في قريتي يكتب الوقت مذكراته على الحيطان بدماء العجائز، حيث القبور مفتوحة سلفا

الاديبة السورية سوزان محمد علي

كبار السن في كل مكان، يجرون كلابهم المدللة، يسبحون تحت أشعة الشمس، وفي المستشفى يتمددون بكسل وضجر، يطلبون القهوة عند العصر مع الحليب، ويصرخون في وجه الممرضة إن نسيت تغيير الفوط في الحمام، إن تأخرت في صباح الخير.
وكبار السن الذين في كل مكان ألماني، لديهم أرجل إصطناعية، واحتياطية، لديهم أظهر مستعارة، لديهم كل شيء حتى يصلون القبر بأمانة وإخلاص، ويقولون للرب بصوت واضح فاجر صريح: لماذا متنا قبل أواننا؟
يلتقطون الصور، ويستندون على عربات سوداء، لوجع الديسك وانقراص الفقرات والتهاب الوقت، الوقت الخائن المر.
وفي قريتي صهيل وقبعات قش تحترق، شجر الكستناء الدائخ قرب قبلة على النبع، وفي قريتي يكتب الوقت مذكراته على الحيطان بدماء العجائز، حيث القبور مفتوحة سلفا، والنظرات تشيعهم قبل أن يأخذهم قلبهم ولو بالمزاح.
كبار السن في قريتي غير مرئيين، ما نراه هو انكسارهم، خيبتنا أمام اعيننا دون أن نستطيع حتى السعال.


يجلسون في زاوية ما، يرقبون سقف البيت وهو يدلف المطر والبرد، يطلبون أمنية من الله، يفتشون بين شقوق الجدران في حنفية الماء في نخر الباب بين قضبان السرير، يفتشون بصبر وبشفاه قاحلة، عن مخرج آمن لأمنياتهم، عن معبر حدودي إلى الله، يعجزون، وينامون بعيون مفتوحة تحدق في السقف، في قشور الرطوبة الخضراء وهي تهذي وتسخر من كعوب أرجلهم الفقيرة.

This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.