سناء العاجي
بدأت الشركات في إعداد الهدايا للعاملات بها بمناسبة “عيد المرأة”.
وبدأت وسائل الإعلام في تنظيم البرامج واللقاءات والحوارات حول “عيد المرأة”.
وبدأت بعض الشركات المتخصصة في الدعاية وبيع الهدايا تعرض خدماتها ومقترحاتها لبيع هدايا “عيد المرأة”.
وبدأت عروض بعض المحلات التجارية بمناسبة “عيد المرأة”: اشتري حذاء واستفيدي من خصم على الحذاء الثاني بمناسبة “عيد المرأة”!
يوم الثامن من مارس، سيرتفع ثمن الورود. بل وستطالب عدد من النساء بهدايا “العيد”.
ونحن… في كل ثامن من مارس، سنحتاج أن نذكر أن الثامن من مارس ليس عيدا.
الثامن من مارس هو اليوم العالمي لحقوق النساء. وهو يوم عالمي سنته الأمم المتحدة للتذكير بأن النضال من أجل حقوق النساء لايزال طويلا. في اليوم الذي ستترسخ فيه هذه الحقوق، لن نكون في حاجة للاحتفاء بيوم عالمي لحقوق النساء.. وحينها، قد نسميه عيدا. حينها، سنحتفل وسنستقبل الهدايا.
فهل مثلا، في اليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري، سنهدي الورود لسود البشرة أو للآسيويين أو لعرب أوروبا والأميركيين اللاتينيين؟ هل في اليوم العالمي لمحاربة داء السل أو في اليوم العالمي لمحاربة داء السرطان، سنهدي الورود والهدايا لمرضى السرطان والسل، أم سيكون ذلك فرصة للتفكير في المرضى ومعاناتهم وللسعي من طرف العلماء والحكومات للتخفيف من هذه المعاناة ومحاربة هذه الأمراض؟ هل، في اليوم العالمي للامتناع عن التدخين، سنهدي الورود وعلب التبغ للمدخنين؟ في اليوم العالمي للاجئين، هل سنهدي اللاجئين ورودا وقطع شوكولاتة، أم أننا سنفكر في معاناتهم وفي سبل التخفيف منها؟
الجانب الكاريكاتوري في هذه الأمثلة، وغيرها كثير، يجب أن يفتح أعيننا على عبثية اعتبار الثامن من مارس “عيدا” نحتفل فيه بالنساء ونهديهن الورود والتخفيضات في المحلات التجارية.
مادامت النساء، في كل بقاع العالم، يعانين بأشكال مختلفة وبدرجات مختلفة من إشكاليات التحرش، والتمييز الوظيفي، والتمييز في الأجرة، والعنف الجنسي، والختان، وتزويج القاصرات، والاغتصاب الزوجي، والإقصاء المباشر أو الرمزي من الممارسة السياسية و/أو من الوصول إلى مناصب القرار، ومن جرائم الشرف ومن التمييز في تقسيم المسؤوليات المنزلية وغيرها من أشكال الظلم البنيوي المبني على النوع… ما دامت كل هذه الأشكال من الميز والظلم والعنف تمارس ضد النساء في مختلف بقاع العالم، فمن المؤلم ومن العبثي أن “نحتفل” بالثامن من مارس.
هذه “الاحتفالات” تنقلنا لجانب آخر من العبث “الاحتفائي” المتعلق بالثامن من مارس، ألا هو والاحتفاء الإعلامي أو الاحتفاء من طرف منظمي الندوات بشكل عام.
قد نتفهم أن يتفاجأ الإعلام وأن يتفاجأ منظمو الندوات والمؤتمرات بكارثة طبيعية أو حادثة سير أو بوباء مفاجئ، فينظموا اللقاءات والندوات والبرامج على حين غرة.
لكننا حين نكون أمام مواضيع ولقاءات وندوات حول مواعيد معروفة مسبقة، كالثامن من مارس، وهو اليوم العالمي لحقوق النساء، أو العاشر من أكتوبر، وهو في المغرب اليوم الوطني لحقوق النساء، أو الدخول المدرسي، أو رمضان، أو الانتخابات، أو غيرها من المواعيد القارة أو المعروفة مسبقا، فمن حقنا أن نتساءل: لماذا ينتظر المنظمون الأيام القليلة التي تسبق الموعد، ليبدؤوا في تنظيم لقاءاتهم وكأنهم فوجئوا بالموعد؟
يتصل بك معد البرنامج أو الندوة يوم الخامس من مارس ليدعوكم لتسجيل برنامج أو المشاركة في ندوة يوم السادس أو السابع من نفس الشهر، ويتفاجأ بكونك لا تستطيع المشاركة… وكأن المنظمين يتوقعون أن الفاعل الذي يتصلون به هو بالضرورة متفرغ وكان ينتظر أن يملأ وقت فراغه بالمشاركة في تلك الندوة أو ذلك البرنامج…
ألا يمكن، على الأقل أمام المواعيد المعروفة مسبقا، الحرص على الاستباق حتى ينظم كل طرف التزاماته الخاصة وحتى يكون له أيضا الوقت الكافي لإعداد مداخلة تحترم الموضوع والجمهور؟ وهذا، للأسف، خلل تشترك فيه الجمعيات والمؤسسات المحلية والصغيرة، وعدد من المؤسسات أو القنوات الدولية…
لعل الثامن من مارس تحول، تدريجيا، من موعد يذكرنا بنضال من سبقونا من أجل عدد من المكاسب التي حققتها الحركة النسوية إلى غاية اليوم… إلى مناسبة تجارية تسمح بالمتاجرة بكل القضايا، بما فيها حقوق النساء…