فضفضات خريفية ………

الخريف … هذا الموسم الملون الجميل الحزين .
******************************
منذُ صغري علمتُ وأحسستُ دائماً بأني إنسان مُختلف تماماً حين يحل فصل الخريف. كنتُ في طفولتي وحين أعود من المدرسة في بداية االخريف أنام كثيراً وأخلد للصمت المُطبق … وكانت أُمي تسألني بقلقٍ يُغلفه الحنان :
– هل أنت بخير يا ولدي !؟.
كنتُ احدق في عينيها وأنا لا أملك الجواب، وتنحدر من عيني دمعة يتيمة لا أعرف سببها !، كنتُ أشعر أن هناك حزناً غامضاً شفيفاً كغبش صباحات الخريف يتلبسني وكأنني مسكونٌ به !.
خلال الإسبوع الماضي إتصل بي بعض من إفتقدني من الأصدقاء والصديقات الفيسبوكيين يسألوني عن سبب غيابي عن النشر وقلة تعليقاتي !، وعزوتُ أسباب ذلك لكون الفيسبوك لم يعد متألقاً لدرجة أن يستهويني كالسابق، كذلك لسبب موت كلبتي الصغيرة الوفية الوديعة الجميلة (جنجر) والتي لم أستفق من صدمة رحيلها لحد الآن !، لكني لم أقل لهم أن السبب الرئيسي هو أن الخريف دائماً يُغيرني ويجعلني الوذ بالصمت وأطلب التوحد والإنعزال .
هل أحب الخريف !؟. نعم … لا بل أعشقه، لإنه يثير في داخلي كل انواع الأحاسيس والمشاعر الإنسانية الحزينة، وبرأيي … ليس هناك شيء أجمل من الحزن لصقل كينونة ووجود وشخصية أي أنسان .
أحببتُ فصل الخريف لدرجة أنه دائماً كانت تثيرني وتعجبني وتستفز أذواقي وجوه النساء التي تحمل صمت وحزن وشحوب الخريف، ومنها وجه فيروز الذي يحمل جمالاً خريفياً وخرافياً برأيي .
ورغم إني ولدتُ في بداية فصل الربيع (أبريل \ نيسان) إلا أنني كنتُ دائماً خريفيَ الطِباع والمزاج والأخلاق، ملولاً مزاجياً نزِقاً لا يُرضيني أي شيء حين تبدو كل الأشياء موسمية قصيرة وخريفية !.
وحتى رغم أنني بشوشٌ كمُهرج، ومُضحك وكوميدي حين أكون مع الناس، إلا أن هناك جبالاً من الحزن الصامت في دواخلي حين اكون لوحدي أو حتى حين أكون في أكبرعرسٍ في المدينة !.
**************

تقول الكاتبة أحلام مُستغانمي :
في كل الفصول ما إنتظرتُ سوى الخريف .
الخريف يشبهنا، يُريحنا من زيف البهجة، يخلع عنا اوراق الماضي الصفراء، ويَعِدُنا بأوراقٍ خضراء تُجدد شهيتنا للحياة. فنسعدُ حتى رغم عِلمنا أنها ستصفَرُ أيضاً وتتساقط ذات يوم .
ويقول نِزار قباني في قصيدته ( تناقضات ن.ق الرائعة ) :
وما بين فصل الخريفِ وفصل الشتاء ْ
هنالك فصل ٌ أُسميه فصل البكاء ْ
تكون فيهِ النفس أقربَ من أي وقتٍ مضى للسماء ْ .
أما الكاتبة والروائية السعودية أثير عبد الله فتقول :
في الخريف تسكتُ أجراسُ البحر، وتقرعُ أجراسُ الدم
وفي الخريفِ تذبلُ الحمامة
وفي الخريف يتحول القلبُ إلى تفاحةٍ ناضجة
وفي الخريفٍ تنكسر الذاكرة فيسيل الخمرُ من النسيان .
**************
أكادُ أسمع أنين الأشجار في حديقتي وهمس الأوراق الصفراء والبرتقالية والحمراء المجندلة فوق حشائش الأرض .. والتي تغار منها حتى الوان قوس قزح، اسمعها وهي تبكي رحيل الطيور التي هجرت أعشاشها بعد أن كبرت فِراخها ورحلت نحو خط الإستواء الدافيء . فينزف قلبي.
في الربيع القادم ستعود كل الطيور المهاجرة، وستُعشِبُ كل الأراضي، وسنسمعُ حفيف أوراق الأشجار الخضراء، وسيعود الفرح والألق والسعادة. فقط سنوات أعمارنا الكثيرات الضائعات لن تعود، لإنها تسربت عبر ثقوبِ قلوبنا الحزينة … ولإن بعضنا في خريف العمر الذي بدأ يُعربد في دواخلنا ويتذمر ويهرب بلا جدوى من النهاية الحتمية .
يا ترى كم موسم خريفي تبقى لنا ؟ ……………….. ! .
طلعت ميشو … Oct – 16 – 2020

This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.