freud
د. ميسون البياتي
تعرض قناة نتفليكس هذا المسلسل منذ 23 مارس 2020 وهو مكوّن من 6 حلقات فقط مدبلجه الى عدة لغات ليست من بينها اللغه العربيه , بالإمكان متابعتها مترجمه سبتايتل الى العربيه على موقع
supercima
المسلسل برمته لا يتجاوز طوله 6 ساعات يمكن متابعته كاملاً في جلسة واحده أو جلستين
ما يثير الحفيظه ويدعو للكتابة عن المسلسل هو هذا الهجوم الذي يواجه المسلسل من قبل المتابعين العرب , ويعيد الى الأذهان مصطلحات كنا نستعملها في القرن الماضي للحديث عن ثقافة النخبه ووصمها بصفات ليست فيها تبعدها عن ثقافة البروليتاريا بما تحتاجه من تبسيط وتسطيح لكي يفهم المستجد بعيداً عن التعقيد والتركيب
صحيح أن عنوان المسلسل هو فرويد , لكنه لا يتحدث عن شخص فرويد إلا بشكل عرضي , لكنه يتحدث عن نظرية فرويد في التحليل النفسي , مبادئها ,
ميكانيزماتها
Defense Mechanisms
وهي آليات الدفاع النفسي التي يستعملها الفرد للتعايش مع مجتمعه , وحيث أن الإنسان شرير وطمّاع ومستحوذ بطبعه , يريد كل شيء له وحده , بينما المجتمع يوقفه عند حده , هنا تنطلق آليات الشر وتنبعث لتصور لنا كل الجرائم التي وقعت في هذا العمل من منظور نفسي فرويدي بحت يمكن مناقشته لقطة بلقطه , وهو لا يعرض الجريمة لذاتها بل لغرض تصوير مفهوم من مفاهيم فرويد بأوضح حالاته
قصة العمل وحبكته ربما اعتمدت على احداث بسيطه فعليه من حياة فرويد , لكنه مسلسل مُتَخَيَّل , أكثر أجزائه لم تقع في غير عقل مخرج العمل
مارفن كرن Marvin Kren
ومساعديه
ستيفان برنر Stefan Brunner وبنيامين هسلر Benjamin Hessler
أما سيناريو مشاهده المروعه فهو من خيال السيناريست
ستيفان ول Stefan Will و ماركو دريكوتر Marco Dreckkötter
ينتقد متابعو العمل العرب كونه مسلسل للجريمه الوحشيه المروعه كونهم فنانين لم يطلعوا بشكل جيد على مفاهيم فرويد أو أنهم لا يعرفونها أصلاً , بينما المتخصصون بعلم النفس يرونه عملاً ليس عن فرويد ولا يمكن عرضه على لجنة محكمه من قبلهم , ببساطه لأن دارس علم النفس لا يعرف آليات العمل الدرامي , ويعتقد أن الحبكه الدراميه لا تختلف عن الحبكه
الوثائقيه Documentary
وبالتالي هم يطمحون لمتابعة عمل وثائقي عن فرويد واعماله وأفكاره ليكون مقبولاً لديهم . الفئه الثالثه من المتابعين وهم غير متخصصين لا في الدراما ولا بعلم النفس فآراؤهم حدث ولا حرج
تم الحديث عن فرويد من قبل بعض المتابعين أنه : يهودي يتعاطى الكوكايين , لا نناقش هنا مسألة التعاطي , لكن فرويد كان علمانياً من أصل يهودي يشهد على ذلك تأليفه لكتاب
موسى والتوحيد Moses and Monotheism
الذي فنّد فيه الديانة اليهوديه ونفى علاقتها بالإبراهيميه , وأكد أنها لم تكن غير ديانة فرعونية مصريه تأسست على العقده الجنسيه الأولى أو الجريمه الأولى في التاريخ البشري جريمة قتل الاب البدائي على يد أبنائه الطامعين في نسائه وسلطته . كل هذا جلب لفرويد اتهامه باللاساميه وحنق اليهود عليه , صدر الكتاب عام 1939 ومات فرويد ( منتحراً ) بجرعة مخدر زائده نفس العام علماً أنه رجل شجاع عمره 83 عام , إمتلك من الثبات المبدأي ما أصر به على نظريته وأسس لها علماً إستقل به عن الفلسفه منذ أصدر كتابه : في
تفسير الأحلام The Interpretation of Dreams
ولم يًكتفَ بموته بل تمت الإساءه الى نظريته على انها نظرية في الجنس , مع أن المكبوت
Libido
الذي تحدثت عنه نظريته يمكن أن يكون جوعاً أو عطشاً أو كلمة أو رأياً لا يسمح للمرء التعبير عنه مع تأكيده على أن المكبوت الجنسي هو أكبر تلك المكبوتات لأن رغبة المرء لا يمكن تفريغها في كل موضوع مشتهى . لم يُثر ( انتحار) فرويد بجرعة مخدره بعد اصداره موسى والتوحيد وإثارة حنق اليهود عليه أي تساؤل حتى بعد ( انتحار )
آرثر كوستلر Arthur Koestler
لكتابته ونشره كتاب
The Thirteenth Tribe
والذي تنبغي ترجمته الى : السبط الثالث عشر , وليس القبيله الثالثة عشرة , لأن كلمة السبط تفضح زيف ذلك السبط منذ عنوان الكتاب , ببساطه لأن أسباط يعقوب هم 12 اما الثالث عشر فهو دخيل عليهم , تحدث الكتاب عن يهود الخزر وكيف اعتنقوا اليهوديه وانهم ليسوا من الشتات وليسوا موعودين بأرض الميعاد مما أثار حفيظة بني اسرائيل ضده فإنتحروه وزوجته بجرعتين زائدتين من المخدر, ورغم كل اللغط الذي اثاره انتحار كوستلر إلا أن أحداً لم يكلف نفسه بالتطلع الى الوراء والتحقق من انتحار فرويد
تم تقسيم المسلسل الى شقين : في الشق الاول صراع فرويد مع علماء زمانه لتحرير علم النفس من الفلسفه وابعاده عن الشعوذه والسحر , يتجلى هذا الشق في علاقة فرويد بعائله
سزاباري Szápáry
المجريه النبيله , وكان نبلاء المجر قد وقّعوا اتفاقاً مع ملك النمسا عام 1867 اتاحوا لملك النمسا السيطرة على بلادهم مع منحها نوعاً من الحكم الذاتي بينما غالبية الشعب المجري يعدون ذلك خيانه , لهذا انتقلت العائله للعيش في فيننا وبدأت التقرب من البلاط الملكي علها تتمكن من قلب الحكم . فرويد عاش بين عامي 1856 _1939 وكانت تربطه معرفه بواحده من عائلة سزاباري تدعى
فلور سالومي Fleur Salomé
تعمل كوسيطه روحيه وكان يقدرها ويعتبر ان لديها قدره جيده على قراءة البشر , وهي بالطبع تختلف كثيراً عن الصوره التي أُظهرت بها في العمل لدواعي دراميه لا أكثر
الشق الثاني من العمل هو الشق الرئيسي الذي يُظهر أبعاد نظرية فرويد في التحليل النفسي مثلما يُظهر براعه الفرد في الإستعمال اللاواعي لميكانزمات الدفاع النفسي . كانت البوسنه جزءاً من الإمبراطوريه العثمانيه , في العام 1878 سوغت معاهدة برلين للنمسا غزو البوسنه واحتلالها . في هذه الحرب ستقع جرائم يندى لها الجبين . نقيب في هذه الحرب يدعى
ألفريد كيس Alfred Kiss
فجأة يجلبون أبنه الجندي
أوتو كيس Otto Kiss
فاراً من القتال . يأمر القائد
جورج فون ليشتنبرغ Georg von Lichtenberg
بإعدام الولد ميدانياً بسبب الهروب فيتوسل به الفريد كيس الاب أن لا يفعل , القائد يأمر بفعل مستحيل حين أمر النقيب بقتل عدد من الأسرى البوسنيين مقابل العفو عن ابنه , بعدما اعدم الاب أول أسير رغم توسلات ابنه أن لا يفعل , يطلب الولد من القائد إعدام الاسرى بنفسه لتحرير نفسه وحالما يُعطى السلاح يطلق على نفسه وينتحر
هنا الاب يصبح بمواجهة مصيبتين , فقدان ابنه , وفقدان شرفه الإنساني بإعدامه ابرياء عُزّل لا تربطه بهم أية صله فتصاب ذراعه بالشلل , ويبقى حانقاً على القائد ليشتنبرغ حتى بعد نهاية الحرب
الاب ألفريد كيس عاد بعد الحرب الى عمله كشرطي , يعثر على زر بدله عسكريه مقطوع في المكان الذي قتلت فيه إحداهن ببقر بطنها من قبل عشيقها ,, يصر الشرطي بإلحاح على اعتباره زراً من بدلة القائد ليشتنبرغ دون تحقق كافي من الادله , في اشاره نفسيه واضحه الى حيلة الدفاع النفسي بالإلصاق , فما دام كيس يشعر بالعار كونه قتل ابرياء عُزَّل أثناء الحرب , عليه أن يلصق تهمه تجلب العار لليشتنبرغ بالمقابل , وحتى بعد ابعاد الشرطي عن التحقيق في هذه القضيه , يستمر في تشنيعه على القائد ثم يتحداه في مبارزه ويقتله بطلقه واحده وهو يصرخ : هذه من أوتو ( ابنه المنتحر ) . هناك مشهد رائع في هذا المسلسل يصور لنا صراع الأنا مع الأنا الأعلى عند ألفريد كيس حيث يكاد يقتل أحدهما الآخر
مع مسيرة احداث هذين الشقين من المسلسل تتم مناقشة العديد من مفاهيم فرويد , حيث أن حلقات المسلسل ذاتها تحمل عناوين من تلك المفاهيم , الحلقه الاولى عنوانها
هستيريا Hysteria
, الثانيه الصدمه Trauma ,
الثالثه السائر أثناء النوم Somnambul
, الرابعه الطوطم والمحرمات Totem und Tabu
, الخامسه دافع فطري Trieb ,
السادسه تراجع Regression
. الحلقه الثالثه عنوانها باللغه الرومانيه , اما الخامسه فعنوانها ألماني
اضافة الى الشقين الرئيسيين في العمل هناك العديد من الحبكات والعقد الفرعيه تتم مناقشتها جميعاً من وجهة نظر فرويد , والمسلسل ليس عن الجريمه وإن كانت مشاهده تتضمنها
د.ميسون البياتي
