
محمد الماغوط
#محمد_الماغوط: #سلمية_بأقراطها_الفاطمية
بلغته الوحشية الصرفة, بأسنانها الحادة وأظفارها العارية, يتحدث أبرز رواد قصيدة النثر, محمد الماغوط, عن مدينة سلمية السورية, مسقط رأسه, ليقنعنا مرة تلو مرة, وقصيدة تلو قصيدة بأن الشعر الخالص ليس بالضرورة أن يكون موزونا أو مقفى, بل إن كل ما يلزم القصيدة لتصبح شعرا, هو أن تكتب بأصابع شاعر حقيقي وحر ومدهش وموهوب وخارج عن عباءة الأسلاف, وأن كل ما يلزمها لتصبح موزونة هو أن يضبطها على إيقاع أنفاسه ونبضات قلبه واهتزازات حبال حنجرته الصوتية..
سلمية: الدمعة التي ذررفها الرومان
على أول أسير فك قيوده بأسنانه
ومات حنينا اليها.
سلمية.. الطفلة التي تعثرت بطرف أوروبا
وهي تلهو بأقراطها الفاطمية
وشعرها الذهبي
وظلت جاثية وباكية منذ ذلك الحين
دميتها في البحر
وأصابعها في الصحراء.
يحدها من الشمال الرعب
ومن الجنوب الحزن
ومن الشرق الغبار
ومن الغرب..الأطلال والغربان
فصولها متقابلة أبدا
كعيون حزينة في قطار.
نوافذها مفتوحة أبدا
كأفواه تنادي..أفواه تلبي النداء
في كل حفنة من ترابها
جناح فراشة أو قيد أسير
حرف للمتنبي أو سوط للحجاج
أسنان خليفة؛ أو دمعة يتيم
زهورها لا تتفتح في الرمال
لأن الأشرعة مطوية في براعمها
لسنابلها أطواق من النمل
ولكنها لا تعرف الجوع أبدا
لأن أطفالها بعدد غيومها
لكل مصباح فراشة
ولكل خروف جرس
ولكل عجوز موقد وعباءة
ولكنها حزينة أبدا
لأن طيورها بلا مأوى
كلما هب النسيم في الليل
ارتجفت ستائرها كالعيون المطروفة
كلما مر قطار في الليل
اهتزت بيوتها الحزينة المطفأة
كسلسلة من الحقائب المعلقة في الريح
والنجوم أصابع مفتوحة لالتقاطها
مفتوحة منذ الأبد لالتقاطها