هل انهزم ‘الإسلام’ في المونديال؟

بقلم د. توفيق حميد/
خرجت الدول العربية ـ والمصنفة أيضا إسلامية ـ واحدة تلو الأخرى من كأس العالم، وهذا الخروج السريع لهذه الدول يطرح قضية فكرية هامة في مجتمعاتنا العربية ألا وهي قضية خلط الدين بانتصارات كرة القدم واستغلال الدين في أمر لا شأن للدين به.
فمنذ بضعة أسابيع انطلقت أصوات مذيعين ورجال دين وأفراد من عموم المجتمع لتروج بأن فوز اللاعب المصري محمد صلاح بأفضل لاعب في الدوري الإنكليزي ووصوله بفريقه، ليفربول، إلى نهائي دوري أبطال أوروبا هو انتصار ونشر للإسلام في القارة الأوروبية.
وقبل ذلك بعدة أعوام أطلق كثيرون على منتخب مصر اسم “منتخب الساجدين”، بعد انتصاراته في كأس الأمم الإفريقية.
والأمر الملفت هنا هو طريقة تفكير غريبة تتناسى الأخذ بالأسباب مثل التدريب الجيد والمثابرة، وتعزي الانتصار إلى عوامل دينية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بكرة القدم.
فوز دولة إسلامية في مباراة كرة قدم لا يعني انتصارا للإسلام وأن هزيمتها لا تعني هزيمة للإسلام
ولنا أن نتصور ماذا كان سيقول أصحاب هذه الطريقة غير المنطقية في التفكير ـ وهم للأسف كثيرون في مجتمعاتنا العربية ـ لو حقق المنتخب المصري (أو أحد المنتخبات العربية الأخرى) انتصارات مدوية وصعد إلى الدور التالي في كأس العالم، عندئذ لن يكون مستغربا في هذه الحالة أن نرى هؤلاء يتشدقون بأن فوز مصر ـ على سبيل المثال ـ سببه أن الله بارك لهم بعد رفض حارس المرمى المصري “الشناوي” قبول هدية من شركة خمور!
اقرأ للكاتب أيضا: الطلاق بين “ظلم” الشريعة و”عدالة” القرآن
وتبعا لهذا المنطق المريض، وهو أن الانتصار في كرة القدم هو انتصار للإسلام، فهل سيقر هؤلاء الآن ـ بنفس المنطق ـ بأن هزائم الدول الإسلامية في المونديال يعنى أن “الإسلام انهزم”؟
وبنفس طريقة التفكير المذكورة، سيتمخض البعض ليقولوا إن سبب الخسارة الآن هو عدم التزام “صلاح” بالصيام في نهائي دوري أبطال أوروبا، فعاقبه الله بالإصابة والتي أدت إلى الخسارة أمام ريال مدريد ثم في كأس العالم.
وسينبري آخرون بنفس طريقة التفكير غير السوية ـ كما حدث بالفعل ـ ليقولوا إن غضب الله حل على الفريق المصري بسبب إرسال فنانين وفنانات كمشجعين له.


والعجيب في هذه القضية أن آخرين قد يحللون الهزيمة بصورة مختلفة تماما عن كل هؤلاء، فقد يقول قائل إن الهزيمة هي دليل على أن المسلمين ليسوا على دين الحق، وأنهم لو كانوا يتبعون دينا آخر لنصرهم الله، وقد يسوق هذا الشخص حجته بأن أكثر من فاز بالمونديال هي دول مسيحية.
وإجابة السؤال المطروح في عنوان المقالة “هل انهزم الإسلام في المونديال؟” هي وبلا أي تردد، قطعا لا!
فالإسلام لم ينهزم يا سادة بسبب الخسارة في المونديال، ولكن الذي انهزم هو فكر اللامنطق واللاعقل الذي أراد أن يجعل من الانتصارات الكروية دليلا وبرهانا على عظمة الدين!
الذي انهزم يا سادة هو فكر عدم الأخذ بالأسباب، مثل التدريب والإعداد الجيد، ظنا من أصحابه بأن الله سينصرهم لأنهم ـ كما يؤمنون ـ على “دين الحق”، وكأنهم قد نسوا تماما بأن الله هو إله “أسباب”.
الذي انهزم يا سادة هو فكر عدم الأخذ بالأسباب، مثل التدريب والإعداد الجيد
وليس أدل على هذا من أنه أمر نبيه نوحا عليه السلام بأن يبني سفينة كبيرة كي يتم إنقاذه من الطوفان: “وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ” سورة هود آية 39، بالرغم من أن الله تعالى كان قادرا على إنقاذه بدون وجود سفينة أصلا ـ ولكنه إله أسباب!
ولا أنسى هنا كيف عبر الشاعر العربي عن الأخذ بالأسباب، حينما ذكر أن الله تعالى أمر العذراء مريم بأن تهز جزع النخلة كي تحصل على التمر “وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا” سورة مريم آية 29، بالرغم من أنه سبحانه كان قادرا على إسقاط التمر بدون أي مجهود منها ـ فقال الشاعر:
ألَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ قَالَ لِمَرْيَمٍ…… وَهُزِّي إلَيكِ الجِّزْعَ يَسَّاقَطُ الرُّطَبُ
وَلَوْ شَاءَ أَدْلَىَ الجِّزْعَ مِنْ غَيرِ هَزِّهِ…… وَلَكِنْ كُلُّ شَيء لَهُ سَبَبُ
اقرأ للكاتب أيضا: ماذا لو كان اسم محمد صلاح “جرجس حنا”؟
فهل يا تري سيفيق أصحاب هذا الفكر القاصر الذي يربط الدين بالانتصارات في مجال الرياضة أو غيرها من المجالات، ويعلموا أن حصول “محمد صلاح” على جائزة أفضل لاعب في الدوري الإنكليزي أو فوز دولة إسلامية في مباراة كرة قدم لا يعني انتصارا للإسلام وأن هزيمتها لا تعني هزيمة للإسلام.
فالأمر هو قضية أسباب وقواعد وأحيانا شيء من الحظ، ولكنه لا يمت للدين بأي صلة لا من قريب ولا من بعيد.
وأتمنى لهؤلاء أن يتبعوا فكر المنطق والعقل والأخذ بالأسباب ـ بدلا من إقحام الدين في ما لا شأن له به ـ كي تنهض مجتمعاتهم وتكون مصدر نور للإنسانية جمعاء.
شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

One Response to هل انهزم ‘الإسلام’ في المونديال؟

  1. س . السندي says:

    من عمى الفكر العفن والمريض بصره وبصيرته ، يبقى مدى الدَهر خائبا وفاشلاً لا تسيره غير الريح ، سلام ؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.