قصة يأجوج و مأجوج (بالعبرية: גּוֹג וּמָגוֹג ، گوگ و ماگوگ)

قصة يأجوج و مأجوج (بالعبرية: גּוֹג וּמָגוֹג ، گوگ و ماگوگ)
د. سام مايكلز Dr. Sam Michaels
هما إسمين يظهران في الكتب الدينية اليهودية و‌ المسيحية و‌ الإسلامية، بالإضافة إلى أعمال أدبية لاحقة، كما في سفر التكوين، أو في أمور متعلقة بالأخرويات كما في سفر حزقيال و‌ رؤيا يوحنا و‌ في القرآن. كما تتصف هاتان التسميتان بالغموض فتارةً تأتي على هيئة أسماء لأشخاص أو شعوب، و تارةً أخرى كتسمية لمنطقة جغرافية. و قد ورد ذكر ” يأجوج و مأجوج ” في القرآن في (سورة الكهف، الآيات 93-99): {* حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَ مَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْمًا * آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَ مَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَ كَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا * وَ تَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا *} و هذه الآيات تبين لنا كيف كان يأجوج و مأجوج في قديم الزمان أهل فساد و شر و قوة و بأس لا يصدّهم شيء عن ظلم من حولهم لقوتهم و جبروتهم، حتى قدم الملك الصالح ذو القرنين، فاشتكى له أهل تلك البلاد ما يلقون من شرهم، و طلبوا منه أن يبني بينهم و بين ” يأجوج و مأجوج ” سدّاً يحميهم منهم، فأجابهم إلى طلبهم، و أقام ردماً منيعاً من قطع الحديد بين جبلين عظيمين، و أذاب النُّحاس عليه، حتى أصبح أشدّ تماسكاً، فحصرهم بذلك الرّدم تحت الارض و اندفع شرهم عن البلاد و العباد. و يرد في كتب الأحاديث النبوية أن خروجهم يكون في آخر الزمان قرب قيام الساعة. كما ورد ذكر “يأجوج و مأجوج” أيضاً في موضع آخر من القرآن يبين كثرتهم و سرعة خروجهم و ذلك في (سورة الأنبياء، الآية 96): {* حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ *} لكن هذه القصة أصلها نقش على مسلّة الملك الأكدي نارام سِن حفيد الملك ساركون أو صارغون/ صارجون الأول الأكدي، و نارام سِن هو ملك أكَد الذي حكم بين عامي 2,254 و 2,218 ق.م. و كان معنى إسمه (المحبوب من الإله سِن) أو (محبوب سين إله القمر) أي (“حبيب الله” بلغتنا الحالية)، و مسلّة الملك نارام سِن التي تُخلِّد إنتصاراته على المتمردين هي عمل نحتي نافر بارتفاع مترين (عمرها أكثر من 4,250 سنة و هي محفوظة اليوم بمتحف اللوفر في باريس)، تصور نارام سين برداء قصير و صدر عاري، مُعتمراً تاج الألوهية ذو القرنين (التي تدل بشكل واضح على إله القمر فهو محبوب سِن أو سين / حبيب الله)، و هو يهاجم مجموعات الـ لولوبي ، و يحمل بيُسراه قوساً و عصا، و يحمل بيمينه سهم. و قد كانت هذه المسلة منصوبة أساساً في (سيبار) كما يبين النص المحفور عليها، إلا أنه تم العثور عليها في إحدى حملات التنقيب عام 1,889 م في (سوسة) في جنوب العراق و يرد في النص المعزو للملك العيلامي (شوتروك ناهونته الثاني) و الذي حكم من عام 1,185 إلى 1,155 ق.م. حملته على البابليين و التي قام بها عام 1,158 ق.م. و يصف تدميره لسيبار و نقله لمسلة الملك نارم سن ليقدمها للإله (ينشو شيناك) كما أن النص الأصلي الأكادي مشوه و متضرر و أغلب الظن بفعل العيلاميين عندما انتزعوه و نقلوه بعد تدميرهم لسيبار. لكن ما هي حقيقة خرافة يأجــــــوج و مأجــــــوج؟


جميع العراقيين يسمعون ب(ينابيع القير) و مداخنها و التي تقع غرب (هيت) و هي مدينة عراقيّة كانت تلقب ب”وردة الرمال” تقع في غرب العراق و تبعد 180 كم عن بغداد، تحيطُ بها إثنتا عشرة 12 عيناً تسمّى العيون الطبيعية و القيريّة و المعدنية و الكبريتيّة و يقصدها الناس منذ القديم للإستشفاء من الأمراض الجلديّة و يستخرجون منها القار منذُ آلاف السنين الذي يستخدمونه في بناء المعابد و القصور و البيوت و السدود و السفن و الأواني المنزلية و في تبليط الطرقات. و تشتهر هيت ببساتينها و جنائنها المتكئة على الضفّة اليمنى للفرات و قلعتها و نواعيرها الأثريّة، و يلتقي عندها السدّ القادم من عانة مع السدّ القادم من بحيرة الحبانية، و هما سدّان من العهد السومري الأخير قبل عهد الملك صارغون أو سركون الأول. نجد في النقوش الآشوريّة المكورة في الرقيم الطيني الموجود في مكتبة أشور بانيبال في نينوى أن الملك الآشوري (توكولتي نينورتا) الذي حكم من 899 ل 884 ق. م. أنه قد أمضى الليل في هيت الواقعة بجوار سد الحجارة الذي يفصل آلهة ينابيع القار عن المدينة و أنّ الجنود سمعوا أصوات الآلهة تنبعث من حجر (الأشميتا). لكن في الحقيقة و كما بتنا نعلم اليوم لم تكن تلك الأصوات إلا أصوات الغاز المضغوط المنبعثة من المكان، و تتميز العين الكبريتية بحرارتها المُرتفعة جداً و هي تغلي دائماً بكمية هائلة من القار الذي يتطاير عالياً ثم ينفجر، و ما أن يرمي المرء عود الثقاب المشتعل فيها، حتى يرى شلالاً من النار لا يلبث و أن يخمد لتبقى محتويات هذه العين تغلي و تفور بعنف، و تتميز أرضها بالصخور الكلسيّة و الجصّية و حجارة الصوّان التي تحتوي على نسبة من الفولاذ و التي كان يصنع الناس منها المعاول و الفؤوس و المناجل و السكاكين. في رحلة الملك نارام سن حفيد الملك سرغون أو سركون الأول الأكادي لإخضاع الممالك المتمردة و التي جرت في القرن 24 قبل الميلاد وصل نارام غرب الفرات إلى مدينة هيت المعروفة بخيراتها الزراعية و أنعامها و جناتها، فشكى له أهل هيت مشكلة الفوهتين الكبيرتين اللتين ينبع منهما القير، و كانت إحداهما ذات مياه باردة بينما كانت الثانية مياهها ساخنة و مياه كلا النبعتين مالحة و مرة و تنبعث منهما أصوات الغاز المضغوط الخارج من تحت الارض و الذي يشبه صوت أقوام كثيرون يدبون تحت الأرض (جن و شياطين بتخيلات و تصورات الأقدمين) و كان قدماء سكان هيت قد قاموا بمحاولة بناء سد يفصل المياه التي تفيض من الفتحتين على أراضيهم الخصبة و تفسدها و تجعلها عقيمة بور غير صالحة للزراعة لاحتوائها على نسب عالية من المعادن و القار و الكبريت و الكلس و لكنهم فشلوا فقام نارام سن بحسن تدبيره ببناء ردم من حجارة الجص الأحمر الذي تشتهر بها مدينة هيت (وردة الرمال) ثم أفرغ عليه القار (القطران) بانياً بذلك ذلك السدّ و من ثم أمر بإضرام النار و إفراغ القطران فيه و هو القار النقي الذي ما يزال أهل هيت يستخدمونه في صناعة الأطباق و أواني شرب الماء من خوص أشجار النخيل التي يطلونها بالقار بعد تسخينه ليغدو أملساً مانعاً لأيّ تسرّب. فلم يكن يأجوج و ماجوج إذاً سوى أصوات الغاز المضغوط الذي يشبه أصوات أقوام كثيرة يدبون دبيبهم تحت الأرض!! و الزائر لمدينة هيت اليوم يلاحظ أن منطقة الينابع هي بالفعل منطقة بور عقيمة لا تنبت زرعاً كما سيجد الكثير من حجارة الجص المُنتشرة في المكان. و قد تلقّب الملك نارام سِن بالألقاب التالية: 1- ملك جهات العالم الأربع 2- إله أكاد 3- بعل عشتار 4- حبيب الرب أو حبيب الله. و قد كتب إسمه مع العلامة الدالة على الألوهية، حيث أنه في عصر سلالة أور الثالثة مُثل نرام سن كأحد الآلهة، كما كان عليه جده (شارو كينو أي سرجون بالجيم المصرية / صارغون / سركون)، فعلى مسلة نرام سن يظهر هذا الملك بتاج الآلهة (الهلال القمري رمز سِن أو سين/ إله القمر/ ئل أو إل أو إيل/ الله) ذو القرنين. و من هنا فإن “ذو القرنين” لقب النبي موسى التوراتي “ذو القرنين” و لقب الإسكندر المقدوني “ذو القرنين” مقتبسين في الحقيقة من شخصية هذا الملك الأكدي نرام سِن و ليس كما التبس هذا الأمر و لا يزال يلتبس و يختلط على الكثيرين من الباحثيين التاريخيين و الناس العاديين!!

This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.