مكبر الصوت ليس ركنا من أركان الصلاة

بقلم سناء العاجي/
خلال اجتماع لسكان إحدى الإقامات الجديدة، تحدث الجيران عن مجموعة من التفاصيل التقنية المتعلقة بالملكية المشتركة والتي يحتاجون لمعالجتها: النظافة، الأمن، إلخ.
تردد أحد الجيران كثيرا قبل أن يرفع يده ليطلب الكلمة. حين أخذ الكلمة، تطرق لشأن مكبرات الصوت في المسجد ولضرورة إصلاحها تقنيا، لأنها مرتفعة جدا بالمقارنة مع المعايير المعمول بها في مساجد أخرى من المملكة المغربية.
تعرض الجار المسكين لوابل من العنف والهجوم.. وكأنه طلب من جيرانه الخروج عن دينهم.
الأذان يمكن أن يتم دون مكبرات صوت أو بمكبرات مضبوطة تقنيا بحيث لا تسبب إزعاجا للآخرين
منذ متى تحولت مكبرات الصوت لركن من أركان الإسلام؟ أليست هذه المكبرات مجرد اختراع تكنولوجي، يفترض أن يواكب ممارسات الدينية (من بين احتياجات أخرى صنعت من أجلها هذه المكبرات)؟ كيف نحولها لأصل الممارسة الدينية، ونعتبر كل نقاش بخصوصها، كفرا بيانا؟
هذا الشخص، وهو يقدم مقترحه، لم يطلب هدم المسجد ولا إلغاء الأذان وحذفه. هو فقط طلب إصلاح المكبرات تقنيا؛ لأن صوتها المرتفع جدا، وخصوصا خلال أذان الفجر، قد يسبب إزعاجا للسكان.
لنكن موضوعيين، خارج أي تهييج أيديولوجي: هناك أشخاص يحتاجون للنوم بشكل جيد حتى يكون بإمكانهم الاشتغال طوال اليوم. هناك أشخاص مسنون. هناك أطفال رضع.. هؤلاء الأشخاص يتعرضون، حين يكون صوت أذان الفجر مرتفعا جدا، لإرباك في وتيرة النوم مما يكون له تداعيات كثيرة على حياتهم اليومية.


لذلك، يمكن للأذان أن يتم بمعايير تقنية معينة، تمكن المصلين الراغبين في الصلاة من سماع الأذان، لكنها لا تسبب إزعاجا لغيرهم. ولعل من بين من سيتهجمون على هذا المقال، هناك المئات من الأشخاص الذين انزعجوا ولو لمرة واحدة من الأمر. وهو بالمناسبة ليس انزعاجا من الأذان نفسه، بل من الشروط التقنية التي يتم بها، بالنظر لواقعنا اليوم.
لنكن واقعيين ولنبتعد عن الشعارات: في عهد أصبحت فيه ظروف العمل والعيش مختلفة عن القرون السابقة، وفي عهد توفرت فيه كل الإمكانيات التقنية لإيقاظ الراغبين في الصلاة: منبه الهاتف، منبه الساعة، المذياع، وغيرها من الاستعمالات الشخصية التي يمكنها أن تساعد المصلي نفسه دون أن تسبب إزعاجا لغيره؛ في ظرفية زمنية كهذه، يمكننا أن نتعامل مع مكبرات الصوت (التي، بالمناسبة، لم توجد في عهد النبي) بشكل مختلف.
لنتذكر أن مكبر الصوت ليس من أساسيات الصلاة ولا من شروط الأذان
الذي يحدث الآن، هو خلط لكل نقاش تقني يتعلق بمكبرات الصوت التي تستعمل في الأذان بالجانب الديني؛ وكأن من يرغب في نقاش موضوع مكبرات الصوت يهاجم الإسلام نفسه أو يدعو لمنع الصلاة. في حين أنه، كما يجب احترام كل الممارسات الدينية ومن ضمنها أداء صلاة الفجر، يجب أيضا احترام الأشخاص الذين لا يمارسونها (وفيهم أشخاص يمارسون باقي العبادات الإسلامية، بل ويؤدون باقي الصلوات). بمعنى أننا هنا لا ندافع عن حقوق أشخاص ملحدين، بل أشخاص أغلبهم متدينون، لكنهم لا يؤدون صلاة الفجر. وليس لنا أن نحاسبهم على ذلك، فهذا شأنهم مع خالقهم.
لذلك، فالأذان يمكن أن يتم دون مكبرات صوت أو بمكبرات مضبوطة تقنيا بحيث لا تسبب إزعاجا للآخرين.
تاريخيا، حين أمر النبي بلال برفع الأذان للصلاة، لم يكن هدفه إزعاج المسلمين وغيرهم ممن يعيشون معهم في نفس المنطقة؛ بل النداء للصلاة حتى يعرف الباقون بأنه قد حان موعدها. هذا هو هدف الأذان. الآن، وقد أصبحت تقنيات كثيرة تسهل معرفة مواعيد الصلاة، يمكننا أن نتعامل مع الموضوع بذكاء أكبر.
مرة أخرى، لنتذكر أن مكبر الصوت ليس من أساسيات الصلاة ولا من شروط الأذان.. مكبر الصوت اختراع تكنولوجي يمكننا أن نجعله في خدمة قناعاتنا الدينية، دون أن نمارس به ضغطا على الآخرين.

شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.