كاتبه تافه وسطحي

سناء العاجي

كان يتحدث عن باحثة شابة. سأل شخص بين الحاضرين عن كتبها، فرد الأول: “تبدو لي سطحية ومغرورة. من الأفضل أن تقرأ لفلان وفلان”…

شيء ما في رده كان مثيرا للفضول، فدفعت محاولة الفهم لأبعد من تلك الجملة العابرة.

سؤال بعد الآخر، أدركت أن هذا الشخص لم يقرأ أي كتاب أو مقال للباحثة موضوع الحديث. بنى “حكمه” الحاسم على انطباع شخصي وعما يقوله الآخرون!

فاجأني الأمر من شخص قارئ متتبع يعتبر نفسه مثقفا… أفهم أن نقرأ لكاتب أو باحث وألا نعجب بكتاباته، أسلوبه، لغته، منهج البحث الذي يعتمد عليه، مواقفه… كما أفهم أن يعتمد أحكامَ القيمة أشخاص بسطاء لم تسمح ظروف تعليمهم وتأطيرهم باحترام الغير والاختلاف وبتقييم الأعمال وليس الأشخاص… لكني أجد صعوبة في البحث عن أعذار لشخص “مثقف” يعطي لنفسه الحق في الحكم على الغير دون اطلاع حقيقي.

أولا، يفترض أن الأعمال التي نقرأها تكون محط تقييم لذاتها: أن تعجبنا، أن تناسب ذائقتنا الفنية، أن تغنينا معرفيا، أن تفيدنا منهجيتها في البحث، إلخ…؛ لا أن تكون مطية نحكم من خلالها على الكاتب\الباحث نفسه! بل الأدهى هنا أن هناك من “يحكم” على الكاتب نفسه بالسطحية والغرور، ليس فقط لأن أعماله أعطته هذا الانطباع (فهو لم يقرأها أصلا)، بل من خلال انطباع فضفاض وعام عنه، حتى دون قراءة.

بكل أسف، هذا السلوك ليس استثنائيا… اليوم، أصبح من السهل إصدار الأحكام على الآخرين دون حرج، بل وإهانتهم، باسم حرية التعبير. إمكانيات التعبير التي تتيحها وسائل التواصل جعلت من السهل، بالنسبة لمعظم الناس، التواصل مع فنان يحبونه، كاتب يقرؤون له، صحافي يتابعونه على التلفزيون… وبدل أن تكون هذه الإمكانية فرصة لإغناء النقاش، أصبحت تعطي للبعض الانطباع بأن كل شيء من حقهم، بما في ذلك الأحكام المتسرعة!

الكتاب والباحثون ليسوا أشخاصا مقدسين فوق الانتقاد. من المؤكد أن من حق الجميع انتقاد إنتاجاتهم أو التعبير عن موقف سلبي منها. لكن هناك أبجديات نحتاج دائما للتذكير بها، لأن الكثيرين لم يستوعبوها بعد في علاقتهم بالآخرين:

يفترض أولا أن ننتقد العمل (فيلم، كتاب، قصيدة، بحث علمي…) لا أن ننتقد منتج العمل (والأدهى أن نُجرح فيه). عدم إعجابنا بعمل فني أو أدبي أو علمي معين لا يعطينا الحق في الحكم على الكاتب\ الفنان\ الباحث الذي قدمه وفي التجريح فيه كشخص.

كما يفترض ببساطة أن نطلع على العمل الذي ننتقده، سواء كان كتابا أو فيلما أو أغنية، قبل أن نتحدث عنه.

تبدو هذه الأمور بديهية، لكن الكثيرين لا يأخذون بها، للأسف، في تقييمهم للآخرين ولإنتاجاتهم الفكرية والفنية والأدبية، بمن فيهم بعض الأشخاص المحسوبين على الميدان الثقافي والفكري أنفسهم.

كيف يعقل أن يصنف المرء نفسه في خانة “المثقفين” وأن يعطي لنفسه الحق في الحكم على كتب لم يقرأها وعلى فاعلين في الميدان العلمي \ الإعلامي \ الفني لم يطالع أعمالهم أو تابع بعضها بشكل سطحي؟

This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.