يشبّه البعض السلطة الفلسطينية بالحكومات العربية وحكم الفرد فيها.. وهذا غير دقيق..
لم تقف حركة التحرر الوطني الفلسطيني على ثبات أرض قبل أوسلو، وكان ذلك نقطة ضعفها؛ فكان لها رأس لكن بلا أقدام، وعندما وقفت بأقدامها على أرضها بعد أوسلو كانت قد فقدت الرأس والمقصود بالرأس السيادة..
لم تكن حكومة طبيعية ينام رئيسها في بيته ويذهب في الصباح لمكتبه ويتصل بالمسؤولين في الداخل ويتواصل مع المنظمات والدول في الخارج فيطبق سياسته ولديه جيش وقوات أمن منضبطة وميزانية مستقرة؛ فيدعم بكل ذلك قراره ويحافظ على سيادته..
كل ذلك ليس متوفرا لدى حركة التحرر الوطني الفلسطيني سابقاً والسلطة الفلسطينية حالياً..
وبعودة حركة طالبان للحكم في أفغانستان قابل كثيرون بين التجربة هناك وتجربة الاحتلال في فلسطين وأن طالبان طردت المحتل الأمريكي وعلى الفلسطيني طرد المحتل الاسرائيلي.. وهذه أقل ما يقال إنها سذاجة في المقارنة..
وأيضاً فلسطين ليست أفغانستان..
أما الواقع الأفغاني فهو صراع اجتماعي سياسي بين مجموعتين أو أكثر ولتلك المجموعات كامل الحرية في الحركة فوق التضاريس القاسية هناك والسفر للخارج والتواصل مع دول مجاورة وغير مجاورة؛ كما أن لكل مجموعة حاضنتها الاجتماعية التي تسهل عليها العيش اليومي، والصراع هناك على الحكم وليس غيره..
وما الوجود الأمريكي إلا لهدف محدد هو معاونة الأفغان على إقامة دولة حديثة، ولسنا هنا لتقييم ذلك، والمعروف أن المشروع الأمريكي في بلاد الأفغان فشل فشلاً ذريعاً لا يختلف عليه اثنان..
أما في فلسطين فهو احتلال بغيض ثقيل وليس كمثله احتلال في هذا الزمن؛ فاليهودي المهاجر أخرج الفلسطيني من بيته وسكنه ومن مزرعته واستزرعها، ودفع الفلسطيني للخروج من فلسطين فأصبح لاجيء وأقام دولة الاحتلال على أنقاض الاستعمار الانجليزي، وطالب العالم بالاعتراف به كعضو في المنظمة الدولية ونال ذلك..
لو أراد مواطن فلسطيني اليوم الدخول للضفة الغربية من الأردن فأمامه الكثير من الشروط والمتطلبات، ونسبة محدودة منهم تتمكن من الدخول ..
أما الأفغاني الطالباني فيسرح ويمرح في بلاده، ولم يخرجه الأمريكي من بيته ومزرعته ليثب مكانه؛ بل على العكس يضع الأمريكان أنفسهم في عُزل من المعسكرات بعيداً عن أعين الشعب الأفغاني..
وفي النهاية رغب الأمريكي الخروج سواء من تلقاء نفسه أو بسبب المعارك مع طالبان؛ المهم أن الأمريكي لم يأتِ ليبقى كما الإسرائيلي بل ليرحل بعد مدة؛ مع التذكير أن تنظيم القاعدة المقيم بقيادته وكوادره منذ زمن في أفغانستان وإلى اليوم على ما يبدو؛ المدمر برجي التجارة في نيويورك وجزء من البنتاجون، والمستخدم لطائرات مدنية لذلك التدمير العجيب ولإرهاب الشعب الأمريكي خلف المحيط هو من دفع الأمريكان للقدوم للأرض الأفغانية لتعقب من هاجموا أرضهم ومن احتضنهم.
لطفاً بمحمود عباس.. والذي كأنه يقول لكم: الجود من الموجود .. كما يقول لمن يطالبه بترك الأرض المحتلة: أخشى أن تترحموا على أيامي كما ترحمتم على أيام ياسر عرفات، ونعود لعهدنا السابق بلا أقدام وبلا رأس أيضاً هذه المرة..
يوسف الشاعل