربة، شنت الصحافة الرسمية حملة معادية
للحزب رافقها تشديد في الملاحقة والرقابة ليل نهار على أعضاء الحزب مما

الشهيد عباس حجري ومحمد علي عموئي
الصورتان مهداتان إلى عادل حبه في قاطع رقم أربعة في سجن قصر عام 1967

احسان طبري فرج الله ميزاني
1917-1989 1927-1987

قيادة الحزب إلى الشعور بالخطر من اقتراب توجيه الضربة ضده. وبالاقتران مع هذا الخطر المحدق، قرر المكتب السياسي توفير الإمكانيات لخروج عدد من قادة الحزب والكادر المركزي الذي سبق وأن قدم إلى إيران بعد الثورة. ومن أجل إدارة الحزب تقرر أن يبقى الرفيق عموئي في إيران لإدارة شؤون الحزب، كما تطوع الشهيد عباس حجري للبقاء أيضاً. وأصر الرفاق على ضرورة أن نغادر أنا وطبري إيران وبسرعة. وقد رفضت هذا القرار إذ عزّ عليّ أن اترك الرفاق ليتلقوا هذه الضربة.علمنا قبل تاريخ الضربة عن فرار كوزيچكين (ضابط المخابرات السوفييتية العامل في السفارة السوفييتية في طهران والذي تمرد على السلطة السوفييتية وتعاون مع المخابرات البريطانية والايرانية على حد سواء ثم لجأ إلى بريطانيا-ع.ح.). وقد أبلغ الرفاق السوفييت مهدي برتوي عدة مرات وطالبوا عاجلاً بمغادرة كيانوري وفروغيان إيران. فروغيان كان على معرفة بالطرق شمالي خراسان ورافق الشهيد ميزاني وابنته التي كانت تتلقى التعليم في الاتحاد السوفييتي وكانت قد زارت إيران دون أن تتمتع بتأشيرة دخول ثانية إلى الاتحاد السوفييتي. بالطبع رافق ميزاني ابنته فقط حتى الحدود ولهذا لم تناله الضربة الأولى. فبعد أن عاد إلى طهران أجرى اتصالاً هاتفياً مع زوجته واخبرته بحملة الاعتقالات واستطاع الوصول إلى مكان اختفائه.

احتمال الخيانة قبل توجيه الضربة

في البداية ينبغي التمييز بين الخيانة وبين الضعف تحت طائل التعذيب. فقد شوهدت في تاريخ الأحزاب العالمية الكبيرة كلتا الحالتين. ففي المحاكمات التي جرت في العقد الثالث من القرن الماضي في الاتحاد السوفييتي شاهدنا شخصيات بارزة مثل بوخارين وكامنييف وزينوفييف وعدد كبير من أبطال الحرب الأهلية والضباط الكبار في الجيش السوفييتي من أمثال المارشال بلوخر والمارشال توخاچفسكي وهم يعترفون بتجسسهم لصالح ألمانيا الهتلرية. إننا على علم بأن 3/4 مندوبي المؤتمر الثامن عشر للحزب في عام 1930 قد اتهموا بالخيانة وتمت محاكمتهم وإعدامهم. ونموذج على ذلك المارشال روكوسوفسكي وهو أحد أبطال الحرب الوطنية العظمى ضد المعتدين الهتلريين. فقد تم اعتقال هذا المارشال قبل سنوات من الحرب باتهام المشاركة في محاولة مفبركة من عدد من الضباط العقداء، وحكم عليه بالسجن المؤبد وبالأعمال الشاقة في سجون سيبريا. ولكن بعد هجوم الجيش الألماني، تطوع هو وآخرون كثيرون للمشاركة في الحرب. في البداية، تسلم قيادة فوج في الخطوط الأمامية من الجبهة، وأبدى نبوغاً قيادياً استثنائياً بحيث تقدم بسرعة في سلسلة المراتب ليصبح مارشالاً وقاد جبهات مؤثرة خلال الحرب. ويشير المارشال ژوكوف، أبرز قائد في الجيش السوفييتي في الحرب العالمية الثانية وفاتح برلين، في مذكراته إلى الدور الفعال جداً للمارشال روكوسوفسكي في خلال الحرب.

دور قائم پناه

غدا معلوماً لقيادة الحزب بعد الضربة الأولى إن أحد أعضاء اللجنة المركزية وهو “غلام حسين قائم ڀناه” قد تحول إلى جلاد ووضع نفسه في خدمة محققي الجمهورية الإسلامية. لقد كان قائم پناه أحد الأفراد الذين زكّاه أحمد علي رصدي مسؤول تنظيم الحزب في الاتحاد السوفييتي، وعاد إلى إيران وتطوع وشارك في نضال الحزب. وفي الدورة السابعة عشر لاجتماع اللجنة المركزية انتخب عضواً في اللجنة المركزية. وتشير وثائق التحقيق مع قادة الحزب إلى أن بداية خيانته اقترنت باعتقاله أو أنه كان على صلة قبل اعتقاله ، وكان يقدم المعلومات لوزارة المخابرات في الجمهورية الاسلامية وكان له دور في تحديد توجيه الضربة.
وبعد انتقال سجناء توده إلى سجن إيفين، حُشر في الغرف التي تضم كافة السجناء وذلك كي يتنصت على الأحاديث التي يتداولها السجناء حول الأفعال السلبية للجمهورية الاسلامية. وكان هذا الخائن محط ثقة فلاحيان ( علي فلاحيان وزير المخابرات السابق وعضو مجلس الخبراء-ع.ح.) الذي تولى تنفيذ مسلسل الإعدامات الجماعية في السجون الإيرانية عام 1988. وفي أحد الأيام وفي أثناء تنفيذ الإعدامات، جُلب غلام حسين قائم پناه بصحبة كل من الدكتور جودت ورصدي و گلاویژ، وعند التنفيذ تم إخفاءه ونفذ الحكم بالثلاثة الآخرين.
لقد علمت بخيانة قائم پناه منذ الايام الأولى لاعتقالنا. ففي أحد الأيام جلبوني إلى إحدى الغرف وأجلسوني على كرسي وبدأ التحقيق دون أن يعصبوا عيناي، وشرعوا التحقيق بخشونة وعنف. وعلى حين غرة دخل قائم پناه الغرفة وصفعني وقال: “أبن العاهرة اعترف بخيانتكم”. وعندها شرع بضرب مريم بالسوط (زوجة كيانوري) وابنتها أفسانه وأجبرت على رؤية هذا المشاهد المؤلمة ورأيت دناءة هذا الشخص. إن تفاصبل كل ذلك قد دونتها في الرسالة التي وجهتها من السجن إلى آية الله خامنئي، وسلمت نسخة منها إلى البرفسور گالیندپول ممثل الأمين العام للأمم المتحدة من أجل التحقيق في قضية حقوق الإنسان في إيران ضمن تقريره الذي قدمه إلى هيئة الأمم المتحدة.

البرامج التلفزيونية

نور الدين كيانوري أثناء التحقيق وعرض البرامج التلفزيونية

لقد أشرت في البداية إلى التفاوت بين الضعف أمام التعذيب وبين الخيانة. إنني لا أعرف أي من الأصدقاء ممن لم يبد ضعفاً أثناء التعذيب. إنني شخصياً قد ضعفت أثناء التعذيب. ففي حديث لي أكدت على موضوعة الانقلاب، كما إنني اشتركت في المائدة المستديرة المعروفة بالقيادية وأشرت إلى الموضوع نفسه.
لقد انصب تركيز الجلادين أثناء التعذيب على الانقلاب وموضوعة تشكيل هيئة أركان الانقلاب وهو محظ كذب. وحتى تاريخ الانقلاب كان متناقضاً، تارة في آذار وتارة أخرى في نيسان. وفي أطار هذا الكذب الصريح جرى فبركة تركيبة مجلس الانقلاب ومجلس العمليات، وجرى تسمية وزارة خيالية أيضاً. وبلغ الأمرحداً أنهم وزعوا الوزراء والمناصب حسب الموقع الحزبي ومكانة الأفراد في سلم المراتب الحزبية. فعلى سبيل المثال تم تعيين طبري وزيراً للثقافة وكيانوري رئيساً للجمهورية، وعموئي وحجري في مناصب عسكرية. وبعد هذه الرواية المفبركة، اتخذ التعذيب طوراً أشد من سابقه، ومن ضمنها التعليق من اليدين والضرب الشديد بالكابلات لأن مخابرات الحرس الثوري قد صدقوا أن القوات السوفييتية ستعبر الحدود من أجل تقديم المساعدة للانقلاب.
بالطبع انتابني في مواقع أخرى الضعف، وسأورد ذلك في المجال المناسب. أحد مظاهر الضعف قد انتابني نتيجة لعامل آخر. كان في السجن حوالي 3000 سجين، ووجد من أبرز مشاعر الود تجاهي وأخبرني أحدهم عن حال مريم وأفسانه الوخيم. فقد أخبرني أن قدم مريم بلغ مرحلة خطرة، وإن إحدى قدميها قد أصبحت سوداء نتيجة التعذيب، وإن استمرار ذلك سيؤدي إلى هلاكها الحتمي. ويستطيع القراء الأعزاء أن يتصوروا تأثير هذا الخبر عليّ. لقد هددني الجلادون في أول لقاء تلفزيوني بأنهم سوف يستخدمون السوط ضد مريم. وتعرضت مريم إلى نماذج أخرى من التعذيب الحقير وقد دونت ذلك في الرسالة التي وجهتها إلى السيد خامنئي.

مهدی پرتوي

إن عدد من الرفاق ومن ضمنهم الشهيد ميزاني كانوا على اعتقاد بأن مهدي پرتوي قد خان الحزب وتهاون مع الأمن الإيراني. وبعد موجة التعذيب التي
تعرضت لها، طلبوا مني أسم وعنوان مسؤول التنظيمات السرية للضباط. ولم أعترف بأسمه وعنوانه واقتصرت على ايراد أسمه المستعار “خسرو”. وفي أحد الأيام جلبوا صورة ل”پرتوي” وقالوا : هل هو ذا خسرو؟ وأجبت بنعم. واعتقد أن برتوي لم يتعاون من السلطة قبل اعتقاله. لماذا؟ الدليل هو أنه كان على على بلقائي مع السكرتير الأول للسفارة السوفييتية، فلو كان پرتوي يتعاون مع المخابرات لاستطاع أن يرتب الأمور بحيث يستطيع مأموري المخابرات الاطلاع على محل اللقاء وواحد من لقائين جرى قبل أسبوعين من الحملة مما سيؤدي إلى فضيحة للحزب وللسفارة السوفييتية.

مهدي پرتوي في الوسط، والشهيدين العقيد بيژن كبيري من اليمين والعقيد هوشنگ عطاريان من اليسار**

لقد نصب ضباط المخابرات في الضربة الأولى فخين. الفخ الأول هو أنه قبل الضربة الثانية اعتقل الفقيد رحمن هاتفي مرتين، الأولى في مطعم كان يتناول طعامه فيه والثانية في الشارع، وقادوه إلى مكان وسألوه عدداً من الأسئلة ثم أطلقوا سراحه بذريعة أن هناك خطأ. أما الفخ الثاني فكان مع الفقيد هدايت حاتمي. فقد تم اعتقاله في بيته وجلبوه إلى المعتقل الذي ضم 3000 سجين ثم أعلنوا أن هناك خطأ وأطلقوا سراحه.وقبل أسبوعين من الضربة الثانية، جلب المحقق صورة فوتوغرافية لسيارة، جلس فيها رحمن هاتفي في الجانب الأيمن خلف مقود السيارة وكانت الباب مفتوحة وكانت رجلا هاتفي ممدودة في الخارج وكأنه يود ركوب السيارة. وقتها قال لي المحقق: ” أنهم جميعاً سيلتحقون بك قريباً”. ومن المثير للعجب كيف أن الفقيد هاتفي لم ينتبه إلى أن هناك آخرون يتابعونه وعليه أن لا يتصل بأحد.
إن الخطأ الآخر الذي ارتكبه أصدقاؤنا هو أنهم لم يفكروا بأن البيوت التي كنّا نعقد فيها الاجتماعات ومن ضمنها بيت الشهيدة فاطمة مدرسي كانت تحت المراقبة، هذا البيت الذي عقد فيه مهدي برتوي عدة اجتماعات وكان لنا بحث حول التنظيم العسكري السري، ومن المحتمل إننا كنا ملاحقين بشكل دائم وإنهم عرفوا مكان البيت. وفي وقت لاحق وفي أثناء وجودنا في السجن طرق سمعي أن أثنين أو ثلاثة رفاق اتخذوا من هذا البيت مخبأ لهم. وهذا يتناقض مع ألف باء العمل السري في ظروف حكم فاشستي حيث يجب أن لا يطمئن أي شخص إلى أي من البيوت التي يرتادها. فتجربة اعتقال النقيب عباسي وكشف محل عمل ووثائق تنظيم الضباط (في عام 1953 بعد الانقلاب ضد مصدق –ع.ح.) مازالت حية في ذاكرة جميع الأصدقاء دون أن يتعضوا بها.
إنني أشير إلى هذه القضايا في هذه المدونة كي يتعظ بها الشباب من أعضاء حزب توده في المستقبل عندما يعملون في ظروف غير مساعدة من العمل العلني ويضطرون إلى اللجوء إلى العمل السري ويتذكروا هذه الدروس الأليمة.

رواية الانقلاب

إنني لا أستطيع أن أجزم من الذي فقس هذه البيضة الهشة. ولكنني على علم بعدد من القضايا التالية:
لنرى لماذا كانت وزارة الأمن تصر على تهمة الانقلاب تجاه الحزب، فالسبب هو أن جميع الاتهامات الأخرى كانت على قدر من التفاهة والمثيرة للسخرية بحيث لا يمكن لأي فرد أن يصدقها. إن الوثيقة التالية تؤكد على أن المسؤولين في قيادة الجمهورية الاسلامية الذين هضموا خدعة الكذبة الأولى، إلاّ أنهم سرعان ما تيقنوا من عدم صحتها. هذه الوثيقة هي الحديث الذي أجراه المهندس مير حسين موسوي مع مجلة “حوزه” تحت عنوان “الإمام والإدارة الإسلامية” الذي نشرته جريدة كيهان في الرابع من تموز عام 1990 بعد لقاء موسوي بالإمام وجاء فيه:
“في الوهلة الأولى، قدمت توضيحات كثيرة، وما لبث أن انتبهت بإنني لا أحتاج إلى تقديم الإيضاحات. ولذا عرضت هذه القضايا بشكل مختصر وتلغرافي في خدمة الإمام. كنت أشعر بأن الإمام قد تفهم الإشارات السريعة التي قدمتها، وتبين أنه تلقى القضايا بشكل دقيق وعميق. فعلى سبيل المثال وبالارتباط مع قضية حزب توده، اتصلوا بنا تلفونياً وأشاروا إلى أن حزب توده ينوي القيام بانقلاب واسع ومن المكن أن يجري تنفيذه خلال 48 أو 24 ساعة اتصلنا تلفونياً بالأخ هاشمي رفسنجاني وعرض القضية على بقية المسؤولين الكبار في الدولة. ويبدو أن آية الله خامنئي وآية الله أردبيلي لم يكونا موجودين. ولذا توجهت مباشرة إلى مقر الإمام. وقدم الأخوان في المخابرات معلوماتهم. استمع الإمام بدقة على ما طرح، ثم قدم تحليلاً حول مواقف الشرق والغرب وقال: ” هذه المعلومات غير صحيحة كلياً وسوف لا يحدث أي شيء”.وتم الإصرار من بعض الحاضرين على الإمام حول صحة المعلومات، وإنهم اعترفوا بذلك. عندها تناول الإمام الحديث وقال:” إنني لا أقول بأن لا تراقبوا الأمور ولا تحققوا، ولكن اعلموا أن هذه المعلومات كاذبة”. وبعد ذلك تبين أن تحليل الإمام كان صحيحاً ووجهة نظره مؤكدة. إن عمى القلب والتحامل هو من يدّعي بأن المعلوامت التي حصل عليها جاءت من مصادر خاصة. ( من الطريف أن رفسنجاني في مذكراته التي نشرها قبل وفاته أشار بصراحة:”نحن نراقب حزب توده ، أما فيما يتعلق بإقدامه على اتقلاب عسكري فلا يوجد لدينا أي دليل حول ذلك”، كما أن من الغباء التصديق بأن حزب توده قادر على نجاح الانقلاب بواسطة عدد قليل من الضباط لا يتجاوز عددهم أصابع اليد وضد سلطة الخميني التي كانت تلقى الدعم الكاسح آنذاك من قبل الشارع الإيراني-ع.ح.).
من أجل الحصول على الاعترافات الكاذبة حول الانقلاب، تعرضنا إلى أقسى وأشد أنواع التعذيب. فالشهيد عباس حجري كان سليم البنية والصحة، وترك التعذيب أسوأ الآثار، فقد شلت يده اليمنى كلياً بحيث إضطر إلى استخدام يده اليسرى عند تناول الطعام وراح يتعلم استخدام اليد اليسرى من أجل الكتابة. هذه هي رواية الانقلاب، وقد أشرت إلى دليل مهزلة هذه الرواية في الرسالة التي وجهتها إلى السيد خامنئي.
رفاقي وأصدقائي الأعزاء. إن أخر رواية أنقلها لكم هي شرح ما جرى من “استعدادات” لما يسمى بالطاولة المستديرة التي قام الجلادون بالتحضير لها. فكما رويت لكم آنفاً، فقبل بضعة أيام من تشكيل ” المائدة المستديرة المزعومة” التي كان يديرها المسمى “موسى”، استدعاني والرفيق عموئي وقال:”لدينا مقترح بتشكيل مائدة مستديرة من أعضاء في اللجنة المركزية وتتحدثوا عن عمل اللجنة المركزية”. وطلب منا بأن نفكر في ذلك وأبداء وجهة نظرنا لاحقاً. وأخبرته بأنني سوف أفكر في الأمر ونتهيأ لذلك. وفي لقاء لاحق مع موسى اخبرته بأنني غير موافق على تشكيل مثل هذه الطاولة المستديرة، وأنه من الأفضل أن يلتقي أعضاء السكرتارية ليبحثوا في هذا المقترح. ولم يلتقي بي بعد ذلك. وبعد عدة أيام أبلغت بارتداء ملابسي الرسمية لأجراء حديث مع المحقق. قادوني إلى صالون كبير ولم يكن في سجن 3000 ، وكان الصالون على شكل مدرج. وهنا شاهدت العديد من الرفاق أعضاء اللجنة المركزية، ولكن لم يسمحوا لنا بالحديث بل وحتى السلام عليهم. وأجلسوني في زاوية من زوايا الصالون وكنت تحت مراقبة جلاد بأسم “رحيم” وكان جلاداً بحق، وآخر أسمه مجتبى . وبعد وقت قصير صدرت الأوامر بالجلوس حول منضدة طويلة وأجلسوني في وسطها، وحذرونا من الحديث مع الآخرين بأية كلمة. وشرعت الكامرات بالتقاط الصور والأفلام التي كانت موضوعة على بعد عدة أقدام من أماكن جلوسنا. ولم يقتصر مشاهدة هذا المشهد على الرفاق والأصدقاء، بل تابعها كل مشاهدي التلفزيون. وأود أن أشير إلى ثلاث نقاط لم يشاهدها الجمهور.
1-صدرت الأوامر إلى عموئي، باعتباره المتحدث الأول أن يبدي ملاحظاته على حديث “قائم پناه”، هذا الخائن الذي لم يتوان عن توجيه مختلف التهم الحقيرة التي طالبوه بها تجاه كل تاريخ الحزب.
2-قطع التصوير ثلاث مرات، وطلبوا مني ( عبر تهديدات الجلاد رحيم بتعريضي للتعذيب من جديد) عند الجواب على الأسئلة التي كانت أشبه بالتحقيق وبوجوه عبوسة، قررت أن لا أقدم أية إجابة عليها.
3-وكما أشرت في رسالتي الموجهة إلى السيد خامنئي، فبعد 18 ليلة قضيتها تحت التعذيب، أصاب الشلل يدي اليسرى وبقيت على حالها حتى الآن. وفي خلال أحد الأحاديث أردت أن أضع مكبرة الصوت أمامي والموجودة على المنضدة بعد كل نوبة من الحديث، لم أستطع أن أدبر الأمر بواسطة يدي اليسرى مما أدى إلى سقوط المكبرة على الأرض وانكسرت مما دعى إلى تبديلها. وقد شاهد هذا المشهد الكثير من المشاهدين.
ومن صميم القلب أتمنى السعادة والازدهار لأخواني وأخواتي العزيزات
31 /أيار /1999
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*قبل يومين من بدأ الحملة كنت في دمشق، وتوجهنا أنا والرفيق عبد الرزاق الصافي إلى مطار دمشف لاستقبال الرفيق عزيز محمد القادم على طائرة خاصة تابعة لرئاسة جمهورية اليمن الديمقراطية، بعد أن تدخلت اليمن الديمقراطية للسماح له بمغادرة طهران إثر المعوقات التي وضعها المسؤولون الإيرانيون أمام مغادرته إذ كان في ضيافة حزب توده إيران بعد مغادرته مواقع الأنصار في كردستان، سألناه عن صحة خبر الحملة التي شنت ضد حزب توده من قبل السلطات الإيرانية. ونفى الرفيق العائد للتو من إيران هذا الخبر الذي أعلنت عنه هيئة الإذاعة البريطانية قبل يومين من بدء الحملة.
**بیژن کبیري، عقيد في الجيش الإيراني وقتئد وقاد تحرير جنوب إيران من غزو صدام حسين وفك الحصار عن عبادان في الحرب العراقية الإيرانية. عضو حزب توده ايران، وساهم في الثورة الإيرانية عندما قام بتسليم الحرس الأمبراطوري إلى الثوار. كما شارك في تأسيس استخبارات الجيش بعد الثورة الإيرانية. وقد جرى الحكم عليه بالإعدام في 1984، ونفذ الحكم به في عام 1984.
أما العقيد هوشنگ عطاريان فقد تلم قيادة القوات البرية أثناء الحرب العراقية الإيرانية وقائد القوات الغربية واستعاد الأراضي التي احتلتها قوات صدام في غرب إيران, اعتقل وأعدم في عام 1984 بتهمة العضوية في حزب توده إيران.
[

About عادل حبه

عادل محمد حسن عبد الهادي حبه ولد في بغداد في محلة صبابيغ الآل في جانب الرصافة في 12 أيلول عام 1938 ميلادي. في عام 1944 تلقى دراسته الإبتدائية، الصف الأول والثاني، في المدرسة الهاشمية التابعة للمدرسة الجعفرية، والواقعة قرب جامع المصلوب في محلة الصدرية في وسط بغداد. إنتقل الى المدرسة الجعفرية الإبتدائية - الصف الثالث، الواقعة في محلة صبابيغ الآل، وأكمل دراسته في هذه المدرسة حتى حصوله على بكالوريا الصف السادس الإبتدائي إنتقل إلى الدراسة المتوسطة، وأكملها في مدرسة الرصافة المتوسطة في محلة السنك في بغداد نشط ضمن فتيان محلته في منظمة أنصار السلام العراقية السرية، كما ساهم بنشاط في أتحاد الطلبة العراقي العام الذي كان ينشط بصورة سرية في ذلك العهد. أكمل الدراسة المتوسطة وإنتقل إلى الدراسة الثانوية في مدرسة الأعدادية المركزية، التي سرعان ما غادرها ليكمل دراسته الثانوية في الثانوية الشرقية في الكرادة الشرقية جنوب بغداد. في نهاية عام 1955 ترشح إلى عضوية الحزب الشيوعي العراقي وهو لم يبلغ بعد الثامنة عشر من عمره، وهو العمر الذي يحدده النظام الداخلي للحزب كشرط للعضوية فيه إعتقل في موقف السراي في بغداد أثناء مشاركته في الإضراب العام والمظاهرة التي نظمها الحزب الشيوعي العراقي للتضامن مع الشعب الجزائري وقادة جبهة التحرير الجزائرية، الذين أعتقلوا في الأجواء التونسية من قبل السلطات الفرنسية الإستعمارية في صيف عام 1956. دخل كلية الآداب والعلوم الكائنة في الأعظمية آنذاك، وشرع في تلقي دراسته في فرع الجيولوجيا في دورته الثالثة . أصبح مسؤولاً عن التنظيم السري لإتحاد الطلبة العراقي العام في كلية الآداب والعلوم ، إضافة إلى مسؤوليته عن منظمة الحزب الشيوعي العراقي الطلابية في الكلية ذاتها في أواخر عام 1956. كما تدرج في مهمته الحزبية ليصبح لاحقاً مسؤولاً عن تنظيمات الحزب الشيوعي في كليات بغداد آنذاك. شارك بنشاط في المظاهرات العاصفة التي إندلعت في سائر أنحاء العراق للتضامن مع الشعب المصري ضد العدوان الثلاثي الإسرائيلي- الفرنسي البريطاني بعد تأميم قناة السويس في عام 1956. بعد انتصار ثورة تموز عام 1958، ساهم بنشاط في إتحاد الطلبة العراقي العام الذي تحول إلى العمل العلني، وإنتخب رئيساً للإتحاد في كلية العلوم- جامعة بغداد، وعضواً في أول مؤتمر لإتحاد الطلبة العراقي العام في العهد الجمهوري، والذي تحول أسمه إلى إتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية. وفي نفس الوقت أصبح مسؤول التنظيم الطلابي للحزب الشيوعي العراقي في بغداد والذي شمل التنظيمات الطلابية في ثانويات بغداد وتنظيمات جامعة بغداد، التي أعلن عن تأسيسها بعد إنتصار الثورة مباشرة. أنهى دراسته الجامعية وحصل على شهادة البكالاريوس في الجيولوجيا في العام الدراسي 1959-1960. وعمل بعد التخرج مباشرة في دائرة التنقيب الجيولوجي التي كانت تابعة لوزارة الإقتصاد . حصل على بعثة دراسية لإكمال الدكتوراه في الجيولوجيا على نفقة وزارة التربية والتعليم العراقية في خريف عام 1960. تخلى عن البعثة نظراً لقرار الحزب بإيفاده إلى موسكو-الإتحاد السوفييتي للدراسة الإقتصادية والسياسية في أكاديمية العلوم الإجتماعية-المدرسة الحزبية العليا. وحصل على دبلوم الدولة العالي بدرجة تفوق بعد ثلاث سنوات من الدراسة هناك. بعد نكبة 8 شباط عام 1963، قرر الحزب إرساله إلى طهران – إيران لإدارة المحطة السرية التي أنشأها الحزب هناك لإدارة شؤون العراقيين الهاربين من جحيم إنقلاب شباط المشؤوم، والسعي لإحياء منظمات الحزب في داخل العراق بعد الضربات التي تلقاها الحزب إثر الإنقلاب. إعتقل في حزيران عام 1964 من قبل أجهزة الأمن الإيرانية مع خمسة من رفاقه بعد أن تعقبت أجهزة الأمن عبور المراسلين بخفية عبر الحدود العراقية الإيرانية. وتعرض الجميع إلى التعذيب في أقبية أجهزة الأمن الإيرانية. وأحيل الجميع إلى المحكمة العسكرية في طهران. وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، إضافة إلى أحكام أخرى طالت رفاقه وتراوحت بين خمس سنوات وإلى سنتين، بتهمة العضوية في منظمة تروج للأفكار الإشتراكية. أنهى محكوميته في أيار عام 1971، وتم تحويله إلى السلطات العراقية عن طريق معبر المنذرية- خانقين في العراق. وإنتقل من سجن خانقين إلى سجن بعقوبة ثم موقف الأمن العامة في بغداد مقابل القصر الأبيض. وصادف تلك الفترة هجمة شرسة على الحزب الشيوعي، مما حدى بالحزب إلى الإبتعاد عن التدخل لإطلاق سراحه. وعمل الأهل على التوسط لدى المغدور محمد محجوب عضو القيادة القطرية لحزب البعث آنذاك، والذي صفي في عام 1979 من قبل صدام حسين، وتم خروجه من المعتقل. عادت صلته بالحزب وبشكل سري بعد خروجه من المعتقل. وعمل بعدئذ كجيولوجي في مديرية المياه الجوفية ولمدة سنتين. وشارك في بحوث حول الموازنة المائية في حوض بدره وجصان، إضافة إلى عمله في البحث عن مكامن المياه الجوفية والإشراف على حفر الآبار في مناطق متعددة من العراق . عمل مع رفاق آخرين من قيادة الحزب وفي سرية تامة على إعادة الحياة لمنظمة بغداد بعد الضربات الشديدة التي تلقتها المنظمة في عام 1971. وتراوحت مسؤولياته بين منظمات مدينة الثورة والطلبة وريف بغداد. أختير في نفس العام كمرشح لعضوية اللجنة المركزية للحزب إستقال من عمله في دائرة المياه الجوفية في خريف عام 1973، بعد أن كلفه الحزب بتمثيله في مجلة قضايا السلم والإشتراكية، المجلة الناطقة بإسم الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية، في العاصمة الجيكوسلوفاكية براغ. وأصبح بعد فترة قليلة وفي المؤتمر الدوري للأحزاب الممثلة في المجلة عضواً في هيئة تحريرها. وخلال أربعة سنوات من العمل في هذا المجال ساهم في نشر عدد من المقالات فيها، والمساهمة في عدد من الندوات العلمية في براغ وعواصم أخرى. عاد إلى بغداد في خريف عام 1977، ليصبح أحد إثنين من ممثلي الحزب في الجبهة التي كانت قائمة مع حزب البعث، إلى جانب المرحوم الدكتور رحيم عجينة. وأختير إلى جانب ذلك لينسب عضواً في سكرتارية اللجنة المركزية ويصبح عضواً في لجنة العلاقات الدولية للحزب. في ظل الهجوم الشرس الذي تعرض له الحزب، تم إعتقاله مرتين، الأول بسبب مشاركته في تحرير مسودة التقرير المثير للجنة المركزية في آذار عام 1978 وتحت ذريعة اللقاء بأحد قادة الحزب الديمقراطي الأفغاني وأحد وزرائها( سلطان علي كشتمند) عند زيارته للعراق. أما الإعتقال الثاني فيتعلق بتهمة الصلة بالأحداث الإيرانية والثورة وبالمعارضين لحكم الشاه، هذه الثورة التي إندلعت ضد حكم الشاه بداية من عام 1978 والتي إنتهت بسقوط الشاه في شتاء عام 1979 والتي أثارت القلق لدي حكام العراق. إضطر إلى مغادرة البلاد في نهاية عام 1978 بقرار من الحزب تفادياً للحملة التي أشتدت ضد أعضاء الحزب وكوادره. وإستقر لفترة قصيرة في كل من دمشق واليمن الجنوبية، إلى أن إنتدبه الحزب لإدارة محطته في العاصمة الإيرانية طهران بعد إنتصار الثورة الشعبية الإيرانية في ربيع عام 1979. وخلال تلك الفترة تم تأمين الكثير من إحتياجات اللاجئين العراقيين في طهران أو في مدن إيرانية أخرى، إلى جانب تقديم العون لفصائل الإنصار الشيوعيين الذين شرعوا بالنشاط ضد الديكتاتورية على الأراضي العراقية وفي إقليم كردستان العراق. بعد قرابة السنة، وبعد تدهور الأوضاع الداخلية في إيران بسبب ممارسات المتطرفين الدينيين، تم إعتقاله لمدة سنة ونصف إلى أن تم إطلاق سراحه بفعل تدخل من قبل المرحوم حافظ الأسد والمرحوم ياسر عرفات، وتم تحويله إلى سوريا خلال الفترة من عام 1981 إلى 1991، تولى مسؤلية منظمة الحزب في سوريا واليمن وآخرها الإشراف على الإعلام المركزي للحزب وبضمنها جريدة طريق الشعب ومجلة الثقافة الجديدة. بعد الإنتفاضة الشعبية ضد الحكم الديكتاتوري في عام 1991، إنتقل إلى إقليم كردستان العراق. وفي بداية عام 1992، تسلل مع عدد من قادة الحزب وكوادره سراً إلى بغداد ضمن مسعى لإعادة الحياة إلى المنظمات الحزبية بعد الضربات المهلكة التي تلقتها خلال السنوات السابقة. وتسلم مسؤولية المنطقة الجنوبية حتى نهاية عام 1992، بعد أن تم إستدعائه وكوادر أخرى من قبل قيادة الحزب بعد أن أصبح الخطر يهدد وجود هذه الكوادر في بغداد والمناطق الأخرى. إضطر إلى مغادرة العراق في نهاية عام 1992، ولجأ إلى المملكة المتحدة بعد إصابته بمرض عضال. تفرغ في السنوات الأخيرة إلى العمل الصحفي. ونشر العديد من المقالات والدراسات في جريدة طريق الشعب العراقية والثقافة الجديدة العراقية والحياة اللبنانية والشرق الأوسط والبيان الإماراتية والنور السورية و"كار" الإيرانية ومجلة قضايا السلم والإشتراكية، وتناولت مختلف الشؤون العراقية والإيرانية وبلدان أوربا الشرقية. كتب عدد من المقالات بإسم حميد محمد لإعتبارات إحترازية أثناء فترات العمل السري. يجيد اللغات العربية والإنجليزية والروسية والفارسية. متزوج وله ولد (سلام) وبنت(ياسمين) وحفيدان(هدى وعلي).
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, مواضيع عامة. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.