العاشر من سبتمبر من كل سنة، يصادف اليوم العالمي لمنع الانتحار. موضوع نتفادى عادة التطرق له لأنه طابو ولأنه… حرام!
حين ينتحر شخص في محيطنا، أو حتى حين نسمع في وسائل الإعلام عن انتحار شخص غريب، نكتفي باعتبار الأمر ضعفا من طرف المنتحِر، وقتلَ نفس ومعصية. لكن، هل نسائل ذواتنا عن أسباب هذا الانتحار؟ ما الذي يدفع شخصا لوضع حد لحياته؟ هل هي أسباب ذاتية تتعلق بالشخص ووضعه النفسي وصعوباته الخاصة، أم أنها أسباب موضوعية مرتبطة بالمحيط والمجتمع (حسب منظمة الصحة العالمية، فإن البلدان المنخفضة ومتوسطة الدخل تسجل 78 في المئة من حالات الانتحار في العالم)؟ أم هما الاثنان؟
خلال الشهور الأخيرة، انتحرت على الأقل شخصيتان نسائيتان معروفتان: الناشطة المصرية سارة حجازي والكاتبة المغربية الهولندية نعيمة البزاز.
في الحالتين، تعرضت الضحيتان لهجوم قاس وشنيع على مواقع التواصل بسبب انتحارهما (تخيل أن نتهجم على شخص… لأنه وصل مستوى من اليأس جعله يضع حدا لحياته!).
لكن، هل تَسَاءَل البعضُ عن دوره في انتحار الضحيتين؟
لماذا نعتبر زيارة عيادة طبيب الأسنان وطبيب القلب أمرا طبيعيا، بينما ما زلنا، حتى ونحن متعلمون وبشهادات عليا، نعتبر المرض النفسي ترفا بالنسبة للبعض أو تابو بالنسبة للبعض الآخر؟
في هاتين الحالتين بالتحديد، ألم يكن لحملات الهجوم المجتمعي والتنمر والسب والإهانة، دورٌ في الوصول بالضحيتين لهذا القرار؟
لنتأمل بداية حكاية سارة حجازي. الناشطة المصرية الشابة كانت تعاني اكتئابا حادا تفاقم بسبب الهجوم العنيف الذي كانت تتعرض له قد حياتها، وبسبب ضغط المجتمع والأمن حين كانت تعيش في مصر.
هذا المزيج من الأسباب (المرض النفسي إضافة إلى الضغط) دفعها لوضع حد لحياتها.
الكاتبة المغربية الهولندية نعيمة البزاز كانت تعيش بدورها هجوما عنيفا من اليمين الهولندي ومن الإسلاميين المتشددين في هولندا. من كانوا يعرفون البزاز شخصيا، يقولون إنها كانت ذات شخصية قوية. فكيف لم تقاوم؟ كيف انتحرت؟
لعل هذا جزء من الإشكال الأساسي: أننا لا نأخذ بالجدية اللازمة آثار المرض النفسي والاكتئاب والهشاشة النفسية. نعتبر أن ذوي الشخصيات القوية لا يتعرضون للمرض النفسي. وكأننا نعتبر أن صاحب الشخصية القوية لا يمكن أن يصاب مثلا بالسرطان أو الفشل الكلوي. يبدو الأمر عبثيا وكاريكاتوريا، أليس كذلك؟ هو نفس الشي بالنسبة للمرض النفسي.
لماذا نعتبر زيارة عيادة طبيب الأسنان وطبيب القلب أمرا طبيعيا، بينما ما زلنا، حتى ونحن متعلمون وبشهادات عليا، نعتبر المرض النفسي ترفا بالنسبة للبعض أو تابو بالنسبة للبعض الآخر؟
الضغط البسيط الذي تمارسه، التغريدة المتنمرة الساخرة / الموجعة، الشتيمة العابرة بالنسبة لك… كل هذه الأشياء قد تكون النقطة التي تفيض الكأس بالنسبة للآخر وتدفعه لاتخاذ قرار النهاية
ثم، أليست وقاحة من طرف بعض مكونات التيار الإسلامي المتشدد، أن يمارس ضغطا رهيبا على الأشخاص المختلفين في طروحاتهم واختياراتهم (سواء تعلق الأمر بالمعتقد أو الميول الجنسية أو غير ذلك)؛ أن يدفع بهم نحو الاكتئاب وربما الانتحار، ثم أن يعتبر في النهاية أن اختلافهم (الإلحاد، المثلية، إلخ) سبب في انتحارهم؟ أليس السبب الحقيقي هو كمية الحقد والعنف الذي يتعرض له الضحايا، قبل إقدامهم على الانتحار؟
جميعنا لسنا متساويين أمام الأزمات النفسية. هناك من تعرضهم هشاشة ما أو ضغط ما، في فترة معينة، لحدود لا يصلها آخرون.
لذلك علينا أن نتحمل مسؤولياتنا فيما يتعلق بتعاملنا مع الآخرين. الضغط البسيط الذي تمارسه، التغريدة المتنمرة الساخرة / الموجعة، الشتيمة العابرة بالنسبة لك… كل هذه الأشياء قد تكون النقطة التي تفيض الكأس بالنسبة للآخر وتدفعه لاتخاذ قرار النهاية.
في نفس الوقت، ربما حان الوقت لكي ندرك أهمية العلاج النفسي. المرض النفسي ليس ترفا ولا هو جنون. كما نزور عيادات الأطباء العضويين، فقد نحتاج جميعنا، في مرحلة من مراحل حياتنا، للطبيب النفسي. متى ما استوعبنا ذلك، فسنتوقف عن وصم المرضى النفسيين، سنساعد من هم في محيطنا بحاجة لعلاج نفسي (ونحن أيضا، لم لا؟)… وقد ننقذ شخصا من الانتحار!