الناقد السينمائي السوري اسامة حبيب
يقدم فيلم “سيد لمجهول” إنتاج عام 2019 تأليف وإخراج “علاء الدين الجم”، دراما مشوقة مليئة بالمواقف الطريفة عن الغيبيات وتحكمها بالمجتمع المغربي خاصة في المناطق البعيدة النائية التي يدور الفيلم في إحدى قراها.
أمين “يونس البواب” لص شاب يقوم بسرقة حقيبة مليئة بالنقود ودفنها على تلة بعيدة وسط الصحراء لا يميزها غير شجرة تنتصب عليها قبل أن تقوم الشرطة باعتقاله وزجه سنوات طوال في السجن، يحتملها بكل صبر وإيمان بانتظار خروجه بعدها لينعم بما سرقه ودفنه.
عند خروجه يفاجأ بتحول مكان الحقيبة المدفونة إلى مزار شعبي وضريح لولي مجهول الهوية، جعل سكان قرية مجاورة تهجر أراضيها القاحلة وتسكن حول المزار في تجمع جديد أملا في اكتساب خيرات الولي الروحية من شفاء للأمراض والمادية باستقبال الزوار من كل المناطق.
تتعدد شخصيات الفيلم التي لا رابط بينها سوى المزار العتيد، من طبيب شاب يدعى كمال “أنس الباز” يعين في القرية، يتحول عمله إلى ما يشبه التسلية في استضافة سكان القرية والترويح عنهم يوميا في ظل اصرارهم على الاستشفاء والتداوي من قبر سيد المجهول، يساعده ممرض عجوز “حسن بن بديده” وينضم إليه في السخرية من جهل وتخلف المحليين مع عجزهما عن تنوير عقولهم.
نشاهد أيضا الفلاح الكهل إبراهيم “محمد نعمان” الذي يدعو ابنه الشاب حسان “بوشعيب ايسماك” إلى الصمود في قريته وزراعة أرضه وعدم هجرها، ويمثل الولي الحقيقي الذي يجب التبرك منه، لكنه يقوم بصلاة استسقاء لطلب المطر أي يحارب الغيبيات بالغيبيات بدلا من حفر أرضه عميقا لمحاولة استخراج ماءها الباطني.
يحرس المزار ليلا راعي “عبد الغني كتاب” بمرافقة كلبه القوي وجد في المزار فرصة جيدة لكسب المال ويتغنى ببطولاته أمام القرويين البسطاء ،يقوم شريك أمين في السرقة الملقب بالدماغ “صلاح بن صلاح” بدهس كلبه بسيارته، لكن الكلب ينجو من الموت باعجوبة بعد فقد أسنانه، ويقوم الراعي بالتعاون مع الطبيب الشاب بزراعة أسنان ذهبية جديدة له في معجزة حقيقية نتاج العلم والمحبة، يقوم أهل القرية كالعادة بارجاع فضلها للسيد المجهول.
بفضل براعة المخرج “علاء الدين الجم” يصبح الصمت في الفيلم أبلغ من الكلام، وإدارة بالغة الجود للكادر التمثيلي، نشفق على أنفسنا وجوارنا قبل أبطال الفيلم من الغيبيات والموروثات الدينية التي قيدت فكرهم وشلت عقولهم، وجعلهم ينتظرون نعمة الله بدلا من خلقها بأيديهم.
