الناقد السينمائي السوري اسامة حبيب
يعد فيلم “ثرثرة فوق النيل” إنتاج عام 1971 تأليف “ممدوح الليثي” وإخراج” حسين كمال” عن رواية للاديب “نجيب محفوظ”، أحد الردود السينمائية على هزيمة حرب 1967، ودعوة للمجتمع من أجل التكاتف والتعاون للنهوض من آثار الهزيمة.
مجموعة من الأشخاص تجد في جرعة يومية من الحشيش طريقا للهروب من همومها ومشاكلها وذلك في عوامة على النيل يملكها أحد الممثلين المشهورين، وتم اختيار عوامة بسبب دلالتها الرمزية كونها تصل بين البر والبحر، تستقبل أشخاصا عالقين بين الحقيقة المرة والوهم الجميل.
اختيار زوار العوامة لم يأت اعتباطيا بل كلا منهم يمثل شخصية نمطية، بدءا بالبطل أنيس زكي “عماد حمدي” الموظف الحكومي والمناضل الوطني السابق الذي يمثل ضمير الوطن المخدر بالشعارات الفارغة، مرورا برجب القاضي “أحمد رمزي” الممثل الوسيم صاحب الأفلام التجارية ويمثل شباب الوطن المهمش، وسنية كامل “نعمت مختار” السيدة التي تنتقم من خيانة زوجها بالخيانة المماثلة وتمثل سيدات الوطن المحبطة، وعلي السيد “عادل أدهم” الصحفي الذي يبيع قلمه مقابل القرش، وليلى زيدان “سهير رمزي” المرأة العاملة التي تبيع جسدها مقابل سداد احتياجاتها، وخالد عزوز “صلاح نظمي” ويمثل الفساد الحكومي والإداري، ومصطفى راشد “أحمد توفيق” ويمثل الفساد القانوني والأخلاقي، وسناء “ميرفت أمين” الطالبة الجامعية وتمثل مستقبل مصر الضائع، انتهاء بسمارة بهجت” ماجدة الخطيب” وتمثل أمل الوطن وضميره الحي.
في العوامة نجد التفاعل بين الشخصيات وحاجتها للتكامل فيما بينها ورفضها المطلق لأي ضمير حي أو عقل متمرد يرفض الواقع ويسعى للارتقاء نحو الأفضل ،وصدامها المباشر مع المجتمع في حال أي اتصال معه ويتمثل بصدم الفلاحة البسيطة ورميها مضطرجة بدمائها في الشارع.
الحوار بسيط وشيق ويشد المشاهد بدون ملل، والأداء جيد بخلاف “عماد حمدي” الذي قدم دور عمره.
في النهاية أعتبر فيلم “ثرثرة فوق النيل” أحد كنوز مصر السينمائية واستغرب عدم ترشيحه لتمثيل مصر في مسابقة الأوسكار في حين تم ترشيح أفلام أدنى مستوى منه، ومتابعته شيقة في كل زمان.
