#يمينة_بريك #الجهل_المقدس
الوهم المقدّس
بقلم يمينة بربك Yamina Brik
أحد اسباب تخلفنا وتبعيتنا وتوقف نمونا الحضاري هو إيماننا بالخرافات والأساطير التي تفسد العقل وتجمده وتمنعه من التفكير في التغيير والتجديد والتطوير،والإتكال عليها للخروج من الأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، وكل ذلك بسبب التلقين الإستحماري الذي تمارسه المؤسسات الدينية على الشعوب، والمؤسف والمخزي هو أن هذا التلقين لم يؤثر فقط على العقول الساذجة بل أثر ايضا على نخبة المجتمع، فتجد متعلما مثقفا حاملا لشهادات عليا يقدس الخرافة ويغضب ويتعصب لها ويرفض إنتقادها أو تكذيبها والتشكيك في صحتها بأي شكل من الأشكال.
من بين الاساطير والخرافات المقدسة في العالم الإسلامي نجد اسطورة المخلص .
فرغم ان هذه الاسطورة ظهرت في العصور الغابرة منذ الديانة الزرادشتية ثم انتقلت إلى اليهودية والمسيحية ومن ثما إلى الاسلام وهو ما إن دل إنما يدل على أنها مجرد خرافة تتناقلها السلطات الدينية والسياسية عبر العصور وتستغلها كوسيلة لتخذير وتنويم الشعوب من أجل استمرار إمبراطورياتها، إلا أننا نجدها ترسخت في عقول الناس وأصبحت من المسلمات والمقدسات التي يعتبر أصحابها التشكيك فيها كفرا.
لقد تم ترسيخ هذه الخرافة في عقول الناس وذلك بتأويل بعض آيات القرآن في إطار ومسار يخدم هذه الخر افة ويعززها، وعن طريق تضخيمها بما يجعل الناس تصدقها بسرعة ودون تفكير، وبما يجعل الصورة المثارة في خيالهم عن هذه الخرافة بمثابة الحقيقة التي لا تقبل نقاشا أو تشكيكا.
حسب المؤمنين بهذه الأسطورة فإن ظهور المخلص الذي سينشر العدل والخير والحق لن يكون إلا إذا بلغ الفساد والشر أوجه ،لذلك تجدهم يباركون الفساد وتصاعده لأنه دليل على اقتراب الفرج وهذا بدلا من أن يفكروا في محاربة الفساد وتغيير واقعهم البائس بأيديهم.
إن هذا الإعتقاد المبني على مبدا الغاية تبرر الوسيلة يبرر الفساد و يقف عائقا أمام كل إصلاح وتغيير لأن اصحاب هذا الاعتقاد يتفاءلون ويستبشرون خيرا بمظاهر الفساد ويعتبرونها دليلا أو وسيلة لتعجيل حدوث تلك الخرافة.
والسؤال هنا هو:ما الذي يدفع الناس إلى هذا التمسك الشديد بالخرافات وتصديقها وتقديسها؟؟ و بماذا يفسر رفضهم القاطع للتشكيك فيها؟؟هل هو يقين وجزم بصحتها بناء على ححج وبراهين منطقيةووقائع تاريخية حقيقية؟؟أم أنه مجرد خوف من سقوط وضياع ذلك الوهم الذي يعطيهم قليلا من الأمل والسعادة المزيفةبغد أفضل؟؟
لقد أدى العجز عن دفع الظلم والقهر بالشعوب إلى التحليق في عالم الأحلام الخرافية والأساطير التي تخدر عقولها وتجعلها تعيش نوع من السعادة و الأمل والتفاؤل بغد أفضل وترى خلاصها في الغيبيات وفرضياتها.
إن ذلك الامل والتفاؤل المزيف هو كارثة كبرى لأنه عائق أمام قراءة الواقع والتفكير والعمل على إيجاد حل للمشكلات والأزمات.
ففي ظل الأزمات لا نجدهم يسارعون إلى الإصلاح والتغيير بل نشهد تصاعد و تنامي للنزعة الخرافية،حيث يعود هؤلاء إلي البحث في أحاديث آخر الزمان والكتب التي تحوي روايات وقصص عن أحداث مشابهة لأحداث الواقع والتي تدل حسب الرواية على علامات ظهور المخلص وهذا التصرف إن دل فهو يدل على هروب هؤلاء السذج من المسؤولية ومن المصير وبهذا فهم يصنعون إنحطاطهم بأيديهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
إن الأمة التي تبحث في كتب الخرافات والأساطير عن حلول لأزماتها،وتقرأ واقعها ومستقبلها في كتب وروايات أكل الدهر عليها وشرب هي أمة تهرب من مصائرها ومسؤولياتها ،أمة لن تصنع تغييرا ولا إصلاحا ولا حضارةولا تاريخا، لأن وقود التغيير والإصلاح هو وجود عقول تكسر أغلال الجهل والخرافة، لكن للأسف عقول هذه الأمة هي عقول ختم الله عليها، عقول قررت وأصرت على تخلفها وانحطاطها،عقول تأبى أن تتحرك مع تحرك الزمن وتغير المعطيات والواقع وتصر على الإنتظار في محطة العصر البدائي.
فبماذا يختلف إنسان القرن الواحد والعشرين عن إنسان الكهف وهو بهذه العقلية وهذا التفكير، يستنجد بالأوهام والخرافات،ولا يريد تقبل حقيقة أنها مجرد أوهام وخرافات.
إن المفهوم الذي يؤمن به المنطق الحديث والواقع الحديث هو مفهوم العمل و الحركة والتجديد والإبداع والتشكيك و التفكير والبحث ،أما المفهوم الذي يؤمن به هؤلاء ويفضلونه هو المفهوم المريح حتى لوكان غبيا، مفهوم اليقين والجزم بالخرافة لأن التشكيك بالنسبة لهم غير مريح،قد ينسف تلك الحقيقة الوهمية.مفهوم وموقف هؤلاء محصور في دائرة خرافة إنتظار المخلص ، يفسرون التاريخ والواقع والمستقبل على ضوئها.
إن المتأمل بعين العقل والمنطق لا بعين العاطفة والتعصب،حتما سيرى الحقيقة، حقيقة أن رواية المخلص هي مجرد وهم تشكل لدى جيل معين ثم عن طريق العدوى إن صح التعبير عدوى الغباء، إنتقل عبر الأجيال والديانات ،وهم غزا عقول الناس وشل قدرة النقد لديهم، وتم تحويره بواسطة خيال الناس حسب أهوائهم وحسب ما يعطيهم من أمل حتى لو كان مزيفا.