ما تأثيرالجائحة كرونا على الرؤساء والانظمة والمسؤولين والانظمة والعالم؟‎

أ.د.سلمان لطيف الياسري

ما تأثيرالجائحة كروناعلى الرؤساء والانظمة والمسؤولين والانظمة وهل ستقلب الطاولة على الجميع ام بعضهم وهل سينفذ ذوو الجباه المحروقة الثلاثية ومجرمي الحرب وسراق البلدان واشراره وأولياء الجاره وسليلي العهر والزندقة والديوثية
لن يطيح فيروس كورونا بالرئيس الصيني شي جين بينغ ولا بالحزب الشيوعي الحاكم المتّهم بإخفاء الوباء عن العالم في البداية، ثم ينفي أن تكون الصين مصدره بل يزعم أن أميركا هي موقع ولادة الفيروس فيما العالم أجمع يعرف أن هذه الفيروسات ولدت دائماً في الصين. لن يطال هذا الفيروس عزم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مباركة شعبية للتعديلات الدستورية التي تضمن له البقاء في السلطة مع انها باتت قانوناً ولا حاجة للتصويت عليها, والرئيس الأميركي دونالد ترمب لم يعد يفترض تلقائياً ان الولاية الثانية في جيبه. فهو يدرك ان انقضاض فيروس كورونا على الاقتصاد والأسواق والثقة قد يهدد فِرصَه لولاية ثانية ما لم يثبت جديّة واستمراريّة تحوّله من الثرثرة بغطرسة عبر تغريداته الى الرئيس المتجهّم المُثقَل الذي يتصرّف بحجم التحدّي متحصّناً بفريق مهني خارق يخاطب الأميركيين يومياً من البيت الأبيض. مستقبل القيادات الأوروبية يتأرجح على مصير هذه القارة في الأسبوعين المقبلين والذي سيساهم هذا الوباء بتقريره
اجراءات احترازية في الصين:القيادات الخليجية العربية أسرعت الى إجراءات وقائية واستباقية وبعضها لبّى نداء الجمهورية الإسلامية الإيرانية للمساعدة أمام وحش كورونا الذي كشّر عن أنيابه في إيران وحوّلها الى قنبلة موقوتة ومستقبل النظام في طهران يربض في ظل مسيرة فيروس كورونا ويضع القيادات السياسية والدينية والعسكرية أمام قرارات وجودية – فإذا تحلّت بالحكمة وأقرّت إصلاح منطق النظام لأنقذت البلاد من التشرذم، وإذا عاندت لساهمت في الانتحار. فسلعة الثقة بين الحكومات والناس أصبحت مقياس مستقبل القيادات وميزان التعافي من هذا الوباء الذي صفع العالم، ربما لإعادته الى الرشد في حالاتٍ ما، بعدما كان مُنهمكاً في العجرفة والتسلّط والجشع والفساد. فيروس كورونا أعاد الجميع الى طاولة رسم السياسات مُجدداً على ضوء اثار الزلزال الاقتصادي الناتج عنه كما في اطار مصير قيادات تؤثر في العالم، مثل مصير الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
قبل شهر، قاربت البورصة الأميركية معدّل 30 ألفاً وهي اليوم في فلك الـ20 ألفاً ومحت بذلك الابتهاج لدى دونالد ترمب الذي ربط انجازاته بارتفاع البورصة في “وول ستريت”. قبل شهر، وأثناء “قمة ميلكن” في أبو ظبي، عندما طُرِح السؤال على النخبة العالمية في القمة حول ما إذا كان دونالد ترمب سيحصل على ولاية ثانية، رفعت الأكثرية الساحقة أياديها بثقة بأن ترمب سيبقى رئيساً لولايةٍ ثانية. تلك الثقة دخلت اليوم حلقة الشك، وباتت الآراء منقسمة .
هناك رأي داخل الولايات المتحدة يحسم بأن دونالد ترمب “احترق”
Toast
بسبب تعاليه في البداية على الوباء واستهتاره بتداعياته وتأخّره في تبني الإجراءات وبالتأكيد نتيجة الانهيار الاقتصادي الوارد، وارتفاع نسبة البطالة الى فوق 20 في المئة، وربما الدخول في ركود اقتصادي طويل بل البعض يتحدث عن عودة “الاكتئاب العظيم”
Great Depression
الذي طوّق العالم في الثلاثينات – إذا طال أمد تفشّي هذا الوباء وطال انتظار العلاج له.
نقل مريض مصاب بكورونا في فرنسا:الرأي الآخر يحذّر من التسرّع الى مثل هذا الاستنتاج بأن ترمب “احترق” ويشير الى أن المقياس هو كيفية إدارة الأزمة والإجراءات التي يتم اتخاذها الآن – بعضها لا سابقة له في أي مكان. فإلى جانب جدارة الفريق الذي يطلّ يومياً من البيت الأبيض ويترأسه نائب الرئيس مايك بنس، تقرّر ضخ تريليون دولار، وأكثر لاحقاً، لمساعدة الشركات وإنقاذ الاقتصاد الأميركي والحؤول دون الانهيار التام. أما القرار الاستثنائي بتوفير شيك بقيمة ألف دولار للمواطن الأميركي، فإنه لَمسَ جيب الفرد الأميركي ولربما سيؤثّر على كيفية تصويته في الانتخابات الرئاسية المقبلة. حكمة الشراكة بين القطاعين العام والخاص والتحوّل في شخصية دونالد ترمب بما يكاد يشبه الانسلاخ عن شخصيته القديمة سيكون لهما تأثير مهم على المعادلة الانتخابية بينه وبين المرشح الديموقراطي المفترض، جو بايدن، نائب الرئيس الأسبق باراك أوباما. أبرز ما من شأنه أن يساعد ترمب ويضمن له ولاية ثانية يعتمد على الشركات الأميركية الرائدة عالمياً وقُدرتها على إيجاد علاج للفيروس بسرعة للجم توسّعه وتفشّيه. أما مسألة إيجاد اللقاح، فلا أحد يتوقع ذلك قبل أشهر بل لربما سنة، وهو في المرتبة الثانية من الإجراءات الضرورية لوضع حد لشبح الانهيار الاقتصادي التام. السؤال الأهم اليوم هو: كم سيدوم إغلاق دولة ضخمة مثل الولايات المتحدة الأميركية؟ ومتى سيولّد القطاع الخاص الدواء لهذه الآفة أمام هذا المجهول، من الضروري للدول التي وضعت كامل سياساتها على افتراض ولاية ثانية للرئيس دونالد ترمب ان ترسم معالم “خطة باء” في حال انحسار حظوظ ترمب لصالح بايدن – مع ان ذلك ما زال مُستبعداً. ذلك أن جو بايدن سيُسرع الى محو سياسات ترمب كما فعل ترمب بسياسات أوباما. منطقة الخليج ستكون أولى الدول المتأثرة بذلك – سلبياً بالتأكيد لأن ما فعله دونالد ترمب هو اعادة عقارب
reset
العلاقات الأميركية مع الدول العربية الخليجية ومصر الى ما كانت عليه قبل مجيء باراك حسين أوباما ونائبه جو بايدن بسياسات تعويم الجمهورية الإسلامية في إيران والإخوان المسلمين في مصر ودول أخرى في شمال أفريقيا تحبيذاً للنموذج التركي على حساب الاعتدال ولصالح الفتنة بين الشيعة والسُنّة
تعقيم الشوارع في كوريا الجنوبية:الجميع يعود الى طاولة رسم السياسات على ضوء وباء كورونا، وعلى ضوء حرب أسعار النفط، وكذلك على أساس تقديرات ما يتطلّبه ترميم اقتصادٍ ضخمٍ ان كان في الولايات المتحدة أو الصين. فلقد تم تدمير اقتصاد العالم كما نعرفه اليوم وليس من المتوقع له التعافي قبل سنتين أو ثلاث. الأولوية هي بالطبع لمراقبة مسار الوباء خلال الأسبوعين المقبلين، وعلى ضوء ذلك قد يتقرر مصير رئاسات وأنظمة.
ما لا نعرفه بعد هو مَن سيكون الخاسر الأكبر من الدول من منظور كيفية إدارة حكوماتها للأزمة. السنغافورة وتايوان وكوريا الجنوبية كانت سبّاقة حيث ظبطت هذه الحكومات الأمور بإرشادات باكرة وصارمة بناءً على نظام صحي متطوّر وتجارب سابقة وتمكنت من توظيف التكنولوجيا اما لتعقّب المصابين أو لإجراء الفحوصات للفيروس خارج المستشفيات كي لا يتفشى الوباء داخلها – فلجأت الى الفحص في السيارات العابرة
drive in.
هذه حكومات تتمتّع بثقة شعوبها بها وهي نماذج نجاح التبادل الديموقراطي على السلطة بدلاً من اخضاع الناس لنماذج الديكتاتوريات المتنوّعة.
الصين لجمت بالقوة لأن نظامها يمكّنها من ذلك بدون مراقبة أو محاسبة، لكنها أيضاً حجبت المعلومات أو سرّبت الأرقام كما يحلو لها بإذن من نظامها السياسي القائم على السيطرة القاطعة للحكومة فقط. ليس واضحاً ان كانت الصين ستصبح من أوائل الدول المتعافية اقتصادياً أم انها ستكون الخاسر الأكبر. البعض يتحدّث عن نهاية العولمة التي تُحمَّل اليوم مسؤولية تفشي ما يسميه الرئيس ترمب “فيروس الصين”. البعض الآخر يقول أن لا مجال لنهضة الاقتصاد العالمي ما لم يُعَاد فتح الحدود المُغلقة اليوم. أحد المراقبين المخضرمين قال ان الوقت حان للكف عن “العولمة الوحشية في اتجاه العولمة الرشيدة”. قال ان النظام العالمي الجديد سيكون “رجوعاً الى تبادل تجاري طبيعي كما كان الحال قبل التسعينات”. أضاف ان “إعادة تعريف الأمن القومي الأميركي، وحجم الاقتصاد الأميركي، وتطوّر القطاع الخاص وقُدراته الخرافية، كل ذلك سيضع الولايات المتحدة في طليعة الدول المتعافية ,الدولة التي يُخشى عليها بسبب أنماط تفكير قياداتها هي إيران التي اعتقد القائمون على نظامها انها تملك سلاح “الصبر الاستراتيجي” مهما كان. لقد تم نسف هذا السلاح وهذه المقولة في البدء بسبب العقوبات الأميركية التي كرسحت الاقتصاد داخل إيران، ثم بسبب فيروس كورونا الذي يفتك بالناس.الأولوية في طهران اليوم هي لاستمرارية النظام. وكما قال أحد المطّلعين “ان النظام له الأولوية على البلاد ولن يوافق القائمون على النظام على أي إصلاح أو تعديل في منطق النظام لأن لديهم عقدة البيريسترويكا” – اشارة الى الانفتاح الذي بدأ في الاتحاد السوفياتي في عهد ميخائيل غورباشوف وأدّى الى انهيار الاتحاد السوفياتي.
فيروس كورونا غيّر بعض الشيء في كيفية تعاطي القيادات الإيرانية مع مشاريعها الإقليمية التوسّعية منها، والاستفزازية، بسبب الانشغال القاطع بهذا الوباء الذي من المتوقع له أن يتفشى بين الملايين في إيران. السياسة الخارجية أخذت المقعد الخلفي للأولوية الداخلية، وهناك ملامح لبعض التواضع – بدلاً من العجرفة – ولبعض الإدراك أن لا عيب في طلب العون أمام مثل هذا الوباء. فالنظام في إيران أخطأ كثيراً وخلّف الهلع واللاثقة نحوه من قِبَل الناس. إذا اتخذ القرارات الصحيحة – وفي مقدمتها ادخال الإصلاح على المنطق والأداء – قد يحصل على ثقة شعبه ويعاونه كأولوية في زمن الوباء والفكر الديكتاتوري مكلفٌ ان كان عبر ايديولوجية في الصين أو في إيران. إنما إيران ليست الصين والأخطار عليها ضخمة ووجودية. فليت تتصدّر الحكمة القرارات المصيرية أينما كان – وأولها في هذا البلد العريق واسمه إيران.
لا أحد يمكنه التنبؤ بتوقيت انتهاء كورونا ولا حجم الدمار والخراب الذى يسببة كورونا للعالم كلة ومنهم امريكا بالطبع ..واذا استمر الحال على ما هو علية – أتمنى النهاية سريعا – ربما لن يكون هناك شئ اسمة انتخابات فى العالم كلة ومن بينها امريكا بالطبع ..أو سوف يتم تصعيد ترمب الى فترة رئاسية ثانية بدون انتخابات ..من يدرى ؟ – بعد كورونا سوف ينشغل الناس بمعيشتهم أولا وبالاقتصاد ثانيا ولا يعنيهم من يحكم ولا يعنيهم الديمقراطية من الديكتاتورية ..الكل سوف يخرج منكسرا حزينا وغير عابئ بمن حولة ..حزينا على خسارتة لبعض أهلة واصدقائة وحزينا على خسارتة المادية الخ الخ . ودائما بعد الأحزان يفقد المرء أى الكثير جدا من الرغبات وخاصة الدنيوية منها . بكل تأكيد لا أحد فى العالم كلة الان يهتم بمن يحكم أو من سيحكم أو من سيكون الرئيس القادم فى أى بلد فى العالم . الكل يحمل همومة وبداخلة الخوف والهلع ولا مجال للتفكير فى السياسة الان . عموما سوف يحكم التاريخ مسقبلا وبعد سنوات على أى رئيس سواء ترمب أو الصين أو روسيا لكن الان الكل مهموم . أعتقد أن الكل سوف يخرج خاسرا بعد كورونا ولا أحد يعرف حجم الخسارة الان وأتوقع خسارة فادحة للعالم كلة ولا أحد يعرف متى يتم التعافى منها …سوف يتم اعادة ترتيب بعد انتهاء كورونا وليس الان ..ملحوظة أخيرة أن أعداء ترمب كثيرون جدا ومنتقدية أكثر من أعدائة بسبب نجاحاتة ..دائما أعداء النجاح كثيرون . صراحة ترمب وعدم التلون بالسياسة هى أهم مميزاتة ولكن الكثيرون يستغلونها ضدة وهذا غباء منهم . ترمب يعتبر نوع جديد من السياسيين لم يحدث من قبل وبما من بعدة وهذا محل ترحيب من الناس ..
كورونا عبرة وحكمة وأنذار:-عيش الناس في دول العالم اليوم حالة ترقب وخوف من تمدد فيروس كورونا، وتقف حكومات العالم على قدميها لمتابعة هذا المرض وملاحقة آثاره، وتكتم أنفاسها من سرعة انتقاله بين الناس، ولا تدري ما الذي سيؤول إليه حال هذا المرض.إن هذا المرض هو من أعظم العِبَر في هذا العصر؛ كيف لفيروسٍ لا يُرى بالعين، ظهر فجأة من دون توقع أن يُحدِث كلَّ هذا الأثر؛ ففي غضون أيام يسيرة أغلقت الدول حدودها، وعطلت مصانعها، وعلقت مدارسها وجامعاتها، وأوقفت حركة السفر والسياحة، وخنقت مسارات الاقتصاد والتجارة، وأوقفت معها الأنشطة الاجتماعية والثقافية والترفيهية، واضطر أكثر الناس لملازمة بيوتهم لتجنيبهم عدوى هذا المرض، بل حتى الاجتماع للعبادات لم يعد متيسراً كما كان.هي عِبرة عظيمة على قدرة الله على خلقه، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو معنى غاب عن أكثر الناس في هذا العصر المادي الذي نسي فيه الإنسان ربه، وغرَّته نفسه، وظن بسبـــــــب ما فتـــــح الله عليه من علمٍ واكتشاف وتطور أنه قد أحاط بكل شيء، وما ثَمَّ ربٌّ يُخاف منه، ولا يحتاج إليه: {حَتَّى إذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} [يونس: 24].جاء مثل هـذا الواعظ الصامت ليزيد المؤمن إيماناً ويقيناً، وليكون ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وسيبقى فئام من الناس لا ينتفعون بشيء: {وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} [يونس: 97].ولنا مع هذا الحدث العظيم – الذي نسأل الله أن يكفينا شره، ويحمينا منه، ولا يرينا في أنفسنا ولا في مَن نحب ما نكره – وقفتان أساسيتان في التأكيد على معنيين شرعيين مركزيين في أي مصيبـة أو بلاء يتعرض له المسلم:
1-أن المؤمن مع كل مصيبة أو بلاء أو مرض يصيبـه خاصة أو يصيب الناس عامة يعلم أن ذلك بتقديرٍ من الله لحكمة يعلمها، فيلجأ إلى ربه، ويستغفر من ذنبه، ويدعوه رَغَباً ورَهَباً، وفي الوقت نفسه يبذل السبب الواجب عليه من علاجٍ، أو وقاية، ولا يجد المسلم إشكالاً في اعتقاده بقدرة الله وقضائه على أن يبذل السبب، وهو أمر من البدهيات المقررة عند عامة المسلمين، وما يزال أهل العلم قديماً وحديثاً يذكِّرون الناس بالأمرين جميعاً.ولهذا لا تكاد تجد أحداً من المسلمين يرفض العلاج أو الوقاية من المرض بسبب أن ذلك من تقدير الله وقضائه؛ وإنما يأتي التشغيب على أي حديث عن هذه المعاني الشرعية بدعوى الحرص على الأسباب الحسية الطبيعية من بعض الناس الذين يثقـل على قلوبهـم أي حديثٍ يذكِّر الناس بربهم ويعيدهم إلى دينهم.فالعناية ببـذل الأسباب لعلاج المرض، أو الوقاية من آثاره بالالتـزام بالوصايا الطبية هو مما يُحَث عليه المسلم لما فيه من تحقيق للمصلحة ودفعٍ للمفسدة.
2-وكما أنه لا منافاة بين بذل العلاج والوقاية وبين الإيمان بتقدير الله لها، فكذلك لا منافاة بين الحكمة الربانية من الأحداث الدنيوية، والأسباب الحسية لها؛ فما يقع في الدنيا من مصائب أو كوارث أو أمراض هو يجري وَفْق سنن الله في الحياة فله أسباب طبيعية، قد تُعلَم وقد تخفى، وهذا لا ينافي أن يكون لله في هذه الحوادث حِكَم، ولا منافاة بينهمـا، ودائمـاً ما يقـع اضطراب وخصومات بين الناس في أمـر هذه المصـائب هل هي واقعة بأسباب حسية أم بحكمة من الله؟وهذا غلط في التصور، لأن السبب الحسي يتعلق بشيء يختلف عن الحكمة الربانية؛ فالسبب الحسي يتعلق بكيفية وقوع هذا الشيء في الدنيا، فيبحث عن السبب الذي أثَّر فيه، وأما الحكمة فتتعلق بمراد الله من هذه الحوادث؛ فقـد تكون عقوبةً على قوم، أو ابتلاءً لهم، أو رفعةً في درجاتهم أو تكفيراً لسيئاتهم، أو غيرها من الحِكَم التي لا يمكن أن يحيط بها عقل الإنسان لأنها تتعلق بحكمة الله الواسعة، فالخلط يقع بين كثيرٍ من الناس في عدم تمييزهم بين هذين الأمرين.فحين يبتلى جماعة من الناس بمرض أو حرب أو مصيبة معيَّنة، فإن هذا له سبب معروف يمكن أن تنسب إليه، ونؤمن في الوقت نفسه أن له حكمة من الله، وإن كنا لا نجزم يقيناً بها، ومن حكمته في ذلك أن الذنوب والمعاصي تؤثِّر فيما يصيب الناس، كما قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا } [الروم: 41] وقال سبحانه: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ } [الشورى: 30].فهذه المصائب فرصة للتوبة إلى الله، والإقلاع عن المجاهرة بمعصيته، والانكباب على طاعته، وقراءة القران، والدعاء، والاستغفار، لأن الطاعة سبب شرعي للحفظ والصيانة، والمعصيةَ سببٌ للعقوبات والمصائب، وهو سبب شرعي لا ينافي السبب الحسي.ولا يُعترَض عليه بأن الكفار قد لا يصابون بشيء، بينما يصاب المؤمنون بذلك، وقد يصاب الاتقياء الأنقياء، لأن حكمة الله لا يحيط بها عقل الإنسان القاصر؛ فمن حكمة الله أن تؤثر الذنوب في المصائب، ومن حكمته أيضاً أن لا يعجل للكافر عقوبته في الدنيا، كما أنه قد يبتلى المؤمن في الدنيا، وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل؛ فالخلل هنا هو الفهم القاصر لحكمة الله العظيمة، فيظن أحد أننا إذا قلنا إن من حكمته أن تكون المصائب بسبب الذنوب أن هـذا يعني أن كلَّ مذنب فلا بد أن تقع عليه مصيبة بقدر معصيته، وهذا فهم قاصر وخاطئ.نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، وباسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب؛ أن يفرِّج عنا هذه الغمة، وأن يحفظ بلاد المسلمين جميعاً من هذا الوباء، ويكفيهم شره، ويلطف بهم، ويرحمهم، وأن يتفضل علينا فيجعلَ في ثنايا هذه المحنة العطايا والمنَح، وأن يجعل عاقبتها خيراً لنا في أمر ديننا ودنيانا.
هل بامكان كورونا تغير توجهات العالم؟ مثل سقوط جدار برلين وإفلاس بنك ليمان براذرز عام 2008 يصنع فايروس كورونا صدمة سياسية وإقتصادية عالمية ستسبب عواقب بعيدة المدى لتوقف حركة الأسواق والنقل وتأزم الوضع الصحي على المستوى العالمي، وهذا الأمر يسبب إرباكاً سياسياً كبيراً في النظام العالمي.وأولى نتائج فايروس كورونا هو تعزيز مفهوم الدولة القومية على حساب العولمة التي يحاول النظام الغربي تعزيز دورها في تنظيم علاقات الدول، فقد سرقت إيطالياً شحنة كحول طبية متجهة إلى تونس، وكذلك قامة صربيا بسرقة شحنة مساعدات طبية أرسلتها الصين إلى إيطاليا، ومنعت الكثير من الدول تصدير أي منتجات طبية، وأغلقت الحدود وأنكفأ عدد كبير من الدول على نفسه للنجاة من دائرة إنتشار الوباء.أظهر الوباء كذلك إنهيار النظام الصحي الأوروبي وعدم كفاءته على عكس ما تحاول الصين إظهاره عبر الكثير من الرسائل الإعلامية والدعائية التي ترسلها من خلال إرسال مساعدات طبية إلى البلدان المتضررة من الوباء وكذلك نشر معلومات عن عدم وجود إصابات جديدة بالفيروس التي تعد هي محضنه الرئيسي.اتسمت الإستجابة الغربية بالبطيئة وعدم الكفاءة حتى أن الإدارة الأمريكية تواصلت مع “إسرائيل” لإمدادها بالمعدات الطبية، وهذا لا يعني بالضرورة كفاءة القطاع الطبي في إسرائيل، فقد نفذ الموساد عملية مشبوهة للحصول على 100 الف جهاز اختبار للفيروس وتخطى عدد الإصابات حاجز الألف إصابة، لذلك فإن جودة العلامة التجارية الغربية تتجه إلى الإنهيار كلما زاد تغلغل الوباء.مايمكن التأكيد عليه هو إنكشاف عورة النظام الغربي الذي ترك مواطنيه عرضة لوباء قاتل دون تجهيزات صحية تستطيع التصدي له، وهذا الأمر ظهر واضحاً في إيطاليا واسبانيا وفرنسا وكذلك بريطانيا التي غلبت نظرية البقاء للأقوى على سياسة احتواء الوباء من البداية. فقد يعود الفضل لهذا الوباء بتوفير أموال ضخمة من الموازنة البريطانية في حال استهدف أكبر قدر من المتقاعدين وكبار السن الذين يكلفون برامج الرعاية الصحية والإجتماعية أموالاً طائلة دون دخولهم في عجلة الإنتاج!.قد يكون الفيروس التاجي القشة التي قصمت ظهر بعير العولمة الاقتصادية التي أنهكت العالم بنسبة عالية من الفوائد والنظام المصرفي السيء وكذلك أزمة الديون الأمريكية والحروب المتواصلة لتغذية خطوط إنتاج الشركات العملاقة، وما يمكن التأكيد عليه أيضاً هو أن محاولات الولايات المتحدة ضرب الصين لصالح فكرة العولمة الاقتصادية التي تقودها قد تسقط أمام الكارثة الاقتصادية التي ستضرب الغرب بسبب الفايروس. من الواضح أن الأزمة الحالية ستزيد من انعدام الثقة بين الأنظمة السياسية المختلفة فقد شاهدنا الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش وهو ينتقد الاتحاد الأوروبي الذي رفض إرسال مساعدات طبية لبلاده مقابل مد الصين ليد المساعدة بصورة عاجلة.أمام الولايات المتحدة تحدي كبير بعد إنتهاء الأزمة، فهي إما أن تختار تذوق طعم فشلها في التصدي للجائحة العالمية وتقديم نموذج عالمي للتصدي لها، أو التعاون مع الصين لوقف تدهور الأسواق العالمية لكن في ظل سياسات الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب المعادية للصين قد تكون العواقب وخيمة على الولايات المتحدة، فهي أمام كارثة إقتصادية في حال توسعت دائرة الأزمة مع تضخم الدين العام وتضرر الشركات بفعل البدائل الصينية.إن أخطر الأضرار المتوقعة والتي ستحدث آثار بعيدة المدى على الحالة الاقتصادية إنقطاع سلاسل التوريد العالمية وضعف حركة النقل التجاري لا سيما بعد أن بشرت إيطاليا ببدايتها بعد أن أعلنت وقف الإنتاج بإستثناء الإحتياجات الضرورية، وبالتالي لن يكون كورونا فقط مجرد وباء فيروسي يستهدف صحة ضعاف المناعة بل أيضاً سيولد فيروس إقتصادي سيهدد صحة الجميع. فقد توقعت الأمم المتحدة أن يفقد 25 مليون إنسان وظائفهم في جميع أنحاء العالم، وهذا الأمر سينعكس على الشركات التي لن تستطيع الصمود أمام حركة مبيعات شبه متوقفة. ستساهم الأزمة في تدهور العلاقات الصينية الأمريكية وتعمق الفجوة بين بلدان الاتحاد الأوروبي ولا يمكن أن نستبعد إفرازات أخطر مثل إنفصال دول جديدة عن الكتلة الأوروبية في ظل مرحلة قد تشهد صعود موجة جديدة من موجات الشعبوية على غرار ما حدث إثر أزمة اللاجئين في الأعوام القليلة الماضية.

About سلمان لطيف الياسري

أ.د. سلمان لطيف الياسري الشـهادات العلمـية بكالوريوس آداب .جامعة بغداد- 1968 ماجستير في العلوم السياسية الجامعة المستنصرية - 1971 دكتوراه في العلوم السياسية جامعة كولومبيا -امريكا 1975 أكاديمي ومحاضر تخصصي في : النظم السياسية المقارنة.المنظمات الدولية. المؤسسات السياسية و الإدارية. المجتمع الدولي. حقوق الإنسان. القانون الدستوري. الحريات العامة. الوظيفة العامة.. اهم البحوث والدراسات : 1/ المنظمات الدولية في ظل العولمة – تخصص علاقات دولية و استراتيجية. 2/ المؤسسات السياسية و الإدارية- تخصص سياسة مقارنة . 3/ العولمة و التنمية المستدامة و المنظمات الدولية. 4/ المنظمات الدولية في ظل العولمة. المقالات العلمية المنشورة: "صلاحيات السلطة التشريعية في الدول العربية" .التحول الديمقراطي في العراق بين النصوص الدستورية و الممارسة الميدانية" . "معوقات التحول الديمقراطي في الدول العربية" . "أهمية و دور المجتمع المدني في الحياة السياسية و الاجتماعية". دور السلطة التشريعية في البناء الديمقراطي "."الفساد الإداري" ."آليات الحماية الدولية لحقوق الإنسان و حرياته الأساسية"، المقررات الدراسية في دراسة الدكتوراه: نظرية العلاقات الدولية، تطور العلاقات الدولية، قضايا دولية معاصرة، إدارة الأزمات الدولية، الأزمات الدولية المعاصرة، إدارة الصراعات الدولية، نظرية السياسة الخارجية، السياسة الخارجية المقارنة، مناهج البحث في العلوم السياسية، نظرية الرأي العام والإعلام، دراسة مقدمة في العلوم السياسية، دراسات إستراتيجية، الوطن العربي في السياسة الدولية، أفريقيا في السياسة الدولية، تحليل المفاوضات الدولية، الثقافة والدين في العلاقات الدولية، النظام السياسي الأمريكي، السياسة الخارجية الأمريكية، السياسات الخارجية للدول العربية، العالم الإسلامي في السياسة الدولية، سياسات أوروبية وأمريكية، الإدارة العامة المقارنة، الجغرافيا السياسية، الجيوبولتيكس، التسويق السياسي، الاتصال السياسي، تاريخ الفكر الدبلوماسي، حقوق الإنسان
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.