حالة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي خلقها فيديو مدته تقل عن ثلاثة دقائق؛ فيديو صورته ونشرته فتاة اسمها “مها أسامة” بغرض الإعلان عن رغبتها في إيجاد شريك للحياة. تعليقات مؤيدة وأخرى تهاجمها، وحالة نقاش واسع، تطورت إلى ظهور في الإعلام. حيث استضافها الإعلامي شريف عامر مع والدها ووالدتها لتوضيح الأمر.
أكثر ما لفت نظري عندما تابعت الحلقة هو تعامل شريف عامر مع ما فعلته مها وكأنه عمل ثوري يتحدى ثوابت المجتمع. وبالرغم من بعض جمل التأييد، إلا أن نبرة الاستنكار في كثير من كلامه كانت واضحة. هذا فضلا عن هجوم عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي على الفتاة، مما يضعنا أمام سؤال بسيط ولكنه مهم. هل يستحق الأمر كل هذا الجدل؟
فهل القضية أنها استخدمت فيسبوك للإعلان عن رغبتها في الزواج، أم المشكلة أنها امرأة في مجتمع يطالب المرأة أن تظل دائما في خانة المفعول به وليست الفاعل وخصوصا فيما يتعلق بالإقدام على الارتباط؟
دعونا نناقش الاحتمالين. فمواقع التواصل الاجتماعي من اسمها، تهدف إلى خلق مساحات أوسع للتواصل بين الناس. ففي الماضي كانت الخاطبة تلعب الدور الرئيسي في تعريف راغبي الزواج على بعضهم البعض، ولكن مع الزمن وزيادة خروج المرأة للعمل والحياة العامة، تقلص هذا الدور لصالح التواصل المباشر بين الشباب والبنات، ولصالح مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع التعارف
Dating sites
التي عظّمت من فرص إيجاد الشريك الأنسب، في عالم ازدادت فيه المعرفة والثقافة وبالتالي أصبحت احتياجاتنا في شركاء حياتنا، أكثر تعقيدا من الأجيال السابقة.
تربينا على مفاهيم مغلوطة مثل أن احتياجات المرأة الجنسية ليست قوية وربما أيضا ليست مهمة
أما الاحتمال الثاني، ففي رأيي هو الأكثر منطقية. فلا أتخيل أن كل هذه الضجة كانت ستحدث لو كتب شاب على حسابه على فيسبوك، أو نشر فيديو يقول فيه إنه يبحث عن شريكة لحياته. ولكن ما جعل فيديو مها ينتشر بهذا الشكل، هو أنها كسرت ولو بدون قصد، صورة البنت التي عليها فقط أن تنتظر الرجل المناسب ولا تأخذ زمام المبادرة.
فالأنماط التي نتعلمها عن المرأة منذ نعومة أظفارنا، هي أنماط جامدة. ومن أهمها أن تخجل الأنثى في كل ما يتعلق برغباتها العاطفية. فالمرأة التي تأخذ المبادرة في العلاقات العاطفية وتعبر صراحة أو حتى تلميحا عن مشاعرها أو احتياجاتها العاطفية، من وجهة نظر كثيرين، هي امرأة “عينها مكشوفة”. وهو ما يتعارض مع رغبة كثير من الرجال في الارتباط بـ “قطة مغمضة” باللغة المصرية الدارجة، أو بفتاة عديمة الخبرة تماما فيما يتعلق العلاقات العاطفية.
المجتمع يتعامل بازدواجية واضحة في هذا الشأن. ففي الوقت الذي يُعتبر فيه الرجل الذي مر بخبرات عاطفية مختلفة، رجلا متمرسا، أو “مقطّع السمكة وديلها”. تُعتبر فيه المرأة التي مرت بخبرات مماثلة “ماشية على حل شعرها”.
أما لو تحدثنا عن الاحتياجات الجنسية للمرأة وتعبيرها عنها، فالأمر أكثر تعقيدا وحساسية. فقد تربينا على مفاهيم مغلوطة مثل أن احتياجات المرأة الجنسية ليست قوية وربما أيضا ليست مهمة. فثقافتنا دائما ما تضع احتياجات الرجل الجنسية في المقدمة.
تعلمنا أن على الزوجة تلبية احتياجات زوجها الجنسية وحتى لو كانت في قمة انشغالها، أو حتى لو لم تكن في حالة مزاجية تسمح بذلك. أما هي فلو عبرت عن رغباتها الجنسية، وخصوصا في بداية الزواج، فربما يعتقد الزوج الجديد أن زوجته ليست “الفتاة المؤدبة” التي تزوجها. فالأدب في رأي كثيرين مرتبط بكبت وتجاهل المرأة لاحتياجاتها الجنسية.
ظواهر مثل زواج القاصرات وختان الإناث وتزويج بعض البنات ضد رغبتهن، تحت ضغط الأهل، لا ينتفض ضدها المجتمع
والحقيقة أن الفيديو البسيط الذي صورته مها، تحدى حتى ولو عن دون قصد صورة الفتاة التي تنتظر فارس الأحلام، وهي “ملكة مُتوجة” في بيت أبيها، ولهذا خلق هذه الحالة من الجدل. لأن مها ببساطة ظهرت فيه كشخص مبادر يعبر عن احتياجه الطبيعي للارتباط دون خجل أو مواربة، مما أربك تصورات كثير من المحافظين والتقليدين عن الصورة التي لا ينبغي أن تتجاوزها المرأة.
صورة يتم رسمها في أذهاننا منذ الطفولة عن كائن خجول وسلبي، لا يحق له المبادرة أو التعبير الجريء وإلا أصبح في عداد المنفلتين أخلاقيا. صورة يتم ترسيخها من خلال الإعلام والتربية، عن البنت التي يحمّر وجهها عندما يسألها والدها عن رأيها في عريس تقدّم إليها، فترد: “ماتكسنفيش بقى يا بابا”، وهنا ينعم عليها المجتمع بلقب الفتاة المؤدبة، والجوهرة المصونة والدرّة المكنونة. ألفاظ ومفاهيم نقولها كثيرا دون أن ندرك أنها تشكل قيودا عنيفة على كل بنت قررت أن تمارس ولو قدرا ضئيلا من حريتها في التعبير عن نفسها ومشاعرها.
فعلى الرغم من بساطة هذا الفيديو، إلا أن الهجوم الشديد من بعض الأطراف عليه وعلى صاحبته، يعكس مدى القمع الذي يمارسه المجتمع ضد المرأة، وخصوصا التي تمارس الحد الأدنى من حرية التعبير عن نفسها وعن مشاعرها.
فظواهر مثل زواج القاصرات وختان الإناث وتزويج بعض البنات ضد رغبتهن، تحت ضغط الأهل، لا ينتفض ضدها المجتمع، ولكنه ينتفض ضد فتاة بالغة كل ما فعلته أنها قالت علنا “أسعى لإيجاد شريك لحياتي” على فيسبوك!
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
المحامي #ادوار_حشوة : #المسيحية من روح #انطاكية الى غيرها !
Published by:ادوار حشوةكيف ترجم القرآن عن السريانية
Published by:صباح ابراهيممعنى الله ظهر بالجسد
Published by:صباح ابراهيمأَإِلَى رَمْسِهَا .. زُفَّتْ سَمِيرَامِيسْ؟
Published by:آمال عوّاد رضوانمحنة الشيعة في عصرنا:
Published by:عزيز الخزرجيالعرب المسلمون والأنعزال عن الركب الحضاري .. أضاءة
Published by:يوسف تيلجي((المسلمين لم يكذبوا عندما قالوا ان أسم محمد تم ذكرة بالاناجيل))
Published by:مازن البلداويفيلم "House of The Flying Daggers"
Published by:أسامة حبيب#العُهدة_العُمريّة.. بين الظلمِ والإستبداد!
Published by:مفكريا دار
Published by:عصمت شاهين دو سكينادي #مانشستر_يونايتد…. الى أين !
Published by:مازن البلداويادخال فكرة #المساكنة لبيوتنا عبر المسلسلات اجندات سياسية يمولها #النظام_السوري
Published by:أمل عرافة#الحضارة_الفينيقية في #الجزائر
Published by:مفكرأهريمان الشرّير في العقائد الإيرانية وقصة عيد النوروز
Published by:عضيد جواد الخميسيمباحث في اللغة والأدب/34 الحجاج رجل الدولة الحقيقي
Published by:مفكرعشرون عاما على الغزو.. والاحتلال.. والتواجد الأمريكي في #العراق
Published by:فواد الكنجيكان عصر #صدام اكثر امناً له ولجلاوزته ولمن لا يعنيه امر #العراق
Published by:مفكرذو النورين ينهبُ بيتَ المال!
Published by:مفكرمحمدالمسيح #التاريخالمبكر_للإسلام 154 إشكاليات الإرث في القرآن.
Published by:مفكرالحصاد
Published by:مفكر#العراق في آلنفق المسدود:
Published by:عزيز الخزرجيمن نصدق #سموترتش أم كتبهم الدينية؟
Published by:مفكرمحنتنا الفكريّة ممتدة
Published by:عزيز الخزرجيالصلح السياسي بين #إيران و #السعودية
Published by:اسعد عبد الله عبد عليقوانين الغباء البشري
Published by:ميسون البياتيألعراق قربة مثقوبة :
Published by:عزيز الخزرجيالعلاقات المغربية الفلسطينية ثابتة وعابرة للأحزاب
Published by:مفكرأضاءة .. هل الأسلام لا زال مسكونا بالماضي
Published by:يوسف تيلجيفيلم "Sardar Udham"
Published by:أسامة حبيبشتان بين عفو الصعاليك؛ وعفو الدول ذات المؤسسات
Published by:حسن محموديإضاءة على الاتفاق الأخير بين #المملكة_العربية_السعودية و #نظام_الملالي
Published by:حسن محموديخاطرة: بلائي في وطن مغتصب
Published by:علي الكاشأبحاث في اللغة والأدب/33 السبحة في التراث العربي
Published by:مفكرجبر الخواطر
Published by:عصمت شاهين دو سكيخطأ دولي يجب الامتناع عنه!
Published by:حسن محموديهل ستخدم مفاوضات #نظام_الملالي مع #العرب مسارات #الأمن_القومي_العربي؟
Published by:حسن محموديفوضى الشوارع ومحنة صعود الباص
Published by:اسعد عبد الله عبد عليمسز غيرترود بيل مؤسسة وطن #العراق
Published by:مفكرالذكاء الاصطناعي يكتب المقالات!
Published by:عزيز الخزرجياقتباسات القرآن من التوراة
Published by:صباح ابراهيممن هو المتكلم في الكتاب المبين ؟
Published by:صباح ابراهيمفيلم "The Chorus"
Published by:أسامة حبيبموعظة في كنيسة
Published by:سامي خيميأفكار شاردة من هنا وهناك/9
Published by:مفكرالمسلمون واهل الكتاب
Published by:صباح ابراهيممقترح لكسر معادلة الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية
Published by:مفكرنحو فقه أسلامي معاصر
Published by:يوسف تيلجيعبودية المرأة في #إيران وميادينها الخارجية في ذكرى #يوم_المرأة_العالمي
Published by:حسن محموديمسيحياً ، رئيساً لسوريا :
Published by:سليمان يوسف يوسفشرق عدن غرب الله للأديب #محمد_الماغوط
Published by:محمد الماغوطفطريني أنتِ
Published by:عصمت شاهين دو سكينضال المرأة لم يقهر في العالم رغم التميز الذي يمارس ضدها
Published by:فواد الكنجيثماني نساء خالدات في تاريخ بلاد الرافدين
Published by:عضيد جواد الخميسيالأمن القومي العربي في ظل وجود نظام الملالي
Published by:حسن محموديشذرات من نفح النبوة
Published by:صباح ابراهيمقيمة الكرامة في #العراق :
Published by:عزيز الخزرجيفيلم "Every Thing Every Where All at Once"
Published by:أسامة حبيبأحدث التعليقات
- shine fareed on ادخال فكرة #المساكنة لبيوتنا عبر المسلسلات اجندات سياسية يمولها #النظام_السوري
- عمر اللات on #العُهدة_العُمريّة.. بين الظلمِ والإستبداد!
- عبعليم المفتي on ذو النورين ينهبُ بيتَ المال!
- المهدي السنهوري on حرامي #سوريا #رامي_مخلوف يهلوس من جديد عن #اقتراب_الساعة و #المهدي وساصدقه اذا اعاد ماسرقه ل #السوريين
- TheEBooker on ترجمة الفصل الثلاثين من كتاب تاريخ هرقل للمؤرّخ الارميني سيبيوس ( الجزء الاول ).
- س . السندي on هل ستخدم مفاوضات #نظام_الملالي مع #العرب مسارات #الأمن_القومي_العربي؟
- س . السندي on هل ستخدم مفاوضات #نظام_الملالي مع #العرب مسارات #الأمن_القومي_العربي؟
- SABAH kARAMAN on الإمام الحسن.. حياة المرح واللهو!
- صباح ابراهيم on مريم العذراء بين القرآن والإنجيل
- صباح ابراهيم on مريم العذراء بين القرآن والإنجيل
- Shankahout Fadil on مسيحياً ، رئيساً لسوريا :
- س . السندي on مسيحياً ، رئيساً لسوريا :
- SABAH kARAMAN on شذرات من نفح النبوة
- ALI AL MAWARDY on شذرات من نفح النبوة
- SABAH kARAMAN on ** الحلقة 3 …من أشهر عشرين كذبة في الموروث الاسلامي
- SABAH kARAMAN on تساؤلات .. هل الحكم يستمد من شرع الله ؟
- محسن السامرائي on الإمام الحسن.. حياة المرح واللهو!
- س . السندي on من المخدرات إلى الأسلحة الكيميائية ضد قاصرات في #إيران و #العراق .. فضائح جديدة لملالي #طهران
- س . السندي on #الاتفاقية_الصينية_الايرانية في مهب الريح
- منيان القيسره on نحن فين .. وباقي الأمم فين …
- جابر on مريم العذراء بين القرآن والإنجيل
- RIBHI SHRAIM on مريم العذراء بين القرآن والإنجيل
- SABAH kARAMAN on الخرافات في الاديان
- ابو البراق الدمشقي on الشيخ خليل عبد الكريم ونبوة محمد
- س . السندي on الخرافات في الاديان
- س . السندي on ليلة القدر هل هي ليلة نزول القرآن أم ليلة ميلاد المسيح ؟
- لاشي on التفسير المبين لمعنى الحور العين
- ابو ازهر الشامي on الشيخ خليل عبد الكريم ونبوة محمد
- س . السندي on يسوع يُري الناس معجزات حقيقية
- ابو هريره السويدي on حور العين .. هلوسة في مخيلة المعتقد الأسلامي