يسلط فيلم “صمت القصور” إنتاج عام 1994 تأليف “مفيدة التلاتلي” و”نوري بو زيد” وإخراج “مفيدة التلاتلي” ،الضوء على ظلم واضطهاد المرأة أواخر أيام الانتداب الفرنسي لتونس، عبر قصة معبرة مترابطة الأركان ساحرة المشاهد رائعة الأداء وجميلة النص.
عليا البالغة “غالية لاكروا” المغنية الشهيرة في مطاعم العاصمة التونسية تقع في ورطة عندما لا يتقبل صديقها لطفي” سامي بو عجيلة” حملها منه بدون زواج ويطلب منها الإجهاض، وفي قمة ارتباكها تسمع نبأ وفاة سيد قصرها السابق سيدي علي “كمال الفازع” والذي ممكن أن يكون والدها الفيزيولوجي ،فتهرع إلى مكان طفولتها ومراهقتها تتذكر مآسي الماضي بغية تعلم درس يساعدها في أصعب أيامها.
تولد عليا الطفلة والمراهقة “هند صبري” من أم جارية وراقصة في قصر الباي هي خديجة “أمل الهذيلي” ومن اب مجهول من الممكن أن يكون السيدي علي الذي يرتبط بعلاقة حب مخفية مع خديجة، أو سي بشير “هشام رستم” أحد الأمراء الذي يغتصب والدتها مرارا دون أي وازع أو رادع.
يغلب الصمت – والذي هو تعبير عن الخوف والانصياع أمام التقاليد والأحكام – على كافة سكان القصر، فهو يمنع الخدم والأم من الجهر باسم الوالد الحقيقي ثم يدفع عليا لدفن موهبتها الفنية خوفا من استغلالها ويجبر خديجة على الإجهاض ذاتيا بعد حملها للمرة الثانية، ويمنع الباي من مداعبة عليا والتغزل بوالدتها، وأخيرا بعد اندلاع ثورة الاستقلال التونسية يسجن الحس الوطني لعماله البسطاء، ولا يكسر هذا الصمت إلا شدو عليا بأغنية وطنية في حفل زفاف أختها المحتملة، ممهدة لعصر جديد يبزغ من الأفق.
جمال الفيلم يكمن في عدم تحميل فترة الانتداب الفرنسي مسؤولية اضطهاد واستغلال الإنسان وحده، بل تمتد ثورة التحرر إلى ما بعد الاستقلال، ونجد عليا البالغة تستعد للاحتفاظ بطفلها ،والذي هو عبارة ثمرة ثورة تحررية تستهدف روح الإنسان قبل أرض الأوطان.
الفيلم أطلق الممثلة القديرة “هند صبري” سينمائيا وامتعتنا بأداء رائع بالإضافة إلى “أمل الهذيلي” التي تالقت وجعلتنا نحبها ونشفق عليها بأن واحد.
لا غرابة في أن “صمت القصور” علامة من علامات السينما التونسية والعربية، واحد أفضل أعمالها على الإطلاق.