منذ عشرة أيام دخلت المستشفى الذي لحظات حية ونقية وصافية قضيتها مع نفسي وخوفي وألمي

الاديبة السورية سوزان محمد علي

منذ عشرة أيام دخلت المستشفى الذي لم أغادره حتى الآن، لحظات حية ونقية وصافية قضيتها مع نفسي وخوفي وألمي، يا إلهي كم هي قاسية بالنسبة لامرأة مثلي أن أكون في مدينة غريبة ليس في منتزه أو حانة أو مدرسة، بل في مستشفى، مع أوجاع غيري وعزلتهم الليلية، مع زوارهم الصامتين، مع باقات الورد وعلب البسكويت وزجاجات العصير، كل تلك الأشياء تدخل المستشفى مع الزوار عند الساعة الثانية ظهرا…الحمدلله رب العالمين لم يزرني أحد، ولم أر أحد.
لماذا الحمدلله؟
لأنني يجب أن أتعلم هذه الأنشودة وأتقنها وأرددها كالببغاء، أنشودة، أنني وحيدة…وسأبقى وحيدة…هكذا…لن تستطيع أن تعزم أحدا ما على الحب…ولست معتادة في حياتي بأن أقول مثلا: أنا محتاجة حتى لل مرحبا.
كانت أيام قاسية بكل معنى الكلمة، أنا امرأة جبارة جدا، رغم كل شيء، أعرف أنني كذلك في كل صدفة قاسية تضعني بها الحياة، وليس من الضروري أن تلمح يا صديقي كيف أخبئ يدي تحت الوسادة كل ليلة، كي تعلم أنني لست جيدة، علك تقول:
سأزورها في الغد.
جميع السوريين في ألمانيا يشجبون برود الألمان، عقلانية الألمان، في هذا المستشفى، ليس هناك من أجنبي غيري، لأنني في مدينة صغيرة يقل فيها الغرباء، وهنا في وقت الزيارات يضج المستشفى برائحة الورود، في الغرفة التي أقيم فيها، يوجد مريضتان، الأولى عمرها ٨٥ سنة، والثانية ٨٠، كل يوم…كل يوم حرفيا، يدق الباب عند الساعة الثانية، الزوج والأولاد والبنات والأحفاد، تمتلأ الغرفة كل يوم بزوار غيري، كنت أفرح حين مجيئهم، لأنهم يضفون على الغرفة رائحة الخارج، الشارع، نكهة الطريق…قلما يتكلمون، إنهم يهمسون فقط، اليوم ودعت روزا، جاءت ابنتها كي تقلها إلى البيت، عندما دخلت ابنتها الغرفة وحملت حقائب أمها روز، قبلتها من فمها، وقالت لنا؛
Tschüss….أي وداعا بالألمانية.


أنا أحترم هذا المجتمع، الذي سمحت لي اقامتي هنا القليلة أن أعرفهم عن قرب، عندما يجيء الليل نشعل الراديو ونتحدث عن بلاد العالم، عن بريطانيا ولندن حيث عاشت روز ثلاثين سنة.
وعند الظهيرة تصلنا الجرائد ونسمع الأخبار وأحيانا كثيرة تحت بوبا مشاهدة الكرتون، لا أعلم لماذا.
اليوم استيقظت لأجد مرضى جدد في الغرفة، لم تختلف اللطافة والهدوء والدفء، وأيضا الزوار عند الساعة الثانية ظهرا.
ربما أخرج في الغد…أو بعد غد…لا يهم، سأزور هذا المكان فيما بعد وأصنع في حديقته مسرحية، سيكون اسمها:
الإبرة تستطيع الرقص.
أرجوكم…لا تكتبوا لي …سلامتك، وهذا الكلام البائس الذي لولا هذا البوست لن تفكروا بكتابته لي، أرجوكم لا تطمئنوا علي، وعلى قولة صديقتي اليوم: العذر غدر…هذه الكتابة تمرين للذاكرة على النسيان.

This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.