
المؤرخ عبد الله حنا
Abdullah Hanna
اتبعت المرشدية عدة خطوات خطرة امتدت من عام 1938 وحتى عام 1945 منها :
الخطوة الأولى : ” فرض ” – في عام 1938 وما بعده , كما ذكر تقرير محافظ اللاذقية – ” جمع أموال الوقف والزكاة والضرائب الأميرية ورسوم عقد الزواج ورسوم النفوسية وبيوع الحيوانات وضرائب أخرى لصندوقه “.
والخطوة الثانية الجريئة والخطرة تمثلت في ” المساس بالملكية المقدسة ” لبعض ملاك الأرض وغيرهم من صغار الملاك . ولا نعلم المبررات التي استند إليها المرشد في مد يده إلى أملاك بعض كبار الملاك , الذين استولوا على الأرض في أوقات امتدت من أواخر القرن التاسع عشر حتى ثلاثينات القرن العشرين , وجردوا الفلاحين من ملكيتها . ولعل هذا السبب هو الذي دفع فاتح الابن الأكبر للمرشد إلى التصريح أمام الفلاحين في شباط 1945 بأن والده سيعيد إلى كل مظلوم حقوقه وأراضيه .
أليس تصريح طالب الحقوق فاتح سلمان المرشد عام 1945 هو دعوة إلى الإصلاح الزراعي الذي جرى في سورية بعد عقد ونيّف من ذلك الزمن ؟…
***
ليس المجال هنا لبحث الصدام بين السلطة الوطنية السورية والمرشدية واستسلام المرشد بعد مقاومة مسلحة بسيطة ومقتل أحد الدرك وعدد من أنصار المرشد . ضبط الاتهام اتهم سلمان المرشد ” بالتآمر على سلامة الدولة بالاتفاق مع دولة أجنبية وحصوله على رشاشات وإثارته الطوائف وانقضاضه على الدرك وقتله زوجته هلالة بنت محمود داوود ” . كما أدانت وثائق الاتهام سلمانا بأنه قرر شق عصا الطاعة وإصدار أوامر خطية وعدم الاعتراف على سلطة الحكومة المركزية وإنشاء دولة باسم حكومة الشعب الحيدري الغساني “
{ نقلا عن جريدة الأيام في 14 تشرين الثاني 1946 } .
أما سلمان المرشد فأفاد في جلسة 26 تشرين الثاني ” … إن إفادتي بالاستنطاق غير صحيحة … أنا لا يهمني الموت وما يهمني التهمة الموجهة إليّ بالعمل ضد الاستقلال . وأنا لا اطمع بوزارة ولي سبعة عشر ولدا , فإذا مت فهناك من يخلفني … “
{ الأيام في 27 تشرين الثاني 1946 .
***
يسترعي الانتباه استمرار المرشدية كحركة دينية منغلقة على نفسها على الرغم مما اصاب رؤسها وابناء المرشد من أحكام قضائية قضت بسجن بعضهم وابعادهم عن محافظة اللاذقية لمدد مختلفة . وبعد 1946 زالت الخلفية الاجتماعية للحركة ودخلت في طور جديد بحاجة إلى دراسة في المستقبل …
الحلقة القادمة والأخيرة عن المرشدية :
إيضاحات حول محاولة دراستي للمرشدية
إيضاحات ختامية حول المرشدية
1 – كنت أوخر عام 1946 في الصف السادس في مدرسة التجهيز الثالثة في دمشق . وقد سرت همهمات تدعُ إلى الذهاب لساحة المرجة في وسط دمشق لمشاهدة ” الرب ” سليمان المرشد مشنوقا . سرتُ مع السائرين وعمري 14 سنة . ومن بعيد رأيت ثلاث مشانق قيل لنا أن الرب في الوسط . لم أفهم من هو الرب ولماذا شُنق ؟ وأذكر أنني عدت إلى المدرسة مغموما خائفا وحزينا مما شاهدت .
2 – عندما انتهيت من انجاز دراستي عن المرشدية اعطيتها لصديقي المرحوم أسامة دعبول وكان يعمل عند بهجت سليمان في تلخيص ما تكتبه الجرائد العربية وتقديم الخلاصة ل ” معله ” . وكان بهجت سليمان يحتل مركزا مرموقا في الأمن وعلى صلة وثيقة بالقصر الجمهوري وسيده حافظ الأسد . وواضح أن هدفي معرفة رأي قمة السلطة بما كتبته وأنا حذر متردد وخائف من عواقب الدراسة ، التي شدني إليها هوسي في الدراسات الاجتماعية والفكرية . وزيادة في الحذر قدمت الدراسة مغفلة من اسمي لبهجت سليمان عن طريق صديقي وابن بلدتي أسامة دعبول . وجاء الجواب سريعا وشفهيا من بهجت سليمان كما يلي :
” قل لعبد الله بلاها ” ، أي أن يتجنب عبدالله التطرق لهذا الموضوع الخطر .
3- عندما اشتد الخلاف بين رئيس الجمهورية حافظ الأسد وأخيه رفعت قائد سرايا الدفاع والطامح في الوصول إلى سدة الرئاسة كان ضباط المرشدية في الجيش مركز تجاذب بين الأخيّن ومن يكسبهم إلى جانبه .
4 – كان مركز الوثائق التاريخية حديث العهد في نشأته أوائل سبعينيات القرن العشرين . وكان أحد مصادري لجمع المعلومات . وفي هذا المركز قرأت ونسخت من تقارير الدرك حول نشاطات المرشدية وشدني تقرير محافظ اللاذقية عادل العظمة إلى وزارة الداخلية حول المرشدية . وبعد مدة وعنما تعمقت في دراسة المرشدية طلبت قراءة وثائق المرشدية فوجدتها محجوبة عن القراءة . ولدى استفساري من مديرة الوثائق عن السبب أجابتني همسا : إن وزارة الثقافة طلبت منها حجب وثائق المرشدية عن القراءة . وعندها قدّرت أن ” الجهات المختصة ” اوعزت إلى مديرية الوثائق التاريخية بهذا الإجراء . ما مدى علاقة النافذين من المرشديين بهذا الإجراء ؟ .. وبعد مدة اختفت وثائق المرشدية من خزائن مديرية البحوث .
5 – وهيب الغانم الطبيب العلوي ومن مؤسسي حزب البعث . كتب مقالا حول رأيه بالمرشدية . وجاءه عضو القيادة القومية لحزب البعث جورج صدقني وهو من اللاذقية طالبا الاطلاع على رأي وهيب ، الذي أكّد عليه أن المقالة ليست للنشر . ولكن ” الخواجا جورج ” قام بنشر المقالة في الجريدة الداخلية لحزب البعث . فثارت ثائرة المرشديين وأرسلوا اثنين من قبضاياتهم إلى عيادة الدكتور وهيب الغانم واشبعوه ضربا دون أن يتفوهوا بكلمة مسبّة . وعدم المسبة هي من الصفات التي يتحلى بها المرشديون .
هذا الخبر نقله لي ابن أخ وهيب الغانم ، عنما كنا في سيارة تابعة له في وظيفته المرموقة ونحن في طريقنا من دمشق إلى اللاذقية لمقابلة وهيب الغانم بناء على موعد أخذه ابن أخ وهيب .
وثمة رأي يقول أن رفعت وليس المرشديين هو من دفش شابان من زلمه للإساءة إلى المثقف صاحب الكلمة في اللاذقية وغيرها .
6 – عزيزي نور الدين تساؤلك في محله حو ل المرشدية وهي مزيج من التراث الديني المطعّم بالسياسة . وقد مرّت بمراحل كانت لها خلفيات اجتماعية بنكهة طبقية . واليوم لها وضع لا استطيع الإجابة عنه . وقد حذرني كثيرون ومنهم علويون في عدم الخوض في قضايا المرشدية . ومع ذلك صدر لي كراس عنها صادر عن المركز العربي للأبحاث في الدوحة . وبصراحة لا أعرف كيف صدر ولا تزال ترنّ في أذنيّ التحذيرات بعدم الخوض في دراسة المرشدية . ولك مودتي .
***
7 – أعدم سليمان المرشد صباح 17 – 12 – 1946 في دمشق بعد المحاكمة التي جرت له في اللاذقية .
ختاما سأنقل مقتطفات من مذكرات الضابط العلوي محمد معروف ذو الاطلاع الواسع حول أسرار الانقلابات العسكرية في سورية وكان من أبطالها . ومحمد معروف من ريف جبلة ومن عائلة مشايخ لها وزنها ، وكان على علاقة وثيقة مع ابنيْ المرشد فاتح وساجي .
وفيما يلي هذه المقتطفات منقولة من كتاب معروف الصادر عن دار رياض الريس 2003 من الصفحة 61 إلى 67 ، جاء فيها :
” … لم يكن سليمان المرشد من الأشخاص الذين لديهم القدرة والتخطيط الذي يجعله ينصب نفسه إلها كما قيل . وقد نفى ذلك مرارا … كما نفى التهمة ولديْ المرشد فاتح وساجي . وقد طرح عليّ ساجي مشروعا بأن نحّضر له اجتماع ايلتقي فيه مع كبار مشايخ العلويين لنفي هذه التهمة عن أبيه … “
” … كنت اعتقد _ والكلام لمعروف _ أن حاكم اللاذقية الفرنسي ومستشاريه يحضّرون لجعل المرشد اداة قمع وترهيب ترهب به الدولة ( الفرنسية ) كل من تسوّل له نفسه الوقوف في الخط الوطني والحكومة السورية الجديدة … ” .
” … ولكي تصل إلى جوبة برغال معقل المرشد عليك ان تصل طريقا لولبيا وعلى علو شاهق … وهذا ما يجعلني _ والكلام لمعروف _- متأكدا من أنّ سليمان المرشد لو أراد المقاومة والعصيان … لما استطاع الجيش السوري أن يحقق انتصارا عليه في أقل من ثلاثة أشهر … “
ويمضي معروف وهو ضابط في عداد حملة الجيش السوري الناشئ قائلا :
” … تمركزنا في قرية جوبة برغال وكان منزل سليمان المرشد قد نُهب بكامل ( من قبل الدرك الذين تقدموا حملة الجيش السوري ) … وكان لسليمان المرشد عدة زوجات وكان لكل زوجة منزل خاص بها … “
” .. كان لبيت المرشد دار مخصصة للماعز قريبة من البيت ، وكانت تضم أكثر من ألف رأس من الماعز . وكان الدركي إذا أراد أن يتعشى لحما يدخل الدار ويسحب منه فحلا يذبحه ويأكله مع رفاقه الدرك … “
” … كنت اتجول في تلك المناطق لم يكن فيها مدرسة واحدة أو مستوصف . كان الناس أميين لا يقرؤن ، مرضى لا يعرفون الدواء . جهل مطبق وفقر مدقع … “
***
يتهم محمد معروف محافظ اللاذقية عادل العظمة وقائد الدرك بأنهما يضخمان الأمور للتمهيد لمحاكمة المرشد التي جرت في اللاذقية وتم الإعدام شنقا في دمشق في ساحة المرجة ، وقد شاهدت المشانيق كما ذكرت سابقا .