سياف الزهور – الواشي

رغم التصحّر الذي يغزو العالم

نبتا فجأة في المقهى

كغصنين موفدين من أعرق وأجمل ربيع في التاريخ

***

جلسا على طاولة واحدة

وشربا من كأس واحدة

وسمعا أغنية واحدة

وزفرا زفرة طويلة واحدة

***

يدخلان سوية، ويخرجان سوية

يضحكان سوية، ويبكيان سوية

حتى دموعهما كانت بحجم بعضهما

كالثمار في المزارع التعاونية

***

صفّقا للنادل، وطلبا نهراً في إبريق

وغابة في صحن

وتبغاً وسعالاً لأسبوع

ومسطرة وأقلاماً لرسم ملامح المستقبل

على خشب المائدة ومحارم التنظيف

***

وعندما كان الخادم يتلكأ في طلباتهما

أو يأكل أحد الزبائن بشراهة وصوت مسموع

كانا يجذبانه من ياقته أو مريلته ويصرخان:

التزموا آداب المائدة أيها المتوحشون

واحترموا ما يقدم لكم بكل خشوع ومهابة

فهذا الخبز كان سنابل

وهذا الملح كان في أعماق البحر

وهذه الملعقة المتواضعة، التي حطّ بها الزمان أمامكم

ربما كانت الحفيد ة الأخيرة لمقصلة دانتون

أو مطرقة لينين

***

وصفقا الباب وراءهما صفقة دوّت معهما كل مطاعم الشرق

بأطباقها وملاعقها

وممالحها وخدمها وزبائنها.

وفي اليوم التالي

عاد أحدهما مستعجلاً تحت المطر

أما الثاني

فكان يسبح بدمه في أحد أقبية التعذيب

لقد تذكرت :

كان أحدهما يتحدث أكثر من اللازم

وكان الثاني يصغي أكثر من اللازم.

‎محمد الماغوط (مفكر حر )؟

About محمد الماغوط

محمد أحمد عيسى الماغوط (1934- 3 أبريل 2006) شاعر وأديب سوري، ولد في سلمية بمحافظة حماة عام 1934. تلقى تعليمه في سلمية ودمشق وكان فقره سبباً في تركه المدرسة في سن مبكرة، كانت سلمية ودمشق وبيروت المحطات الأساسية في حياة الماغوط وإبداعه، وعمل في الصحافة حيث كان من المؤسسين لجريدة تشرين كما عمل الماغوط رئيساً لتحرير مجلة الشرطة، احترف الفن السياسي وألف العديد من المسرحيات الناقدة التي لعبت دوراً كبيراً في تطوير المسرح السياسي في الوطن العربي، كما كتب الرواية والشعر وامتاز في القصيدة النثرية وله دواوين عديدة. توفي في دمشق في 3 أبريل 2006.
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.