
الناقد السينمائي السوري اسامة حبيب
يتابع فيلم “باب الشمس – العودة” إنتاج عام 2004 قصة “الياس الخوري” سيناريو وحوار “محمد سويد” و”يسري نصر الله” وإخراج “يسري نصر الله” ،ما بدأه الجزء الأول من سرد الأحداث التي تعاقبت على أجيال المقاومة الفلسطينية التي هجرت من وطنها بعد حرب 1948، الممثلة بالجيل الأول يونس “عروة النيربية “والجيل الثاني خليل “باسل خياط “.
فبعد أن روى الطبيب خليل قصة أبيه الروحي يونس في الجزء الأول وقد اختاره قدوة ومثلا أعلى بعد أن تخلى عنه والده واختارت والدته اللجوء إلى أوروبا، يروي في الجزء الثاني قصته الشخصية بدءا من مولده في الأردن في مخيم اللاجئين ثم انتقاله إلى لبنان بعد أحداث أيلول الأسود وشهادته اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية والتي كان الوجود الفلسطيني من أسبابها المباشرة إلى الاجتياح الإسرائيلي لبيروت وخروج المقاومة الفلسطينية إلى تونس واليمن لكن بدونه، إذ أنه اختار البقاء في مخيم شاتيلا رغم إصابته المزمنة بظهره بعد أن أصبح بالنسبة إليه اللجوء قدرا ومخيم اللجوء منزلا اعتاد سكنه.
اختار المخرج بدقة رموز مرحلة ما بعد اتفاقية أوسلو وإلقاء منظمة التحرير للسلاح وبدء مرحلة الحكم الذاتي، فنرى
يونس رمز المقاومة الأصيلة راقدا في غيبوبة، وخليل ممثل الجيل الثاني أسير قصة حب وهمية مكسور الإرادة مجهول المستقبل، أما سليم “ماهر عصام” فنراه اعتاد التكلم باللهجة المصرية واحترف تغيير شكله من أجل كسب قوت يومه في مؤشر واضح على تفضيل الفلسطيني لضروريات العيش على حساب هويته ومبادئه، أما القائد السياسي فيبدو يبيع الشعارات الفارغة والمستهلكة، وأخيرا الأسير المحرر عدنان “أحمد الأحمد” الذي سلب منه السجن عقله وأصبح يتعرض للسخرية والاستهزاء بدل المجد والاعتزاز.
يتحدث الفيلم بصراحة وبدون مواربة عن أخطاء المقاومة الفلسطينية والتي أدت بها إلى مصير الرقود والتراخي، بدءا من دورها في اندلاع الحرب اللبنانية، مرورا بانغماسها في لوثة دينية جعلتها تحارب حتى حلفاءها مثل الشيوعي جورج “أنطوان بلابان” ،إلى تحولها إلى مرتزقة تبدل انتماءها يوميا من طرف لآخر نتيجة لتغير الظروف.
في النهاية نجد شبح الزوجة المقاومة “دارينا الجندي” يزور خليل ويسلمه رسالة الحب التي هي بمثابة راية المقاومة، والصلة بين الوطن والإنسان والتي لا تنقطع رغم الغربة والاهوال التي تعرض لها طويلا، ويخبره بأن مكانه سيبقى مقدسا ونظيفا من أي محاولات لطمسها.
الفيلم لا يتكلم عن عودة مادية لمهجر أو مغترب، ولكن عودة روحية تجمع شمل القلوب المفترقة، وتخرج اللاجئ من غربته ليجد وطنا جديدا واقرباء جددا في كل خطوة يخطيها بمحبة وسلام.