(لسعات مباغتة)
شمسٌ أرهقها نهارٌ مُتعبٌ، عاتبتنا ثمّ رحلت لتنام خلف التلال التي تحتضن بحر المدينة. بحرٌ كتمَ الكثير من أسرار المُحبين. لاحظوا البحر معي، إنّه يسجل مشاهد الغرام في الشُرفة المطلّة على أمواجه التي أخذت تعكس ألوان الغروب على العاشقين في السهرة الأنيقة هنا.
كلّ شيءٍ كان في غاية التنسيق، وكذلك السيد الطقس المحترم الذي مرَّ مسالماً وهو يُودّع الضياء الأخير. غير أنّه ومن دون سابق إنذارٍ قرّر أن يلسعنا بنسماتٍ باردة يرسلها من السفح المقابل لتداعبنا وتغازل الأمواج التي راودَها النعاس بعد رحيل الشمس.
لم تعُد ثيابي الصيفية تحميني من تلك اللسعات، فاستعنت بكأسٍ من المُدامِ التركي، عسى أن يبعث في صدري شيئاً من دفءِ الروح، ذلك الدفءُ الذي سلَبَتهُ وحدتي المزمنة. الوحدةُ التي عانقتني دون غيري في هذه الشرفة.
النُدماء هنا لم يملّوا مِن السمَرِ ولا من قرعِ كؤوس الهَوى، وكذلك أنا، لم أمِلُّ من النضالِ لأحصل ولو على غرامٍ واحدٍ من الغَرامِ. الغرامُ الذي أراه يشتعل في الطاولة التي على يميني.
حينها، لم يكُن حوارهم يثير اهتمامي، حتى قررت إحداهُنّ بإزاحت الرداء عن كتفها المُمتليء بطريقةٍ مغرية في مشهدٍ يتحدّى النسمات الباردة.
نعم، هكذا أرادت تلك العاشقة أن تُلهبَ إحساس رفيقها الوسيم بعدما أحال الأخير جُلّ اهتمامه صوب صديقتها الشقراء التي تجلس أمامه. في تلك اللحظة، استجبتُ إلى مَسرحِهِم.
الشابُ مُنهمكٌ في الحديث مع تلك الميساء ولم يعُد يراعي مشاعر صاحبتنا المسكينة التي لم يكن أمامها غير التمادي في الإغراء. لقد خلعت الثوب عن كتفها الثاني رغم تعاقب لسعات البرد. لكن للأسف، رحلتْ مساعي رفع الستائر بلا جدوى. فالأخ، لا يُحيد النظر عن البركان المتلوّن الذي يتدفّق أمامه.
هكذا جرى الحال مع هذا الثلاثي دون تغيير. البنتُ تحاول الاشتراك في الحوار عبثاً، وهو يغرقُ في المغناطيس الأشقر.
نظرتُ إلى المسكينة التي أدركتْ في ذلك المساء بأنها وقعت في ورطةٍ بعد أن عَرّفت حبيبها على تلك المصيبة التي لم تتردد في لفِّ شرنقتها حول حبيب الأمسِ في ليلٍ خبّأ أسرار العاشقين في البحر.
لم أعلم كيف مضت بهم تلك السهرة بعد أن نادتني أجراس وحدتي. تركتهم يقرعون كؤوس الصهباءِ، عسى أن تُحدثني الأمواج عن مآلهم بعد هروب الليل.
حمدي تموز.
شاطىء أنطاليا.
خريف 2021.