يوميات نصراوي: خرجـت مـن العتمة إلـى الضوء مباشـرة‎

نـبـيـــل عـــودة

ما صغرت يوما عنكم.

كنت دائما في الظل،

لكن الظل لم يتسرب إلى نفسي.

كنتم دائما في الضوء،

غير أنكم كنتم ظلا في الضوء.

من موقعي كنت أسمع أناشيدكم:

“تلوح بقايا خريف

في ربيع آت…

****

في الربيع الآتي

تلوح بقايا خريف”.

لم أفهم سر الابتسامة الكبيرة التي انتشرت على وجوهكم،

كبارا صغارا…
كان أن هاجرت من طرف العالم المرئي

واستقر بي المقام فوق مقبرة للغزاة…

بعد تأمّلٍ مُفرحٍ أنشدت:

” من أول الطريق

تلوح العذارى

وأنا في شرفتي أنتظر

أول الشتاء

وآخر الصيف”.

تسلطت علي الأضواء.

صار الظل خطرا على أمن الدولة.

احترت وأغرقني التفكير.

بعض شعرات رأسي فقدت لونها الأسود

واستعاضت عنه باللون الأبيض.

ووصلت لإستنتاج.

أرسلت أسراب الحمام محملة بأحرف تكون كلمة “سلام” في كل لغات الأرض المكتوبة.

بقيت في شرفتي المطلة على مقابر الغزاة،

تيمنا بازديادها..

أنتظر الجواب

أو صلاح دين جديد…

جاءني الجواب كما توجست:

رصاصة في الصدر.

وضعت أصبعي في مكان الرصاصة لأمنع تدفق الدم ..

طفت في الأرض جريحا وأنا أصيح:

“مهما تبعد الطريق

ويطول الزمن

ستبقى شرفتي مفتوحة

للرياح والقبل

ولكن…

يا أيها الناس

كونوا على حذر

فعندما أملُّ استمرار الصمت

سأقذف السلام معبئا

على شكل قنابل مولوتوف”.

فلم تسترع كلماتي اهتمام أحد،

وقلتم انني متوحش!!

****

لاحت أسراب الطيور وراء آخر نسمة باردة .

كنت في فصل الشتاء البارد قد تعلمت لغة الشيفرة الضرورية في كل الحالات .

عندما استيقظت في أول يوم مشمس بعد شتاء قارص،

أرسلت بالشيفرة الرسالة الأولى:

“تلمحني كل العذارى

عمود نار

قوس قزح”

وردني جواب عاجل:

“لوحة في يد رسام”

فعرفت اني أصبحت حاذقا في لغة الشيفرة، وإنني :

“قريبا قريبا

سأعبر البحر الأبيض والأطلنطي في عملية فجائية

لأحتل شواطئ أمريكا

بعدها فقط

سأتوج جنرالا رسميا”.

فازداد حصارهم وحقدهم على الظل فجابهتهم:

“سأبقى عمود نار

في شرفة مضاءة

يعكس ضوء الشمس

حتى في منتصف الليل”؟

فهل تصابون ببعض الوعي ، أم اهتف مع الهاتفين:

“عودي إلينا يا أيام صلاح الدين

فالصبر قد صار منا براء؟”

أما أنا فقد خرجت من العتمة إلى الضوء مباشرة!!

About نبيل عودة

نبذة عن سيرة الكاتب نبيل عودة نبيل عودة - ولدت في مدينة الناصرة (فلسطين 48) عام 1947. درست سنتين هندسة ميكانيكيات ، ثم انتقلت لدرسة الفلسفة والعلوم السياسية في معهد العلوم الاجتماعية في موسكو . أكتب وأنشر القصص منذ عام1962. عانيت من حرماني من الحصول على عمل وظيفي في التعليم مثلا، في فترة سيطرة الحكم العسكري الاسرائيلي على المجتمع العربي في اسرائيل. اضطررت للعمل في مهنة الحدادة ( الصناعات المعدنية الثقيلة) 35 سنة ، منها 30 سنة كمدير عمل ومديرا للإنتاج...وواصلت الكتابة الأدبية والفكرية، ثم النقد الأدبي والمقالة السياسية. تركت عملي اثر إصابة عمل مطلع العام 2000 ..حيث عملت نائبا لرئيس تحرير صحيفة " الاهالي "مع الشاعر، المفكر والاعلامي البارز سالم جبران (من شعراء المقاومة). وكانت تجربة صحفية مثيرة وثرية بكل المقاييس ، بالنسبة لي كانت جامعتي الاعلامية الهامة التي اثرتني فكريا وثقافيا واعلاميا واثرت لغتي الصحفية وقدراتي التعبيرية واللغوية . شاركت سالم جبران باصدار وتحرير مجلة "المستقبل" الثقافية الفكرية، منذ تشرين اول 2010 استلمت رئاسة تحرير جريدة " المساء" اليومية، أحرر الآن صحيفة يومية "عرب بوست". منشوراتي : 1- نهاية الزمن العاقر (قصص عن انتفاضة الحجارة) 1988 2-يوميات الفلسطيني الذي لم يعد تائها ( بانوراما قصصية فلسطينية ) 1990 3-حازم يعود هذا المساء - حكاية سيزيف الفلسطيني (رواية) 1994 4 – المستحيل ( رواية ) 1995 5- الملح الفاسد ( مسرحية )2001 6 – بين نقد الفكر وفكر النقد ( نقد ادبي وفكري ) 2001 7 – امرأة بالطرف الآخر ( رواية ) 2001 8- الانطلاقة ( نقد ادبي ومراجعات ثقافية )2002 9 – الشيطان الذي في نفسي ( يشمل ثلاث مجموعات قصصية ) 2002 10- نبيل عودة يروي قصص الديوك (دار انهار) كتاب الكتروني في الانترنت 11- انتفاضة – مجموعة قصص – (اتحاد كتاب الانترنت المغاربية) كتاب الكتروني في الانترنت ومئات كثيرة من الأعمال القصصية والمقالات والنقد التي لم تجمع بكتب بعد ، لأسباب تتعلق اساسا بغياب دار للنشر، تأخذ على عاتقها الطباعة والتوزيع.
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.