سوريا ليست قطعة من الجبن!

راجح الخوري:  النهار اللبنانية

كل الطرق المتصلة بالازمة السورية ستقود الآن الى موسكو بعدما رسا “الالتزام” عليها لأن الاهتمام الاميركي يتجه الى جنوب شرق آسيا لترسيخ مواقع ضرورية لمواجهة التسونامي الاقتصادي الصيني، وهكذا ستبدو العاصمة الروسية وكأنها مربط خيل العرب والسوريين!

اقول هذا ليس لأن “المنتدى الروسي – العربي” عاود اجتماعاته بعد توقف سبّبه دعم الكرملين للاسد، ولا لأن موسكو التي ودّعت العاهل الاردني ستستقبل وليد المعلم الاثنين ومعاذ الخطيب من بعده ثم مسعود البارزاني، بل لأن شعار باراك اوباما الذي كان في العامين الماضيين “دعوا الروس يشنقون انفسهم بحبال الاسد” ربما صار الآن “دعوا الروس يحترقون بالنار السورية”!

إذاً على الرفيق سيرغي لافروف ان يضع اللغة الخشبية جانباً ليتحدث كوسيط لا كفريق منحاز الى اعمال القتل التي يمارسها النظام منذ عامين. ولكن أوَليس على موسكو ان توقف شحن السلاح الى الاسد قبل ان يقول لافروف “لا يمكن اياً من الطرفين الرهان على الحل العسكري، وان استمرار النزاع طريق مدمر وقد آن الاوان لوقفه”؟

عملياً لا يمكن لافروف التحرك كوسيط على طريقة محمد مرسي، الذي خصص مقعداً للايرانيين في الحل جعل السعوديين والقطريين يستنكفون، فموسكو تراهن حتماً على دور لطهران في حين يبرز غياب الرياض والدوحة عن المنتدى والحل العتيد. عملياً ايضاً ليس كافياً ايحاء لافروف للعرب انه بدأ يرى بالعينين عندما يحمّل الاسد مسؤولية افشال مساعي كوفي انان والاخضر الابرهيمي [الذي سال لعابه الآن فقرر تمديد مهمته “المستحيلة” ستة اشهر] فيقول: “مهم ان يلقى استعداد المعارضة للحوار تأكيداً من الحكومة على استعدادها ايضاً للحوار، والآن حان وقت تأكيد الاقوال بالافعال”!

ولماذا “الآن” بعدما عملت موسكو منذ عامين على افشال كل الحلول فأقفلت مجلس الامن بـ”الفيتو” وراهنت على الحل العسكري، هل لأن اميركا قررت ان تتراجع الى الظل مرحلياً لتضع “كرة النار” في ايدي الروس، بعدما باتت ترى ان المنطقة كلها ذاهبة الى الاهتراء والصراعات المذهبية، فما المانع من ترك قياصرة الكرملين الجدد يحرقون اصابعهم في الشرق الاوسط والخليج؟!

عندما يتحدث لافروف عن تفاؤله المستجد باستعداد النظام والمعارضة للحوار فانه يراهن على: 1- الضوء الاخضر الاميركي الذي حصلت عليه موسكو شرط ضرب جبهة “النصرة”. 2 – انهاك المعارضة بعدم تسليحها وبتكثيف القصف الجوي. 3 – قدرة موسكو على فرض الحل على الاسد… ولكن كيف يمكن ادارة حوار ناجح فوق كومة من 70 الف قتيل، وفي حضور شريك مضارب هو ايران يريد حصته من الجبنة السورية، وفي غياب الشركاء الاصليين وهم العرب والخليجيون الذين يرفضون تحويل سوريا وثورتها مجرد قطعة من الجبن؟!

About راجح الخوري

كاتب صحفي لبناني: جريدة النهار
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.