—— بقلم د . منى حلمى
فبراير ، لا يعنينى ، الا أنه شهد مولد ” مى زيادة ” ، فى اليوم الحادى عشر 1886 ، موهبة نقية ، نادرة الخامة ، من أغلى الأحجار الكريمة ، خالية من شوائب الادعاء ، والتقليد ، مثقفة العواطف ، راقية العقل ، متعددة القدرات ، متمكنة التجليات .
اختارت ” مى ” ، الطريق الأصعب ، أن تعيش ، ” وحيدة ” ، وتواجه العالم
المدرب جيدا ، منذ الأزل ، على اتهام ، واتعاس ، المرأة المتحررة ،
من ” ظل الرجل ” ، و ” كنف الزوج ” .
من بين جميع رجال الدنيا ، لم يعجب ” مى ” ، ويدخل مزاجها ، و” يملا عينها ” ، الا هو . عشيق منبوذ ، عشقته ، حبيب مكروه ، أحبته ،
زوج محرم ، تزوجته . رجل واحد ، من بين رجال الدنيا ، يعتبرونه فضيحة المرأة ، كانت تتأبط ذراعيه ، كل مساء ، تلبى دعوته ، للسهر والرقص
والعشاء .
لم تبح ” مى ” بأسرار هذا الرجل ، رغم أنه ليس الأكثر ثراء ً ، أو وسامة . كيف لهذا الرجل أن يسحرها ، ويطمئنها ، ويكفيها ، يحميها من
خفافيش الليل ، وأشباح النهار ، يغنيها عن ملًذات وخداع الدنيا ، يضئ
الدروب حينما تتعثر على الطريق ، يقوى ارادتها ، عند توافد المحن ،
يشفيها من أمراض الجسد ، وداء الأوهام ، ومن سُم الكأس يفرز لها ، حلو الرحيق ، … ” القلم ” .
هذا العالم ، الذى يسيل لعابه ، مهرولا ليل نهار ، وراء المسخ من
النساء ، وأشباه الكاتبات ، لا يستحق كاتبة ، وشاعرة ، مثل ” مى زيادة ” .
عالم ، لا يلتفت الى مؤلفات كاتبة متميزة ، أو شاعرة مختلفة ، الا بعد أن تفوز بجائزة ” نفطية ” ، أو جائزة ” نوبل ” مخترع الديناميت . حينئذ فقط ،
يتدفق الى حد الانفجار ، الاهتمام بها ، وتتسابق الكاميرات على تصويرها ،
وتتنافس الصفحات الأدبية ، والاعلام الفضائى والأرضى ، على لقائها .
كلما رثيتها ، ونعيتها ، أشعر كأننى أرثى نفسى ، وأنعيها ، ربما لشدة التشابه
بينى ، وبين ” مى ” .
ربما نختلف فى أمرين . الأول أنها فى أواخر حياتها ، اتهموها بالجنون ، بينما أنا ، منذ البداية ، موصمة به . والثانى ، أن زمن ” مى ” ، رغم قسوته ،
” كان لسه فيه شوية خير وشوية أدب وشوية شِعر ” . بينما أنا ، أعيش زمن التهليب والنثر الردئ والتعليب ، بدون حرب تٌسفك الدماء ، أعيش الارهاب ،
و” اخطف واجرى واعمل فلوس بأى تمن ” ، زمن تكفير الأسئلة ، وشراسة الأوبئة .
ترى ، منْ فى هذا الزمن ، سيرثينى ، وينعينى ، ولو بكلمة ، دون أن أفوز
بجائزة النفط ، أو جائزة الديناميت ؟؟.