كل حدث يترك أثره سلبا أو ايجابا في حياتنا، وخصوصا في مرحلة الطفولة

ابنتي تشتغل معالجة نفسية في أحد سجون الاحداث، وهو بدوره مركز علاج للأطفال الذين لديهم نزعة للاجرام. السجن تحت حماية عالية، وهي عادة لا تستطيع ان تتواصل معي شخصيا عن طريق الهاتف، نتبادل الرسائل عبر الموبايل…. والرسائل تصل إلى ساعة تلبسها في معصمها، وبذلك تستطيع أن تقرأها حتى ولو كانت ضمن اجتماع أو جلسة علاج.
…..
ارسلت لها اليوم رسالة أطلب فيها أن تتصل بي خلال وجبة الظهيرة، لأنني سآخذ رأيها بخصوص قضية ما. لم تكد الرسالة تصل، حتى اتصلت فرح… عرفت على الفور أنها ليست في الشغل، إذ لا تستطيع أن تتصل من تلفونها الخاص.
ـ أين أنت؟
وترد: ماما، لست بحاجة أن تعرفي!!
شعرت بالقلق: ماالأمر؟ أين أنت؟
ـ أنا في أحد المحلات التجارية أشتري هدية لطفل في صف بنجي، بعد أن طلبت اذنا بالتغيب عن الدوام ساعتين..
ـ عيد ميلاده؟؟
ـ لا ….لا…ياريت!
ازداد قلقي: ماالقضية؟
ـ البارحة بنجي وخلال الدوام، كان واقفا داخل الصف وبدون سابق انذار تقيأ كل مافي بطنه، خرج القيأ من فمه بشكل نافورة، ونزل على الطفل الذي يجلس على الكرسي بجانبه، فغسله من قمة رأسه حتى أخمص قدميه. تتابع فرح، باسلوبها النكتي المحبب: المشكلة ان الطفل هستر واصيب بنوبة هلع، ربمّا ظن أن إعصار اريما قد وصل من فلوريدا إلى كالفورينا، انتقلت الهستيريا بالعدوى منه إلى بنجي وراح الطفلان يصرخان وكأنهما وقعا ضحية عش للدبابير. المهم، اتصلت المعلمة بالادارة تطلب النجدة، فجاءت ممرضة المدرسة وقامت بتنظيف الطفلين وهدات من روعهما وطمأنتهما أن كل شيء سيكون على مايرام ، ثم اتصلت بي وبأم الطفل تشرح ماحدث طبعا، أم الطفل تقبلت الأمر برحابة صدر، وواقفت لاحقا على أن تزودني المدرسة برقم تلفونها, اتصلت بها واعتذرت!!
تتابع فرح: ماما، أشعر بالاسف الشديد على الطفل الآخر، ولا أريد أن يترك الحدث لديه أي شعور سلبي، وخصوصا تجاه بنجي,
اليوم بعد الدوام سنتوقف أنا وبنجي أمام بيت الطفل، كي يقدم بنجي لرفيقه هدية صغيرة عبارة عن قميص ولعبة، والأهم أن يضمه معتذرا!!
…..
فرح تحمل ماجستير في علم النفس، وتدرك حق الإدراك أن كل حدث يترك أثره سلبا أو ايجابا في حياتنا، وخصوصا في مرحلة الطفولة. ولأنها تدرك ذلك لا تريد أن يكبر طفل ليحمل شعورا سلبيا في قلبه يؤثر على سلوكياته لاحقا!
….
كنت أحبس ضحكتي وهي تشرح، بينما تنهمر دموعي على خديّ، وما أن أغلقت سماعة الهاتف حتى ارتويت دموعا، ولسان حالي يقول: بوركت يا حبيبتي، الآن اعرف حق المعرفة أنني منحت الكون روحا نقية، روحا لا تريد أن تسبب شعورا سلبيا لأحد، وإن سببت تعرف كيف تعتذر…. الآن عرفت حق المعرفة أنني لن أموت، بل سأستمر من خلال فرح، وستستمر فرح
من خلال بنجامين…. ستنتقل المحبة من روح إلى أخرى…. وهكذا يبقى الكون بخير رغم كل الشرور….
……..
يقول بنجامين فرانكلين:
If you would not be forgotten as soon as your dead, either write something worth reading or do something worth writing
(إذا أردت أن لا ينسوك الناس بعد موتك، افعل شيئا يستحق الكتابة عنه، أو اكتب شيئا يستحق القراءة)
كل ما أتمناه أن تكون فرح أجمل ما فعلتُ في حياتي كي تستحق أن أكتب عنها، وأتمنى كذلك أن أكون قد كتبت ما يستحق القراءة!

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

One Response to كل حدث يترك أثره سلبا أو ايجابا في حياتنا، وخصوصا في مرحلة الطفولة

  1. Salwa Sousou says:

    Dear Wafa
    you are the best woman on earth, you have a heart made of gold I love you very much and love to read and hear you on TV. God bless and keep up the good work

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.